(فتاة القطيف) تفتح ملف الإصلاح
مملكـة العـار
فريد أيهم
كان يمكن للقضية أن تحسم بصورة قانونية وعادلة، بعد
أن تبيّنت معالم الجريمة، لكن قرار مجلس القضاء الأعلى،
وهو أعلى سلطة قضائية في السعودية قد فجّر غضباً محلياً
ودولياً بقراره مضاعفة الحكم على الفتاة المجني عليها
وإخراج محاميها عبد الرحمن اللاحم من قاعة المحكمة، وإقامة
دعوى تأديبية ضده بحجة اللدد في الخصومة، وزاده، أي مجلس
القضاء الأعلى، غيضاً ظهوره الإعلامي المتكرر للتعبير
عن وجهة نظره القضائية في الأحكام الصادرة في القضية ما
اعتبره القضاة نوعاً من الترويج الإعلامي، الأمر الذي
استهجنه المحامي اللاحم وقال كيف (يكون التصريح للصحف
هو دعاية وهو لم يذهب لوسائل الإعلام ولم يدفع ريالاً
واحداً لنشر خبر حتى يتم تضخيم الأمر واعتباره ترويجاً
ومصادرة الترخيص بهذه الطريقة المخالفة للنظام).
يذكر أن الحكم الذي صدر في 1 نوفمبر 2006، من ثلاثة
قضاة في القطيف، بحق الجناة المقبوض عليهم عاقب المجني
عليها بـ 90 جلدة، ثم بعد تحويل القضية الى مجلس القضاء
الأعلى جاء الحكم الصادر في بداية نوفمبر الماضي مضاعفاً
حيث بلغ 200 جلدة مع السجن لمدة ستة شهور.
الغريب أن (المحكمة الشرعية) برّرت تشديد العقوبة بأن
الفتاة حاولت التأثير على القضاء عبر وسائل الإعلام. بل
أن المحكمة حذّرت زوج المرأة، كما قال في مقابلة مع صحيفة
(أراب نيوز) باللغة الانجليزية، بأن محكمة الإستئناف قد
تشدّد العقوبة في حال خسارتهم دعوى الإستئناف. ومضت (المحكمة
الشرعية) في مسلسل غيّها وأحكامها الظالمة بإقدامها على
إلغاء ترخيص مزاولة مهنة المحاماة لمحامي الدفاع عبد الرحمن
اللاحم ومنعته من الترافع عن المرأة. وكان مقرراً أن يحضر
اللاحم أمام لجنة تأديبية تابعة لوزراة العدل السعودية
في شهر ديسمبر الحالي، إلا أن الجلسة ألغيت لأجل غير مسمى.
روجر هاردي، محلل بي بي سي لشؤون الشرق الأوسط، وصف
ردة الفعل السعودية بأنها تعكس حساسية السعودية ضد تناول
وسائل الإعلام لقضية الفتاة ومحامي الدفاع عنها.
نشير الى أن أحكام العقوبة الصادرة عن مجلس القضاء
الأعلى جاء بعد برهة من إعلان الإصلاحات القضائية، والتي
تلمح، أي الأحكام، الى طبيعة ومخرجات إصلاحات كهذه، شأن
إصلاحات أخرى شكلية، مثل إنتخاب نصف أعضاء المجالس البلدية.
الحكم الصادر عن المحكمة الشرعية في القطيف والذي تم
تعديله من قبل مجلس القضاء الأعلى لم يكن ظالماً فحسب،
بل كشف عن هيمنة المتشدّدين على السلطة القضائية، والذين
رفضوا مجرد طلب الإستئناف من قبل الضحية ورفضوا الإمتثال
لحقوقها المشروعة في الحصول على محامٍ للدفاع عنها.
لقد مرّت الأحكام الجزائية خلال السنة الماضية دون
ردود فعل دولية، إلا أن تشديد العقوبة من قبل مجلس القضاء
الأعلى قد أثار غضب المجني عليها وذويها ومحاميها، وانتقلت
ردود الفعل الى العالم الخارجي، حيث بدأت قيادات سياسية
في الغرب ومنظمات حقوقية عالمية تعبّر عن اشمئزازها من
سلوك القضاء السعودي الذي يزعم بأنها يخضع للإصلاحات.
ولكن انعدام الإستنكار من قبل المجتمع الدولي الذي طالما
شهر سلاح حقوق الإنسان ضد دول مثل كوبا، وزمبابوي، وكوريا
الشمالية، والسودان، وإيران، وميانمار وغاب في هذه القضية
يعود الى تطابق المصالح بين العائلة المالكة والحكومات
الغربية. فصفقات التسلّح بأسعار خيالية بين السعودية وبريطانيا،
على سبيل المثال، أفضى الى تعطيل التحقيق في الفساد والرشى
التي بلغت ملياري دولار حصدها الأمير بن سلطان لحسابه
الخاص، في صفقة اليمامة. تماماً كما أن مشروع الدمقراطة
في الشرق الأوسط قد تعطلت إطاراته قبل أن يصل الى حدود
الشرق، فقد تم سحب المشروع من التداول بسبب تنامي الروابط
الإقتصادية والسياسية بين السعوديين والغرب.
إن العلاقة الجدلية بين المصالح والقيمة أفضت إلى نجاح
السعودية في وضع حد للقيم الليبرالية. فإدارة الرئيس بوش،
شأن حكومات غربية أخرى، تعتمد على دور للسعوديين في تقديم
الدعم الكامل لعملية السلام ويتطلب هذا من الغرب إدارة
ظهره وإغماض عينه عن إنتهاكات صارخة لحقوق الإنسان وإصرار
عنيد على رفض خيار الإصلاح السياسي من أجل تسوية مشكلات
الدولة. ولكن هو الوعد الكاذب الذي قطعته إدارة بوش على
نفسها في تشجيع الديمقراطية في الشرق الأوسط. فالغرب يدعم
بموقفه المتجاهل أو اللامبالي الفساد، والظلم، والديكتاتورية
لنظام كان يعتبر في يوم ما بؤرة الشر.
لم تكن، إذاً، قضية فتاة وقع عليها ظلم قضاة ينتمون
الى مؤسسة عرفت بفسادها وخضوعها تحت سلطة الأمراء الكبار،
الذي يصدرون أحكاماً حسب الطلب، في مقابل المال الحرام،
ولكنها قضية نظام فاسد، ومستبد، ودموي.
القضية فتحت ملف الإصلاحات على أفق واسع، وفرضت نفسها
على المجتمع الدولي، حتى بات السؤال حول الأحكام القضائية
ضد الفتاة ومحاميها حاضراً في كل المحافل الدولية، وكسبت
تعاطفاً من قبل المنظمات الحقوقية وقادة ورؤساء دول عدة
في العالم.
فقد وصفت المرشّحة الديمقراطية للرئاسة الأميركية هيلاري
كلينتون في 22 نوفمبر الماضي الحكم الصادر عن مجلس القضاء
الأعلى بأنه (مثير للإشمئزاز) وطالبت الرئيس بوش بالضغط
على الملك عبد الله لإلغاء الحكم.
هيلاري كلينتون قالت بأن (إدارة بوش رفضت إدانة الحكم
الصادر على الفتاة وقالت إنها لا تتدخل في شأن سعودي داخلي)،
وتعهّدت بأن تكون حقوق الإنسان على رأس أولوياتها في حال
وصولها الى البيت البيضاوي.
باراك أوباما، المرشح الديمقراطي في الانتخابات الرئاسية
الأميركية أرسل خطاباً الى وزيرة الخارجية الأميركية كونداليزا
رايس مطالباً إياهاً بإدانة الحكم. المرشح الآخر جون إدواردز
انتقد موقف الرئيس بوش من الحكم وقال (أشعر بالغضب بسبب
موقف الرئيس بوش الذي رفض إدانة هذا الحكم)، فيما دعا
المرشح الآخر للحزب الديمقراطي ورئيس لجنة العلاقات الخارجية
في مجلس الشيوخ جوزيف بادين الملك عبد الله إلى إلغاء
هذا الحكم.
إدارة الرئيس بوش وقعت تحت ضغط داخلي ودولي كونها الحليف
الإستراتيجي للحكومة السعودية، ما اضطر الناطق بإسم وزارة
الخارجية الامريكية لإبداء بعض التشدد في موقفه من الحكم
القضائي السعودي، حيث عبر عن شعوره بالدهشة ازاء هذا الحكم
لكنه رفض مطالبة السعودية بتغيير حكم المحكمة.
الرئيس بوش بدا متلعثماً في الإجابة عن سؤال من أحد
الصحافيين الأميركيين حول موقفه من الحكم، واكتفى بلغة
عاطفية وقال في مؤتمر صحفي في البيت الأبيض في الرابع
من ديسمبر بأن الملك عبد الله (يعلم موقفنا بوضوح)، وأضاف
(لو أنها كانت إبنتي التي هوجمت ثم عوقبت فإنني سأغضب
بشدة..إنني سأشعر بالغضب ممن ارتكبوا الجريمة، وسأكون
غاضباً من الدولة التي لا تقف الى جانب الضحية)، ولكنه
تفادى انتقاد الملك عبد الله مباشرة.
الحقوقيون: الضحية بلا عدالة
أصدرت منظمة هيومان رايتس واتش بيانًا في 19 نوفمبر
الماضي قالت فيه أن هذا الحكم يعني أن على ضحايا مثل هذه
الإعتداءات عدم السعي للقصاص من المعتدين. وناشدت المنظمة
الملك عبد الله إلغاء الحكام الصادر ضد المرأة المعتدى
عليها، ووقف الإجراءات المتخذة بحق محامي الضحية. وقالت
المسؤولة عن قسم حقوق المرأة في المنظمة فريدة ضيف في
تصريح لها (أن الضحية معرّضة لخطر الجلد والسجن فقط لأنها
سعت لتحقيق العدالة). وأضافت (إن الحكم الصادر بحق الضحية
يبعث برسالة لضحايا الإعتداءات الجنسية مفادها بأن عليهن
عدم السعي من أجل القصاص من المعتدين ويوفر الحماية القانونية
للمعتدين).
وفي الهند، شهدت مدينة بومباي مظاهرة صامتة نظّمتها
منظمة (مواطنون من أجل العدل والسلام) أمام القنصلية السعودية
في أول ردة فعل من هذا النوع على قرار المحكمة السعودية
بالحكم على فتاة القطيف بالجلد 200 جلدة. وسلّمت المنظمة
القنصلية السعودية مذكرة جاء فيها: (نعبر لكم عن قلقنا
العميق على مصير الفتاة البالغة من العمر 19 عاماً والتي
كانت ضحية لعملية إغتصاب جماعية..).
الناشطة الحقوقية فوزية العيوني وصفت قضية فتاة القطيف
بأنها (قضية كل أنثى في السعودية، وأنها تخشى الخروج إلى
الشارع بعد هذا الحكم الجائر..)
موقف المحامي
في رد فعل على الحكم والإجرءات غير القانونية الصادرة
بحقه، قال محامي الفتاة، عبد الرحمن اللاحم، في حديث لـ
بي بي سي العربية أن الحكم (يثير الدهشة) واعتبره مخالفاً
(لأحكام الشريعة والإتفاقات الدولية بهذا الشأن)، مشيراً
إلى (مخالفات) أخرى من قبل المحكمة بينها منعه من الترافع
عن موكلته في جلسة النطق بالحكم.
واتهم اللاحم المحكمة بالسماح لوجهات نظر شخصية بالتأثير
على قرارها، موضّحاً بأن الحكم تأثّر بـكون (المرأة صعّدت
الموضوع مع محاميها أمام الجهات القضائية العليا).
وكان المحامي اللاحم قد كتب مقالاً في السابع عشر من
نوفمبر كشف فيه تفاصيل المحاكمة ومادار داخل قاعة المحكمة
والأحكام الصادرة بحق الفتاة وحقه كمحامي. وقال اللاحم
بأنه (بتاريخ 1/2/1427هـ عُدّلت الأحكام بحق الجناة من
قبل مجلس القضاء الأعلى، وقد عُقدت الجلسة بحضور الهيئة
القضائية كاملة، والدفاع كما حضرت الناشطة الحقوقية الأستاذه
فوزية العيوني وقد حكمت الهيئة القضائية على الفتاة «الضحية»
بالسجن ستة أشهر والجلد 200 جلدة بعد أن كان الحكم السابق
فقط الجلد 90 جلدة وقد أبدت الفتاة عدم قناعتها بالحكم
وطلبها رفعه للتمييز..).
وأضاف اللاحم (وحيث أن الفتاة هي من قام بالمطالبة
بإعادة النظر بالأحكام من خلال محاميها فإن زيادة الحكم
والحالة هذه على الفتاة الضحية يأتي مخالفاً للقاعدة القضائية
الراسخة التي تنص على أنه: «لا يُضَارَّ طاعنٌ في طعنه»
لأن الإستئناف حق مكفول للمتهم، ويعتبر من المعايير الرئيسية
للمحاكمة العادلة ومتى ما أهملت تلك القاعدة القضائية
فإن ذلك يبطن مصادرة ذلك الحق حيث يرهب كل من يريد الإعتراض
على الحكم القضائي وخصوصاً في القضايا الجنائية، من أن
يعاقب جراء ذلك وتزاد عليه عقوبته وهو ما حدث مع تلك الفتاة
التي أرادت فقط العدالة من الشرع والإقتصاص من جلاديها
منهم حتى لا يفلت المجرم بجرمه وجريرته).
وبخصوص دعوى (الخلوة غير الشرعية) قال المحامي اللاحم
(أن جريمة الخطف تمّت في مكان عام كما أكّدته محاضر التحقيق
وبالتالي فإن أركان الخلوة غير الشرعية مع الشخص الذي
كان معها ـ والذي لم يكن ضمن عداد العصابة التي مارست
الجريمة ـ غير متوافرة في هذه الحالة، ولا سيما وأن الفتاة
كانت في حالة إكراه إنعدمت فيها إرادتها حيث كانت تحت
تهديد ذلك الشخص بصورة شخصية لها وكل ذلك ثابت من خلال
محاضر التحقيق التي كانت بين يدي القضاة وسجلاّت مكالمات
الهاتف الواردة لهـاتف الفـتاة من قبل ذلك الشخص، كما
أن الصورة سلمت في محضر رسمي في الشرطة، وكنا نأمل أن
تراعي الهيئة كل تلك الحيثيات وأن تستحضر روح الشريعة
ومقاصدها الكبار في تشريع العقوبة وخصوصاً في المسائل
التعزيرية فما أصاب تلك الفتاة لا يمكن مقارنته بأي عقوبة
تعزيرة على فرض ثبوت تهمة الخلوة).
وبخصوص حيثيات الجلسة قال المحامي اللاحم (فوجئنا في
بداية الجلسة وقبل أن نتكلم كلمة واحدة غير إلقاء السلام،
بتلاوة قرار أصدرته الهيئة القضائية يقضي بمنعي من الترافع
بالقضية وسببه بأني أمارس 'اللدد بالخصومةب 'ومعناها الإنسان
الذي يجادل بالباطلب وكيّفت الأعمال التي قمت بها من خلال
القنوات الرسمية على أنها 'لدد في الخصومةب مع أنني فقط
طالبت بتطبيق النص الشرعي والقانوني، وهو واجب تمليه عليً
مهنتي، وكلّها موثقة ومؤصلة بالنصوص القانونية السارية
والتي كان لها الأثر المباشر في نقض الأحكام وكأن الهيئة
القضائية كانت تنتظر منا أن نسلم ونرضخ لحكمها وإجراءاتها
غير القانونية حتى نسلم من وصمة 'الألد الخصمب التي وصمتنا
به الهيئة القضائية، في حالة أقل ما يمكن أن يقال عنها
بأنها حالة من التشفي والإنتقام وفقدان التوازن).
وأعرب المحامي اللاحم عن أسفه في (أن يحاول القضاة
الإلتفاف على الحقيقة، ويتجاوزوا السمت القضائي ويدعو
زوراً بأنه قد صدرت مني ألفاظاً مسيئة لهم في الجلسة،
الأمر الذي استدعى إبعادي عنها، وهو ما يخالف الحقيقة
حيث لم تصدر مني أية ألفاظ سواءً كانت مسيئة أو غير مسيئة
لأني لم أتحدث إطلاقاً إلا بإلقاء التحية عليهم والتي
لم تلق رداً منهم، وكل ما حدث كان بشهادة وحضور السيدة
فوزية العيوني وولي الفتاة والفتاة نفسها، وهم أحياء يستطيعون
أن يقولوا كلمة الحق فيما حدث، لكن وللأسف أصبح القضاة
في ظل الثقافة التقليدية السائدة، فوق الشك والمساءلة
وتدثروا بوشاح القداسة الذي يحصنهم حتى من المطالبة بأبسط
الحقوق، ويطلق لهم العنان للتجني على الخلق دون أن يكون
لهم خطام أو زمام). واستنكر قرار المحكمة بمنعه من مزاولة
حق موكلته في الحصول على محامي للدفاع عنها وقال (أن منعي
من الترافع في القضية في هذه المرحلة ينم عن مصادرة لحق
موكلتي في الدفاع وكان يجدر بالهيئة القضائية إذا ما كانت
تستحضر قيم العدالة المجردة أن ترفع الجلسة لحين تمكينها
من توكيل محام آخر يحضر معها). وأضاف (كما قامت الهيئة
القضائية بمصادرة تصريح المحاماة الخاص بي في تنكر لأبسط
القواعد القانونية الواردة في نظام المحاماة الذي نظَّم
عملية التعاطي مع المخالفات التي يُزعم بأنها صدرت من
المحامي حيث حددت المواد '29 ـ إلى ـ 27ب من نظام المحاماة
تلك الإجراءات على سبيل التفصيل كما أن المادة الثالثة
عشرة نصّت على أنه (مع مُراعاة ما ورد في المادة الثـانية
عشرة، للمُحامي أن يسلُك الطريق التي يراها نـاجِحة في
الدِفاع عن موكِلُه، ولا تجوز مُساءلتُه عمَّا يورِدُه
في مُرافعتِه كتابياً أو مُشافهة مما يستلزمُه حق الدِفاع).
وهذا يؤكد عدك تقيّد الهيئة القضائية بالإجراءات القانونية
المتّبعة في هذا الشأن، ويعد مخالفة جسيمة وتنكرّاً للقاعدة
القانونية وتمرّداً على الوثائق القانونية الصادرة من
الدولة، (كما أنه سلوك ينبئ عن طريقة التعاطي السلبي من
قبل بعض الذهنيات القضائية التقليدية مع مهنة المحاماة
وينال من إستقلاليتها).
وبشان الدعوى التأديبية المقامة ضده، قال المحامي اللاحم
(ومع التزامنا بحضور الجلسة المقررة واحترامنا للنصوص
القانونية التي تحكم تعاطي وزارة العدل مع المحامين وفق
القواعد والمعايير المحددة في نظام المحاماة، والتي لا
تجيز مصادرة رخصة المحاماة قبل أن تتم إجراءات المحاكمة
التأديبة وإلا أصبحت تلك المحاكمة صورية لأنها حكمت مسبقاً
ونفذت الحكم بمصادرة التصريح قبل المحاكمة، مما يفترض
الإدانة المسبقة ويخالف قرينة البراءة، ونخشى أن يكون
وراء تحريك مثل تلك الدعوى هو قيامنا بالترافع في قضايا
مرفوعة ضد بعض الهيئات التي اكتسبت على مرور الزمن، حصانة
عن المساءلة وكذلك ترافعنا عن رموز أضمرت لها بعض التيارات
الدينية عداءً بسبب أفكارها وآرائها، كما نأمل ألا تكون
تلك الدعوى التأديبية بداية لإجهاض النفس الحقوقي المتنامي
في السعودية والمؤسس على الثوابت الدينية والسياسية في
البلد في ظل تنامي هامش حرية الرأي والتعبير والذي سمح
بمجال معقول من الحركة نحو التغيير والتحديث).
ولفت الللاحم الى قيام الهيئة القضائية بإخراج الناشطة
الحقوقية الأستاذة فوزية العيوني من قاعة المحكمة (مع
أن الجلسة علنية لأنها جلسة نطق بالحكم..وبالتالي لا يحق
للهيئة القضائية أن تجعلها سرية، وهذا يؤكد على أن هناك
استخفافاً بالوثائق القانونية التي شرّعتها الدولة من
أجل حماية حقوق الناس ولتحديد صلاحيات القاضي..).
ويخلص المحامي اللاحم في سرد تفاصيل القضية للقول:(لقد
احتوت قضية فتاة القطيف معظم الإشكاليات التي يعاني منها
القضاء الشرعي في السعودية حيث تتم إدارة الخصومة بشكل
تقليدي ولا يتم تطبيق النصوص القانونية الخاصة بالدعاوى
الجزائية أو غيرها، ولا يلتزم بالحد المقبول من معايير
المحاكمة العادلة وعلى وجه الخصوص إستحضار قرينة البراءة
المبنيّة على القاعدة الشرعية الراسخة 'المتهم بريء حتى
تثبت إدانتهب وتغيب القيم الإنسانية، ورح العدالة، بقيمها
المجردة). ويعتقد بأن (ما يحدث من ممانعة من بعض الشرائح
القضائية التقليدية، ما هو إلا مخاض لانبثاق واقع قضائي
جديد، ولا زلنا على قناعة تامة بأن... ثمة وطن يولد من
جديد).
وكان اللاحم قد رفع إلتماساً لوزير العدل الدكتور عبد
الله بن محمد آل الشيخ في 27 ذي القعدة سنة 1427هـ دعاه
فيه إلى (التحرك وفق الأسس الشرعية والنظامية وضمن المعايير
الحقوقية والاتفاقيات والصكوك الدولية الخاصة بحقوق الإنسان
وذلك بشأن قضية الخطف والاغتصاب تحت تهديد السلاح الأبيض
الذي تم ضد موكلتي وتناقلتها وسائل الإعلام وعرفت بقضية
'فتاة القطيفب). بعد أن أصدرت المحكمة الشرعية على (المجني
عليها) حكماً بالجلد تسعين جلدة، الأمر الذي أحدث صدمة
للفتاة وذويها (بهذا الحكم الذي لم يكن متساوياً مع الجرم
البشع الذي قام بها أولئك الجناة ولا يتسق لا من قريب
ولا من بعيد مع مجريات التحقيق الذي أعترف فيه الجناة
بجريمتهم ومثلوها أمام رجال التحقيق ولاسيما وأننا نطبق
شرع الله الذي حفظ للناس أعراضهم ووقف في وجه كل من ينتهكها
أو يحاول المساس بها كما أنها لا تتفق مع السوابق القضائية
المماثلة أو في قضايا العنف المشابهة، والتي كان من أخرها
ما نشرته الصحف هذا اليوم 'الثلاثاء 21/11/1427هـب حيث
أصدرت محكمة حائل العامة حكماً يقضي بسجن مطلق النار على
مدير تعليم حائل للبنين الدكتور عثمان العامر تسعة عشر
عاماً بالإضافة إلى جلده ثلاثة آلاف جلدة..).
وتساءل المحامي: (كيف يقرّر المدّعي العام قناعته بالحكم
وهو لم يقرأه ويتفحص أسبابه وحيثياته ومدى تطابق الوقائع
وتكييفها التكييف الصحيح ومعرفة الأسانيد الشرعية والنظامية؟
هذا إذا استحضرنا الطريقة المتبعة في المحاكم في تلاوة
الحكم والتي تنحصر فقط في منطوق الحكم دون تلاوة حيثياته
وأسانيده). وذّكر اللاحم الوزير بالمواد الواردة في مواثيق
حقوق الإنسان وإعلان القاهرة الذي أجازه مجلس وزراء خارجية
منظمة العالم الإسلامي سنة 1990 وغيرها من المواثيق الدولية
التي تنص على كون (سلامة جسد الإنسان مصونة ولا يجوز الإعتداء
عليها، وأن لكل إنسان الحق في أن يعيش آمناً على نفسه
ودينه وأهله وغرضه وماله).
وتساءل اللاحم عن المستند القانوني للحكم على الضحية
بتسعين جلدة (هل كان ذلك بناءً على طلب من المدعي العام
وصاحب الصلاحية النظامية في تحريك الدعوى العامة أم كان
فقط من قبل القاضي الذي لا يملك صلاحية تحريك الدعوى العامة
أو نظرها دون أن تحال إليه من جهة الإدّعاء المخولة بممارسة
الإدعاء والتحقيق، وإذا كان الأمر على هذا النحو ولم تكن
هناك دعوى جنائية ضد موكّلتي فإن فضيلة القاضي قد مارس
عملاً مزدوجاً حيث نصّب نفسه قاض ومدع عام في الوقت ذاته
الأمر الذي لا تجيزه الأنظمة وعلى وجه الخصوص نظام الإجراءات
الجزائية). وناشد اللاحم الوزير بإصدار توجيه بإحالة الحكم
المذكور إلى محكمة التمييز لاستكمال الإجراءات القضائية
المعتبرة.
وزير العدل: المضي في الغي
|
وزارة العدل.. الثبات على الغي
أصدر وزارة العدل في الرابع والعشرين من نوفمبر الماضي
بياناً توضيحياً لخلفية الحكم الصادر في حق (فتاة القطيف)،
وسلّطت الضوء على المخالفات الشرعية، من وجهة نظر الوزارة،
التي استوجبت الأحكام الجزائية. وبخلاف اعترافات الفتاة
ومرافعة المحامي فإن الوزارة زعمت بأن الفتاة المتّهمة
هي إمرأة متزوجة، مع أن العلاقة غير الشرعية تمت في سن
مبكرة أي قبل الزواج، وأنها كانت في خلوة غير شرعية مع
أن الخلوة تمّت في مكان عام وفي سوق مزدحم وليس في مكان
خاص.
تهافت بيان وزارة العدل يبدو واضحاً في الزيادات المتعمدة
الإضافية على نص أقوال المجني عليها، فقد زعم البيان بأن
المرأة اتصلت بالشاب (وطلبت منه الخلوة المحرمة..) فهل
يعقل أن إمرأة تتصل بشخص وتطلب منه خلوة محرمة في مكان
عام! وهل يعقل أن تكون (المرأة في حالة غير محتشمة وقد
ألقت ملابسها) في مكان عام، فهل بلغ التهتك في بلاد التوحيد
الى هذا الحد، فهذه تهمة ليس لمرأة ولكن لمجتمع بأكمله
يفترض أنه يخضع لتقاليد محافظة..
لم يأت البيان على حثيثات الحكم، ولا الإجراءات غير
القانونية ضد المحامي ولا ماسبق ولحق جلسة المحكمة وما
نتج عنها من أحكام بالغة القسوة والمخالفة لأبسط حقوق
الإنسان.
وكان زوج المجني عليها قد رد على ما ورد في بيان وزارة
العدل ضمن مناظرة تلفزيونية جرت بين عبد الرحمن اللاحم
وبين القاضي السعودي السابق الشيخ عبد المحسن العبيكان
على قناة إل بي سي اللبنانية مباشرة ضمن برنامج (أنت والحدث)
الذي بثّ في الخامس والعشرين من نوفمبر الماضي. وقال الزوج
بأنه (كزوج وإنسان يعرف سبب خروجها للقاء ذلك الشخص غير
المحرّم الذي اتهمت باقامة 'علاقة غير شرعيةب معه، وهي
رغبتها في إحضار صورة لها لديه، لكنها أخطأت فقط في الإجتهاد
عندما خلت به).
وقال الزوج الذي يرد على بيان وزارة العدل (أنه حضر
التحقيقات، وليس فيها اعتراف من زوجته بارتكاب الفعل المحرم)،
في إشارة الى ما قيل بأنها (خلوة غير شرعية) التي اتهمت
بها (وأنه واثق من براءة زوجته من هذه الخلوة، ومن الخيانة
الزوجية).
من جهته، أعلن اللاحم بأن سيقوم بمقاضاة وزارة العدل
السعودية أمام الجهات القضائية المختصة، بسبب بيانها الذي
اعتبره (قذفا مبطنا للفتاة وتشويها لسمعتها). وقال اللاحم
بأن بيان وزارة العدل هو (من ألفاظ الجناة أنفسهم المأخوذة
على ألسنتهم..). وقال (كوني محاميا لهذه المرأة، وكون
ما صدر البارحة يتمثل قذفا مبطنا وتشويها لسمعتها، فأنا
أحتفظ بحقي القانوني بملاحقة وزارة العدل أمام الجهات
القضائية المختصة. إذا كنتم أخذتم هذه الإفادات من دفاتر
التحقيق فشكِّلوا لجنة محايدة تدرس هذا الأمر). واستطرد
قائلاً (لن نصمت على هذا التشويه لهذه الفتاة الصغيرة
التي كنا ننتظر لا أن يحكم القاضي بجلدها وإنما يحيلها
لمستشفى على حساب الدولة لتعالج من الأزمة النفسية التي
أصابتها). واستغرب الزوج من كلام الشيخ العبيكان من (إن
هناك إعترافا مصدق شرعاً بفعل الشيء المحرم، والذي أعرف
أن المقصود به الخلوة غير الشرعية، لكن هل تمت هذه الخلوة
بإرادتها الكاملة التي تحكمها الدوافع الغريزية أو الفعل
الشائن؟). وأضاف (الكل يعرف أنها ذهبت لتجلب صورتها، أي
أنها كانت تحاول الدفاع عن حياتها الزوجية، والصورة تم
تسليمها في محضر رسمي قمت شخصيا بالتوقيع عليه. الحقيقة
لا أعرف ما هو الاعتراف بالفعل المحرم رغم أنني كنت موجوداً
في التحقيقات).
وعلّق اللاحم على حكم المحكمة بأنه (يوصل رسالة سلبية
للنساء في السعودية، بأنكن ما لم تلتزمن بالمفاهيم الضيقة
للحشمة التي تفرضها بعض الأفكار التقليدية، فإن عرضكن
سيكون مباحاً، ومتى تعرضتن للإغتصاب، فستشاركن الجناة
أنفسهم في عقوبة قاسية مثل عقوبة فتاة القطيف).
سعود الفيصل..
نرجو تغيير الحكم السيء
لم يجد وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل في
ظل حملة الانتقادات الدولية للحكم القضائي ضد المجني عليها
سوى أن يفصل حكومة بلاده عن هذا الحكم، ونقلت وكالة رويترز
في السابع والعشرين من نوفمبر الماضي انتقاده للحكم القضائي،
ما قاله للصحافيين في واشنطن إبان انعقاد مؤتمر أنابوليس
أن (مثل هذه الأمور كالأحكام السيئة للمحاكم تحدث في كل
مكان حتى في الولايات المتحدة. وهي عملية مازالت جارية.
ويجري مراجعة هذا من خلال عملية قضائية ونرجو أن يتم تغييره).
وقال بأنه (يتم إستغلال الحكم لانتقاد الحكومة السعودية،
على الرغم من أنها غير مسؤولة عن الموضوع..). وأضاف: (لسوء
الحظ هذه الأمور تحدث، والأحكام السيئة تحدث في النظم
القضائية).
إًصلاح القضاء مجدداً
وفي تعليق على قضية (فتاة القطيف)، كتب سليمان القحطاني
في موقع (إيلاف) الإلكتروني في التاسع والعشرين من نوفمبر
الماضي بأن (هذه قد تكون أقوى رسالة، حتى الآن، تم توجيهها
إلى نظام قضائي لا يزال متمسكًا بإحدى الصيغ المتشددة
من تعاليم الإسلام، ولم يتم حتى الآن وضع غالبية أجزائه
في نظام تشريعي مكتوب، فضلاً عن أنه يخضع إلى اجتهادات
القضاة أنفسهم وفق المذهب الحنبلي، مما يجعل القضية الواحدة
تحظى بأكثر من حكم حسب تعدد القضاة. وفي هذه المملكة المحافظة
لا يستطيع أي مسؤول كان أن يفرض على القضاة الذهاب إلى
أعمالهم إن كانوا بمزاج غير حسن، لأن ذلك من شأنه أن يؤثر
على أحكامهم بحق القضايا المتواجدة لديهم، وذلك حسب النصوص
النظامية المعمول بها في هذه البلاد).
وأضاف (وقد يشكّل الجدل المثار حول الحكم الذي صدر
بحق 'فتاة القطيفب دفعًا قويًا للحكومة الميالة إلى الإصلاح
والخروج عن الإطار المحافظ المتدين، في مواجهة الفئات
الأخرى التي تصر على احتفاظ البلاد بخطها المتدين حد التزمت).
وكتب سعود البلوي في 30 نوفمبر الماضي مقالاً جاء فيه
(أن هذا الحكم أسهم في تصعيد القضية عالمياً وكنا ننتظر
بفارغ الصبر رأي وزارة العدل قبل تدويل القضية إعلامياً،
لكن بيان وزارة العدل جاء متأخراً وبيروقراطياً في ذات
الوقت ولم يزدنا إلا حيرة وتساؤلاً بخصوص الحكم المضاعف
على صاحبة القضية ومنع محاميها الأستاذ عبدالرحمن اللاحم
من استكمال الترافع عنها..رغم أن الإجراءات النظامية لا
تجيز مصادرة التصريح قبل إتمام إجراءات المحاكمة التأديبية
للمحامي، فضلاً عن أنّ اتخاذ إجراء المصادرة من مهمة اللجنة
التأديبية في وزارة العدل). وأضاف (نحن بحاجة أيضاً لتحسين
صورة القضاء لدينا والعمل سريعاً على اتخاذ الإجراءات
الإصلاحية للقضاء التي سنّها الملك عبدالله مؤخراً لأن
خطوات الإصلاح لا تحتمل التأخير، بل إن الإنتظار حيالها
يكون مربكاً على المستوى الإجتماعي والسياسي بوجه عام).
واستنكر البلوي تصريح قاضي محكمة التمييز بالرياض إبراهيم
الخضيري لصحيفة عكاظ حين قال (كان ينبغي على القضاة الحكم
بقتل فتاة القطيف هي والمشاركين لها لاعتبارات كثيرة جداً
لكن القضاة أخذوا بمبدأ الرحمة والشفقة). واعتبر ذلك تصعيداً
خطيراً، و(أنّ هناك تزمتاً داخل أروقة القضاء السعودي
فيما يتعلق بالأحكام القضائية بصرف النظر عن قناعة القاضي
بالنصوص والمبادئ الدينية..).
صحيفة (ذي إنديبندنت) نشرت في 29 نوفمبر مقالاً بعنوان
(بإسم الله: رواية ضحية الاغتصاب السعودي) جاء فيه بأنه
من وجهة نظر بقية العالم، فإن قضية الفتاة المجني عليها
(هي رمز لكل ماهو خطأ في السعودية). ونقلت الصحيفة عن
مسؤولة الشرق الأوسط في منظمة هيومن رايتس واتش فريدة
ضيف قولها (أن وزارة العدل السعودية قد أطلقت حملة تشويه
متعمّدة ضد الفتاة)، في إشارة الى بيان الوزارة الذي تقول
ضيف بأنه اشتمل على تشويه الحقائق، من أجل تبرير إصدار
حكم قضائي جائر. وتعلّق الصحيفة بأن الموانع التهديدية
تواجه ضحية تعيش في بلد لديه أسوأ سجل في حقوق المرأة
في العالم.
الأمير الطرطور والمرجفون
في حلقة نقاشية موجّهة عقدتها قناة (المجد) السلفيّة
التي تعبّر عن الموقف الديني الرسمي الوهابي، شارك فيها
الأمير خالد بن طلال بن عبد العزيز والشيخ صالح الدرويش
وآخرون من أتباع المذهب السلفي الوهابي، في الثالث من
ديسمبر، وصف فيها الأمير السلفي المدافعين عن (فتاة القطيف)
(بالطراطير) فيما اتّهم قاض بالمحكمة الكبرى في القطيف
محامي الفتاة عبد الرحمن اللاحم بالإستقواء بقوى كبرى،
ووصف المحامي اللاحم بـ (الفاشل) وأنه (لم يثبت على مبادئه)
وأنه (يحاول تحميل مسئولية فشله على غيره) مضيفاً بأن
(هناك قوى كبرى تقف خلف تحركاته). وتساءل الدرويش (لماذا
يذهب هؤلاء بالقضية إلى الإعلام الخارجي ليستغل ضد الوطن
وضد القضاء الشرعي في المملكة)، فيما وصف عضو (لجنة المناصحة)
التابعة لوزارة الداخلية والأستاذ بكلية الملك فهد الأمنية
محمد النجيمي في الحلقة ذاتها المحامي عبد الرحمن اللاحم
بأنه (محام مشبوه وعليه مخالفات)!. واتهم المدافعين عن
الفتاة والمطالبين بالإصلاح القضائي بأن هدفهم (تشويه
القضاء الإسلامي الذي تحكم به الدولة السعودية وأنهم يريدون
تسليط الخارج على هذه الدولة).
|