بين الشرع والفلك والسياسة
السعودية تحتكر رؤية الهلال وتربك مليار مسلم
فريد أيهم
كان يمكن لإعلان رؤية هلال شهر ذي الحجة أن يمرّ كبقية
الشهور والسنوات، فليس هناك ما يمكن فعله من أجل منع الحكومة
السعودية من إحتكار حق تحديد إعلان الشهر، وإن انطوى على
مخالفة صريحة للأسس العلمية، فقد ظلّت لسنوات طويلة تحتكر
هذا الحق، وخصوصاً في شهر ذي الحجة، حيث لا مجال أمام
المسلمين القادمين لأداء مناسك الحج سوى الإذعان لما تقرره
الحكومة السعودية..
خلاف طويل حول رؤية هلالي شهري مضان وذي الحجة يتجدد
كل عام، في ظل غياب مرجعية إسلامية عليا تحسم هذا الخلاف
إستناداً إلى الأسس العلمية والفلكية التي يجب إتباعها
في رؤية الهلال. وكان شائعاً في السعودية أن من يتقدّم
بشهادة رؤية الهلال أمام الهيئة الشرعية يحظى بمكافأة
مالية و(بشت)، وتسبب ذلك، غالباً، في وقوع أخطاء جسيمة،
كما كشفت عنها الدراسات الفلكية اللاحقة. ولأن كثيراً
من الدول العربية والإسلامية تقتفي حرفياً ما تقرّره المؤسسة
الدينية في السعودية، وخصوصاً في موضوع هلال شهر رمضان،
ولأن المسلمين قاطبة ملزمون بأيام معدودات لأداء مناسك
الحج، فإن السعودية وحدها المالكة لسلطة تقرير بداياتها
ونهاياتها.
لسنوات طويلة، لم تكن إعتراضات علماء الفلك تلقى أذناً
صاغية من قبل الدول العربية والإسلامية فضلاً عن السعودية
فيما يرتبط بوقت ولادة الهلال، إما لأن هناك تسليماً بما
تتوصل إليه الهيئة الشرعية في السعودية، وإما لعدم الإكتراث
على قاعدة (إنما الأعمال بالنيات)، أو أن علماء الفلك
لم يدلوا بدلوهم في قضية تصيب الجانبين العبادي والتقويمي
لنحو مليار ونصف الميار مسلم، إذ أن غياب من ينبّه الى
ما يعنيه تكرار الخطأ الى الحد الذي يجعل نسبة الصواب
هي الأقل النادر، جعل أمر الهلال مرتبطاً بعلماء الدين
دون غيرهم.
مسألة الهلال لا تقف عند مستوى الرؤية الشرعية، لتقرير
بدء العبادات ونهايتها، ولكن تدور حول صراع على المرجعية
الدينية ممثلة في علماء الشرع والدولة الراعية للحرمين
الشريفين. وإذا كانت السعودية قد فقدت في السنوات الأخيرة
مرجعيتها الإفتائية بخصوص هلال شهر رمضان، حيث كان كثير
من الدول العربية والإسلامية تعتمد على مرجعياتها الدينية
الخاصة في تقرير بدء هلال شهر رمضان، فإن ثمة دولاً ربطت
نفسها في موضوع هلال شهر رمضان بما يصدر عن الهيئة الشرعية
لرؤية الهلال الخاضعة تحت السلطة الدينية الرسمية في السعودية.
ما يجعل رؤية الهلال وبداية شهر وخاتمته مسألة جدلية
كونها مرتبطة بنفوذ ديني وسياسي تحاول السعودية ممارسته
على المسلمين، ولذلك ترفض أن تكون ضمن لجنة إسلامية عليا
مسؤولة عن إعلان رؤية الهلال، كما ترفض دول أخرى عربية
وإسلامية أن تكون خاضعة تحت مرجعية دينية تديرها السعودية.
الأهم في ذلك كله، هو التضارب بين الحسابات الفلكية
القائمة على أساس علمي وأحكام العلماء المستندة إما على
شهادات غير موثّقة وغير علمية، أو خاضعة تحت تأثير الساسة.
وفي كل الأحوال، فإن ثمة جدالاً متصاعداً بشأن المرجعية
المخوّلة بالإضطلاع بمهمة رؤية الهلال والإعلان عنه.
ومن المعلوم، أن الإقرار بصدقية الحسابات الفلكية القائمة
على أسس علمية يطيح مرجعية العلماء، الذين تمسّكوا بأنهم
وحدهم المصدر الشرعي الوحيد الذي منه يعلن بدء الشهر وخاتمته،
وهو ما لايقبل العلماء التخلي عنه، بوصفه جزءً من سلطتهم
الدينية.
من جهة ثانية، تلحّ السعودية على فرض نفسها كدولة مرجعية
للمسلمين عامة، ولذلك تبقي على محوريتها خصوصاً في شهر
ذي الحجة حيث لا إمكانية لإعلان بداية الشهر من خارجها.
فالسعودية لا تقبل بمرجعية دينية من خارجها، تماماً كما
ترفض الإذعان لصحة ما عليه بعض الدول، حتى وإن كان الخطأ
والصواب بيّنين.
عام 1428 للهجرة كان عاماً فاصلاً، فقد فجّر إعلان
السعودية حلول شهر ذي الحجة قبل ولادة الهلال إعتراضات
مكبوتة لدى الفلكيين في العالمين العربي والإسلامي، لما
أحدثه الإعلان من إرباك واضح وخطير في التقويم الهجري
لدى كثير من الدول العربية والإسلامية، على أساس أن إعلان
السعودية قبل يوم من ولادة الهلال يجعل شهر ذي الحجة 31
يوماً وهو ما لم يحصل في تاريخ المسلمين قط.
ويؤكّد الباحث الفلكي محمد شوكت عودة رئيس المرصد الإسلامي
لرصد الأهلة في 3 يناير بأن إجماع الحسابات الفلكية أكّدت
إستحالة رؤية الهلال في السماء ليلة الإثنين9/12 لعدم
اقتران القمر في ذلك الوقت وأن مغيب القمر قبل الشمس يؤكّد
إستحالة رؤيته في تلك الليلة التي أعلنت فيها السعودية
عن ثبوت رؤية هلال شهر ذي الحجة..
وخلص عودة إلى إن يوم الثلاثاء لا يصادف يوم عرفة،
وأن يوم الأربعاء لا يصادف يوم عيد الأضحى وفقاً للحسابات
الفلكية، وأن شهر ذي الحجة سيكون 31 يوما بحسب إعلان السعودية
عن رؤية الهلال وفق التأكيدات السعودية ووقفة الحجاج بيوم
عرفة!
وعكس هذا الخطأ نفسه ليس على الجانب العبادي فحسب،
بل شمل تقويمات عدد من الدول، وتحديد عطلة رأس السنة الهجرية.
ففي الكويت، على سبيل المثال، أثار قرار ديوان الخدمة
المدنية باعتماد يوم الخميس الموافق العاشر من يناير عطلة
رأس السنة الهجرية حالة من الإرتباك الحكومي والفلكي والديني،
حسب كتّاب كويتيون في الرابع من يناير، على أساس أن بداية
السنة الهجرية تصادف يوم التاسع من يناير. واعتبر الخبير
الفلكي عادل السعدون أن التاريخ الإسلامي لم يشهد شهراً
يكون فيه ذو الحجة 31 يوما! وأضاف السعدون أن هذه المشكلة
حصلت بسبب إدخال شهر ذي الحجة قبل موعده بيوم، ويعود السبب
الرئيسي لذلك إلى عدم إهتمام الدولة ورجال الدين برأي
علماء الفلك وها قد حصل ما لم يتوقعه أحد، مؤكدا أن علماء
الفلك أشاروا إلى هذا الخطأ، ولكن لم يلتفت أحد إلى ما
نقوله، معتبراً أن هذه التجربة قاسية وخطأ لا يغتفر في
التقويم الهجري، ويجب أن نتعلم من هذه التجربة وأن يحترم
رأي الفلكيين.
أما دينيا، فقد حذر علماء دين من انسحاب ذلك على مواعيد
الصيام في هذا الشهر، وأيضا على موعد الوقوف في عرفة في
العاشر من ذي الحجة، بينما ذهب آخرون الى التساؤل عن سر
الصمت المطبق لوزارة الأوقاف التي لم تحدد حتى الآن موعداً
محددا لعطلة رأس السنة الهجرية. وقال عضو هيئة الفتوى
الشيخ أحمد الكردي (أن الأشهر القمرية تثبت شرعاً برؤية
الهلال بالعين البشرية، سواء في ذلك رمضان وغيره..).
في موقف يثير الغرابة، أكّد الشيخ ناظم المسباح أن
هذه الأمور تسبب فتنة وطائفية ولا ينبغي على الصحافة تداولها
ولا ينبغي التشكيك في أمور الدين كذلك. وأضاف في اتصال
هاتفي أجرته صحيفة (القبس) الكويتية في 4 يناير أن وقوف
الحجاج في عرفة صحيح، وحتى إن كان الوقوف خاطئاً، فلهم
الأجر على ذلك، مشيراً إلى أن ليس هناك مشكلة تجاه الحجاج
فحجتهم صحيحة.
الباحث الفلكي عدنان عبد المنعم قاضي، نشر عام 2005
كتاباً بعنوان (الأهلة: نظرة شمولية ودراسات فلكية)، حدّد
فيه بصورة علمية بداية الشهور، وشدّد فيه على تطابق الرؤيتين
الدينية والعلمية في تحديد رؤية الهلال، إستناداً على
نصوص دينية وفقهية.
ينطلق قاضي من حقيقة أن تحديد دخول الشهور العربية
يعتمد على ظاهرة طبيعية هي وجود الهلال في وقت ومكان معينين:
بعد غروب الشمس وفى جهة الغرب. وأن شروط رؤية الهلال تتم
بصورة متسلسلة هي: أن يولد الهلال ويسمى الإقتران أو المَحَاق
أو التقاء النيرين، وهى وقوع الشمس والقمر والأرض على
خط طول سماوى واحد، حيث يستخدم علم الفلك هذه الطريقة
لبدء الشهر القمري الإقتراني، ثم أن تغرب الشمس قبل أن
يغرب الهلال، ، وأخيراً أن يكون هناك وقت كاف بين الغروبين،
وإلا طغى ضياء الشمس على نور الهلال النحيل مما يجعل رؤية
الهلال مستحيلة، وأن يكون الهلال بعيداً عن الشمس.
ويشرح قاضي النقطة الأخيرة بقدر من التفصيل، لما تثيره
من إختلافات، حيث يرى بأنه فى الفترة من 26 إلى 29 ذى
الحجة 1398هـ الموافق من 27 إلى 30 نوفمبر 1978، إنعقد
فى إستانبول بتركيا مؤتمر تحديد أوائل الشهور القمرية،
تم فيه تقنين النص الشرعي لرؤية الهلال فى صيغة علمية
لإمكانية الرؤية واتخذ ضمن توصيات أخرى التوصية التالية:
لإمكانية رؤية الهلال بالعين المجردة لعموم البشر لا بد
من توفر شرطين أساسيين هما: ألا تقل زاوية ارتفاع القمر
عن الأفق بعد غروب الشمس رأساً عن 5 درجات، لأن رؤية أي
جرم سماوي عند أقل من 5 درجات تصبح متعذّرة، نظراً لكثافة
الغلاف الجوى ودرجة الحرارة وتصاعد الرطوبة والغبرة والأبخرة
والغازات وانعكاس وانكسار الأضواء ووجود تلال، والتى قد
يصل إرتفاعها الظاهري فى الأفق إلى أكبر من 3 درجات، وحدة
بصر الرائي وأمانته. وأن لا يقل البعد الزاوي بين الشمس
والقمر بعد غروب الشمس رأساً عن 7 درجات، لأن ضياء الشمس
الهائل يغطى نور الهلال النحيل كلما اقترب القمر من الشمس.
وعلى هذا الأساس وحده يمكن رؤية الهلال بالعين المجردة
لعموم البشر فى الأحوال العادية، وحينما تتحقق هذه الشروط
يبدأ اليوم والشهر والسنة القمرية فى الوقت نفسه عند مكان
واحد معين.
وبناء على الشروط والمحدّدات التي وضعها مؤتمر إستانبول،
وهي: أن يبدأ الإقتران في اليوم السابق لبدء الشهر ثم
غروب الشمس ثم غروب الهلال مع زاوية ارتفاع القمر عن الأفق
تساوى على الأقل 5 درجات، وزاوية إنفصال القمر عن الشمس
تساوي على الأقل 7 درجات، وذلك لأى شهر قمري.
وما توصل إليه عدنان قاضي في دراسته العلمية، في ضوء
مقررات مؤتمر استانبول يثير الدهشة. يقول قاضي: لم يحصل
قط أن أظهر الحساب العلمى الفلكى أن رمضان كان من المفروض
أن يدخل قبل إعلانه رسمياً خلال الفترة، لقد كان أهل الرؤية
دائماً سبّاقين، وأن طريقة الرؤية التقليدية المتبعة وافقت
الحساب العلمى الفلكى فى إعلان دخول رمضان فى 6 من 46
مرة، أو بنسبة 13%، وعارضت طريقة الرؤية التقليدية المتبعة
الحساب العلمى الفلكى فى إعلان دخول رمضان فى 40 من 46
مرة أو بنسبة 87%. وفى ليلة إعلان دخول رمضان كان الهلال،
بعد غروب الشمس، تحت الأفق فى 29 من الـ 04 مرة، أو بنسبة
63% لكل الفترة، وأن الـ 11 مرة الباقية كان الهلال فى
ليلة إعلان دخول رمضان فوق الأفق ما بين 1 إلى 3 لزاوية
الإرتفاع، وهى أقل من القيمة المطلوبة وهى 5. وفى ليلة
إعلان دخول رمضان كان الهلال تحت الأفق من '5 إلى 21 درجةب
فى 10 مرات من الـ 29 مرة، بحيث إنه لا بد من مضى يومين
لدخول رمضان، وهذه أقصى مدة سجلت، بينما فى 19 مرة من
الـ 29 مرة كان الهلال تحت الأفق بحيث إنه لا بد من مضى
يوم آخر لدخول رمضان، وكانت هناك 13 مرة ولد الهلال فى
صباح نفس اليوم 'أى ما بين الساعة 12 صباحاً و11.59 صباحاً،
بالتوقيت الزواليب الذى أعلن أنه بداية رمضان، ومرة واحدة
فى مساء نفس اليوم قبل غروب الشمس، وهو رمضان 1412هـ،
وكانت هناك 3 مرات من 36 مرة ولد الهلال فيها قبل يومين
من إعلان بدء رمضان '1494 و1423 و1424هـب، وسجلت سنة 1404هـ
أعلى زاوية ارتفاع للقمر فوق الأفق '10 درجاتب لكل الفترة،
وسجلت سنة 1412هـ أدنى زاوية ارتفاع تحت الأفق '12 درجةب
لكل الفترة. أما أكبر زاوية انفصال للقمر عن الشمس فقد
سجلت سنة 1424هـ لكل الفترة، بينما سجلت سنة 1382هـ أصغر
زاوية إنفصال لكل الفترة. ويعتبر إعلان بدء رمضان 1412هـ
يوم الأربعاء 4/3/1992 أسوأ إعلان لكل الفترة من حيث بعد
الرؤية التقليدية المتبعة عن التوافق العلمى الفلكي، حيث
وافق أدنى درجة كان الهلال فيها تحت الأفق '12 درجةب،
وبعبارة زمنية، غرب الهلال قبل غروب الشمس بـ 05 دقيقة،
فى يوم الثلاثاء 9 شعبان 1412هـ، حسب تقويم أم القرى '3
مارس 1992ب، حيث ولد الهلال الساعة 4.23 من مساء يوم الأربعاء
4 مارس 1992 والناس صائمون. والحقيقة، أنه حتى يوم الخميس
(دع عنك الأربعاء) ما كان ليكون بداية رمضان، فالجمعة
هو اليوم الأصح.
|