قضاة يتحالفون مع عصابات الهيئة لتغطية جرائم قتل
قضاء وهابي لا حدود لخيانته الأمانة والدين
محمد شمس
كنّا قد نشرنا مقالة في العدد 62 في ديسمبر الماضي
حول مقتل المواطن سلمان الحريصي على يد عصابة من هيئات
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأشرنا الى القضية التي
أصبحت قضية رأي عام، فضلاً عن كونها قضية تدخل في صميم
حقوق الإنسان نظراً لما تمثله من مهانة بالغة لكل مواطن.
كانت القضية أن رجال الهيئة أرادوا اعتقال أحد المواطنين
في منزله، فهاجم أكثر من عشرين فرداً البيت والحي، وبدأوا
باستخدام العضلات والأدوات الحادة والعصي، ولم يتم الإعتقال
بإذن قضائي. وحين سيق سلمان الى الهيئة كان معافى مع أنه
ينزف دماً، وهناك في الهيئة (التي هي بمثابة مركز شرطة
وبه غرف احتجاز) تم قتله بطريقة وحشيّة بعد فترة وجيزة!
يقول تقرير طبي حول سبب الوفاة مصوراً المأساة والبشاعة
معاً: (تعرّض الحريصي لضرب عنيف على الرأس أدى إلى انتزاع
العين اليمنى وسبب انشقاقاً في الجمجمة بطول 6 سم، وضربة
أخرى في الرأس نتج عنها فتحة في الجهة اليمنى أدت الى
سقوط المخ منها، وضرب عنيف في الأحشاء وجانب من منطقة
البطن وركلات عنيفة في الجسم). لأول مرة اضطرّت الحكومة
المتواطأة مع مشايخها وقضاتها الفاسدين الى اعتقال المتسببين،
ثم تمت فبركة محاكمة أسقطت الدعوى وأطلقت جميع المتهمين،
بحجة (عدم كفاية الأدلّة).
ماذا جرى في المحكمة، وما هو منطوق الحكم، وكيف كان
رد الدفاع؟!
هذا هو موضوع غلاف هذا العدد، والذي يكشف معلومات وتفاصيل
كيف أن جهاز القضاء (باسمه الديني) صار يعمل (خلاف الدين)
وخلاف الإنسانية، وخلاف القوانين، وخلاف الأعراف والأخلاق.
وكيف أن من يدّعون الطهر، وأنهم حراس الفضيلة، هم من يتواطأ
ويخفي الحقائق، ويستبيح الدماء، وينتهك المحرمات. قضاة
ومشايخ يمتهنون الكذب، ويتحايلون على الدين، ويدافعون
عن الباطل، ويعتمدون العصبيّات والعنصريات ويقدمونها على
مبادئ الدين الأساسية وعلى القانون والشريعة التي يزعمون
أنهم حماتها وأنهم جاؤوا لتطبيقها.
صك الحكم
لقد تم القبض على مجموعة من مجرمي منتسبي الهيئة، لأول
مرة في تاريخها، وانتظروا المحاكمة بعد أن تقدّم أهالي
المغدور وزوجته وبإسم وريثه ابنه الوحيد، بالإدعاء على
عدد منهم بأنهم كانوا وراء مقتل سليمان الحريصي، وطالبوا
بالقصاص من المجرمين. ادّعى هؤلاء على إثنين من رجال الهيئة
هما: محمد بن ناصر بن ابراهيم بن موسى، وعدنان بن محمد
بن عبدالعزيز بن يوسف، وقد جاء الإدعاء على النحو التالي،
حسبما جاء في صك الحكم:
بتاريخ 6/5/1428هـ )7002/5/32( بعد صلاة العشاء كان
سلمان بن محمد حريصي في منزل والده بحي العريجاء وقد قام
أعضاء الهيئة بمداهمة المنزل وعددهم ثمانية عشر شخصاً،
وبعد مداهمة المنزل والقبض على مورث موكلي (سلمان) وتكبيله
من قبل أعضاء الهيئة وهو واقع على الأٍرض، قام المدعى
عليه محمد بن موسى بركله برجله على رأس مورث موكلي على
هيئة الإستعداد العسكري عدد أربع ركلات، كما قام محمد
بن موسى بضربه أيضاً بيده في مناطق متفرقة من جسمه، ثم
قام المدعى عليه عدنان بضربه ركلاً بالقدم واليد في مناطق
متفرقة من الجسم. وبعد نقله الى مركز الهيئة وهو يمشي
ومتعب والدماء تسيل من عينه اليمنى وظهر عليه الإعياء
وتوفي داخل مركز الهيئة بسبب ضربه على حجاج عينه اليمنى
أدّت الى كسر متفتت على الحجاج وصل الى قاعدة المخ، بسبب
ضرب المدعى عليهما وبالذات محمد بن موسى، لذا أطلب قتل
المدعى عليهما.... قصاصاً بضرب عنقيهما بالسيف حتى الموت،
كما أطلب تعزير بقية الأعضاء المشاركين بالسجن والجلد.
وإزاء هذا الإتهام الواضح، جاء جواب المجرمين أكثر
غرابة وأعجوبة من الإتهام نفسه، حيث نفى الأول محمد بن
موسى أن يكون له أي دور في أصل الموضوع: المداهمة! فضلاً
عما حدث بعدها. يقول: (لا أعلم عن المداهمة التي ذكر،
ولا موت مورث موكليه حيث إنني لم أحضر أصلاً مع الأعضاء،
ولم أشارك في القبض، وكنتُ مريضاً حيث أن إبهام رجلي اليمنى
مكسوراً، وقد تحامل عليّ المحققون... والصحيح أنني بريء
من هذه القضية ولم أضرب ولم أقتل المورث المذكور).
أما المتهم الثاني عدنان فاعترف بما حدث بشأن المداهمة،
وقال أن سببها هو (ترويج الخمور والمخدرات)! وقال أنه
جاء بأمر رسمي للقبض عليه هو وإخوانه، وأنه هوجم مع أعضاء
الهيئة، بالحجارة والزجاج وغيرها، وزاد بأن اشار الى أن
سبب القتل ـ إن حدث فهم أهل الحي ـ الذين جاؤوا لمساندة
الهيئة ربما، حيث (أن أهل الحيّ تجمهروا وقاموا برمي الحجارة
على أهل المنزل بسبب ما يلحقهم من أذى، وأثناء قيام المواطنين
برجم الحجارة توقف أهل المنزل ودخلنا وتفرقنا في البيت
للتفتيش والقبض وثم السيطرة عليهم). فهي معركة إذن بين
المواطنين والهيئة من جانب، وبين أهل البيت! ونفى عدنان
ما نُسب إليه فقال: (كان عملي التفتيش فقط، ولم أقبض على
المذكورن ولم أضربه بيدي ولا برجلي ولم أذهب لمركز العريجاء،
بل انصرفت بعد التفتيش). وأشار الى أن المحققين أرادوه
شاهداً على محمد بن موسى المتهم الأول، وأنه رفض حيث (لم
أشاهد محمد بن موسى بسبب المداهمة والتجمهر، هكذا أجاب).
سأل القاضي عن الشهود والبيّنة، فقدمت تحاليل طبية
تشير الى أن المتهم الأول الذي يزعم بأنه لم يكن حاضراً
أصلاً، قد خلف وراءه بقع دم منه في منزل الضحية. وأما
الشهود، فأحدهم ـ ويبدو من رجال الهيئة المهاجمين ـ قال:
أثناء قيامي بالبدء في إنزال إثنين من المقبوض عليهم،
شاهدت عدنان اليوسف يقوم بضرب سلمان وهو ساقط على الأرض
بقدمه، وهي من نفس الجهة اليسرى، واحتمال انها في الكتف
أو الرأس من جهة اليسار، وبعده مباشرة شاهدت محمد الموسى
يقوم برفسه بقدمه بشدة مثل عملية الإستعداد التي يقوم
بها رجال الأمن وذلك على رأس سلمان وهو ساقط على الأرض.
واعترف عدد من رجال الهيئة الآخرين بوجود محمد موسى
في الهجوم على المنزل واستخدام العنف وقضبان الحديد، وكذلك
وجودهما في مركز الهيئة بعدئذ حيث قتل سلمان، اضافة الى
شهود آخرين كانوا حاضرين. أحد الشهود هو فهد السحيم وهو
من رجال الهيئة المقبوض عليهم في القضية قال ـ حسب صك
الحكم ـ أنه شاهد عدنان في المداهمة ومحمد الموسى في المركز
بعد المداهمة؛ وبندر بن مسفر العثيمين، وهو أيضاً متهم
من رجال الهيئة، أفاد بأن عدنان يوسف ومحمد الموسى كانا
(ضمن من شارك في المداهمة). وقال آخر، وهو خالد الشهري
(بأنه شاهد محمد الموسى في المداهمة راكباً في سيارة هيئة
العود الكامري الكحلية، وأنه كان مع عدنان اليوسف حديدة
طويلة... وأنه شاهد عدنان في المركز وهو يمسك بالشخص صاحب
الفنيلة الزرقاء). وشهد ثلاثة آخرون بأنهم رأوا عدنان
يضرب المتوفى.
أكثر من هذا، أشار صك الحكم الى تقرير الأدلة الجنائية
بأن الدم الذي وجد في منزل الضحية هو دم محمد موسى، المتهم
الذي زعم بأنه لم يكن موجوداً في الأصل في عملية المداهمة
لأن إصبع رجله كانت مكسورة!
التقرير الطبي
واستعرض صك الحكم فقرات من التقرير الطبي للضحية والموثق
رسمياً من هيئة التحقيق والإدعاء، وقد أخفى الجوانب الأكثر
أهمية فيه، حيث ورد فيه التالي:
1 ـ إصابة بالعين اليمنى (الجفن العلوي انتفاخ). 2
ـ إصابة بالخد الأيمن. 3 ـ إصابة بالرقبة. 4 ـ إصابة وسحجات
بالكتف الأيمن من جهة الصدر. 5 ـ جرح قطعي صغير بالجهة
اليسرى من الخصر. 6 ـ سحجة بالرفق الأيسر وكذلك الأيمن.
7 ـ آثار سحجة بالساق اليسرى. 8 ـ سحجة بالقدم اليسرى.
9 ـ سحجة خلف الرقبة من آثار ضرب أقدام في الجهة اليسرى.
وهنا توقف الصك عن ذكر بقية الأمور، التي هي أكثر أهمية
من هذه، واكتفى بالقول: أ. هـ! أي الى آخره!
أما الطبيب الشرعي بوزارة الصحة فوجد ما نصّه ـ حسب
صك الحكم:
كدم رضي حيوي حديث يشمل جفني العين اليمنى أساساً وما
حولها، مصحوباً بكسر متفتت بعظام سقف حجاج العين اليمنى
بارز الى تجويف الحفرة الجمجمية الأمامية اليمنى لقاع
قاعدة المخ، علاوة على نزف دموي حيوي حديث محمر اللون
تحت الام الجافية مقابل قاعدة الفصين الجبهيين لنصفي المخ،
وتكدّم حيوي حديث بأنسجة جوهر قاعدة الفص الجبهي الأيمن
للمخ، وكذلك كدم رضي حيوي حديث بكيس الفن على الناحيتين
كلاهما ناشئ عن المصادمة بجسم صلب راض، أياً كانت، يجوز
حدوثهما من مثل الضرب بالأيدي والركل بالأرجل، ويصعب تصور
حدوثهما من مثل السقوط من علو. (ووجد) سحجات رضيّة احتكاكية
حيوية حديثة بالوجه ويسار البطن ووحشية الكاحل الأيسر
ناشئة عن المصادمة والإحتكاك بجسم أو أجسام صلبة راضّة
خشنة السطح نوعاً أيا كانت. (ووجد) سحجات خدشية حيوية
حديثة متعددة ومتداخلة مستطيلة وهلالية ومثلثة الشكل بالعنق
والساعد الأيمن ناشئة عن الضغط والضغط مع الجرّ على الجلد
بأجسام خادشة فوق مواضع حدوثها. وثبت من تقرير قسم التشريح
النسجي أن السحايا فوق الصفيحة الحجاجية اليمنى أظهرت
نزف جديد بسيط مع احتقان وعائي نسيج النصف الأيمن للمخيخ،
أظهر نزف جديد واحتقان وعائي واضح نسيج قاعدة الفص الجبهي
لنصف المخ الأيمن، وأظهر تسرب بؤري لخلايا الدم الحمراء،
واحتقان وعائي بسيط. وثبت من تقرير قسم السموم سلبية عينات
الدم والأحشاء من المواد السامة أو العقاقير السابق وضعها
بصلب التقرير.
وأخيراً يؤكد التقرير الطبي الشرعي التالي:
وعليه تعزى وفاة المذكور الى إصابة العين اليمنى بما
صحبها من كسر بعظام سقف حجاج العين اليمنى ونزف دموي تحت
الام الجافية وتكدم جوهر الفص الجبهي الأيمن للمخ، انتهى
بتوقف التنفس والقلب.
المتهم الأساس محمد بن موسى، الذي كذب بشأن مشاركته
في الهجوم والإعتداء، قال بأنه (لا يعقل أن يحصل بالمصاب
هذه الإصابة ويذهب يمشي على رجليه الى مركز الهيئة) أي
أنه يعترف أولاً بكذبه، ويعترف ثانياً بأنه استخدم العنف
ضد الضحيّة، لكن مسألة الوفاة لم تكن بسبب الضرب في الخارج
وإنما في داخل مركز الهيئة، وهذا على أية حال يدين الهيئة،
وإن كان لا يبرئ محمد بن موسى، خاصة وأنه كان موجوداً
في مركز الهيئة أيضاً.
أما عدنان، المتهم الثاني، فأكد (أن الإصابة التي بالعين
اليمنى هي من المدعى عليه محمد بن موسى). ويقول صك الحكم،
بأن عدداً ممن شاركوا في الهجوم على منزل الحريصي، والمتهمين
بالقضية عُرضوا على أشقاء الضحية سلمان الحريصي، وأنهم
تعرفوا على عضوي الهيئة بندر العثيمين وعبدالحميد الشثري،
وقالوا بأنهما كانا يضربان الضحية سلمان، كما أفادوا بأن
(عدنان اليوسف كان يقوم بضرب المتوفى بشدة بيده وقدمه،
واستخدم حديدة في ضربه) ولكنهم لم يتعرفوا على البقية،
لأنهم كانوا (ملثمين!). في حين أفاد أحد أقارب الضحية
وكان من بين من اعتقل بأنه شاهد عدداً من رجال الهيئة
يضربون الضحية، وبينهم عادل شاهين عضو الهيئة الذي كان
يقوم بركل المتوفى بقدمه (أثناء وجودهم بمركز الهيئة بعد
القبض). زد على ذلك فإن صك الحكم، يؤكد أن العسكري المرافق
للهيئة وهو (أحمد الطليان) أفاد بـ (أن جميع أعضاء الهيئة
شاركوا في ضرب المقبوض عليهم).. أي بمن فيهم محمد موسى،
في حين أن عبدالحميد الشثري، وهو عضو الهيئة، وهو متهم،
حرر محضراً بالحاضرين شطب منه إسم المتهمين الأساسيين
محمد موسى وعدنان يوسف.
وبدأ الصك يستشهد بأقوال أعضاء في الهيئة، في مؤامرة
واضحة، وكلهم يقولون بأن المتهمين الأساسيين لم يكونا
موجودين! مع أن ثلاثة منهم على الأقل وهم عدنان يوسف،
وفهد السحين وعبدالرحمن العيسى اعترفوا بأن محمد موسى
كان موجوداً وساهم في الهجوم والضرب، مما يعني أن رجال
الهيئة ليس فقط كاذبين، بل يفتقدون الحس المسؤول، وهم
بممارساتهم أقل من أن يتركوا في جهاز له سمة دينية، بل
كان يجب تعزيرهم وسجنهم لكذبهم وحلفهم بالباطل.
فعضو الهيئة فلاج الفلاج، المتهم هو الآخر بالإعتداء
على سلمان وهو أحد المهاجمين على منزل الضحية، هذا المجرم
وبطريقة حاميها حراميها، وإذا كان خصمك القاضي وشاهد الزور
هو المجرم فلا تنتظر حقاً، شطب اسم المتهمين الأساسيين
من قائمة المهاجمين، وكذلك فعل أعضاء الهيئة المتهمون
في القضية والمشاركون في الجرم: ناصر العبدالله، وفهد
السحيم، وفهد البشر، وعيد المطيري وعبدالرحمن العيسى،
وعبدالعزيز الضاحي وتميم الكليفيخ، فهؤلاء كلهم اتفقوا
على إخراج المتهمين الأساسيين من دائرة الحضور والمشاركة
في الهجوم من أساسها، وهو أمرٌ لم يزعمه المتهمان: عدنان
يوسف لنفسه، ولم ينفه بالكامل بعد أن جوبه بالحقائق محمد
موسى! ولكن القضاء الأعمى يريد تبرئتهما من الأساس، فالقاضي
ورجل الهيئة والمجرمون الذين أصبحوا شهوداً كلهم اتفقوا
على أمر واحد وهو تبرئة المجرمين لكي (يضيع دم الضحية
بين قبائل الهيئة) التي تتغطى بالشرع وتمارس نقيضه، وتوغل
في دماء المواطنين والإعتداء على أعراضهم.
ومع كل هذه التخريجات، فإن رجال الهيئة ـ لازالوا حتى
الآن ـ في دائرة الإتهام، فهناك قتيل، وهناك متهمون بالقتل،
وكلهم شاركوا في الضرب، وبالتالي لا بدّ أن يكونوا كلهم
إما متساوين في الجرم، أو أن أحداً منهم يُنسب اليه القتل
ويحكم على البقية بالسجن. مع ملاحظة أن بعض المهاجمين
من رجال الهيئة كانوا ملثمين شأنهم شأن أية عصابة مجرمة،
كما أن بعض المتهمين ـ مثل عبدالرحمن العيسى ـ والذي سبق
له أن أكد أن محمد بن موسى كان مشاركاً في الهجوم والإعتداء
على الضحية سلمان الحريصي، أعيد التحقيق معه مجدداً لينفي
حضور محمد بن موسى، أي ليغير أقواله ويعطي القضاة فرصة
لإنقاذ رقبته من القتل، وهو ما كان يريده القضاة أنفسهم،
لأن رجال الهيئة والقضاة (أبناء عم!) يعملون في ذات الحقل
الديني الوهابي المتطرف، وبينهما صلات عائلية وقبلية ومصالح،
ثم إن النظام السياسي يظللهما معاً ويدافع عنهما، وبالتالي
فإن إدانة رجال الهيئة ـ من وجهة نظر القضاة ـ تأتي بمفاسد
كبيرة على التيار الوهابي المتطرف المسيطر على الدولة
والخانق للمجتمع.
لم يأبه القضاة الوهابيون لأقوال خالد كعبي، وهو أحد
المعتقلين في هجوم الهيئة، والتي جاء فيها ـ كما يؤكد
صك الحكم:
أشهد بأنني شاهدت هذا الحاضر، ويشير الى محمد الموسى،
وهو يقوم بضرب جميع الموجودين في الصالة العلوية من المنزل،
ومن بينهم أنا، حيث كان يقوم بركلنا بقدمه، وقد شاهدته
وهو يقوم بضرب سلمان برجله على بطنه والجزء الأعلى من
جسده، ولا أعرف كم عدد الضربات ولا أستطيع تحديد موقع
الضرب بالضبط، إلا أن سلمان كان على جانبه الأيمن، فالذي
أتصور أنه كان يضربه على جانبه الأيسر، ثم شاهدت في سلمان
بعد نزولنا تورم في عينه اليمنى.
حكم قراقوش: براءة المتهمين!
بعد عدة جلسات من المرافعات والنقاشات، أطلق القاضي
سعد بن محمد الهزاني، وبحضور قاضيين مشاركين: عبدالرحمن
بن عبدالعزيز التويجري، وعبدالرحمن الدريهم، أطلق حكمه
المذهل والعجيب، والذي جاء فيه:
(1) رفض القاضي شهادة أعضاء الهيئة المشاركين في الهجوم
والضرب، والمتعلقة بالمتهم الأساس محمد بن موسى، والذي
زعم أنه لم يكن حاضراً، حيث أفادوا بحضوره، وبرر القاضي
رفضه بأن أعضاء الهيئة الذين قالوا بمشاهدتهم لمحمد بن
موسى هم متهمون في القضية، وأنهم يدافعون عن أنفسهم باتهام
غيرهم، وغير ذلك من قبيل أنهم لم يحددوا موقع الضرب الذي
أدّى الى الوفاة!
(2) أسقط القاضي شهادة خالد كعبي، وهو أحد المعتقلين
والمعتدى عليهم من رجال الهيئة، والذي يتهم فيها محمد
بن موسى بقتل الضحية، وبررالقاضي بأن المعتقل (فاسق) لا
تقبل شهادته لأنه يتعاطى الخمور، وأنه (زعم) بأنه تعرض
للضرب!، وأنه لم يحدد موقع ضرب الضحية الذي أدى الى الوفاة!.
(3) رفض القاضي نتائج التحقيق الرسمية التي تقول بإدانة
المدّعى عليهما محمد بن موسى وعدنان يوسف، وقال بأن ذلك
لا دليل عليهما. وقال القاضي بأن سبب القتل ضربة في العين،
(فكيف ينسب القتل العمد والعدوان لإثنين). إن هذا المنطق
لا يقوله قاض، ولا حتى طفل يعمل في حقل القضاء. وبالرغم
من الحديث الكثير الذي تضمنته حيثيات الحكم من وجود آلات
حادة (قضيب حديد) استخدم ضد الضحية وغيره أدت الى الوفاة،
قال القاضي: (لم يذكر لا من خلال التحقيق ولا من خلال
أطراف القضية استعمال آلة في ضرب المتوفى) ليصل الى النتيجة
العبقرية المخالفة لتقرير الطب الشرعي: (أن المتوفى تعرض
للضرب على رأسه بالقدم، فلا الآلة قاتلة ولا الموضع مقتل،
فالرأس ليس من المقاتل، إذا كان الضرب بلا آلة)!
(4) لم يأبه القاضي للتحقيق الرسمي لعينة دم محمد موسى
والتي وجدت في بيت الضحية وهي تؤكد وجوده في الهجوم ومشاركته
في الضرب والتعذيب. كما لم يقبل القضاة شهود كثيرين بحجة
إنهم إما متعاطفين مع الضحية أو من المقربين منه.
(5) اتخذ القاضي موقع المحامي عن المتهمين، فقال بأن
القتل إن كان حدث! فهو غير متعمّد: (على فرض ثبوت قيام
أحد المدعى عليهما بضرب المتوفى بقدمه على رأسه فلا يعني
ذلك أنه عمد الى قتله، لأن العمدية يستدل عليها أما بالآلة
وإما بموضع القتل، وكلاهما منعدم في هذه القضية).
(6) وفي الأخير يصل القاضي الى نقطة الحسم، فيقول بأن
(المدعي لم يقدم بيّنة على دعواه. لذا أفهمناه بأن له
يمين المدعى عليهما على نفي دعواه، فقال إنني لا ارغب
إيمانهما وقد أبدى المدعى عليهما استعدادهما ببذل اليمين)!
ما شاء الله، يقتلون، ثم يحلفون بأنهم لم يفعلوا وهم كاذبون،
ليصبحوا برءاء في حكم القاضي الوهابي الذي أسقط كل المعلومات
ولم يحقق في شيء.
(6) وهكذا أسقط القاضي الدعوى من أساسها، فقرر: (بناء
على كل ما تقدم، فقد صرفنا النظر عن دعوى المدعي بقتل
المدعى عليهما محمد بن موسى وعدنان بن يوسف وأخلينا سبيل
المدعى عليهما من الدعوى، وأفهمنا المدعي بأن لموكليه
يمين المدعى عليهما على نفي دعواهم متى شاؤوا وبذلك حكمنا،
كما جرى إفهام المدعي بأن دعواه بتعزير بقيّة أعضاء الهيئة
ليست من اختصاص هذه المحكمة).
والنتيجة النهائية، فإن دم الرجل ذهب سدى، والمتهمون
أطلق سراحهم، ولم يؤنّبوا رغم اعترافهم بالضرب والإيذاء
وخرق القانون وغير ذلك، لأن ذلك ليس من اختصاص المحكمة،
ولا يبدو أنه توجد محكمة تحاكم عصابات هيئة الأمر بالمعروف،
فهم فوق الحساب، الى أن وصل الامر الى القتل، أما ما دون
ذلك فلا تقبل فيه دعوى! كل ما حصل عليه أهل الضحية هو:
إن شئتم أن يحلف لكم المتهمان بأنهما لم يقتلا إبنكم فعلنا
ذلك، وإن لم تقبلوا فاشربوا ماء البحر!
أجار الله مواطنينا من هذا القضاء الفاسد، ومن طغمة
الوهابية المتطرّفة، وحسبنا الله ونعم الوكيل!
|