ليست وهماً، بل حقائق مرّة
العلاقات السعودية الإسرائيلية
محمد شمس
قد يثير العنوان تساؤلاً أولياً: هل هناك علاقات سعودية
إسرائيلية أصلاً؟ أم أن الموضوع يتعلق بإشاعات تبثها وسائل
الإعلام، خاصة الإسرائيلية منها؟ ثم إذا كانت هناك علاقات
من نوع ما، فما هي حدودها؟ وما هي أهدافها من الجانب السعودي؟
ولماذا السعودية في الأصل بحاجة الى علاقة مع إسرائيل
وهي تعلم أنها (علاقة محرّمة) خاصة من بلد يحتضن مقدسات
المسلمين، قد تعود بالضرر الكبير ـ ظاهرياً ـ على نظام
الحكم السعودي نفسه؟ هل العلاقة مع إسرائيل (ضارّة) فعلاً
لآل سعود؟ لماذا إذن تمتليء المنتديات السعودية (خاصة
السلفية: موقع الساحات مثلاً، والمخترق من المباحث السعودية)
بدعوات لإقامة علاقات مع اسرائيل والتفرّغ لحرب إيران
وحزب الله وسوريا على قاعدة طائفية، باعتبار هذه الأطراف
أكثر خطراً على (السعودية) وعلى (الإسلام) من إسرائيل
نفسها؟!
مما لا شك فيه أن الإعلام والسياسة الإسرائيليين يتوقان
الى تطبيع العلاقات مع السعودية والدول العربية والإسلامية
عامّة، وإيصال التطبيع الى القاعدة الشعبية، ولذا فإن
الصهاينة مدفوعين بأمرين: الحاجة الى كتمان تلك العلاقات
من جهة بغرض استمراريتها، والحاجة الى الإعلان عن تلك
العلاقات. فبالرغم من فوائد الإعلان النفسية التطبيعية
والإختراقية للشخصية العربية، فإنه يمثل إضراراً باستمرار
العلاقة مع تلك الدول العربية، كونه يحرجها ويظهرها بمظهر
المتآمر. لهذا اعتادت الصحافة الإسرائيلية على تسريب بعض
الأنباء عن العلاقات مع دول عربية عديدة، وفي كثير من
الأحيان هي أخبار كاذبة، كما هو الحال مع سوريا مثلاً،
فيما تقدم تلك الوسائل الإعلامية الإسرائيلية بعض المعلومات
القليلة عن تواصل في العلاقات وتدعيمها بالنسبة لبلدان
أخرى كالسعودية، مخفية في نفس الوقت ما تحت قمة الجبل
من اتصالات وتعاون.
لهذا ليس كل ما ينشره الإسرائيليون صحيحاً، فكثير منه
جزء من الحملة النفسية ضد الشعوب العربية. ولذا هناك حاجة
ماسّة للتحفظ على كثير من الأخبار الواردة، سواء تعلق
الأمر بسوريا أو السعودية أو إيران أو غيرها، عدا تلك
الأخبار المؤكدة والواضحة والتي تجري في كثير من الأحيان
في وضع (نصف علني). فليس كل ما يقوله الإسرائيليون دليلاً،
إلا إذا جاء مع قرائن أخرى، وأدلّة متوازية. نقول هذا،
حتى نضع الصورة كأقرب ما تكون أمام الواقع أمام القارئ،
خاصة ونحن نتحدث عن علاقات بلد مثل السعودية مع اسرائيل.
لقد كثر الحديث عن علاقات سعودية اسرائيلية قوية خاصة
بعد موقف السعودية من حرب تموز 2006م المضاد لحزب الله
و (مغامرته) وكيف أن السعودية أوصلت الى اسرائيل رأيها
بضرورة مواصلة الحرب حتى (إنهاء قوة الحزب).. ثم جرى الحديث
عن لقاء بين الأمير بندر ـ مستشار الأمن القومي السعودي
ـ ورئيس وزراء اسرائيل أيهود أولمرت وذلك في ضيافة الملك
عبدالله الثاني، ملك الأردن، إضافة الى لقاءات أخرى بين
السعوديين والإسرائيليين على مستوى المخابرات. وهي لقاءات
لم ينفها أولمرت بشكل قطعي في مؤتمر صحافي، بل أكّدها
بإشاراته وهو يبتسم بأنه نفى ما نفاه، وأنه يحق للصحافيين
بأن لا يصدّقوا نفيه!
أصول العائلة المالكة
لكن موضوع ارتباط آل سعود باليهود كان ولازال مثار
جدل عند شرائح من المواطنين السعوديين، فقد ظهر مبكراً
(قبل نحو قرنين من الزمان) زعم بأن آل سعود ينتمون الى
جذر يهودي، وأن جدّهم الأعلى إسمه (مردخاي)، في حين يقول
آل سعود أنه (مرخان) فيرد عليهم أولئك بأنه لا يوجد إسم
كهذا استخدمته قبيلة من قبل. وجاء ناصر السعيد، المعارض
النجدي من حائل والذي اختطفه آل سعود وقتلوه فيما يبدو
في نهاية 1979م في بيروت بالتآمر مع أطراف فلسطينية، جاء
وركّز هذا المدّعى، وهو أن آل سعود من أصل يهودي، وحاول
تأصيل الأمر من خلال الشعر الشعبي الذي ظهر مبكراً معبّراً
عن ذلك المدّعى (شعر حمدان بن شويعر)، بل أنه زاد في الأمر
وحاول وضع تصوّر لشكل اليهودي كعلامة مميزة وأنها تنطبق
على آل سعود، مثل: طول الأنف، نافياً في نفس الوقت انتساب
آل سعود لفرع (المصاليخ) من قبيلة عنزة.
في وقت مبكر، بدا أن الحرب العثمانية مع الوهابية قد
ولّدت ادّعاء النسب اليهودي لآل سعود، خاصة وأن محمد بن
عبد الوهاب (زعيم الوهابية) لا يشك في انتمائه القبلي
لتميم، ولكنه هو أيضاً اتهم بأنه من أصل يهودي، وأنه مثل
آل سعود من يهود الدونمة، وغير ذلك. لكن يبدو ان التركيز
اتجه فيما بعد لآل سعود، فهناك رغم الدعايات كلها، غموض
في النسب السعودي، خاصة وأن آل سعود جاؤوا بأشخاص ليرسموا
لهم شجرة نسبهم، فرسمت شجرات عديدة كان بعضها في عهد الملك
سعود.
وفي عهد الملك فيصل، وهذا حقيقي، تم تشكيل لجنة من
مستشاريه (المعروفين بالعصبة السورية) للبحث في نسب العائلة
المالكة، وكان يلتقي بهم بين الفينة والأخرى، ثم فجأة
توقف البحث، ولم ينشر شيء عن ذلك، فيما أفاد أحد المستشارين
بأنهم توصلوا الى حقيقة أن النسب السعودي يتصل (باليهود).
وحتى لو صدق هذا، وهو اعتقاد قد يكون صحيحاً، فإن الإسلام
يجب ما قبله، ولكن الأفعال السعودية السياسية وغيرها ما
برحت تعيد المواطنين الى التفتيش والبحث والإتهام لآل
سعود بنسبهم اليهودي. ويمكن ملاحظة أنه منذ الصدام بين
التيار العنفي الوهابي وآل سعود بعيد أحداث سبتمبر 2001،
زاد الحديث عن الأمر وتكرر الإتهام هذه المرة من حلفاء
النظام النجديين الذين يهتمون بموضوع النسب القبيلي ويميزون
على أساسه، فتجد أنه غالباً ما يتكرر قول: إن آل سعود
ذوو أصول يهودية، والدليل هو أفعالهم.
المصمودي: رسالة سعودية لإسرائيل
|
هل هناك علاقات سعودية إسرائيلية؟
من الصعب نفي الحجم الهائل والمستمر من الأخبار والتصريحات
على مدار عقود طويلة، والتي تؤكد أن هناك تواصلاً بين
السعودية واسرائيل سياسياً واستخباراتياً واقتصادياً،
الى حد خشيت الولايات المتحدة من انكشافه للرأي العام
العربي. في وثيقة قدّمت لكلينتون بداية عهده تتعلق بالملك
فهد (على الأرجح أنها كانت في عام 1994) أعدها بشكل مشترك
وزارة الخارجية الأميركية ولجنة الشؤون الخارجية في الكونغرس..
جاء توصيف العلاقة التي انطلقت الى مديات واسعة بين اسرائيل
والسعودية في عهد فهد، فتقول:
كما هو دارج في عدم إدراك آل سعود، فإن فهد فهم من
حديث بينه وبين الرئيس الأسبق جورج بوش، بأن إقامة علاقات
واضحة وقوية مع إسرائيل سيحقّق الأمن في المنطقة. وقد
فسّر فهد أمن المنطقة بأنه يعني أمنه الشخصي. ولهذا السبب،
ذهب بعيداً في إقامة علاقات إجتماعية مع إسرائيل على المستويين
السياسي والعسكري. وبالرغم من المشاركة السعودية في تمويل
الدعم العسكري لإسرائيل خلال حرب العراق، في سبيل إبقائها
خارج مجال العمل على أمل تفادي أي مواجهات مع الشعب العربي
وإفشال أهداف قوات التحالف، والتي تمّت بناء على إتفاقنا
مع الملك شخصياً، فإنه لا يزال ينظر الى أن ذلك كمبدأ
أساسي أو قانون من أجل السيطرة على سير المفاوضات العربية
ـ الإسرائيلية.
ولسوء الحظ هناك قوى في إسرائيل تستغل ذلك لمصالحها
الخاصة، بما قد يهدّد عملية السلام بصورة كاملة كما تهدّد
أمن السعودية، وخصوصاً في حال تسرّب وثائق محددة عن علاقتها
بها (أي بإسرائيل). ومن المحتمل جداً أن يتم ذلك بأيدي
الإسرائيليين، في حال لم يستجب النظام ـ السعودي ـ لمطالب
محددة بالنسبة لإسرائيل. ويزوّد النظام السعودي إسرائيل
بالخطط المالية والتنسيق في إطار مشاريع مشتركة، سواء
داخل أو خارج السوق الشرق أوسطية.
ومن خلال تبني موقف تقاربي مع منظمة التحرير على حساب
منظمة حماس، فإن النظام السعودي يحاول أن يخفي علاقاته
الحقيقية مع حماس (أنظر الى رسالتنا الى سعود الفيصل وزير
الخارجية أرقام: 26، 105، 403 بصورة خاصة).
إن هذه الخطوات السعودية ـ الإسرائيلية غير المحسوبة
تتسبب في مشاكل كثيرة بالنسبة لنا، ولن تفضي إلى علاقات
أمنية صحية بين فهد واسرائيل خارج سياق سياستنا. لقد أشرنا
إلى ذلك بصورة واضحة لكل منهما. ولكن فهد يحاول أن يجد
مبرراً، بمعنى أنه يريد هذه العلاقات مع اسرائيل كإستمرار
للعمل المشترك في اليمن في الستينيات في ضوء تسارع الأحداث
بين الحكومتين في اليمن.
يلاحظ مما قيل أعلاه بأن العلاقات السعودية الإسرائيلية
قديمة، وأن التنسيق بينهما موجود منذ الستينيات الميلادية،
أي منذ حرب اليمن (حسب الوثيقة) على الأقل. ففي تلك الفترة
رأت السعودية واسرائيل مصلحة مشتركة بينهما في إشغال عبدالناصر
وإضعافه، وحين سقط في حرب الـ1967م، لم يكن أحدٌ فرحاً
بتلك الهزيمة كفرح الأمراء السعوديين، فقد تخلّصوا أخيراً
من عنصر التهديد الأول لحكمهم.
(حرب اليمن) 1962-1970، لم تكن بداية العلاقة، ولكن
يمكن اعتبارها (بداية الإنطلاقة) في العلاقة بين اسرائيل
والسعودية، فلأول مرة يلتقي مسؤولو البلدين اتصالاً رسمياً
عبر جوليان إيمري، عضو مجلس العموم البريطاني من المحافظين
الحاقدين على مصر، وعبر الوزير دنكان سانديز. إيمري ذكر
في كتابه: (الصراع على اليمن) بأنه أخبر الملك فيصل بأن
نجاح عبدالناصر في اليمن يمثل خطراً على الإحتياطات النفطية
وينذر بالشر، ولذا على جميع الأطراف مقاومته، وقال بأنه
هو الذي اقترح على فيصل جعل اليمن مصيدة لعبدالناصر كيما
تستنزفه في حرب أهلية، وهذا يتطلب تشكيل إطار سياسي لمواجهة
الناصرية، من خلال إعطاء دور لإسرائيل وتخفيف العداء السعودي
الهاشمي، وهو ما تمّ فعلاً.
ويقر ايمري في كتابه بأن عدنان خاشقجي ـ الذي أصبح
مقرّباً من فهد ـ بأنه كان قبل ذلك التاريخ على علاقة
مع الإسرائيليين قبل أن تتوضح تماماً في السبعينيات والثمانينيات
الميلادية، وأنه هو الذي وفر ميزانية لشراء أسلحة واستقدام
مرتزقة اسرائيليين وبريطانيين وفرنسيين وبلجيكيين وجنوب
افريقيين تم ارسالهم لليمن لدعم وتسليح القبائل اليمنية
الموالية للسعودية والملكيين والمناهضة لعبدالناصر. ولكي
يتم التواصل بشكل مستمر، افتتح مكتب ارتباط سعودي ـ إسرائيلي
في بيروت تحت غطاء تجاري.
النشاشيبي: مبعوث فهد لاسرائيل
|
الخبير العسكري الإسرائيلي هيرش غودفان، كتب للجيروزاليم
بوست (12/10/1980) ان تفاهماً غير مكتوب أبرم بين إسرائيل
والسعودية في الفترة الواقعة بين النكسة وحرب اكتوبر 1967-1973،
يتيح لإسرائيل التدخل مباشرة وبالنيابة عن أميركا والسعودية
لصالح الأخيرة في حال قررت مصر التحرّش بالسعودية المتخمة
بالمال والمؤيدة من قبل الغرب.
ويرى باحثون اسرائيليون بأن اسرائيل أنقذت السعودية
مرتين: الأولى في بداية الستينيات من خلال مساهمة اسرائيل
في حرب اليمن ضد عبدالناصر، والثانية عام 1967 حين قامت
اسرائيل باحتلال سيناء وتكسير الجيش المصري. ويرى الباحث
الكساندر بلاي بأن السعودية واسرائيل أقامتا علاقة حميمة
واتصالات قوية أخذت طابع الإستمرارية بعد حرب اليمن وكان
الهدف المشترك هو منع عبدالناصر من اختراق الجزيرة العربية
عسكرياً. وأكد بلاي بأن السفير الإسرائيلي السابق في لندن
بين عامي 1965-1970 أهارون يميز قد أبلغه بعمق العلاقة
التي أقامها الملكان سعود وفيصل مع الإسرائيليين في مواجهة
العدو المصري، وهو أمرٌ أعاد تأكيده فرد هاليداي في كتابه:
(الجزيرة العربية بلا سلاطين) حيث أشار الى أن فيصل طلب
من اسرائيل التدخل لحمايته من عبدالناصر، وأن الأخيرة
شحنت كميات كبيرة من الأسلحة، مستخدمة طائرات بريطانية
وألقتها من الجو فوق مناطق نفوذ القبائل الداعمة للملكية
اليمنية.
علاقات سابقة مع اسرائيل
السعوديون يتحدثون عن علاقات سعودية سابقة مع اسرائيل
ومع الزعماء اليهود حتى قبل قيام الدولة اليهودية على
أرض فلسطين، تشير الى ذلك بعض الوثائق البريطانية التي
نشرها د. تيسير كاملة في كتابه: وثائق فلسطين، الصراع
السعودي الهاشمي. كان الصراع المرير بين الهاشميين الذين
طردوا من الحجاز وبين آل سعود قد سبب تنافساً فيمن له
الزعامة على الشام، وكان الملك عبد العزيز يعد ابنه فيصل
(ملكاً) على سوريا بدل الملك الهاشمي المطرود فيصل بن
حسين الذي أعطي عرش العراق فيما بعد. الملك عبدالله، ملك
الأردن حينها، كان على علاقة وثيقة باليهود وبالإنجليز
على حد سواء. وكذلك فعل مثله الملك عبد العزيز آل سعود،
الذي أرسل أبناءه بين الفينة والأخرى ـ في منافسة مع الملك
عبدالله ـ لتوثيق عرى العلاقة مع الإنجليز في فلسطين وقادتهم
الصهاينة. وكان سعود (الملك فيما بعد) قد زار فلسطين والتقى
المندوب السامي هناك، ثم عرج على لقاء الفلسطينيين، وفي
حفل أقيم له في (عنبتا) تلقّاه الشهيد عبدالرحيم محمود
بقصيدة لا يخفى مغزاها، وكانت الزيارة قبل قيام اسرائيل
بأكثر من 16 عاماً، قال فيها:
ياذا الأمير أمام عينك شاعر
ضمّت على الشكوى المريرة
أضلعهْ
المسجد الأقصى أجئت تزورهُ
أم جئتَ من قبل الضياع تودّعهْ
حرمٌ تباع لكلّ أوكع آبقٍ
ولكلّ أفّاق شريدٍ أربُعهْ
وغدا وما أدراك لا يبقى لنا
دمعٌ لنا يهمي وسنٌّ نقرعهْ
|
وحين بدأت ثورة فلسطين الكبرى (1936-1939) كان الفضل
الأكبر لإخمادها للملك عبدالعزيز، وهناك عدد كبير من الوثائق
توضح الدور السعودي المتآمر نشر بعضها خير الدين الزركلي
في كتابه (شبه الجزيرة العربية في عهد الملك عبد العزيز)
كما تجد وثائق أخرى في كتاب د. كاملة، وأيضاً في كتب فلسطينية
أخرى اعتنت بالوثائق البريطانية.
قبل تلك الفترة بسنوات، عرض مستشار ابن سعود، الإنجليزي
العميل جون فيلبي على عبد العزيز التنازل عن فلسطين إغاظة
للهاشميين من جهة، ومن أجل تحصيل بعض المال الذي يعاني
من شحته، وأبلغه بعرض قدّمه حاييم وايزمان من أنه مستعد
لدفع عشرين مليون دولار، على أن يتحمّل الملك السعودي
بعض اللاجئين الفلسطينيين، وكاد الملك أن يوافق لولا أن
أحد مستشاريه (يقال أنه كان الدرزي فؤاد حمزة) حذّره من
أن ذلك سيؤدي الى اهتزاز سلطته بين شعبه وقد تضيع بعض
أملاكه الشمالية المحاذية للأردن بسبب قراره، فتراجع.
ودلّت الوثائق اللاحقة للإنتفاضة الفلسطينية الكبرى،
أن ابن سعود ينسق مع البريطانيين لإخماد أي توجه مقاوم
للإنجليز، متجاهلاً حقيقة التهويد والإستيطان قبل أن تقوم
اسرائيل، وكان الملك السعودي كما هو معروف يمنع الحجاج
الفلسطينيين من تبليغ العالم الإسلامي بقضيتهم في موسم
الحج، وكثيراً ما صادر مخبروه المنشورات والكتب التي يوزعها
الحجاج وثم يكون مصيرها النار! ثم إن عبدالعزيز كان شديد
الكرة للحاج أمين الحسيني، واستطاع فيما بعد أن يستقطب
بعض رموز القيادة الفلسطينية لدعم شرعيته ومثله فعل الملك
سعود، فجاء لخدمته ـ مثلاً ـ جمال الحسيني، وأحمد الشقيري
أول رئيس لمنظمة التحرير الفلسطينية.
خاشقجي: رفيق فهد لإسرائيل
|
علاقات لاحقة: الطفرة في عهد فهد
بمقتل الملك فيصل، والذي يشير الى يد لفهد في اغتياله،
تصاعد حجم الإتصالات مع اسرائيل، ويعتبر عهد فهد عهد الطفرة
في العلاقات معها، ذلك أن الحواجز الدينية والأخلاقية
والسياسية قد رفعها فهد عن نفسه، ويمكن ملاحظة تلك السمة
في معظم سياساته التي اتخذها طيلة حكمه. وقد أثبت عهد
فهد، أن الدولتين: السعودية واسرائيل تعتمدان في بقائهما
على بعضهما البعض، لا من جهة ارتباطهما بالولايات المتحدة
الأميركية فحسب، بل لأن ال سعود نظروا الى المخاطر التي
تهدد اسرائيل هي ذاتها التي تهدد حكمهم. في البداية كانت
القومية العربية وعلى رأسها مصر، ثم ما سمي بالدول الراديكالية:
سوريا والعراق والى حد ما الجزائر، ثم إيران وسوريا وحزب
الله وحماس. وبالتالي فإن ضرب هذه القوى وإضعافها يصب
بصورة مباشرة في خدمة اسرائيل، والعكس صحيح أيضاً.
إن وجود السعودية بسياساتها المعروفة يدعم اسرائيل.
ليست هذه رؤية نرجسية، بل هي حقيقة تقرها الولايات المتحدة
وخبراؤها الإستراتيجيون؛ وكثيراً ما تردد قول معاكس: إن
وجود اسرائيل يخدم السعودية، باعتبار اسرائيل تعمل ضد
القوى الراديكالية. الوثيقة الأميركية التي أشرنا اليها
بداية المقال تقول في هذا الشأن التالي:
تعتبر العربية السعودية الحجر الأساس في سياستنا القومية
والدولية. فقد كنا نعتقد دائماً بأن سياسة حماية إسرائيل
وإبقائها قوية يمكن ترسيخهما بوجود النظام السعودي الذي
برز مؤخراً في المشهد العربي كقوة مؤثرة. كان مشروع فهد
للتسوية مع اسرائيل نقطة البداية التي يمكن الإنطلاق منها
لكسر جبهة الرفض العربية وتحقيق التسوية التي تقترب الآن
من مرحلة الاستكمال. فبدون النظام السعودي والسياسة المصريّة
التي يتبناها الرئيس مبارك في القيام بخطوات عملية، لن
يكون من الممكن تدمير العراق وإزالته من معادلة المنطقة
]هذا الحديث قبل إسقاط نظام صدام حسين.[
وترى الوثيقة أن:
النظام السعودي، منذ نشأته وبروزه في بداية القرن (الماضي)،
كان عنصراً هاماً في أيدينا لتحقيق وبسط مصالحنا السياسية
والنفطية في مواجهة النفوذ البريطاني. وبعد نشأة إسرائيل
وبروز تيارات فكرية قومية وراديكالية في المنطقة، أصبح
النظام السعودي هاماً بدرجة كبيرة لقمع طموحات هذه القوى
لأنها كانت تهدّد أمن ومستقبل إسرائيل. ولكن النظام السعودي،
وتحت تأثير الشخصية المهيمنة للملك فيصل، دفعتنا للتورّط
في نزاعات خطيرة مع الحركة القومية العربية. ولم تكن هذه
الحركة شريرة بصورة كاملة. إن الطموح الذي كانت تسعى إلى
تحقيقه ـ أي الحركة القومية ـ هو إقامة نظام عربي متماسك
ـ وهو أمر لصالحنا، وفي حال حصوله سنتمكّن من احتواء أي
خطر يهدد إسرائيل. (مرفق تقرير خاص حول القومية العربية
رقم: 58330).
وعن سياسات فهد تقول بأن: (سياساته حيال العراق تتوافق
مع مصالحنا ومصالح إسرائيل، رغم تحفّظنا إزاء طرق تفكيره
وفرضياته التي ينطلق منها).
المسألة واضحة إذن، بأن هناك عنصر مصالح مشترك، يلحظه
الغربي الأميركي، والإسرائيلي الصهيوني، والسعودي بطريقته
الخاصة وإن كانت قاصرة. هناك دور وظيفي للنظام السعودي
يشابه الدور الوظيفي الذي يؤديه الكيان الصهيوني، وعنصر
(البقاء) يعتبر محرّكاً لدى الطرفين: بقاء الدولة الصهيونية،
وبقاء آل سعود على رأس الدولة التي أقاموها بالتعاون مع
البريطانيين بادئ الأمر.
سنرى أنه في عهد فهد تتكرر الإتصالات وتتصاعد مع اسرائيل
بشكل لافت غير معهود، وسنرى أن فهد نفسه قد تأكد لديه
أهمية (المصير المشترك) وهو شعور ينتاب النخبة النجدية
العلمانية اليوم، فلكي تبقى الدولة السعودية لا بدّ من
التفاهم مع اسرائيل مباشرة، ولا بدّ من التعاطي مع اللوبي
الصهيوني الأميركي، ولا بدّ أيضاً تحمّل (الإبتزاز) الإسرائيلي
الذي يظهر بين الفينة والأخرى.
فيما يلي (بعض) محطات العلاقة وتفاصيلها حسبما جادت
به الصحف المختلفة:
ـ في 8 يونيو 1878م قالت صحيفة لوماتان الفرنسية أن
وزير الدفاع الإسرائيلي حينها، عزرا وايزمن، التقى سراً
بولي العهد السعودي (الملك فهد فيما بعد) أثناء زيارة
الأخير لأسبانيا قام بها.
ـ مجلة التايم الأميركية نشرت في (14/8/1978م) تحت
عنوان (موعد إسرائيلي في المغرب) نشرت خبراً يفيد بأن
الملك الحسن الثاني المعروف بعلاقاته الوثيقة باسرائيل،
رتّب لقاءً بين الأمير فهد (ولي العهد) باسحاق رابين.
ولم توضح المجلة تفاصيل اللقاء أو الموضوعات التي نوقشت.
ـ الجيروزاليم بوست في 23/6/1994 أجرت لقاءً بضابط
مخابرات اسرائيلي (رافي سينون) حول كتابه (الفرص الكبرى
المبدّدة) والذي أشار فيه الى لقاءات اسرائيلية مع مسؤولين
عرب. في ذلك اللقاء أكد ما نشره في كتابه بأن فهد حين
كان ولياً للعهد أجرى اتصالات سرية مع اسرائيل للتوصل
الى تفاهم بين البلدين، وأنه أرسل مبعوثاً من قبله للقاء
موشي ديان، وزير الخارجية الإسرائيلي. الصحيفة قالت أن
المبعوث هو الصحافي الفلسطيني (ناصر الدين النشاشيبي)
الذي قال في مقابلة مع الصحيفة نفسها أنه التقى بالكولونيل
(سينون) في عام 1976م، ثم قابل ولي العهد فهد الذي سلّمه
رسالة شفهية منه الى دايان، وأضاف النشاشيبي بأن الإسرائيليين
احتفوا به في القدس، وأنه التقى بعد ذلك التاريخ بستة
أعوام أي في حدود 1982م، وهو عام احتلال بيروت، وعام تولي
فهد كرسي الحكم كملك، التقى بشيمون بيريز في نيويورك،
وانه استلم من الأخير رسالة الى الملك فهد نقلها اليه
ولم يعرف محتوياتها.
ـ ألكساندر بلاي، الباحث المعروف، كتب مقالاً في مجلة
جيروزاليم كوارترلي الفصلية، تحدث فيه عن عمليات بيع النفط
السعودي لإسرائيل، وذكر أن ناقلات النفط تغادر الموانئ
السعودية، وما إن تصل إلى عرض البحر حتى تزيف أوراقها
وتحول حمولتها إلى الموانئ الإسرائيلية.
ـ في عام 1976، حمل وزير الخارجية التونسي محمد المصمودي
رسالة سعودية الى اسرائيل. ويبدو أن التونسيين قد سبقوا
السعوديين في توطيد العلاقات مع اسرائيل، ولعل دعوة شارون
لزيارة تونس عام 2005 تكشف عمق تلك العلاقات. وقالت مجلة
(هغولام هزة) الإسرائيلية في 26/10/1980م، أن الرسالة
السعودية تتضمن تعويضاً مالياً سعودياً بمليارات الدولارات
لإسرائيل مقابل الإنسحاب من الأراضي المحتلة عام 1967م
وقيام دولة فلسطينية، على أن تعترف جميع الدول العربية
بالدولة العبرية في المقابل وتطبّع العلاقة معها.
ـ في عام 1967، احتلت اسرائيل جزر صنافير وتيران في
خليج العقبة، وهي الجزر التي كانت السعودية تجادل عبدالناصر
بملكيتها، فلما احتلت سكتت عن الأمر، كما احتلت اسرائيل
في السنوات التالية ست جزر سعودية في البحر الأحمر، يعتقد
أنها تحاذي المنطقة الجنوبية السعودية، وحتى الآن لم تطالب
السعودية بها.
ـ في عام 1980م، تخلّت اسرائيل عن معارضتها بيع أميركا
للسعودية طائرات الأواكس، شريطة الحصول على كامل المعلومات
التي توفرها تلك الطائرات، وفي العام التالي هاجمت اسرائيل
المفاعل النووي العراقي مارة بالأجواء السعودية والأردن.
ـ منذ بداية الثمانينيات تزايدت الخروقات الإسرائيلية
للأجواء السعودية، التي أخذت بالتحليق فوق قاعدة تبوك
والمدن الشمالية، وكانت تلقي بخزاناتها الإضافية الفارغة
تحدياً. ولم تقم السعودية طيلة التاريخ حتى اليوم إلا
بالإعتراض مرة واحدة لدى الأمم المتحدة! كان ذلك عام 2005.
ـ عام 1982م، تبنّت القمة العربية في فاس، مشروع الملك
فهد للسلام، الذي يعترف لأول مرة بإسرائيل، وقد سبق الإعلان
ضغوط سعودية على سوريا والفلسطينيين، ومحاولات تسويقه
في اتصالات عديدة بين مسؤولين سعوديين واسرائيليين. عدنان
خاشقجي قدّم نسخة من المشروع قبل إقراره لضابط المخابرات
يعقوب نمرودي الذي يقيم معه إضافة الى آل شويمر علاقات
ذات صلة بتجارة السلاح، ونشاطات استخبارية.
ـ في عام 1986، دبّر بندر صفقة مع الصين للحصول على
صواريخ بعيدة المدى، سميت حينها (رياح الشرق). كانت الصفقة
موجهة لإيران، حيث لاتزال الحرب قائمة مع العراق، وقد
سارع بندر ـ حسب نوسمي مايلو ـ كاتب سيرة بندر، الى طمأنة
الإسرائيليين بأن الصفقة ليست موجهة ضد اسرائيل، وتلقى
وعداً من الإسرائيليين بأنهم لن يهاجموا تبوك.
ـ كشف النقاب مراراً على أن عدنان خاشقجي، رجل الأعمال
السعودي، ورفيق فهد في دربه، ومستثمر أمواله، كان أحد
أهم القنوات مع الإسرائيليين، إضافة الى الأمير تركي الفيصل
الذي كان يتولى رئاسة الإستخبارات العامة. وبالنسبة للخاشقجي
الذي تضعضعت مكانته في الثمانينيات بسبب مشاكل قانونية
في أوروبا أدت الى حجز أمواله، فإنه كان على صداقة مع
العديد من القيادات الإسرائيلية مثل شيمون بيريز، وكان
كثير التردد على اسرائيل بطائرته الخاصة. ومشهور عن الخاشقجي
أنه هو الذي حمل عرض تقديم مليارات من الدولارات للإسرائيليين
مقابل رفع العلم السعودي على الأماكن الفلسطينية المقدسة،
منافسة من السعوديين للنفوذ الهاشمي قبل فك الإرتباط بين
الضفة والأردن. وكان شارون قد اعترف بهذا الأمر في لقاء
مع الإذاعة الإسرائيلية في 20/2/1898م.
ـ في عام 1986م، رتّب وزير الداخلية المغربي لقاءً
في المغرب بين شخصيتين اسرائيليتين مقرّبتين من شيمون
بيريز، مع مبعوثين (2) سعوديين. قيل أن الإسرائيليين سلموا
السعوديين معلومات عن مخطط اغتيال أمراء من العائلة المالكة.
ـ في 18/11/1991، التقى السفير السعودي بندر بن عبدالعزيز
مع زعماء الجالية الصهيونية في أميركا، في لقاء علني مكشوف
تحدثت عنه معظم وسائل الإعلام الغربية والإسرائيلية وعدد
من وسائل الإعلام العربية، وذلك في منزل المليونير اليهودي
تسفي شلوم في نيويورك. في ذلك اللقاء، تحدث بندر ـ وبدون
تفويض الدول العربية المعنية ـ من أن تلك الدول ستلغي
المقاطعة الإقتصادية وتوقف الإنتفاضة الفلسطينية إذا جمدت
اسرائيل الإستيطان! وقال بندر بأنه يتحدث باعتباره ممثلاً
للملك فهد، وأن السعودية (لا تعتبر نفسها طرفاً في النزاع
الشرق الأوسطي) وأن دورها بمثابة (قابلة تعمل على توليد
المسيرة السلمية) وينحصر في إقناع الأطراف مختلفة بالسلام
(سمسار)!، وتمويل مشاريع اقتصادية بين اسرائيل والعرب.
رئيس المؤتمر اليهودي العالمي، هنري سيغمان، الذي كان
حاضراً لقاء بندر، قال بأنه هو (أي سيغمان) الذي اقترح
على بندر عقد اللقاء، وأكد عقد اجتماعات كثيرة سابقة مع
زعماء يهود خاصة خلال حرب الخليج الثانية (تحرير الكويت).
وقالت شخصيات حضرت اللقاء لصحيفة معاريف في 19/11/1991،
أن بندر قال بأن بلاده لا تعترض على سياسة اسرائيل لمواجهة
العنف الفلسطيني، وأن بلاده تضغط على منظمة التحرير لتعترف
باسرائيل.
بندر وتركي: أبناء الأفاعي
|
ـ ذكرت الصحافة الإسرائيلية، وبينها صحيفة (حداشوت)
في 20/5/1991م، أن الأمير السعودي تركي بن عبد العزيز،
شقيق الملك فهد، والذي اختار القاهرة كمنفى اختياري له،
أرسل برقية لحجز جناح له في فندق بالقدس، ولكن الأمير
تراجع عن الزيارة بعد تسرب خبرها.
ـ أشرف بندر في أكتوبر 1992م على ترتيب زيارة قامت
بها شخصيات يهودية أميركية واسرائيلية الى الرياض، حملت
تلك الشخصيات جميعاً جوازات سفر غربية، وكان على رأس الوفد
ديفيد كيمحي، الذي اشتهر بأن له علاقات واسعة مع الأمير
بندر، وأصبح فيما بعد أحد كبار وزارة الخارجية الإسرائيلية.
ـ في 8/2/1993، التقى رئيس اتحاد غرف التجارة الإسرائيلية
داني جيرلمان مع وزير المالية السعودي محمد أبا الخيل
في سويسرا، وذلك لمناقشة مستقبل العلاقات الإقتصادية المستقبلية
بين البلدين.
ـ قالت أنباء صحفية نقلاً عن مصادر أميركية وإسرائيلية
أن رئيس الوزراء الإسرائيلي حينها إسحق رابين عقد اجتماعا
مع سعود الفيصل وزير الخارجية السعودي في الأسبوع الأخير
من ديسمبر 1993. ورجح أن الإجتماع الذي دام نحو ثلاث ساعات
قد تمّ في العاصمة الفرنسية، تلاه بأيام اجتماع آخر بين
خمسة ضباط أمن سعوديين يتبعون الإستخبارات التي يرأسها
الأمير تركي الفيصل وبين نظراء لهم من الإسرائيليين، وقد
عقد الإجتماع في العاصمة اليونانية.
عناق استراتيجي: مواجهة حزب الله
إذا كان مؤتمر مدريد 1991 يعدّ محطّة فاصلة في العلاقات
السعودية الإسرائيلية، كونها وفّرت الغطاء الشرعي للإتصالات
شبه العلنية بين البلدين، فإن حرب تموز 2006 أعطت زخماً
أعظم للتواصل والتنسيق الإسرائيلي السعودي ضد المحور السوري
ـ الإيراني إضافة الى حزب الله وحماس. أي أن العلاقات
السعودية الإسرائيلية صار لها هدفاً إقليمياً واضحاً،
مدعوماً بغطاء أميركي غربي، ويشارك فيه مصر والأردن والسلطة
الفلسطينية. ما يميز المرحلة هذه، هو إعادة رسم خارطة
الأعداء والحلفاء، فقد أسقطت عداوة إسرائيل، وهذا ما قاله
الملك السعودي عبدالله في اجتماعه مع حماس قبيل توقيع
اتفاق مكة 2007، والذي أشار فيه بدون لبس بأن: (عدوكم
إيران)!
لم يعد الموضوع اليوم قضية فلسطين، بل قضية إيران،
والغطاء: صراع سنّي شيعي، تخوضه السعودية نيابة عن العرب
والمسلمين. أما الصراع الإسرائيلي العربي فمؤجل، لأن أهميته
تضاءلت كثيراً، وحبّذا لو حلّ بأي طريقة للتفرغ للعدو
الأكبر!
يعبر عن هذه الإنطلاقة الجديدة في العلاقات، بل (العناق
الإستراتيجي) الكاتب الصحافي سيمون هيرش في مقالته (إعادة
التوجيه) في مجلة نيويوركر (5/3/2007) بقوله:
(إن التحول في السياسة دفع السعودية وإسرائيل إلى ما
يشبه العناق الإستراتيجي الجديد، لا سيما أن كلا البلدين
ينظر إلى إيران على أنها تهديد وجودي، وقد دخل الطرفان
في محادثات مباشرة حيث يعتقد السعوديين أن استقراراً أوسع
في إسرائيل وفلسطين سيعطي لإيران نفوذاً أقل في المنطقة،
ومن ثم أصبح السعوديون أكثر تدخلاً في المفاوضات العربية
ـ الإسرائيلية. وخلال العام الماضي 2006، توصّل السعوديون
والإسرائيليون وإدارة بوش إلى سلسلة من الاتفاقات ـ غير
الرسمية ـ حول توجههم الإستراتيجي الجديد، وقد شمل هذا
الأمر عناصر أهمها: طمأنة إسرائيل إلى أن أمنها هو الأمر
الأسمى، وأن واشنطن والسعودية والدول الخليجية الأخرى
تشاركها قلقها حول إيران. ولقد بدأت الرياض اتصالاتها
مع الإسرائيليين والجمعيات اليهودية المؤيدة للدولة الصهيونية
في الولايات المتحدة منذ أكثر من عقد، وهو تقارب حظي بمباركة
الإدارة الأمريكية على طول الخط، ولكنه لم يكن علنياً
بل ظل مقتصراً على القنوات الدبلوماسية المفتوحة بين الجهتين،
وكان مهندس هذه القنوات الأمير بندر بن سلطان السفير السعودي
الأسبق لدى واشنطن، الذي اعتبرته الصحف الإسرائيلية صلة
الوصل بين الدولة الصهيونية وجيرانها).
وإذا كان مؤتمر مدريد انطلاقة متقدمة للقاءات سعودية
اسرائيلية، ظهر فيها السفير السعودي في واشنطن الأمير
بندر، ونائبه الذي يمثل يده اليمني: عادل الجبير (السفير
الحالي في واشنطن)، فإن الرجال لم يتغيروا، فمفاصل الإرتباطات
مع اسرائيل يديرها بشكل أساس بندر، ثم عادل الجبير، وتركي
الفيصل، الذي رغم استقالته كسفير لازال فاعلاً في ذات
الإتجاه. لقد كتب الكثير عن دور بندر بشأن اتفاق مدريد،
وكيف أنه كان دائم التردد أيام أوسلو على السفير الإسرائيلي
في واشنطن هكتيفو نيبار راماتي، وأيضاً كيف أن بندر كان
يعمل أمام كل مأزق يعترض المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية
على أساس الضغط على الطرف الأضعف الفلسطيني للتنازل.
أما السفير السعودي الحالي في واشنطن، عادل الجبير،
فكان اليد الضاربة لبندر، ثم أصبح مستقلاً بعد أن صار
سفيراً.. فقبل نحو عام مثلاً، أي في مارس 2007، رتّب ديفيد
وولش، رئيس قسم الشرق الأوسط في الخارجية الأميركية لقاءً
بين الجبير وإفرايم سنيه، نائب وزير الدفاع الإسرائيلي
السابق، وكان اللقاء قد تمّ قبيل انعقاد قمة الرياض التي
أكدت من جديد على (المبادرة العربية للسلام) أي المبادرة
السعودية التي سوقها توماس فريدمان الصحافي الأميركي الصهيوني
أثناء زيارته للرياض ولقائه بالملك عبدالله (كان ولياً
للعهد).
حرب اليمن: السعودية أدخلت اسرائيل اليها
|
وكان الجبير قد نظّم مرات عديدة زيارات لأعضاء كونغرس
يهود للرياض ليقابلوا مسؤولين سعوديين، خاصة بعد هجمات
11/9/2001، شملت إحداها توماس فريدمان، اليهودي الذي شغل
مدير مكتب الواشنطن بوست في اسرائيل لعشر سنوات، وهناك
أطلعه الملك عبدالله على مبادرته للسلام قبل أن يطلع عليها
العرب المعنيين بالقضية ويوافقوا عليها في مؤتمر بيروت
2002.
وينظر الإسرائيليون ـ حسب صحافتهم ـ الى الجبير بأنه
كان منذ التسعينيات الميلادية الماضية على اتصال وتنسيق
مع الجماعات الصهيونية في واشنطن بما فيها منظمة أيباك،
وأنه أقام علاقات واسعة مع مسؤولين اسرائيليين كيوسي بيلين،
الذي شغل منصب وزير العدل.
وبالرغم من تركه منصبه، فإن تركي الفيصل، لازال على
علاقة وثيقة مع الإسرائيليين، وكان ظهوره في يناير 2007
في حفل استقبال أقامه ويليام داروف، مدير مكتب واشنطن
للتجمعات اليهودية المتحدة، حدثاً غير مسبوق.
أما بندر، فالأهم هو دوره فيما جرى بعد قيام حرب تموز
2006، فما ان انتهت الحرب التي ادان فيها آل سعود حزب
الله (المغامر) وشجعوا اسرائيل على مواصلتها، حتى التقى
بندر بأيهود أولمرت في العاصمة الأردنية، في سبتمبر 2006،
وهو أمرٌ كتبت عنه الصحافة كثيراً، وتحدثنا عنه مطولاً
وتفصيلياً في أعداد سابقة من (الحجاز).. ذلك اللقاء اعتبره
السفير الإسرائيلي في واشنطن دانيال ايالون، الأعلى مستوى
في تاريخ العلاقات السعودية الإسرائيلية ـ حسب علمه.
كان ذلك اللقاء استفتاحاً للقاء جرى في نفس الشهر،
وبالتحديد في 18 من سبتمبر 2006، حين استضاف الملك الأردني
في قصره بالعقبة، وفداً اسرائيلياً ترأسه رئيس الموساد
مائير داغان، ومسؤولين آخرين: يوران تربويتز، وجادي شاماني،
وهما مستشاران لدى أولمرت، فيما رافق بندر ثلاثة مساعدين
من جهاز الإستخبارات السعودي، أما الملك الأردني فحضر
بمعية رئيس المخابرات الأردنية الجنرال محمد الذهبي، والسفير
الأردني في تل أبيت علي العايد.
الأهداف والأرباح
اعتاد آل سعود التحالف مع الأقوياء لحماية ملكهم. تلك
هي القاعدة. بدأت بهم من بريطانيا وانتهت بهم الى اسرائيل.
لقد تأكدوا بأنه لا يمكن التفريق بين أميركا واسرائيل،
وبالتالي فإنه لا معنى لعداء الأخيرة، اللهم إلا إذا أرادوا
منازعة الولايات المتحدة الأميركية حامية عرشهم.
لكن الملك فهد لاحظ أنه بالإمكان الإستفادة من اسرائيل
في صراعاته الإقليمية، وليس فقط كفّ شرّها عن السعودية،
إن كانت هناك شرور مضمرة، في حال قامت السعودية بدعم الحرب
ضد اسرائيل. ومن هنا، رأى ملوك السعودية، أنه لا بدّ من
التخلّص من الملف الفلسطيني بأية وسيلة حتى يمكن لإسرائيل
أن تستخدم كافة طاقاتها في الصراع الدائر بين (الأخيار)
الموالين لأميركا، و (الأشرار) الذين يعادون اسرائيل.
والنفاق السعودي مسألة طبيعية، فهم لا يجرؤون تماماً
على فتح علاقات علنية بالكامل مع اسرائيل ويقيموا علاقة
دبلوماسية معها مثلما فعلت الأردن ومصر، وموريتانيا. فشرعية
آل سعود قائمة داخلياً على الدين، والدين الذي طوّعه آل
سعود في قضايا أخرى، لم ينجحوا في تطويعه في هذا الموضوع،
رغم فتاوى ابن باز المؤيدة للسلام مع الصهاينة. وفي الحقيقة
فإن هناك دولاً أقلّ تقيم علاقات شبه طبيعية ولكن بدون
سفارات لذات السبب: الخوف من غضب الجمهور كما هو الحال
مع النظام المغربي والتونسي والقطري وغيرهم.
السعودية من الناحية النظرية ليست بحاجة الى علاقة
مع اسرائيل. وبإمكانها أن لا تقيم أية اتصالات، مع محافظة
على مستوى العداء الذي لا يصل الى دعم اعداء اسرائيل:
سوريا، حزب الله، حماس، وكل الأطراف التي تقاوم الإحتلال.
غير ان آل سعود يطمعون فيما هو أكبر، وهو استخدام اسرائيل
في الصراع الإقليمي بعد تطبيع وضعها بين العرب، بل وحتى
قبل ذلك، كما توضح في حرب تموز 2006. وهذا النوع من السياسة
يعتبر (مغامرة) لو كان الوضع العربي الشعبي معافى، ولو
كان هناك قدر من الحريات العامة يعبر من خلالها الشارع
العربي عن مكنوناته. لكن الأنظمة الديكتاتورية ترى في
دعم اسرائيل بقاءً لها واستمراراً لسيطرتها. إنه الثمن
الذي يدفعه الديكتاتوريون في الحكم.
|