نقد الملوك!
ثلاثون دقيقة فقط، هي كل الوقت الذي قضاه الملك عبد
الله في مجلس الشورى، شاملاً الاستقبال وعزف السلام الملكي،
وتلاوة القرآن، وإلقاء كلمة مملة لرئيس مجلس الشورى، أسبغ
على ولي النعم فيها كل الفضائل، ثم خاطب الملك الأمّة
المسعودة عبر منبر مجلس الشورى، لسبع دقائق من البلاغة.
قبل أيام من الخطاب سال حبر الصحافة، وانهرقت كلمات
المحللين والمسؤولين، وهم يبشرون هذه الأمة التي تصطف
لأول مرة في تاريخها خلف المخابز ومتاجر الغذاء للحصول
على قوت يومها، وبشّرتهم بأن يتسمّروا على رصيف الصبر
وهم ينتظرون إطلالة جلالته عبر منبر الشورى.
كانت كلمة الملك عبد الله مختصرة للغاية، وفاجأ الحضور
ـ ومعهم أعضاء المجلس المعينين ـ بأن هناك كلمة سوف يتم
توزيعها عليهم، ولا داعي ـ إذن ـ لمخاطبة الأمة بكلام
كثير!
قال الملك أنه ينتقد نفسه بقسوة، ولم يقل لنا أين وكيف،
وماهي نتيجة هذا النقد؟، ولم يخبره أحد من الأكاديميين
والتكنوقراط الذين ينتفخ بهم مجلس الشورى، ولا أولئك الذين
تلقوا تعليمهم في الولايات المتحدة الأميركية أو أوروبا
(العظمى!)، وبعضهم لم يعرف من أميركا سوى (حفّ) الشوارب،
لم يخبروه ـ حفظه الله ـ أن النقد في البلدان الحديثة،
ليس من إختصاص ولي الأمر، وليس موجهاً للذات.. إنه مسؤولية
حصريّة لنواب الأمّة الذين أوكلت لهم مسؤوليتهم أن ينتقدوا
أداء الحاكم ويحاسبوه.. ماذا يعني ان ينتقد رئيس السلطة
التنفيذية، والذي يمسك بيده كل السلطات، أن ينتقد نفسه؟
أو يقسو على ذاته؟ هذا فعل الأفراد الأتقياء، وليس المسؤولين
الذين ينبغي أن ينتصبوا واقفين أمام شعبهم عبر نوابه لكي
يجيبوا على التساؤلات الملحة.
الغريب أن الملك كان استقبل خلال شهرين معظم زعماء
العالم الحرّ!!، من الرئيس بوش، وساركوزي، والتقى رئيس
الوزراء البريطاني، والايطالي، والمستشارة الألمانية،
وحصل على زخم هائل من المدح والتقريض، ومع ذلك فهو يصرّ
على أنه هو فقط يحاسب نفسه!
هل كان الملك عبد الله مصاباً بتأنيب الضمير، جعله
يواسي شعبه الذي لم يشهد الجوع إلا في عهده الميمون، رغم
وصول أسعار النفط الى ما فوق المائة وعشرة دولارات، دفعه
ذلك لأن يقول أنه يقسو على نفسه، وهذا يكفي؟!
هل كان يشعر بالخيبة من كل مشاريع الترقيع الحكومية
التي لم تفعل شيئاً سوى تدمير وتفتيت الطبقة الوسطى في
البلاد؟
هل كان الملك الذي بدأ عهده بأكبر ميزانية في تاريخ
بلاده، يشعر بالمرارة بأن تلك الأموال لم تكن سوى بالون
هواء، أو ماء قراح يغلي على القدر، لا يحتوي لحماً ولا
رزاً، وليس بجواره الخبز؟ فلم يقبض المواطن من الريح سوى
الجوع، واستلاب مدخراته، وانخفاض قدرته الشرائية وتدهور
مستواه الاقتصادي.
هل يمكن أن يتحول ذلك النقد الملكي القاسي على الذات
رصيداً في حسابات أفلستها مغامرات أساطين الأسهم وتجار
أقوات الشعب؟ أم أن النقد الذاتي ليس سوى محاولة لاستيعاب
القهر الاجتماعي المتنامي في هذه البلاد؟
بعيداً عن النيات، فإن النقد الذاتي لا يكفي! واستغفال
الناس الجائعين المقهورين القلقين على مستقبلهم وقوت أطفالهم،
لا يكفي معه كلمات لا تحوي أي التزام أو تعهد بإصلاح،
كلمات الزعماء في مجلس النواب أو البرلمان أو الشورى هي
رؤية إستراتيجية للحاضر والمستقبل، وهذا ما لم نلمسه في
الكلمة الملكية.
لقد بشّرنا الملك عبد الله بأنه يقسو على نفسه، فليعذرنا
ويتقبل منّا شيئاَ إضافياً من تلك القسوة!
|