عدالة غير آمنة**
ولي العهد سلطان (18/10/2007): (سـ) تضمن القوانين
الجديدة العدالة وستحمي حقوق الجمهور.
صرح المسؤولون السعوديون مراراً خلال السنوات الأخيرة
بما من شأنه التأكيد على أن النظام الجنائي السعودي يلتزم
بأعلى المعايير وأن النظام المذكور خضع مؤخراً لعدد من
الإصلاحات القانونية. إلا أن ممارسات القضاء السعودي لا
ترتقي إلى مستوى هذه التصريحات، والإصلاحات لم تدعم تقديم
ضمانات ضد الاحتجاز التعسفي والمعاملة السيئة ولا هي حسّنت
بالقدر الكافي من إمكانية حصول المتهمين على محاكمات عادلة.
وقد أجرت هيومن رايتس ووتش أبحاثاً ميدانية في السعودية
في نوفمبر/تشرين الثاني وديسمبر/كانون الأول 2006، ثم
في مايو/أيار 2007، وتوصلت الى تفشي في غياب العدالة في
نظام العدالة الجنائية السعودي وانتهاكات منهجية وكثيرة
لحقوق المتهمين. وقد يجد الأشخاص في السعودية أنفسهم محتجزين
ومعتقلين جرّاء سلوك ليس إجرامياً بطبيعته، أو أنه على
ما يبدو (ومن غير قصد) سلوك ينتهك محاذيراً قانونية فضفاضة.
ثم ربما يجدون أنفسهم عرضة للحبس الانفرادي وأشكال عديدة
من المعاملة السيئة. وفي العادة لا تخطر السلطات الأشخاص
بطبيعة الجرائم المنسوبة إليهم، أو بالأدلة الداعمة للاتهامات.
وفي العادة لا يتمكن الشخص المتهم من مشاورة محامي، ويواجه
الإساءات حين يرفض الاعتراف بجرمه، وينتظر لفترات زمنية
مطولة قبل بدء المحاكمة، ولا يتمكن في العادة من اختبار
الشهود أو الأدلة وتقديم دفاعه القانوني، ربما لافتراض
ارتكابه للجرم الذي يُحاكم عليه أو لتغير الاتهامات المنسوبة
إليه.
وانتهاكات حقوق المتهمين أساسية وذات طابع شمولي لدرجة
أنه من الصعب اعتبار نظام العدالة الجنائية، على حاله
هذا، نظاماً يستند إلى المبادئ الأساسية لسيادة القانون
ومعايير حقوق الإنسان الدولية. والانتهاكات مصدرها ثغرات
في كل من القانون السعودي والممارسات القائمة في النظام.
ولم تضع السعودية قانوناً للعقوبات (قانون جزائي). وبالتالي
فإن المواطنين والمقيمين والزوار لا سبيل أمامهم لمعرفة
ما الذي يمثل عملاً إجرامياً ولو بأي قدر من الدقة. ولا
تُلزم أحكام المحاكم السابقة القضاة السعوديين، ولا يوحي
إلا القليل بأن القضاة يسعون لتوخي الاتساق في إصدار الأحكام
في الجرائم المتشابهة. ويفرض نظام العدالة الجنائية عقوبة
الإعدام إثر محاكمات غير عادلة على نحو واضح في انتهاك
للقانون الدولي، ويفرض عقوبات جسدية تتخذ شكل الجلد العلني،
وهي عقوبة قاسية بالأساس ومهينة. كما أن القانون السعودي
والممارسات القانونية السعودية تقوم بالأصل على أسسس تمييزية.
وأحد التفسيرات التي تتبناها المملكة العربية السعودية
للشريعة الإسلامية ينص على أن شهادة المرأة المسلمة لا
تُقبل على العموم في القضايا الجنائية وأن الرجال غير
المسلمين يمكنهم الشهادة فقط في حالات (الضرورة). ولا
يمكن للنساء أن يمثلن بأنفسهن في المحاكم بموجب ممارسة
نظام الوصي الشرعي السعودي على (الأحداث)، وهو اصطلاح
يشمل النساء من كافة الأعمار.
وفي عام 2002 قدمت المملكة العربية السعودية أول نظام
للإجراءات الجزائية في البلاد. وفيما تعد هذه خطوة تحظى
بالترحيب، فإن نظام الإجراءات الجزائية لم يشمل كل المعايير
الدولية المتصلة بالحقوق الأساسية للمتهمين. فعلى سبيل
المثال؛ لا يسمح نظام الإجراءات الجزائية للمحتجز بالطعن
في قانونية احتجازه قبل مثوله أمام المحكمة، ولا يوفر
ضمانات بمشاورة الدفاع بالسرعة المناسبة، ولا يضم أحكاماً
لضمان المساعدة القانونية المجانية للفقراء. ويمنح نظام
الإجراءات الجزائية الادعاء الحق في إصدار أوامر الاعتقال
والاحتجاز السابق على المحاكمة لفترات مطولة حتى ستة أشهر
دون أي مراجعة قضائية. وفيما يحظر نظام الإجراءات الجزائية
التعذيب والمعاملة المهينة للكرامة، فإنه لا يقضي باعتبار
الأقوال المُستخلصة تحت تأثير التعذيب لاغية في المحكمة.
ولا يضم مبدأ افتراض البراءة، أو هو يحمي حق المتهم في
الاعتراف بالجرم طوعاً. كما أنه لا يفرض العقوبات على
المسؤولين الذين يقومون بإكراه المتهمين ويُمكِّن الادعاء
من احتجاز المشتبهين دون الحاجة للوفاء بمعيار معين محدد
لوجود الأدلة المشيرة لاحتمال ارتكاب المشتبه به للجرم.
ويتجاهل القضاة في العادة أحكام نظام الإجراءات الجزائية،
بل إنهم أحياناً لا يعرفونها.
وترتكب الكثير من الإساءات المنهجية من قبل جهاز المباحث
التابع لوزارة الداخلية، والتي تدير مراكز الاحتجاز الخاصة
بها. وتتراوح هذه الإساءات بين الحبس في زنازين مكاتب
المباحث المحلية إلى مراكز الاحتجاز الكبيرة مثل سجن مباحث
الحائر القريب من الرياض، والقريب من مركز الحائر لإصلاح
وتأهيل الأشخاص المدانين بجرائم عادية. وفي منطقة واحدة
على الأقل، وعي نجران، تشير وثائق المحكمة أن المباحث
لجأت الى استخدام المدعين الذين يعملون لديها.
ولا تنتقد الهيئات الأخرى سياسات وممارسات المباحث.
ولم يقل أي من المحتجزين السابقين السبعة ولا أقارب الـ
25 محتجزاً الحاليين لدى المباحث لـ هيومن رايتس ووتش
لدى تحدثها إليهم إنهم رأوا مسؤولاً من هيئة التحقيق والادعاء
العام يزور سجون المباحث، على الرغم من أن القانون يكلف
المكتب بالتحقيق في كل السجون والإفراج عن النزلاء المحتجزين
بالخطأ. ولم تنفذ الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان السعودية
التي وافقت الحكومة على انشائها منذ أربع سنوات أي عمليات
تفتيش لسجون المباحث ، إلا أن هيئة حقوق الإنسان الحكومية
التي تم انشاؤها منذ عامين قامت بإجراء جولة على بعض هذه
السجون في عام 2007. وقالت الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان
في تقريرها الأول (مايو/أيار 2007) إنها تأمل في إجراء
الزيارات في المستقبل القريب. وألغت الحكومة السعودية
، وبشكل مفاجيء، زيارة متفق عليها مع هيومن رايتس ووتش
إلى سجون المباحث في مايو/أيار 2007.
واعتقلت المباحث نشطاء حقوقيين ونشطاء دينيين وأكاديميين
ونشطاء بمجال الإصلاح السياسي، واحتجزت بعضهم لأكثر من
عشرة أعوام دون توجيه اتهامات إليهم. وتحتجز حالياً قرابة
1500-2000 معارض ومحتجز أمني في مراكز احتجازها، وهذا
إثر الإفراج عن 1500 محتجز في نوفمبر/تشرين الثاني 2007.
وثمة دليل دامغ على أن العدد تزايد في السنوات الأخيرة
قبل عملية الإفراج واسعة النطاق، إذ احتجزت المباحث أعداداً
غفيرة من السعوديين العائدين من أفغانستان بعد عام 2001
والمشتبهين بالذهاب إلى العراق منذ عام 2003، بالإضافة
إلى مشتبهين آخرين بالتورط في سلسلة تفجيرات محلية بدأت
في مارس/آذار 2003. وحين طالب سعد الفقيه المعارض السعودي
المقيم في لندن بتنظيم مظاهرات ضد الحكومة في عام 2004،
وحين خرج آلاف السعوديين إلى شوارع الرياض وجدة استجابة
للمطالبة، اعتقلت المباحث مئات المتظاهرين، وبعضهم ما
زالوا قيد الاحتجاز.
وليس للمحتجزين لدى المباحث أية إمكانية فعلية على
استشارة المحامين أو بلوغ المحاكم، وتنفذ المباحث عمليات
الاعتقال دون إشراف قضائي ودون سند قانوني للاعتقالات.
وفي حالات نادرة مثل فيها محتجزو المباحث فعلياً أمام
المحاكم، فقد عُقدت تلك المحاكمات سراً، وصدرت الأحكام
فيها أيضاً سراً، وأفاد الأقارب والسجناء السابقون بأن
المباحث تحتجز السجناء لفترات تتجاوز فترات محكومياتهم.
وبالنسبة لغالبية المحتجزين الذين يعانون في سجون المباحث
منذ سنوات، فإن اليوم الذي يخرجون فيه للمثول أمام المحكمة
لم يحن بعد.
وبدلاً من اتهام الكثير من المحتجزين الأمنيين بجرائم
ومثولهم أمام المحاكم، تزعم الحكومة أنها تحاول إصلاحهم.
وتم الإفراج عن أكثر من 700 محتجز كانوا محتجزين لدى المباحث
إثر إعادة إصلاحهم (بنجاح) منذ بدء البرنامج التعليمي
في عام 2003، حسب ما قاله المسؤولين لـ هيومن رايتس ووتش
في ديسمبر/كانون الأول 2006. وتدعو اللجنة الاستشارية
بوزارة الداخلية، والمؤلفة من خبراء دينيين وعلماء نفس،
المحتجزين المشتبهين بتبني أفكار (متطرفة) ـ وهو مصطلح
يستخدمه المسؤولون السعوديون للإشارة إلى عناصر المعارضة
العنيفة وغير العنيفة على حد سواء ـ إلى المشاركة في برنامج
للإصلاح. وهي دعوة يكاد المحتجزون لا يقدرون على رفضها،
بما أن إتمام هذا البرنامج بنجاح ضروري، وإن لم يكن كافياً،
كشرط للإفراج. وأن يحل برنامج كهذا من (الإصلاح) غير الطوعية،
محل المثول أمام محكمة محايدة لمواجهة اتهامات جنائية
محددة يحرم المتهمين من فرصة إثبات براءتهم وتبرئة ساحتهم.
وقال مسؤول سعودي كبير لـ هيومن رايتس ووتش إن منهج الإصلاح
يحل محل المحاكمات إلى حدّ كبير.
وترتقي في الوقت نفسه انتهاكات حقوق الإنسان إلى اعتقال
واحتجاز المحتجزين من غير المشتبهين الأمنيين. وفيما يضم
القانون السعودي بعض تدابير الحماية الرسمية ضد الاعتقال
التعسفي، فإن ضباط الشرطة كثيراً ما يتجاهلون هذه التدابير.
وفي مخالفة للقانون السعودي يقوم الضباط بتنفيذ عمليات
الاعتقال دون أوامر اعتقال، ولا يبلغون المشتبهين بأسباب
اعتقالهم ولا بحقهم في مشاورة محامين، ولا يمنحون المحتجزين
الحق في الاتصال بالعالم الخارجي، ولا يوجهون اتهامات
رسمية للمشتبهين بارتكاب جريمة. وتوصلت هيومن رايتس ووتش
فقط الى عدد محدود من الحالات/ القضايا تمكن فيها مشتبه
جنائي من استشارة مُحام قبل إحالة القضية إلى المحكمة.
وهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هي هيئة إنفاذ
قانون رسمية في المملكة العربية السعودية. وفي عام 2005
قامت عناصر الهيئة البالغ عددها 5000 عنصر بالإضافة إلى
5000 متطوع آخرين، بتنفيذ 400000 عملية اعتقال. ومنذ عام
2006 أصبح لزاماً على هؤلاء الأشخاص الذين ليس لهم زي
رسمي، أن يرتدوا شارات تعريف ولا يمكنهم إجراء الاعتقالات
إلا بصحبة عناصر من الشرطة النظامية. وقد مكّن قانون صدر
في عام 1980 هذه الشرطة الدينية، المسؤولة مباشرة من الملك،
من اعتقال واحتجاز واستجواب الأشخاص جراء ارتكاب جرائم
غير محددة ولا مُعرفة. وفي 1 يوليو/تموز 2007 أكد وزير
الداخلية الأمير نايف على المرسوم الملكي الصادر في عام
1981 بنهي الأمر بالمعروف عن احتجاز واستجواب المشتبهين
في مراكز الاحتجاز التابعة للهيئة. وقبل عام، أعلنت الحكومة
السعودية أن على الهيئة الامتناع عن احتجاز أو استجواب
المشتبهين أو (انتهاك حرمة البيوت). إلا أن هيئة الأمر
بالمعروف لا تراعي نظام الإجراءات الجزائية لدى القيام
بالاعتقال والاحتجاز واستجواب المشتبهين. وقال رئيس هيئة
الأمر بالمعروف أن العاملين لديه يمكنهم دخول البيوت إذا
عرفوا بوجود جريمة تتم وقت اقتحام البيت. وفي عام 2007
ولأول مرة حسبما تناقلت التقارير، واجه أعضاء من هيئة
الأمر بالمعروف اتهامات جنائية بالقتل وإساءة استخدام
السلطات في ثلاثة حوادث منفصلة، لكن المحاكم برأت المسؤولين.
وينجم عن مثل هذه الممارسات من قبل الشرطة وهيئة الأمر
بالمعروف والنهي عن المنكر أن ينتظر المتهمون في قلق في
السجون دون معرفة طبيعة الجرم المزعوم أنهم ارتكبوه، أو
ما هو دليل الادعاء ضدهم (هذا إن كان له وجود أصلاً)،
ومتى يستجوبهم الادعاء، أو متى يصطحبهم إلى المحكمة. وقال
عدة محتجزين لـ هيومن رايتس ووتش إنهم عرفوا بأول موعد
لجلسة محكمة لهم عشية المثول أمام المحكمة أو صباح الذهاب
إلى المحكمة. ويقضي المحتجزون ما بين بضعة أيام وبعض الشهور
في مركز الشرطة قبل نقلهم إلى سجن عام، وفي السجون لا
يوجد فصل بين السجناء المُدانين والمُحتجزين في السجن
الاحتياطي أو من هم ما زالوا بانتظار المثول أمام المحكمة.
وقال أكثر من اثني عشر متهماً اعتقلتهم الشرطة إنه
في مركز الشرطة، خاصة في قسم التحقيقات الجنائية بوزارة
الداخلية، يقوم ضباط الشرطة، وأحياناً رجال الادعاء، بضربهم
وتهديدهم لاستخلاص الاعترافات. وما إن يعترفوا حتى يقلهم
الضباط إلى المحكمة لإجراء ما يُدعى (تصديق الأقوال) وبموجب
هذا الإجراء يضع المتهم بصمته على بيانات تمت كتابتها
أثناء الاستجواب للتصديق عليها واستخدامها في المحاكمة.
والإجراءات الجزائية السعودية، التي تسمح للقضاة بتبادل
الأدوار بين القضاء والادعاء، تشير إلى أنه من حيث الممارسة
لا يوجد افتراض ببراءة المتهمين. وما لم تعتبر الجريمة
جريمة (كبرى) طبقاً للقانون السعودي، فإن قاضي المحاكمة
يرتدي ثوب القاضي والادعاء في الوقت نفسه. وفي كل الحالات
الجنائية يمكن أن يغير القاضي من الاتهامات الموجهة للمتهم
في أي وقت يشاء، وفي ظل غياب قانون عقوبات مكتوب، يبدو
أن القضاة في بعض القضايا يسعون لإثبات ارتكاب المتهم
لجرم معين، يمكن للقاضي أن يصنفه باعتباره جريمة، بدلاً
من إثبات أن المتهم قد ارتكب أركان جريمة محددة تبعاً
للقانون. وفي قضايا أخرى، روى المتهمون كيف رفض القاضي
استكمال المحاكمة قبل أن يتنازل المتهم ويتراجع عن ادعائه
بأن اعترافاته قد تم استخلاصها منه تحت تأثير التعذيب،
أي أنه فعلياً يحتجز المتهم رهينة حتى يعود لتأكيد اعترافه
المُنتزع منه بالإكراه.
وفي ظل عدم معرفة المتهم بموعد محاكمته إلا قبل انعقاد
المحاكمة مباشرة، فإن المتهم لا يجد الوقت الكافي لتحضير
دفاعه، ولا يطلع على ملفات قضيته، بما في ذلك ملف قضية
الادعاء ضدّه والاتهامات المحددة الموجهة إليه بموجب القانون
السعودي. ولا يطلع المحتجزون على القوانين السعودية الوضعية
أو التفسيرات الراهنة للشريعة. وما لم يكونوا ملمين بالشريعة
إلماماً واسعاً، فلا سبيل أمامهم لمعرفة أركان الجريمة
المتصلة بالسلوك الإجرامي المتهمين بارتكابه، ولا بالإجراءات
الضرورية لإثبات ارتكاب الجرم بموجب قواعد الشريعة، أو
العقوبة المتوقع تلقيها إذا ثبت ارتكاب الجريمة. واطلع
المتهمون هيومن رايتس ووتش أيضاً على عدم قدرتهم على جلب
الشهود للشهادة بالنيابة عنهم، حتى في ظل حضور محامٍ،
أو الطعن في صدق شهود الادعاء. ولم يذكر أي متهم قابلته
هيومن رايتس ووتش رؤية دليل مادي يقدم ضده في المحكمة،
أو اطلاعه على أدلة توافرت للقاضي والادعاء. وعلى الرغم
من أن أوقات الانتظار قبل المحاكمة وبين الجلسات قد تستغرق
أسابيع وشهور، بل وحتى سنوات، فإن القضاة يقومون بإتمام
محاكمات كاملة في جلسة أو جلستين تستغرق من ساعة إلى ساعتين.
ومع وجود استثناءات قليلة، فإن المتهمين لا يحصلون على
نسخة من منطوق الحكم، مما يصعب كثيراً من الطعن في الحكم.
وعدم قدرة المتهمين على الاطلاع على أدلة إثبات الجرم
المزعومة (وهي افتراض مألوف بارتكاب الجرم)، دعك من الطعن
فيها، فضلاً عن الاتهامات الفضفاضة المتغيرة، فإن كل هذا
مجتمعاً يضع عراقيل لا تقهر تواجه المتهمين الذين يحاولون
إثبات براءتهم. واعترف القضاة السعوديون في عدة قضايا
بأنه لم يتم إثبات ارتكاب المتهم للجرم. وبدلاً من إعلان
براءة المتهمين من الجرائم المنسوبة إليهم وإطلاق سراحهم،
فإن القضاة أدانوهم لكن أصدروا أحكاماً أقل وطأة من التي
كانت لتصدر ضدهم.
وقد اتخذت السعودية مؤخراً بعض الخطوات لتعزيز بعض
عناصر سيادة القانون، مثل سن نظام الإجراءات الجزائية.
وفي أكتوبر/تشرين الأول 2007 عدلت الحكومة قانونين، وهما
نظام القضاء ونظام ديوان المظالم، مما من شأنه تعزيز استقلال
القضاء. وتنص هذه القوانين كذلك على إنشاء محاكم جديدة
متخصصة للأحوال الشخصية والتجارة والعمل والنزاعات المرورية.
كما سوف تتمكن محكمة عليا جديدة من البت في مختلف الطعون.
وأعلن الملك عن تمويل الحكومة بمبلغ 1.8 مليار دولار لبناء
محاكم جديدة وتعيين عناصر جديدة فيها وتدريب القضاة القدماء
والجدد. إلا أن التقدم في هذا الشأن وغيرها من أشكال الإصلاح
كان بطيئاً وله أقل الأثر على حقوق المتهمين في نظام العدالة
الجنائية. وعلى السعودية أن تعالج الثغرات الأساسية في
نظامها القضائي بإصلاح قوانين القضاء ونظام الإجراءات
الجزائية، وهذا بدءاً من الاعتقال وحتى السجن؛ لضمان الالتزام
بمعايير حقوق الإنسان الدولية. وفي الوقت الحالي فإن ثغرات
النظام القضائي السعودي متغلغلة وكثيرة لدرجة أنها تشكل
أساساً لشك بالغ في أن المحاكم السعودية لا تثبت ذنب السجناء
المحكومين في محاكمات عادلة، وأن ضباط إنفاذ القانون يحتجزون
المتهمين الذين لم يمثلوا أمام المحاكم دون سند قانوني
سليم لهذا الاحتجاز.
وتوصي هيومن رايتس ووتش بأن تبادر المملكة العربية
السعودية بإجراء إصلاحات في أربعة مجالات في نظام العدالة
الجنائية لديها وهذا لتعزيز إجراءات التقاضي السليمة وحقوق
المحاكمات العادلة انسجاماً مع قانون ومعايير حقوق الإنسان
الدولية.
أولاً، على الحكومة السعودية أن تصدر وتعدل وتلغي القوانين
والمراسيم حسب الضرورة بحيث تصبح السعودية ملتزمة بالقانون
الدولي لحقوق الإنسان، بما في ذلك تغيير نظام الإجراءات
الجزائية للسماح للمحتجزين بالطعن في قانونية احتجازهم،
وتفعيل قانون عقوبات يحظر سجن الأشخاص فقط لأنهم يستدينون
لغيرهم بالنقود. ثانياً، على وزارة الداخلية وهيئة التحقيق
والادعاء العام تغيير ممارساتها لدى اعتقال واستجواب الأشخاص
لضمان قدر أكبر من الشفافية ولتفادي المعاملة السيئة للمحتجزين.
ثالثاً، على وزارة العدل والمجلس الأعلى للقضاء تعزيز
حقوق المتهمين في ضمان الحصول على محاكمات عادلة، بما
في ذلك توفير محامين دفاع دون رسوم للمتهمين الفقراء والسماح
للمتهمين بالطعن في الأدلة المقدمة ضدهم. وأخيراً، على
الحكومة السعودية إبعاد مكاتب الادعاء عن سلطة وزارة الداخلية،
وإلغاء سلطة الادعاء باعتقال واحتجاز وإطلاق سراح المشتبهين.
** من تقرير لهيومن رايتس ووتش في مارس الماضي 2008،
وحمل عنوان: عدالة غير آمنة/ الإحتجاز التعسفي والمحاكمات
غير العادلة في ظل التصور الذي يعتري نظام العدالة الجنائية
السعودي.
|