رشاوى، بناء تحالفات، ومؤامرات
أغراض التسلح السعودي وحروب النيابة الأميركية
هاشم عبد الستار
تثير صفقات التسلح التي تعقدها السعودية مع الغرب تساؤلات
جديّة واستغراباً، فالحجم الهائل من التسلّيح يتناقض مع
سياسات اللهاث وراء التماهي مع الغرب ومع الدولة العبرية،
بوصفها الخصم التقليدي للعرب. وأكثر من ذلك، فإن التسلّح
الفلكي يتناقض أيضاً مع القدرة الواقعية على استخدام السلاح،
فليست هناك خطّط جديّة لتدريب الجيش أو الحرس الوطني بما
يجعلهما قادرين على الإضطلاع بمهمة دفاعية وطنية شاملة،
دع عنك إقرار عقيدة قتالية تجعل من عناصر المؤسستين محاربين
من أجل قضية كبرى.
فور إعلان إدارة الرئيس بوش عن إبرام صفقة ضخمة لبيع
الأسلحة للسعودية وخمس دول خليجية تحت ذريعة مواجهة التهديد
الإيراني، اندلعت نقاشات واسعة في واشنطن بشأن جدوى ونجاعة
تلك الصفقات، فيما كان بعض أعضاء الكونغرس يتأهّبون لتقديم
مشاريع قوانين تحول دون إبرامها. وزيرة الخارجية الأميركية
كونداليزا رايس أعطت مسحة دبلوماسية على صفقة الأسلحة
وقالت بأن الصفقة تأتي في إطار التزام واشنطن بضمان أمن
واستقرار حلفائها الإستراتيجيين في الشرق الأوسط. وقالت
بأن (الولايات المتحدة مصممة على تقديم ضمانات لحلفائنا
بأن من الممكن الإعتماد علينا في مساعدتهم تلبية إحتياجاتهم
الأمنية، إن لدينا العديد من المصالح المشتركة في هذه
المنطقة سواء تعلق الأمر بمكافحة الإرهاب والتطرف أو الحفاظ
على ما تم تحقيقه خلال إنجازات مسارات السلام في السابق
وتمديد تلك الإنجازات لتشمل مسارات السلام في المستقبل).
في المقابل رفض عضو مجلس النواب الأميركي جيري نيدلر
تفسير رايس على خلفية السجل الطويل للسعودية في دعم الإرهاب.
وقال نيدلر (على الرغم من أوهام حكومة الرئيس بوش، فإن
السعودية ليست بدولة صديقة لنا، إن السعودية هي المُصَدِّر
الأول في العالم للتعليم والدعاية المحرضة على الإرهاب).
وزاد النائب أنتوني وينر على ذلك بالقول (إن إقدام الولايات
المتحدة على مكافأة دولة مثل السعودية بصفقة لبيع الأسلحة
الأكثر تطوراً لدينا بقيمة 20 مليار دولار هو أمر يفوق
حد الاستغراب وهو ما سيرفضه الكونغرس).
وإذا كان الملف النووي الإيراني قد دفع الغرب الى تشجيع
دول المنطقة على بناء مفاعلات نووية للأغراض السلمية،
فإن بيع الأسلحة المتقدّمة للدول الخليجية من شأنه أن
يدفع كل دول المنطقة بما فيها إيران الى تعزيز قدراتها
الدفاعية والهجومية، أي بمعنى آخر ان هذه الصفقات تحقق
مبدأ سباق التسلح في المنطقة، وهو ما لفت الإنتباه إليه
جون التزمان، مدير قسم الشرق الأوسط وشمال افريقيا في
مركز الدراسات الدولية والاستراتيجية في واشنطن بقوله
(المشكلة في الطرح الذي يدعو إلى تقوية الدول المجاورة
لإيران، تكمن في تجاهل قيام إيران بالردّ على هذا الأمر
بشكل يزعزع الإستقرار، فهناك وبكل تأكيد أشخاص في إيران
يقولون الآن: انظروا ما يجري، إننا لهذا السبب نحتاج إلى
الحصول على رادع نووي لأن الولايات المتحدة تعمل على تسليح
جميع أعدائنا).
صفقات الأسلحة المبرمة مع السعودية ودول خليجية أخرى
تأتي في سياق مشروع عسكري أميركي متكامل يشمل كلاً من
الكيان الإسرائيلي ومصر، حيث تعتزم إدارة بوش تقديم مساعدات
عسكرية تقدّر بقيمة 30 مليار دولار لإسرائيل ومساعدات
أخرى لمصر بقيمة 13 مليار دولار على مدى عشرة أعوام.
لماذا التسليح، وما هي وجهته؟
في تحليل صفقات التسلّح التي تجري بوتيرة متسارعة خلال
الشهور الأخيرة، تنطلق المقاربات لموضوع التسلّح السعودي
من سؤال واحد: لماذا التسليح، وماهي وجهته؟. فقد كتب الصحافي
العراقي سيف الله علي متسائلاً عن سر الكرم الأميركي المسلّح،
والذي يتطلب بحثاً في دوافع هذا الكرم غير المسبوق، الذي
طال حتى مصر، وهي دولة غير نفطية. ويرصد سيف الله بعض
الآراء المتداولة بشأن عمليات التسليح، فهناك من يقول
أن تعنّت إيران ومواقفها المتشددة بخصوص مفاعلها النووي
وتدخلها بالشأن العراقي ودعمها للمنظمات الأرهابية في
العراق، وتطلّع إيران الى دول الجوار لأطماع لديها، ومن
خلالها تريد التمدد في المنطقة وقضم بعض الأراضي منها،
هذا يغذي الإحساس بالخطر لدى دول الخليج، ويدفع بها لتسليح
نفسها أمام الطموحات الإيرانية.
وهناك رأي آخر يقول بأن أمريكا تخطط لمهاجمة إيران
لتلك الأسباب أعلاه، ولذلك باعت للكويت شبكة منظومة صواريخ
باتريوت الدفاعية ضد صواريخ أرض أرض، أما الاسلحة للسعودية
فهي متنوعة، وحسب بعض المحللين بأنها خزين للقوات ألأمريكيه،
هذا أولاً. وثانياً هي رسالة الى إيران بأن الأمريكيين
جادّون هذه المرة ما لم تنفذ إيران طلب الأمم المتحدة
ومجلس الأمن بتجميد برنامجها النووي وعدم تدخلها في العراق
وإيقاف دعمها لحزب الله في لبنان، وكذلك تدخلها في فلسطين
ودعمها لحماس.
هذه هي، حسب سيف الله، المبررات العلنية للسياسة الأمريكية،
ولكن من الأمور المخفية ما هو أعظم من ذلك بكثير وهو الشرق
الأوسط الجديد الذي بات لا يتحمّل حكومات ثورية على غرار
الحكومة الإيرانية.
التصدي للنفوذ الإيراني
أما الكاتب حسام عيتاني، الصحافي اللبناني في جريدة
(الأخبار) اللبنانية فكتب في مقالة: (كل هذا السلاح) بأن
هدف صفقة الأسلحة الأميركية الضخمة مع الدول العربية (المعتدلة)
والمساعدات الأكبر إلى إسرائيل هو التصدي للنفوذ الإيراني
وتطويق سوريا وحزب الله وتنظيم القاعدة. هذا ما أعلنته
وزيرة الخارجية الأميركية كوندليسا رايس.
ويشرح عيتاني ذلك بأن الولايات المتحدة تريد استبدال
سلعتها الجديدة التي حاولت تسويقها في الأعوام الخمسة
الماضية، الديموقراطية، بعدما اكتشفت محاذير تصدير الديموقراطية
من دون السلة الكاملة من التغييرات الثقافية والاجتماعية
والحريات العامة، التي تأتي معها، بسلعة أثبتت الأيام
الخوالي نجاعتها: صفقات الأسلحة العملاقة.
لكن الأهداف الأميركية المعلنة تواجه بغموض عربي. ما
تريده الولايات المتحدة واضح وخلاصته تغيير طبيعة الصراع
في المنطقة من صراع عربي ـ إسرائيلي يسعى العرب فيه إلى
إنهاء إحتلال أراضيهم، إلى صراع بين معتدلين ومتطرفين.
تفيد إلقاء نظرة فاحصة أن المطلوب من العرب هو الإنخراط
في سلسلة من الصراعات، قابلة جميعها للتحوّل إلى حروب
مدمرة. فما معنى (مواجهة حزب الله) على المستوى اللبناني،
على سبيل المثال؟ إنها دعوة علنية إلى تفجير حرب أهلية
جديدة في لبنان. لا أكثر من ذلك ولا أقل.
أما تطويق إيران بإعادتها إلى ما وراء (ستار أخضر)
يوازي الستار الحديدي الذي شكّل الحد الفاصل بين (العالم
الحر) وبين دول المنظومة الإشتراكية، في الحرب الباردة
الثانية، فتؤدي إلى ما لا يقل عن تفتيت العديد من دول
المنطقة التي تتباين مواقف القوى السياسية الرئيسية فيها،
تبايناً شديداً من مسألة العلاقات مع إيران مثل لبنان
والعراق وفلسطين.
وإذا تحلّى المرء بحسن النية، فسيكتفي بالإنتباه إلى
الغموض الذي يغلف الموقف العربي الرسمي الذي يُقرأ في
نتائج اجتماعَي وزراء الخارجية العرب في القاهرة، واجتماع
(المعتدلين) منهم مع رايس في شرم الشيخ، أما إذا أراد
الإقتراب من الواقعية، فسيرى أن درجة معيبة من التواطؤ
تنضح منه.
تواطؤ ضد مَن ولمصلحة ماذا؟ أقل ما يمكن قوله في هذا
المقام إنه تواطؤ مع مشروع أميركي يريد قسمة المنطقة على
أساس مذهبي، بين (أنظمة معتدلة سنية) و(إيران الشيعية
وحلفائها). والولايات المتحدة التي أزالت منطقتي العزل
اللتين كانتا تحيطان بإيران من الشرق والغرب (نظام طالبان
في أفغانستان من الشرق ونظام صدام حسين في العراق من الغرب)
اكتشفت، بثمن باهظ، أنها أطلقت الجني من قمقمه. لذا على
العرب، المعروفين بنجدة الملهوف، مساعدتها في إعادة الجني
إلى حجمه السابق، على الأقل.
أما المصلحة، فتحتاج في دنيا العرب اليوم إلى تعريف
جديد: أين تكمن المصالح العربية في الانضواء في مشروع
كهذا؟ ننحّي جانباً حديث تبديد الثروات على أسلحة ستصدأ
في مستودعاتها، مقابل إبداء الدهشة أمام الإصرار على رسم
خرائط تقسيم جديد للمنطقة العربية يُخترع فيها، من العدم
أو ممّا يدانيه، عدو جديد للعرب.
وظيفة التسلّح: كشف أحجية
في مقاربة الكاتب السياسي المصري سمير كرم لفتات هامة،
حيث التعارض بين وظيفة التسلح وأهدافه. فتحت عنوان (..وتبقى
السعودية منزوعة السلاح) إفتتح كرم مقالته بسؤال ـ أحجية:
كيف يمكن تزويد دولة منزوعة السلاح بأسلحة متفوقة ـ جوية
وبحرية وبرية، هجومية ودفاعية ـ مع إبقائها منزوعة السلاح؟.
ولا يجد كرم صعوبة في تفكيك هذه الإحجية، طالما أن ثمة
حقائق تميط اللثام عنها (فالدولة المنزوعة السلاح هي المملكة
العربية السعودية، ومصدر السلاح هو الولايات المتحدة الاميركية..
أما بنود الإبقاء على نزع السلاح فتبقى بنوداً إسرائيلية،
أي بنوداً تفرضها إسرائيل على أية صفقة أسلحة للسعودية..
وهذا أمر إعتادت عليه كل الأطراف: الولايات المتحدة وإسرائيل..
وبالأخص السعودية).
وتتواصل عملية الكشف عن الأحجية من خلال مقارنة صفقة
التسلّح الأخيرة مع صفقات سابقة أجرتها السعودية مع الغرب
فقيمة الصفقة الجديدة للسعودية وحدها تصل إلى عشرين مليار
دولار (أي تصل إلى قيمة صفقة اليمامة الشهيرة التي عقدتها
السعودية مع بريطانيا التي كانت قد لقيت من اهتمام العالم
ما لقيت بسبب مليار هنا ومليار هناك في صورة رشوة لإتمام
الصفقة.. ولم يلق لغز استمرار حالة السعودية كدولة منزوعة
السلاح أي تساؤل في مجلس العموم أو مجلس الأمراء أو أي
مجلس كان).
ويمضي كرم (حتى وقيمة الصفقة الجديدة قريبة من قيمة
صفقة اليمامة فإنه قد أمكن طمأنة إسرائيل إلى أن استمرار
وضعية السعودية بعدها كدولة منزوعة السلاح.. إلى حد جَعَلها
ـ أي إسرائيل ـ تتغاضى عن الصخب الذي اعتادت أن تثيره
قبل وأثناء وبعد جلسات الطمأنينة مع فعاليات الإدارة الاميركية
والكونغرس الاميركي. هذه المرة ـ وحسب ما روت هيرالد تريبيون
(30/7/2007) ـ وفي ابتعاد له مغزاه عن سياسة إسرائيل الماضية،
لم يفرض رئيس الوزراء الاسرائيلي أية اعتراضات على خطة
أميركية جديدة لبيع أسلحة أميركية على أعلى درجة من التطور
للعربية السعودية ولدول عربية معتدلة أخرى، قائلا إن إيران
هي العدو المشترك.
وتساءل كرم عن حكاية زيادة وتيرة التسليح في المنطقة،
وتدجيج واشنطن حلفائها بكميات كبيرة من الأسلحة المتطوّرة:
هل تنوي أميركا الإستغناء عن خوض حرب ضد إيران بنفسها
ـ أو كتفا بكتف مع إسرائيل ـ وتفكر في أن تعهد بالمهمة
الى دول الشرق الاوسط المعتدلة.. حلفائها العرب؟
هل يمكن تصور هذا ـ عسكرياً ـ فيما الولايات المتحدة
عاملت صفقتها الباهظة القيمة مالياً للسعودية معاملة كل
الصفقات السابقة؟ لقد فرضت على السعودية شروطها التقليدية:
قيود على المدى والحجم والموقع بالنسبة لما تتضمنه الصفقة
من (قنابل توجهها الأقمار الاصطناعية)، والتزام بعدم تخزين
هذه الأسلحة في قواعد جوية قريبة من الاراضي الاسرائيلية.
بالحرف هذا منطوق ما قاله المسؤولون من وزارة الخارجية
الاميركية الذين تحدّثوا إلى الصحافة عن الصفقة موضحين
ما أبلغت به الإدارة الكونغرس في هذا الشأن لتهدئة خواطر
النواب والشيوخ الاميركيين، الذين هم في العادة أشد غيرة
على أمن اسرائيل ومصالحها من إيهود أولمرت وكل من سبقوه
من شارون رجوعاً الى بن غوريون.
فإذا لم يكن الإستغناء عن حرب مباشرة أميركية أو اميركية
ـ إسرائيلية على إيران ممكناً عسكرياً، خاصة اذا كان البديل
هو بعض حلفاء أميركا المعتدلين تتقدمهم السعودية فهل يكون
ممكناً سياسياً؟
يرى كرم بأن إمكانية استغناء الولايات المتحدة عن الحرب
المباشرة مع إيران من خلال إقحام حلفائها في تلك الحرب
جنباً إلى جنب وكتفاً بكتف مع الإسرائيليين تهدف إلى (التقريب
بين المعتدلين العرب وإسرائيل.. والمقصود هنا ـ طبعاً
ـ المعتدلون العرب الذين لا يزالون يفتقرون الى صك غفران
اسرائيلي في صورة معاهدة سلام أو تطبيع جزئي أو علاقات
مموّهة. وربما تكشف جملة أولمرت لتبرير الصفقة السعودية
بدلا من افتعال الصخب ضدها ـ كما كانت العادة الاسرائيلية
المألوفة ـ ونعني قوله: إيران هي العدو المشترك.. عن أكثر
مما قصد أو أكثر مما يود المسؤولون في واشنطن أن يقال
في توقيت إعلان الصفقة. فقد سبقت هذه العبارة بأيام تصريحات
رايس عن أن (هذه الجهود ستساعد في تعزيز قوى الإعتدال،
وستدعم استراتيجية اوسع نطاقا للتصدي للتأثير السلبي للقاعدة
وحزب الله وسوريا وإيران). وعبارة أولمرت تكشف فضلاً عن
ذلك عن مرحلة جديدة سياسياً تتجاوز كثيراً حدود طمأنة
إسرائيل إلى أن الأسلحة للسعودية لن تستخدم ضدها، ولن
تكون أصلاً مجهزة بحيث يبقى احتمال استخدامها ضدها.
هنا تظهر أهمية اعلان توقيت صفقة الاسلحة للسعودية
ودول الخليج وصفقة المساعدات العسكرية الزائدة لإسرائيل،
غير بعيد عن المحادثات التي اجراها وزيرا خارجية مصر والاردن
تحت علم جامعة الدول العربية (للمرة الاولى في تاريخ هذه
الجامعة) والتي فتحت المبادرة السعودية على مصراعيها امام
اسرائيل لتشريح جزئياتها.. لتنتقي ما ترفض وتقبل ما يمكن
أن تقبل اذا بقي ما تقبله. وذلك بعدما كانت معروضة عليها
تقبلها كما هي أو ترفضها.
يعود كرم إلى طرح السؤال المبدئي ولكن بطريقة أخرى:
هل من الضروري أن تزوّد الولايات المتحدة السعودية بصفقة
باهظة النفقات الى هذا الحد من أجل هدف سياسي، بينما تبقى
المملكة منزوعة السلاح فعلياً؟
لقد تأخّرت الإدارة الاميركية قبل أن تجعل من هذه الصفقة
واقعاً فعلياً، حتى وإن كان التنفيذ سيستغرق ـ بدوره ـ
وقتا طويلا. فقد ارتفعت اسعار النفط منذ وقت طويل، وتراكمت
المليارات في البنوك التي تستثمر فيها السعودية وشقيقاتها
الخليجيات أموالها النفطية. وفي كل الأحوال فإن الفوائض
المالية وصلت الى الحدود التي عندها يصبح حتمياً أن تفكر
واشنطن (بالأحرى نيويورك) في استرداد جزء يستحق العناء
مما دفع للسعودية وشقيقاتها ثمناً للنفط.. ليكون ثمنا
للسلاح.
ويطرح كرم تفسيراً مختلفاً لتصاعد منسوب الإنتقادات
الأميركية إعلامياً وسياسياً للسعودية خلال فترة ابرام
الصفقة، ويصف كرم ذلك بأن موسم (تكسير مجاذيف) السعودية
قبل الدخول معها في محادثات لها أهميتها الإستراتيجية
والسياسية والإقتصادية. ويشرح ذلك بالقول بأن اشنطن تفضل
السعودية في وضع أضعف أمامها حين تكون المحادثات بينهما
مفتوحة على بوابات السلام مع اسرائيل، الحرب مع ايران،
الإستعداد لدور سنّي ضد القوى المتحالفة مع ايران في المنطقة،
والاستعداد لدور غير سنّي مع القوى المؤيدة لأميركا في
العراق.. انها مجرد تكتيكات أميركية لا تنقصها البراعة
في التعامل مع المعتدلين العرب.. لكن تنقصها البراعة ـ
أو لعلنا نقول تفتقر كلية الى البراعة ـ في تحقيق هدف
تسوية أو حتى إخفاء تناقضات وخلافات الإدارة الاميركية.
أما بالنسبة لإسرائيل، فهي تريد نتائج حسيّة فعلية
في ما يتعلق باقتناع السعودية أو غيرها من الممالك المعتدلة
العربية بالدخول في سلام معها (حتى ولو فرصة لالتقاط صورة
ـ كما يقول التعبير الأميركي ـ يظهر فيها وزير الخارجية
السعودي مع تسيبي ليفني او يظهر فيها المستشار السعودي
للأمن القومي مع إيهود أولمرت تأكيداً للنوايا الحسنة).
اما النوايا الحسنة من الجانب الاسرائيلي ففي واشنطن ونيويورك
(عاصمة اليهود العالمية) من يعتقد أنها بلغت أقصاها في
السماح بصفقة العشرين مليار دولار أسلحة للسعودية. لكن
هناك أيضا داخل الادارة الاميركية وفي (لوبي النفط) من
يعتقد أن دفع الأمور الى حدود قصوى مع السعودية في ما
يتعلق بإسرائيل والسلام معها يضعف السعودية ويعجزها عن
أداء الأدوار المطلوبة منها أميركيا في العراق، إزاء إيران،
وفي لبنان ازاء الشيعة وفي المنطقة ككل ازاء السًّنة والارهاب.
مع ذلك فقد نجحت إسرائيل في حمل ادارة بوش ..على (إقناع)
السعودية بأنه ليس من مصلحتها في الأجل الطويل مواصلة
اللقاءات والزيارات والمحادثات المتبادلة (تلك التي كانت
متبادلة لفترة) بين الرياض وطهران. وإذا ما لاح في الأفق
ـ مرة اخرى ـ إحتمال استئناف مثل هذه الإتصالات، سواء
بشأن لبنان أو العراق أو النفط أو الشأن الشيعي ـ السني،
فإن إسرائيل لن تتأخر عن التدخل بأساليبها التقليدية وغير
التقليدية ضد علاقات مستقرة بين واشنطن وحلفائها في المنطقة
العربية. فالأولوية في واشنطن بصفة مطلقة ومؤمّنة هي للمصالح
الاسرائيلية. فضلا عن أن القاهرة تقف متربّصة معارضة لتقارب
ثنائي بين الرياض وطهران يلقي ظلاً على دور الاخ الاكبر
المصري.
ويضع كرم الصفقات في بناء تحالف إستراتيجي بين واشنطن
واسرائيل ودول (الإعتدال)، والذي يمثل، حسب كرم، الحلم
لدى إدارة بوش، متمثلاً في إقامة تحالف إقليمي، على غرار
حلف الأطلسي في منطقة الشرق الاوسط يضم اسرائيل ومصر والاردن
والسعودية ودول الخليج ودولة السلطة الفلسطينية والعراق
وتركيا.
في خلاصة المقاربات المتنوّعة لصفقات التسلّح السعودية
مع الولايات المتحدة والغرب عموماً يبدو أن الأمراء قرروا
التخلي عن تقليديتهم في التعاطي مع القضايا الساخنة في
المنطقة، فقد أبقوا على الرشاوى، وبناء التحالفات الدولية
عن طريق مقايضة حقن الإقتصاديات الغربية في مقابل زرع
أراضينا بالقواعد العسكرية، وتكديس الأسلحة في مخازن خاصة
ليست قابلة للإستعمال من قبل الجيش، وأضافوا لها بعداً
آخر، حيث يتم التنسيق على مستويات عليا بين الخصوم المزعومين
(السعودية والكيان الإسرائيلي) من أجل محاربة القوى الممانعة
في المنطقة، بكل الوسائل المتاحة المشروعة أو حتى القذرة.
|