الإسماعيليون في نجران
مواطنون سعوديون من الدرجة الثانية
قالت منظمة هيومن رايتس ووتش في تقرير أصدرته في 22/9
إن على الحكومة السعودية أن تضع حداً لتمييزها المنهجي
بحق الأقلية الدينية الإسماعيلية. ودعت المنظمة الحكومة
إلى إنشاء مؤسسة وطنية بإمكانها التوصية بتعويضات جراء
السياسات التمييزية وللاستجابة لمطالبات الأفراد. وجاء
التقرير الذي حمل عنوان: (الإسماعيليون في نجران: مواطنون
سعوديون من الدرجة الثانية) في 67 صفحة، والذي يستند إلى
أكثر من 150 مقابلة ومراجعة الوثائق الرسمية؛ يوثق نسقاً
من التمييز ضد الإسماعيليين في مجالات التوظيف الحكومي،
والتعليم، والحريات الدينية، ونظام العدالة.
وقال جو ستورك، نائب المدير التنفيذي لقسم الشرق الأوسط
وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش: (تُروج الحكومة السعودية
للتسامح الديني بالخارج، لكنها تُعاقب باستمرار المواطنين
الإسماعيليين على معتقداتهم الدينية). وتابع قائلاً: (ويجب
على الحكومة أن تكف عن معاملة الإسماعيليين باعتبارهم
درجة ثانية في التوظيف ونظام العدالة والتعليم).
ويعيش في المملكة العربية السعودية ما لا يقل عن مئات
الآلاف من الإسماعيليين، وربما يصل عددهم إلى المليون،
وهم جزء من الأقلية الشيعية. ويعيش أغلب الإسماعيليين
في منطقة نجران، على الحدود الجنوبية الغربية مع اليمن،
حيث تزايدت التوترات عبر السنوات القليلة الماضية. وكان
آل سعود قد غزوا نجران إثر حرب قصيرة مع اليمن في عام
1934، وضمت إلى مملكتهم الفرقة السليمانية الإسماعيلية،
إحدى الفرق الإسماعيلية. وظلت نجران مقراً لكبير الفرقة
السليمانية الإسماعيلية، وهو الداعي المطلق، منذ القرن
السابع عشر.
وعلى الرغم من أكثر من 70 عاماً من التاريخ المشترك،
فإن السلطات السعودية وعلى أعلى المستويات مستمرة في الترويج
لخطاب الكراهية ضد هذه الأقلية الدينية. وفي أبريل 2007،
أطلقت هيئة كبار العلماء على الإسماعيلية وصف (كفار، فساق،
فجار، ملحدون، زنادقة). وفي أغسطس 2006، أعلن كبير قضاة
المملكة، الشيخ صالح اللحيدان لجمهور قوامه المئات، أن
الإسماعيليين (ظاهرهم مسلم، لكن باطنهم كفر). ولم يرد
غيره من المسؤولين السعوديين على هذه التصريحات أو هم
تبرأوا منها.
وقد أدت التوترات المتزايدة منذ أواسط التسعينيات بين
الإسماعيليين وأمير نجران، الأمير مشعل بن سعود بن عبد
العزيز، إلى وقوع مصادمات في أبريل 2000، بعد أن اعتقلت
السلطات رجل دين إسماعيلي اتهمته بـ (عمل السحر). واعتقلت
قوات الأمن المئات من الإسماعيليين، وعذبت وحاكمت سراً
العشرات غيرهم. ثم قامت السلطات بحركة تطهير أخرجت بموجبها
زهاء 400 إسماعيلي من السلك الوظيفي الحكومي المحلي.
ومنذ ذلك الحين، فإن المسؤولين المحليين الذين تم إرسالهم
إلى نجران من مناطق أخرى من البلاد والذين يعكسون الفكر
الوهابي المُحافظ السائد في البلاد، مستمرون في التمييز
ضد الإسماعيليين في التوظيف والتعليم ونظام العدالة، وتدخلوا
في قدرتهم على ممارسة شعائرهم الدينية. وواحد فقط من كل
35 رئيس قسم في حكومة نجران المحلية إسماعيلي المذهب.
ولا يوجد إسماعيلي واحد تقريباً يشغل منصباً أمنياً كبيراً
أو يشغل وظيفة مُدرس دين. وتقول الكتب الدراسية السعودية
إن الإسماعيلية تُعد (شركاً أكبر) بالله. ويقوم المُدرسون
الوهابيون في نجران بكيل الإهانات للمعتقد الديني الخاص
بالطُلاب الإسماعيليين ويحاولون تحويلهم إلى المذهب الوهابي،
باستخدام التهديد بالرسوب والضرب.
ولا يتمتع الإسماعيليون بحرية نقل تعاليمهم الدينية
إلى الأجيال الجديدة. فالسلطات قامت في بعض الحالات بنفي
الداعي المطلق من نجران أو وضعته قيد الإقامة قسراً في
المنزل. كما تحظر السلطات السعودية استيراد أو إصدار الكتب
الدينية الإسماعيلية. ويواجه الإسماعيليون معوقات في الحصول
على تصاريح ببناء مساجد جديدة أو بتوسيع المساجد القائمة،
بينما تمول الدولة وتبني مساجد الوهابية في نجران، حتى
في المناطق التي لا يوجد فيها سكان منهم.
ويقوم قضاة الشريعة في المملكة – ويتبعون الفكر الوهابي
– بالتمييز بصفة متكررة ضد الإسماعيليين بسبب معتقدهم
الديني. وفي مارس 2006 فرق أحد القضاة بين رجل إسماعيلي
وامرأة سنية، وقال إن الرجل عديم الكفاءة الدينية. وفي
مايو 2006 منع قاضٍ آخر أحد المحامين الإسماعيليين من
تمثيل موكله السنّي.
وقال جو ستورك: (إن التمييز الذي ترعاه الدولة وتتسامح
معه الحكومة بحق الإسماعيليين في نجران يفرض تهديداً جسيماً
لهويتهم ويحرمهم من حقوقهم الأساسية). وأضاف: (وتقوم السلطات
بإبعادهم عن التعليم والعمل الحكومي والمهن الأخرى).
وفي يوليو 2008، افتتح الملك عبد الله مؤتمراً لحوار
الأديان حظي بمتابعة إعلامية جيدة، وهذا في إسبانيا بمبادرة
من المملكة العربية السعودية، وبحضور رجال دين مسلمين
ويهود ومسيحيين وهندوس وبوذيين. وقال جو ستورك: (سوف يكون
مقياس التسامح الديني السعودي بما يتم داخلياً، وليس فقط
بما تروج له السعودية في الخارج).
وجاء في توصيات هيومن رايتس ووتش ضرورة إيقاف التمييز
الطائفي الذي يحد من مشاركة المواطنين الإسماعيليين في
الشؤون العامة وفي الحصول على فرص العمل والترقيات والحريات
الدينية والحصول على محاكمات عادلة، إضافة الى إيقاف التهجير
المنهجي والطرد من الوظائف وغيرها.
كما طالبت المنظمة الحكومة السعودية بفتح تحقيق حول
أحداث هوليداي إن عام 2000، ضمن لجنة تشرف عليها هيئة
حقوق الإنمسان ويكون نصف أعضائها على الأقل من أتباع الطائفة
الإسماعيلية، وذلك لمناقشة موضوع إغلاق مساجد الإسماعيليين،
واعتقال رجالهم الدينيين، واستخدام قوات الأمن للأسلحة
النارية، وما تبعها من اعتقالات وتعذيب في السجون، وكذلك
التحقيق في نقل موظفي القطاع العام إلى خارج منطقة نجران،
وفصل آخرين عن عملهم ومنع الطلاب الإسماعيلية من استئناف
دراستهم لدى خروجهم من السجن. بالإضافة الى ذلك أكد التقرير
على ضرورة فتح تحقيقات جنائية ضد ضباط المباحث ومسؤولي
الحكومة المحلية ودورهم في التعذيب والإعتقالات.
وفي الختام طلبت هيومن رايتس ووتش من الحكومة السعودية
بأن توقف علناً ورسمياً خطاب الكراهية الموجه لأتباع الإسماعيلية
ولغيرها من الأقليات الدينية أو الإثنية، ومعاقبة من يقوم
بذلك. وأن تشكل مؤسسة وطنية للقضاء على التمييز العنصري
ذات صلاحيات.
|