قبل أن تسبق أمريكا السعودية الى إيران
ناصر عنقاوي
حتى الآن، فإن الولايات المتحدة ـ وبالضرورة إسرائيل
ـ ضد أي تطبيع حقيقي في العلاقات العربية الإيرانية، وخاصة
الخليجية منها.
وحتى الآن، فإن إسرائيل تسعى لعزل إيران عربياً إن
لم يكن محاربتها، وتشكيل حلف مقابلها تكون اسرائيل والسعودية
ومصر أعمدة الخيمة فيه، وهو ما عبّر عنه القادة الإسرائيليون
مراراً، وكان آخرهم نتنياهو، رئيس وزراء اسرائيل الجديد.
وحتى الآن أيضاً، فإن السعودية ومصر التابعة للموقف
السعودي، تصعّدان من مواقفهما تجاه إيران، وتستخدمان كل
مفردات الطائفية والشوفينية، وتعتبران إيران الخطر الأول
للعرب قبل اسرائيل.
لكن الولايات المتحدة التي تستخدم سياسة العزل تجاه
إيران على الصعيد الإقليمي والعالمي للضغط عليها وإجبارها
على تقديم تنازلات، تحاول اليوم فتح صفحة جديدة معها،
يجمع (حلف المعتدلين) العرب على أنها ستثمر عن صفقة تكون
في غير صالح العرب، ما اضطر أكثر من مسؤول أميركي لتهدئة
المخاوف السعودية المصرية بالذات، من أن العلاقات القادمة
لن تشهد تنازلات على حساب العرب! وكان آخر المهدئين وزير
الدفاع روبرت غيتس الذي زار الرياض والقاهرة لهذه الغاية
وغايات أخرى.
ماذا سيكون موقف مصر والسعودية بالتحديد إذا ما تحسّنت
العلاقات الأميركية الإيرانية؟
هل سيغيّرا الموجة ـ كما عهدناهما ـ فتتحسن العلاقات
المصرية الإيرانية، والسعودية الإيرانية؟ أم ستخالف الدولتان
المنهج الأميركي، وتمضيان في سياسة الصراع والتنافس إن
لم يكن العداء، الى آخر الشوط؟
ثم ماذا سيكون الحال لو أن اتفاقاً ايرانياً ـ أميركياً
قد أُبرم على حساب ما تعتبره السعودية ومصر مصالح عربية؟!
|
تخسر السعودية إيران فيربح
الأمريكان |
لقد حاولت طهران مراراً جرّ العرب لأجندتها من أجل
تقليص النفوذ الأميركي العسكري والسياسي في منطقة الخليج
عامة، ودعت الى أن يكون أمن الخليج بيد الدول المطلة عليه،
كل الدول، كما دعت الى أكثر من ذلك: تحالفات استراتيجية
أمنية وسياسية واقتصادية وعسكرية. لكن كل كلامها صار هباءً.
تستطيع ايران أن تنتقم لنفسها من البلدين بعد أن أجبرت
واشنطن على تغيير نهجها.
وتستطيع أن تعقد صفقة تصبح بموجبها السيدة في منطقة
الخليج، وذات اليد الطولى في الشأن العربي، خصوصاً وان
ايران بالنسبة للولايات المتحدة أكثر أهمية من السعودية
نفسها.
ومع أن احتمال عقد صفقة شاملة بين ايران واميركا غير
متوقع في المدى القريب، لكن لا يمنع ذلك من التوصل الى
تفاهمات بشأن قضايا محددة، هي على الأرجح ثلاث قضايا:
أفغانستان، العراق، أمن الخليج.
لهذا تساءل مفكرون وباحثون عرب عن الدور المصري ـ السعودي
الضائع والتائه في المنطقة، وطالبوا بمقاربة مختلفة مع
إيران، يجعلها في صف العرب بدلاً من التحوّل الى منافس
شرس، طالما أن العداوة ـ حسب الباحثين انفسهم ـ مستبعدة
في المستقبل.
لماذا تُجبر مصر والسعودية على أن تكون مجرد أداتين
في يد المفاوض الأميركي مقابل إيران؟
ولماذا تتقدم واشنطن في العلاقة مع طهران ويجبر الآخرون
العرب على المشي خلفها، والحذو حذوها؟
لماذا لا تبادر السعودية لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، بالتواصل
مع طهران بدل زيادة الشقّة معها، طالما هي متأكدة من أن
اي تفاهم أميركي مع إيران لن يكون في صالحها، وطالما انها
تعتبر التفاهم الإيراني الأميركي أكثر خطراً عليها من
قيام حرب أميركية ضد إيران تساهم فيها السعودية نفسها؟
أميركا والغرب يحركهما المصالح، والسعودية تحركّها
العواطف الطائفية.
أميركا لا تهتم بهواجس السعودية، وليس لديها عقدة فارسية
ـ عربية، ولا تطربها الألحان الشاذّة التي تعزفها آلة
الإعلام السعودي والمستوردة من بقايا بضاعة البعث العراقي
البائد. إنما تهتم بوضعها الإستراتيجي ومصالحها فوق كل
شيء.
فمتى تفكر السعودية بعقل مصالحها، لا بهواجسها، ولا
بأيديولوجيتها الوهابية المغرقة لها في بحر بلا شطآن؟
ومتى تفهم السعودية حجمها الطبيعي، وتتحرك على أساسه،
وتدرك بأن ما لم تستطع واشنطن فعله، لا تستطيعه هي وحدها
أو بالتعاون مع مصر.
إن أحلام تفكيك إيران من الداخل التي يروج لها الإعلام
السعودي ـ الوهابي، وتحليلات الثكلى عن الوضع الداخلي
الإيراني المهتريء، لم تلحظه أقمار أميركا والغرب واسرائيل،
فكيف استطاع العمى الوهابي ملاحظته، وبنى عليه حساباته
السقيمة؟!
من يريد اللحاق بإيران فعليه أن يتعلّم منها، وليس
هناك جدير مثل مصر للقيام بذلك، نظراً لثقلها ووزنها وموقعها
وتاريخها وثقافتها. وهذا ما يستشعره المثقفون المصريون،
من أن إنجازات إيران السياسية والعلمية متعددة الأبعاد،
يمكن لمصر أن تحققها لو خفضت من سقف التأثير الأميركي
الإسرائيلي عليها.
آن للسعودية ومصر أن تكسرا القيد الأميركي، وأن تنطلقا
لخدمة مصالح شعبيهما.
|