أعمال شغب وفتاوى بتحريمه
(اليوم الوطني) يفجّر تناقضاته!
عبدالحميد قدس
سواء كان يوماً وطنياً أم عيداً وطنياً، ذاك الذي يحتفل
به آل سعود بمناسبة تأسيس مملكتهم، فلا يغيّر من الموقف
الديني السلفي شيئاً، كما لا يغيّر من موقف الضحايا أو،
على الأقل، الخاسرين في هذا التأسيس.
ما يميّز إحتفالية هذا العام باليوم الوطني، أنها فجّرت
مفاجئات غير محسوبة.. فبالرغم من أن مظاهر الشغب العبثية
تبرز في مثل هذه المناسبة كل عام، إلا أنها لم تصل إلى
مستوى خطير كالذي شهدته مناطق مختلفة من المملكة، حيث
يأخذ الشغب شكلاً منظّماً ومتطرّفاً، كحرق المحال التجارية،
واستعمال الرصاص، أو الرقصات على أنغام الموسيقى الغربية،
(وفي بعضها الايرانية أيضاً) بحسب بعض اللقطات التي وضعت
على موقع الـ (يوتيوب).
أراده آل سعود كرنفالاً وطنياً منضبطاً، فقدّمت المجاميع
الشبابية في أرجاء متفرّقة من البلاد احتفالية من نوع
آخر، بما يؤكّد ما حذّر منه الشيوخ، حيث جاءت مظاهر الشغب
متطابقة مع تصويرات وتوقّعات علماء المؤسسة الدينية السلفية.
باتت معرفة الموقف السلفي من العيد/اليوم الوطني واسعة
على المستويين المحلي والدولي، وليس في ذلك ما يدعو للإطناب
في التحليل. فقد أجمع مشايخ السلفية قديماً وحديثاً على
أن مثل هذه المناسبة تنطوي على مشابهة للكفار، وقد حرّم
الإسلام التشبّه بالكفار فيما هو من خصائصهم. وبحسب فتوى
اللجنة الدائمة فإن في العيد الوطني (من التشبّه بالكفّار)
(فتاوى اللجنة، 3/60). وقد كتب الشيخ محمد بن عبد اللطيف
آل الشيخ (ت 1367هـ) وصالح بن عبد العزيز آل الشيخ (ت1372هـ)
والشيخ المفتي محمد بن إبراهيم آل الشيخ(ت1389هـ) رسالة
الى الملك عبد العزيز حول ما سمي حينذاك بعيد الجلوس،
أي يوم اعتلائه العرش، وقالوا عنه بأنه (مضارع الأعياد
الجاهلية). بل اعتبر الشيخ محمد بن ابراهيم تهنئة الناس
للملك بالعيد غلط وغير سائغ، وبدعة، ومحرم. وقال الشيخ
حمود التويجري (ت 1413هـ) عن هذا اليوم بأنه (مشابهة أعداء
الله تعالى).
وفي سؤال ورد الى اللجنة الدائمة للإفتاء والبحوث العلمية
والافتاء حول (الاحتفال باليوم الوطني) في 22 سبتمبر 2005،
وبعد مرور نحو شهرين على اعتلاء عبد الله العرش، حول حكم
الاحتفال بعيد المولد وعيد الأم واليوم الوطني؟ وقالوا
بأنها كل بدعة محدثة ممنوعة، وقالوا عن اليوم الوطني بأنه
(من التشبّه بالكفّار) (فتاوى اللجنة: فتوى رقم 9403،
3/59).
كان هذا العام مختلفاً لجهة استعداد المشايخ للتعبير
عن مواقفهم الدينية من اليوم الوطني، فقد أعاد المشرف
على موقع (نور الإسلام) الشيخ محمد الهبدان نشر فتوى حرّرت
في 25 شوال سنة 1429هـ موقّعة من قبل عشرة من مشايخ السلفية
من بينهم الشيخ عبد الرحمن بن ناصر البراك، والشيخ ناصر
العمر، والشيخ علي بن سعيد الغامدي، والشيخ عبد الله بن
حمود التويجري، قبل يوم من مناسبة اليوم الوطني. ونقل
المشايخ في الفتوى الصادرة في 29 شوال 1429هـ، بعض ما
جاء في رسالة الشيخ محمد بن ابراهيم بعنوان (العيد الوطني)
بتحريم هذا اليوم، واعتباره مشابهة للكفار من أهل الكتاب،
والفرس والمجوس، ونقلوا ما جاء في فتاوى اللجنة الدائمة
بتوقيع الشيخين عبد العزيز ابن باز وعبد الرزاق عفيفي.
ووجّه العلماء نقداً لمن أسموهم (مفتون يعرفون بالتساهل
وتسويغ ما لم يرد نص بتحريمه، ولا يرعون الأصول والمقاصد
الشرعية).
تجدر الإشارة إلى أن الموقّعين على الفتوى شكّلوا في
السنتين الأخيرتين ما يشبه جبهة موحدة في التعبير عن آرائهم
الشرعية الداعمة لمواقف سياسية يتنباها وزير الداخلية
الأمير نايف، في مقابله الملك عبد الله، وقد ظهر ذلك جلياً
في بيانات هؤلاء المشايخ في مناسبات سابقة مثل الحوار
الوطني، والحوار الإسلامي، والحوار بين الأديان..
اليوم الوطني.. أزمة مزدوجة
غياب ثقافة الاحتفالات، وغياب مبرراتها هما بكثافة
شديدة خلفية الأزمة العالقة حول اليوم الوطني، شأن مناسبات
أخرى يراد لها أن تكون إحتفالية ووطنية. فمادام أن الأيديولوجية
السلفية مصدر التوجيه المعنوي والثقافي للدولة، فلا يمكن
الا العيش في زمن ساكن، لا تطرأ عليه تغيّرات الزمان وتبدّل
أحوال الناس، فما عاشه الأقدمون من السلف يمثّل تجربة
معيارية لا يجوز الحيد عنها أو تطويرها، لأن في ذلك خرقاً
لما أجمع عليه السلف.
نشير الى ما تمثّله الاحتفالية في الوعي السلفي على
وجه الخصوص من ممارسة ناشزة تفضي بحسب اعتقادهم الى جفاف
الروح، وقسوة القلب، وما يرافقها من انشغالات عن أمور
العبادة ومخالطتها بسلوكيات مبتدعة، الأمر الذي يجعل تحريمها
ضرورياً لإغلاق باب للشر والفساد، قياساً على درء المفاسد
مقدّم على جلب المصالح، ذاك إن كان في الاحتفالية مصلحة
مرجوّة، وكل ذلك بحسب اعتقادهم.
لاريب أن العقل الفقهي السلفي قد دخل في مواجهة المجتمع
الذي يهيمن عليه، وفجّر جداليات ممتدة ومتعددة حول القضايا
التي يعيشها أفراد المجتمع، بما يجعل منتجات العقل السلفي
في صدام دائم مع الظواهر الاجتماعية الجديدة التي تنشأ
في المحيط الذي يعمل فيه، ببساطة لأنه عقل مصمّم لإيقاف
حركة التاريخ البشري، فيما قوانين الاجتماع تفرض نفسها
بقوة على حياة الأفراد بصورة دفعية ولحظوية.
يشعر المراقب من الخارج بحيرة وهو يقرأ الخبر الذي
نشرته صحيفة (المدينة) في 30 سبتمبر الماضي بعنوان إلغاء
ندوة (اليوم الوطني بالجوف..بعد حضور المشاركين). يقول
الخبر: شن نادي الجوف الأدبي هجوماً عنيفاً على أمانة
المنطقة؛ بسبب عرقلة إقامة الندوة التي من المقرر إقامتها
في مركز الأمير عبد الإله الحضاري بسكاكا التابع لأمانة
المنطقة. و أعرب النادي عن أسفه لقرار الأمانة، بإغلاق
المركز أمام احتفالية اليوم الوطني بمدينة سكاكا والتي
كان مقررا اقامة ندوة (اليوم الوطني تجديد ولاء وتعزيز
انتماء). واستهجن النادي الطريقة التي قام موظفو الأمانة
فيها، بإغلاق بوابات المركز الحضاري، فجأة و بشكل سريع
ومتعجل، بعد أن وصل الحضور، وبعد أن قام منسوبو النادي
بجميع التجهيزات، وقبيل انطلاق الندوة بدقائق، تم احتجاز
موظفي النادي والحضور بعد قرار الإقفال. من جانبها عللت
أمانة المنطقة ذلك بتعطل أجهزة التكييف مما حدا بهم إلى
اتخاذ إجراءات احترازية).
بالنسبة لمن هم خارج الحدود تبدو الرواية في غاية الغرابة،
وقد يتعاملون معها بقدر كبير من الإهمال، ولربما اعتبروها
مشوّشة بأخبار أخرى جرى إخفاؤها لدواعي التحرير الصحافي،
أو الرقابة الصحافية. ولكن بالنسبة لمن هم في الداخل،
تبدو القصة اعتيادية جداً، فنحن هنا أمام فصل من المواجهة
بين العقل السلفي والهاجس الأمني والممارسة الثقافية الحرّة،
ولا ننسى ما بين هذه العاناصر من تداخلات السلطة وتعقيدات
العلاقة بين أجنحتها داخل العائلة المالكة. وسنعثر على
أمثلة كثيرة في مناطق أخرى من المملكة، تحضر فيها كل أو
بعض هذه العناصر، ولكن النتيجة دائماً في المدى البعيد
تكون لصالح التيار الإجتماعي التحديثي العام.
فإذا ما أضيئت تجارب المواجهة بين العقل السلفي والمجتمع
منذ قيام الدولة السعودية حتى اليوم، سنكتشف سلسلة هزائم
تعرّض لها هذا العقل، أدّت الى تراجع دوره في الحياة الاجتماعية،
هكذا تظهر نتائج السجال حول استعمال التكنلوجيا الحديثة
من وسائل الاتصال والمواصلات، والتعليم الحديث، والقوانين
البنكية، والمعاملات التجارية، ووسائل المعرفة والتسلية
الحديثة مثل الراديو والتلفزيون ولا سيما التلفزيون الفضائي..الخ.
إن جمود العقل السلفي هو المسؤول اليوم عن انفجارات
إجتماعية وأمنية وسياسية ظاهرة وكامنة. فالذين قرروا اقتفاء
املاءات العقل السلفي السكوني هم من شهروا السلاح في وجه
المجتمع والدولة معاً، امتثالاً لما يأمر العقل السلفي
من مواقف عملية، إزاء ما يعتبره بدع، وشركيات وانحرافات،
فيما يواصل القطاع الأكبر من المجتمع مسيرته نحو التحرر
من هيمنة العقل السلفي والعيش في الزمن الراهني بما يتطلبه
من مسؤوليات وتحديات وحاجات. ولا يتم ذلك، بالضرورة، على
قاعدة التمرّد على الدين ـ الاسلام، بالقدر الذي يعنيه
من نفور إزاء احتكار التفسير للنص الديني، وفرضه باعتباره
حقيقة دينية مطلقة.
وهناك جانب آخر للأزمة، وتتمثل في غياب المسوّغ الاحتفالي
لليوم الوطني. فقد اعتادت شعوب العالم الاحتفال بأيام
مشتركة تعبّر فيها عن فخرها بأمجاد الأيام الخوالي، وتعيد
إحياء ذاكرة جمعية مشبّعة بقصص الانجازات التاريخية التي
شارك الآباء والأجداد الأوائل في صنعها بصورة جمعية.
الحال بالنسبة للمملكة السعودية مختلف تماماً، فمن
يحتفل في هذا اليوم هم أبناء أولئك الذي سفكوا دماء آباء
وأجداد مساكني هذا البلد في المناطق الأخرى، فدانوا تحت
حد السيف الذي مازال يشهر في هذه المناسبة التي تسمى (اليوم
الوطني)، في ترجمة لمقولة الأمير نايف لبعض زوّاره من
الإصلاحيين بأننا (أخذناها بالسيف وأن السيف مازال في
أيدينا). فإذا كانت رؤية الأمراء للدولة بأنها ماقامت
الا بقوة السيف، الذي سقط به آلاف الضحايا في شبه الجزيرة
العربية، فكيف يكون مصدر فخر، بل كيف له أن يكون رمزاً
وطنياً، وأن يتم إشهاره في كل عام.
لا غرابة أن يجهل الشباب الذين قاموا بأعمال تخريبية
واعتداء على الممتلكات معنى اليوم الوطني، وليس في ذلك
تبرئة لأعمال العدوان، فهي موضع استنكار من أي جهة كانت،
حتى الدولة نفسها. لكن مالذي يدفع عشرات الشبّان في القيام
بأعمال تخريب وسرقة محال تجارية، ثم الإعتداء على العاملين
فيها، وإحداث بلبلة واسعة على الواجهة البحرية في مدينة
الخبر، وإثارة ذعر الأهالي الذين خرجوا للاحتفال بعيد
الفطر المبارك؟
المشاهد التي نقلت على موقع (يوتيوب) توحي وكأن المناسبة
لم تكن إحتفالية بقدر ما كانت مواجهات مسلّحة، مع سماع
إطلاق الرصاص في شوارع مدينة الخبر، وفي مدن أخرى في الوسطى
والغربية. وكما هي العادة دائماً، فإن الحل كان أمنياً،
فقد أرادت الحكومة استعادة هيبتها من خلال حفلات الجلد
العلنية، على قاعدة أن يعاقب الجاني ويكون ردعاً لأمثاله.
ما يلفت في هذه الزوبعة موقف الصحافة المحلية التي
انساقت وراء العاطفة المفتعلة القابلة للتسويق سلطوياً،
حيث ألقت باللائمة على الشباب، وأهملت تحليل الظاهرة،
واقتراح سبل معالجتها. بل عزّز بعض الأقلام من جدوى الخيار
الأمني، حين أشاد بنوع العقوبة المستخدمة، ولم يتسائل
أحد عن العوامل التي دفعت هؤلاء الشباب الى اللجوء لمثل
هذه الأشكال التعبيرية المتطرّفة، وهل أن إنزال العقوبة
بواقع 30 جلدة لكل فرد ثبت تورّطه في حوادث الشغب، وتنفيذ
الحكم في مواقع عامة كفيل بوضع نهاية حاسمة للمشكلة؟ بالرغم
من وقوع حوادث مماثلة وقعت في الرياض وجدة والدمام في
مناسبات رياضية، ولم يتم استخدام ذات الأسلوب في المعالجة،
أم أن العقوبة لم تعد على قدر الجريمة بل على طبيعة المناسبة؟
ولذلك، فإن السؤال الجوهري والصحيح هو: لماذا يتم التعبير
عن المناسبة بخلاف الرسالة الافتراضية التي يجب إيصالها
لكل المواطنين، بل وللعالم الخارجي؟
الجواب لم يعد صعباً، مهما بلغت أشكال الإحتيال للهروب
من مواجهة الحقيقة، فمراجعة بسيطة لكل مناهج التعليم،
ومنتجات المؤسسات الثقافية والتعليمية والدينية تشي بعقم
الوعي الوطني في هذا البلد. إذ لا يمكن أن يولد وطن يقوم
على الفرز المناطقي والمذهبي والإجتماعي، وأن يكون التمييز
بين فئات المجتمع على أساس الولاءات للسلطة وليس للوطن،
والذي ينعكس على حصص كل فئة ومنطقة في الجهاز البيروقراطي،
وفي التنمية، والتعليم، والخدمات العامة.
حين قامت الدولة السعودية، كان الخلل واضحاً بأن ما
تمّ إنجازه ليس وطناً بل سلطة، ولا بد من مهمة أخرى جوهرية
تستبعد العوامل التي أنشأت السلطة (وعلى وجه الخصوص المدعى
الديني والزعم التاريخي)، ليحلّ مكانها العامل الوطني،
وما يفرضه من إرساء بنى ثقافية وسياسية وتعليمية واقتصادية
ذات طابع وطني، بحيث يستشعر سكان هذا البلد بأنهم جزء
من الدولة، وليسوا غرباء عنها أو رعية خاضعة بالقوة لها.
ثمة ما يصلح في المقالة البحثية للكاتب حمزة قزاز بعنوان
(السعودية في يومها الوطني..تنمية مفقودة ومستقبل مجهول)
نشره على الانترنت، تحدّث فيه عن مبالغات (الصحف والقنوات
الفضائية الرسمية بإظهار منجزات الدولة ، والتقدم الحضاري
في مختلف المجالات، وصورت السعودية على أنها دولة تسير
في ركب التطور والازدهار، وإنها دولة مستقرة والشعب السعودي
يعيش في بحبوحة من الرفاهية والسعادة، ولا يعاني من أية
إشكالات أو معوقات خطيرة، يمكن في يوم ما أن تتحول إلى
عوامل تؤدي إلى عواقب وخيمة لا يحمد عقباها ولا يمكن تحديد
نتائجها وإفرازاتها)، ثم يخلص بتقييم نقدي للإعلام السعودي
بما نصه (هذا هو واقع الإعلام في البلدان التي لا تحظى
صحافتها وأجهزتها الإعلامية بالحرية اللازمة التي تمكنها
من أداء دورها في رصد مكامن الخلل والضعف ومساعدة الحكومة
في أداء مهامها..).
وقدّم جزاز جرداً بالوقائع والأرقام لواقع الاقتصاد
السعودي، ليخلص الى أن السعودية تعاني من ظواهر خطيرة
مثل انعدام الشفافية، والفساد والتقليد، ونهب الأموال
وهروبها الى الخارج، فيما تسجّل السعودية أعلى نسبة فقر
في دول الخليج، حيث يعيش 22% تحت خطر الفقر وهي نفس النسبة
في دولة مثل سريلانكا، وأن معدل البطالة يفوق بكثير ما
تعلن عنه وزاره العمل، ويصل الى 40 بالمئة (بحساب الذكور
والإناث المؤهّلين للعمل)، وأن 60 بالمئة يسكنون في بيوت
مستأجرة، وأن 70 بالمئة من المدارس هي بيوت مستأجرة، دع
عنك حال المراكز الصحية والمستشفيات والشوارع، وأزمة المياه،
والصرف الصحي..
ونضع هنا خلاصة ما كتبته صحيفة (لوس أنجلوس تايمز)
الأمريكية، في 17 يوليو الماضي حيث عبّرت عن دهشتها من
وجود سعوديات يعملن خادمات في قطر، مشيرة إلى أن القبول
بذلك يبدو غريباً من مجتمع يعدّ نساءه شيئاً ثميناً. وقالت
الصحيفة في: إن عمل السيدات السعوديات كخادمات في قطر
أثار غضبا فطريا في السعودية، التي توضع النساء فيها موضع
الوصاية الشرعية لأقاربهن الذكور، وتعد حمايتهن ورعايتهن
من صميم شرف العائلة.
ونقلت الصحيفة الأمريكية عن الناشطة القطرية الدكتورة
موزة المالكي، شعورها بالإحباط تجاه عمل السعوديات كخادمات،
وخاصة أن السعودية تتمتع بأكبر احتياطي نفطي في العالم.
وقالت المالكي: (قلبي ينفطر لمجازفة السعوديات للعمل بهذه
المهنة، لأنهن سيتعرّضن لشتى أنواع الإذلال).
أما واقع الحريات الصحافية في مملكة آل سعود، فقد كشفت
عنه تقارير دولية متخصّصة، وغالباً ما تحتل السعودية قعر
قائمة الدول التي تعاني فيها الحريات الصحافية من انتهاكات
خطيرة، وهذا الواقع يستدل به أيضاً على واقع حقوق الانسان
بصورة عامة.
بيد أن ما يلفت إليه تقرير قزاز، هو النتائج الكارثية
المحتملة التي تصل إليها البلاد بفعل الوقائع المقلقة
على المستويات الاجتماعية والسياسية والإقتصادية والفكرية
والدينية، حيث ينبّه الى خطر التفكك للكيان الجيوسياسي
القائ. ويلفت الى ظاهرة النزوعات الفرعية التي برزت من
خلال المواقع على شبكة الانترنت (تدعو بكل سفور إلى إزالة
المملكة ككيان سياسي، وتحويل أقاليمها إلى دول مستقلة،
في ظاهرة لم تسجلها دول الخليج الأخرى..) كما ظهر في مواقع
مثل دولة الحجاز، ودولة الاحساء والقطيف، ومملكة عسير،
بل انتقلت العدوى الى نجد نفسها التي بات لها دولة على
شبكة الانترنت، إضافة الى عشرات المواقع الخاصة بمناطق
وقبائل.
والسؤال هنا: لماذا السعودية وليس أي دولة خليجية أخرى
لم تبرز فيها ظواهر انشقاقية، أو مواقع تطالب بالانفصال
عن الدولة، بالكثافة التي نجدها في السعودية؟
فما أهملته الدولة في مطلع الثمانينات، حين أطلّت النزعات
الإقليمية والمذهبية والقبلية برأسها، كرد فعل على سياسات
الدولة السعودية، تكاثر في التسعينيات وتفجّر بصورة لافتة
مع ظهور الانترنت، حيث وجد كثيرون مساحة للتعبير عن مظالمهم
وتطلعاتهم وأحلامهم.
هذا هو حال المملكة السعودية اليوم..قطاع واسع يشعر
بأن آماله تحطّمت في ظل حكم آل سعود، وانسداد تام لأفق
سياسي كانت الغالبية من السكان تأمل أن تفتحه قرارات شجاعة،
تستهدف إعادة إدماج مجتمع الحرمان في الدولة، وتوليد مشاعر
وطنية حقيقية بدلاً من النفاق السياسي الذي كان سيد العلاقة
بين الحاكم والمحكوم..
هذا هو الوطن الذي يراد الاحتفال بيومه، فيما لا صورة
أخرى قابلة لأن تحتل مركز الوعي العام، غير ما عرض طرفاً
منه حمزة قزاز، ولا يمكن أن تبنى الأوطان بالحرمان، ولا
الاحساس بها بالغبن..فقد يحرس الكذب المصالح ولكنه لن
يصمد طويلاً أمام الحقائق، تماماً كما هو شأن من أتقنوا
فن تحقيق المصالح عبر إطلاق موجات من الكذب، فهم عند الشدائد
أول من يخلي مسؤوليته عن نتائج ما اقترفت أقلامهم وحناجرهم.
إذن من بقي كي يحتفل بهذا اليوم؟
إذا لم يكن اليوم الوطني حائزاً على مشروعية دينية
سلفية، وليس جديراً بالاحتفال للأسباب المرصودة أعلاه،
فما بقي من المحتفلين لن يتجاوز فريق السلطة، المستفيد
الأول والأخير من الاحتفالية تلك. وإذا ما أمعنا النظر
في طويّة هذا الفريق وصدقية مشاعره الوطنية المزعومة،
فإننا نكون أمام حالة نفاقية بامتياز، يمارسها الصحافي،
والكاتب، والمثقف، والشاعر، ورجل السلطة، لدواعي معروفة:
لزوم المهنة والمصلحة، حيث توافق الجميع على أن يشحذ كل
واحد همّته كيما يصل مستوى النفاق درجته القصوى، طلباً
للحصول على (شرهة) دسمة. فهكذا أرست تقاليد القبيلة الحاكمة
سواء في استقبال الزائرين في المجالس المفتوحة، أو في
توصيف المنجزات المفتعلة والوهمية، والتصويرات المعلولة
لأهل الحكم.
|