حملة دفاع عن (الوهابية)
نعم.. وهابية وليس ظن سوء!
الدفاع عن الوهابية من قبل أمراء وعلماء كبار لم يكن
(دورة تعريفية) بالمذهب بقدر ما هو رد فعل على تحديات
واجهت صميم الوهابية وهدّدت حصونها بفعل اقترافاتها المتسلسلة
والمنشعبة
يحي مفتي
في لحظة ما قبل أكثر من عام، بدأ أمراء وعلماء كبار
في المملكة بحملة مضادة دفاعاً عن الوهابية، التي تتعرض
منذ هجمات الحادي عشر من سبتمبر سنة 2001 لحملة انتقادات
واسعة من الإتجاهات الأربعة..
لم تكن العائلة المالكة قبل سنوات في وضع يسمح لها
بالدفاع عن أيديولوجيتها الدينية، وقد فرضت وجودها الدامي
في بقع عديدة من الكون. وبالرغم من أن دموية الحضور الوهابي
مازالت تمثّل معلماً لافتاً في مواقع مختلفة من العالم،
فإن حملة (الشرهات) على المستوى الدولي ألجمت حكومات،
وقادة، وإعلاميين، وباحثين، وصنّاع قرار في عواصم القرار
عن البوح بحجم المخزون الإنفجاري الذي تشتمل عليه الوهابية.
ولكن ثمة كثرٌ لم تنجح حملة (الشرهات) السعودية من اقتناصهم
يجهرون بوحي من تجارب مؤلمة عاشوها في بلدانهم، فكانت
الوهابية نموذجاً مختلفاً عن الاسلام بكل تظهيراته المذهبية
المتعددة.
الدفاع عن الوهابية من قبل أمراء وعلماء كبار لم يكن
(دورة تعريفية) بالمذهب بقدر ما هو رد فعل على تحديات
واجهت صميم الوهابية وهدّدت حصونها بفعل اقترافاتها المتسلسلة
والمنشعبة. وبالرغم من أن العائلة المالكة استجابت للانتقادات
واسعة النطاق للوهابية وقرّرت تخفيض حضورها السياسي والاعلامي
لصالح خطاب وطني تم تصنيعه على عجل فخرج في هيئة جنين
مشوّه، وفي ذلك إقرار ضمني بعدم جدوى المضي بعناد بالدفاع
عن الوهابية كما يفعل ذلك وزير الداخلية الأمير نايف الذي
يدافع عن ذاته أكثر من دفاعه عن الوهابية، خصوصاً وأن
الأخيرة مثّلت قوام مشروعية الحكم السعودي، وينظر إليها
بوصفها الرداء الذي يستر فضائح آل سعود في كل الأصعدة.
سلسلة مقالات كتبها الشيخ عبد الله بن سليمان المنيع،
عضو هيئة كبار العلماء ومن أبرز الناشطين في مجال الدعوة،
للمنافحة عن الوهابية. ربما كان المنيع أول من تنبّه للتحديات
التي تواجه الوهابية، فقام محثوثاُ بالدفاع عن الذات والمصلحة
بتقديم مرافعة مطوّلة دفاعاً عن الوهابية.
في مقالة بعنوان (من هم الوهابيون؟) نشر في صحيفة (الوطن)
في 13 إبريل 2009 كتب المنيع في الجزء الأول منه معترضاً
على شيوع استعمال وصف (وهابي) لكل من ينتسب الى مدرسة
الشيخ محمد بن عبد الوهاب، على أساس ان الوهابية ليست
لها خصائص وأحكام ومميزات وصفات تختلف عن مذهب اهل السنة
والجماعة كما يحلو لعلماء الوهابية السابقين واللاحقين
نعت أنفسهم.
|
المنيع: مرافعة دفاع عن الوهابية
|
مرافعة المنيع لا تأتي بجديد فهي تتوسّل بأدبيات السجال
القديم الذي جرى بين علماء الوهابية ونظرائهم في المذاهب
الاسلامية الاخرى الذين عرّضت بهم الوهابية ووصمتهم بالكفر
والشرك والضلال. ينقل المنيع طرفاً من مؤاخذات بقية المذاهب
على الوهابية، ويختار ما هو سهل في الرد ويغفل ما ورد
في رسائل مؤسس المذهب الشيخ محمد بن عبد الوهاب التي اشتملت
على تكفير قومه وأهل بلدته، وانتقل بعد ذلك الى تكفير
منطقة نجد وصولاً الى تكفير بقية المسلمين.
يقول المنيع بأن مخالفي الوهابية يقولون (إن الوهابيين
لا يحبون رسول الله..)، والحال ان هذا النقد يوضع غالباً،
إن لم يكن دائماً، في سياق الممارسات الوهابية في تدمير
الآثار الاسلامية في مكة المكرمة والمدينة المنوّرة، حيث
نالت بيوت النبي صلى الله عليه وسلم وزوجاته وأهل بيته
رضوان الله عليهم أجمعين من العسف الوهابي الذي ترجم نفسه
في حملات محو منظمة للتراث الرسالي الى حد الدعوة والتحريض
بإخراج قبر المصطفى صلى الله عليه وسلم من المسجد النبوي،
واستنكار زيارة المسلمين لقبره بدواعي القربى والثواب.
في سلسلة أخرى من أربع مقالات، كتب الشيخ المنيع في
المقالة الاولى في صحيفة (الوطن) بتاريخ 3 أكتوبر 2009،
بعنوان (خرافة الوهابية) بدأها بواحدة من السجالات التي
تعكس الموقف الاسلامي العام من الوهابية. يذكر المنيع
مساجلة جرت بينه وبين عالم أزهري خلال اجتماع في القاهرة
لهيئة شرعية تابعة لإحدى المؤسسات المالية وكان رئيس الهيئة
أحد علماء الأزهر، وطلب المنيع، حسب قوله، بافتتاح المحضر
بحمد الله والصلاة على رسول الله، يقول المنيع: فقال هذا
العالم الأزهري لماذا لا تقول: والصلاة والسلام على سيدنا
رسول الله. أو لأنك وهابي؟ وهنا بدت لهجة المنيع تسلك
طريقاً آخر، وبدا الغضب يهيمن على رد فعله حيث طالب نظيره
الأزهري (بذكر خصائص الوهابية في عقيدتها ومسلكها واتجاهها
الطائفي). وظاهر كلام المنيع يكشف عن أنه لم يكن ينتظر
جواباً من العالم الأزهري كما نقرأ في هذه العبارة (فاذكر
لي جزاك الله خيراً هذه الأصول أو بعضها وإن لم تفعل فأنت
جاهل أو مفتر على من تسميهم بالوهابية على سبيل الزراية
والإنكار. وحسبنا الله على كل مفتر كذاب. فإن كنت جاهلا
فأنت إمّعة تقول سمعت الناس يقولون شيئا فقلته). يقول
المنيع (فاستشاط، أي العالم الأزهري، غضباً حتى كاد يسقط
من كرسيه أو سقط. فقلت يا أخي لم أتجاوز أصول الحوار فيما
ذكرت، أكرمك من أن تكون مفتريا كذاباً، ولكني أتمسك بمطالبتك
ببيان أصول الوهابية وفي حال عجزك أؤكد أنك إمّعة).
بصرف النظر عن رأي العالم الأزهري في رواية المنيع،
فقد بدا جلياً أن الأخير كان موتوراً، وخرج عن حدود اللياقة
وأدب الحوار، لمجرد أن العالم الأزهري استعمل مصطلح الوهابية،
وهو حسب أحد المدافعين عن مقالة المنيع (كثرة انتشار المصطلح
بين باقي المذاهب الإسلامية على أنه مذهب مخالف لأهل السنة
والجماعة وموجود في السعودية..).
في الجزء الثاني من مقالة المنيع (خرافة الوهابية)
نشرت في (الوطن) في 4 أكتوبر 2009 يبتغي المنيع تعريف
الوهابية من منظور الآخر المفتري الذي قدّم رؤية كيدية
عنها بهدف دفع الناس للانفضاض من حولها. يقول المنيع (والوهابية
مثلبة أطلقها على دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب الإصلاحية
فئات سياسية للتنفير منها حينما كانت دعوة الشيخ شوكة
في حلوقهم..)، لينتقل بعدها الى سرد ما يعتبرها افتراءات
على الوهابية من قبل المتربّصين بها الدوائر، فاختار ما
هو سهل في الدفاع عنه وتبرئة الأتباع منها، ومن بين ما
اعتبرها المنيع افتراءات: عدم محبة الوهابية لرسول الله
صلى الله عليه وسلم ليردّ قائلاً (ولا شك أن هذه فريـة
يعرف أفكها كل ذي نصف واتباع للحق والعدل ولست في حاجة
إلى الرد عليها إلا إذا احتاج النهار إلى دليل).
وقد أسلفنا أن مواخذات غالبية المسلمين على الوهابية
هو قلة أدبها في محضر رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي
مسجده النبوي الشريف. فقد أعملوا المعاول محواً وتدميراً
لآثار المصطفى عليه الصلاة والسلام، ونهروا المسلمين عن
زيارة قبره الطاهر، بل وطالبوا بإخراجه من مسجده الشريف،
وبلغ من جفائهم وقسوتهم أن أهملوا القبة الخضراء بانتظار
انهدامها ليكون مبرراً لإخراج القبر الشريف من محوّطة
المسجد النبوي، كما مهّدوا لذلك بجهرهم بتحذيرات وتهويلات
أمام زوار قبره الطاهر بأن لا يدعوا الله سبحانه وتعالى
عند قبر نبيه صلى الله عليه وسلم لأن دعاءهم يخالطه الشرك،
ويخرجهم من الإيمان الصحيح.
ومما ذكره المنيع من مفتريات على الوهابية، حسب قوله،
أن أتباعها يكفّرون بالمعاصي ويقولون بتخليد أصحابها في
النار. ومن الواضح أن المنيع يختار من الجمل ما يناسبه
ويضعه في قائمة المفتريات، فيما حقيقة الأمر أن الوهابية
تساهلت في تكفير المسلمين حتى لم يسلم من تكفيرهم أحدٌ
من أهل القبلة، بل إن الشيخ محمد بن عبد الوهاب كفّر كل
من عاش في الفترة ما بين موت الشيخ ابن تيمية وظهور دعوته
في نجد، بل اعتبر جاهلية العارض والرياض أشد من جاهلية
عمرو بن لحي، الذي جاء بالأصنام من الشام الى مكة.
الشيخ المنيع ينسج على منوال الشيخ محمد بن عبد الوهاب
في نفي التكفير والتخليد بالنار لمرتكبي المعاصي، حين
يكون في موضع الرد على انتقادات الضحايا والمتضررين، ولكن
حين يتفرّغ لعرض عقيدته يقوم بتقسيم العالم الى أهل إيمان
وأهل كفر، أو دار إسلام ودار حرب. وتظهر شروحات علماء
الوهابية على كتاب التوحيد للشيخ محمد بن عبد الوهاب،
كيف يخلص هؤلاء إلى نتائج شبه متطابقة منها أن شروط أهل
السنة والجماعة لا تنطبق سوى على أنصار الوهابية كما جاء
في كتاب شرح كتاب التوحيد للشيخ ابن عثيمين، أو تقليص
مساحة الإيمان وحصرها في نجد دون سواها، كما في رد الشيخ
الفوزان في كتابه شرح كتاب التوحيد على فكرة الجاهلية
لسيد قطب.
يواصل المنيع في الجزء الثالث من مقالته (خرافة الوهابية)
المنشورة في صحيفة (الوطن) بتاريخ 5 أكتوبر 2009، حيث
يعيد صوغ ما يعتبره مفترى على الوهابية الذي يصفهم بـ
(أهل السنة والجماعة) بما يشي بالعقيدة التنزيهية لدى
الوهابية بتصنيف بقية المسلمين خارج مسمى أهل السنة والجماعة.
يقول المنيع (من الافتراءات على أهل السنة والجماعة والذين
يسمونهم الوهابية حيث يقولون عنهم بأنهم في أسماء الله
وصفاته حشوية ومشبهة..)، وفي حقيقة الأمر ان من يقرأ كتب
الوهابية في الأسماء والصفات وما يعتمده علماء هذا المذهب
من أحاديث موضوعة يثبت بأن الوهابية حشوية ومشبّهة، حيث
يفسّر هؤلاء يد الله سبحانه وتعالى باليد المعروفة ولكنهم
يختلفون في توصيف حالها، وكذلك الساق والوجه وهما لفظان
وردا في القرآن الكريم، أو الاصبع كما ورد في بعض الأحاديث،
والتي يفسّرها علماء الوهابية تفسيراً حرفياً. ورغم ما
يدفع به المنيع عن الوهابية من أدلة وانهم يميلون الى
العقيدة الوسطية حيث لا تشبيه ولا تعطيل إلا أن ما تظهره
نصوص كتب التوحيد لدى الوهابية واضح في ميلها نحو التشبيه.
يواصل المنيع جولة المدافعة عن الوهابية في مجال التشدّد
في الأحكام الفرعية ويقول: (يقولون عنهم إنهم متشددون
في الأحكام الفرعية في شؤون العبادة والمعاملات وأحوال
الأسرة وأحوال الجناية وكل شيء عندهم ومن المعلوم لدى
أهل العلم أن المذهب الحنبلي هو أوسع المذاهب الفقهية
وأكثرها تيسيرا وأهل هذه الدعوة حنابلة فهم يستمدون أقوالهم
من مذهبهم الحنبلي المشهور لدى الفقهاء بالتيسير والأخذ
بالسعة ما لم يكن إثماً).
والحق أن من يقرأ الأحكام الفقهية الواردة في مجموع
الفتاوى سواء الصادرة عن لجنة الافتاء الرسمية أو عن الفقهاء،
يلحظ درجة التشدد في موضوعات العبادات والمعاملات، وهو
أمر شاع العلم به بين المسلمين قاطبة، وأن نكرانه يبدو
عبثياً.
|
سلمان: دفاعاً عن الوهابية
وحكم آل سعود؟ |
في الجزء الرابع والأخير من مقالته (خرافة الوهابية)
المنشورة في (الوطن) بتاريخ 6 أكتوبر 2009، يثبت ما أراد
نفيه في الأقسام السابقة، فتحت مدعى التوحيد الخالص تقطع
الوهابية حبل المودة مع رسول الاسلام صلى الله عليه وسلم
والمبلّغ لرسالة التوحيد: (ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاؤوك
فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله تواباً
رحيماً).
يقول المنيع (فتعلق أهل هذه الدعوة بالله وحده دون
غيره منقبة من مناقب أهلها ومسلك من مسالك سلفنا الصالح
أهل القرون الثلاثة المفضلة). وكما هو واضح، فإن المنيع
يتعمّد الغموض والتعميم في العبارة كيما يحقق المعادلة
التالية: براءة الذات وإدانة الآخر، فالتعلق بالله وحده
خالقاً ومعبوداً وإلهاً ورازقاً وله الأسماء الحسنى هي
عقيدة المسلمين كافة، وإن محبة رسوله المصطفى صلى الله
عليه وسلم لا تعارض تلك العقيدة بل تأتي في طولها.
يتجاوز المنيع حدود النقل النزيه للمؤاخذات على الوهابية،
ويقول (يقولون عنهم إنهم ضد البدع مطلقا حسنها وسيئها
وهذا فضل من الله لأهل هذه الدعوة فالنصوص الصريحة الثابتة
من كتاب الله ومن سنة رسوله صلى الله عليه وسلم تؤكد ضرورة
ترك البدع والمحدثات والتمسك بسنة رسول الله صلى الله
عليه وسلم دون تخصيص أو استثناء قال صلى الله عليه وسلم
:(إياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة)
فوصف أهل هذه الدعوة الإصلاحية بوصف يوحي بخروجها عما
عليه السلف الصالح في عصور القرون الثلاثة الأولى المفضلة
وصفها بذلك افتراء وزور وبهتان وقوله عليها بغير سلطان
وبرهان).
وفي هذا النص تبدو لهجة المنيع غير محايدة ويخفي فيها
مغالطات فادحة، فهو يرمي مخالفيه بالبدع، وبطريقة مشوّهة،
خصوصاً حين يتسلّح بحديث نبوي يدين (كل بدعة..)، في الوقت
الذي يتفق فيه المخالفون للوهابية على أن استعمال كلمة
البدعة الحسنة ليست سوى للرد على انتقادات الوهابية، وليس
تأصيلاً للبدع كما يوحي كلام المنيع.
يختم المنيع مقالته بالعودة الى العقيدة التنزيهية
(أقول قولي هذا وأؤكد أن البقاء للأصلح وأن هذه الدعوة
الإصلاحية ستسير بحول الله ورعايته إلى ما فيه مرضاة الله
ونصرة دينه وسيقوم بالعناية بها وحفظها علماؤها وحكامها
خلفا عن سلف تحقيقا لقول رسولنا صلى الله عليه وسلم:ولا
يزال طائفة من أمتي على الحق منصورة لا يضرها من خالفها
إلى يوم القيامة. فهي إن شاء الله الطائفة المستثناة من
النار في قول رسول الله صلى الله عليه وسلم:وستفترق هذه
الأمة على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة.
هي ما كان على مثل ما عليه الرسول صلى الله عليه وسلم
وعليه أصحابه..). فهل في غير هذه التصويرات يكمن فايروس
تنزيه الذات وتكفير الآخر؟
في عودة لاحقة لما عكف عليه، كتب الشيخ المنيع تعقيباً
وتقريضاً على ما كتبه حاكم الرياض الأمير سلمان في رفضه
استعمال مصطلح الوهابية. وكتب المنيع مقالة بعنوان (الوهابية
ظن سوء يراد به باطل) نشرت في صحيفة (الرياض) في 15 يونيو
الماضي، مع التذكير بأن كل ظن سوء يراد به باطل حكماً،
ولكن حين تؤسس المقالة على مغالطات لا تصبح القضية ظن
سوء بل مناقشة علمية جدّية.
يبدأ المنيع بمعطى خاطىء، حين افترض ان الوهابية وصف
لمواطني المملكة من علماء وغيرهم. والحال، أن الوهابية
وصف لأتباع المذهب الرسمي في نجد وبعض المناطق المتفرّقة
ولا يتجاوز أتباع هذا المذهب 30 بالمئة بحسب أقصى التقديرات.
أعاد المنيع ما أورده من مؤاخذات الآخرين على الوهابية
للرد عليها مثل: التقليل من محبة رسول الله صلى الله عليه
وسلم، التكفير بالخطايا، التشدد في أحكام الحلال والحرام،
الحشويّة في أسماء الله وصفاته من حيث إثباتها على سبيل
التشبيه من البعض والتفويض من البعض الآخر، وإنكار كرامات
الأولياء..
يحيل المنيع الى كتب الشيخ محمد بن عبد الوهاب وتلاميذه
علماء الوهابية، رغم ان ما فيها لا يصلح مرجعاً يعتمد
عليه لرد انتقادات الآخرين، الذين يصنّفهم المنيع في خانة
(الكائدين من أعداء الله ورسوله)، رغم أن من قرأ وفهم
نصوص الوهابية ليسوا شريحة صغيرة بل هم يمثّلون مختلف
أطياف الأمة التي فهمت الوهابية بحسب ما ورد في أدبياتها
ومراجعها الأولى والتي يمثل كتاب (الدرر السنيّة) أحد
المصادر الكبرى التي يمكن الرجوع اليها لإثبات النزعة
التكفيرية الراسخة في الوهابية.
يبدو أن العقدة المركزية التي تدور حولها ردود فعل
المنيع كما الأمراء سلمان ونايف هي استعمال مصطلح الوهابية
الذي يحتاج سحبه من التداول الاعلامي والثقافي والاكاديمي
الى معجزة بعد أن أصبحت تعني جماعة مذهبية نشأت على تكفير
أهل القبلة فضلاً عن أتباع الديانات الأخرى، وفرضت القوة
الغاشمة التي اسبغت عليها مسمى الجهاد كوسيلة لفرض معتقدها
وتبديل معتقدات الآخرين.
أول ما يورده المنيع كمقدمة للرد هو افتراض ان الآخرين
يصنّفون كل مواطني السعودية من علماء وغيرهم (بأنهم طائفة
تنتسب في الاعتقاد إلى الوهابية)، ما اعتبره (تصنيف أدعياء
على العلم والتاريخ والاجتماع ومعرفة الطوائف وأصولها).
كل ذلك من أجل أن يخلص للقول (فليس في الوجود ما يسمى
بالوهابية). ويعتقد المنيع بأن الناس تردد ما تسمع (ومن
يردد هذا القول يمكن وصفه بأنه إمَّعة - سمعت الناس يقولون
شيئاً فقلته).
وعاد مرة اخرى للدفاع عن موقف الوهابية من محبة الرسول
صلى الله عليه وسلم، وكأنه من فرط تركيزه على هذه القضية
يومىء الى موقف غالبية المسلمين من جفاف الروح الوهابية
إزاء نبي الاسلام وصلافة التصرفات التي يظهرها دعاة الوهابية
عند قبره الشريف.
يفترض المنيع أن محبة الرسول صلى الله عليه وسلم تعني
اغلاق باب البحث التاريخي والتحقيق فيما جرى من حوادث
في عصر الرسالة الأول. يقول المنيع (ومن محبته صلى الله
عليه وسلم الترضي عن أصحابه أجمعين والكف عن الخوض فيما
شجر بينهم بل نقول عنهم بأنهم مجتهدون ولهم في نصرة رسول
الله وصحبته ما نأمل أن يكون وسيلة لهم في رحمة الله ومغفرته
والتجاوز عنهم أجمعين). إن مثل هذا الخلط بين العقيدة
والتاريخ من شأنه خلط الأوراق وتضييع معالم الجريمة التي
ارتكبت في حق تراث الرسول صلى الله عليه وسلم وزوجاته
وأهل بيته وصحابته.
على أية حال، فإن المنيع يستعيد ما ذكره في سلسلة مقالاته
السابقة والتي استعرضناها هنا، ولا يكاد يتجاوز الموضوعات
التي أتى على عرضها وردها سابقاً.
اعتقاد المنيع في التكفير لا يختلف عن اعتقاد الوهابية
بدءً من المؤسس الشيخ محمد بن عبد الوهاب وانتهاءً بالمنيع
نفسه كما يظهر في النص التالي:
|
الحجي: اختلال الميزان في
مقالة سلمان |
(وعلماء التجديد والإصلاح وعلى رأسهم الشيخ محمد بن
عبدالوهاب وتلاميذه يقسمون الكفر قسمين كفراً أصغر لا
يُخرج صاحبه من الملة كالحلف بغير الله.. وكفراً أكبر
مثل كفر أهل الكتاب.. ومثل كفر من أنكر وحدانية الله في
ربوبيته أو ألوهيته أو أنكر أمراً من ضرورات الاعتقاد
كأركان الإسلام أو الايمان أو نحو ذلك من ضرورات الدين).
ما لفت اليه المنيع وهو ما اخذه غالبية المسلمين على
الوهابية (أن الوهابية من أصول معتقدها إنكار قدرة أولياء
الله وصالحيهم على نفع من يتعلق بهم في حياتهم أو بعد
موتهم أو إلحاق الضرر بمن ينكر ولايتهم وقدرتهم على جلب
النفع ودفع الضر..) هذا الاعتقاد شكّل الذريعة الأساسية
لاقتراف جريمة محو الآثار الاسلامية (ولهذا حينما قامت
ولاية الوهابية قاموا بهدم القباب والمباني على الأضرحة
والمقامات..).
يبارك المنيع هذا العمل الوهابي المنبوذ من قبل الغالبية
الساحقة من المسلمين، ويقول (ولقد كانت نتيجة هذا الاعتقاد
والعمل بمقتضاه نصر الله وتأييده لحكام المملكة فلقد أزالوا
ما يتعارض مع حق الله على عباده.. فلقد كانت ولايات آل
سعود ولايات تمكين ونصر وتأييد وكانت أول ولاية لهم قبل
احتضان الدعوة السلفية إمارة صغيرة تابعة ثم تحولت إلى
دولة أكبر من أوروبا مساحة ومكنها الله دينها وأمنها وعقيدتها
وهيأ لها الأمن والاستقرار والرخاء وصارت لشهادة أهل العدل
والنصف الدولة الإسلامية الأولى المؤهلة للصدارة الإسلامية
استقامة والتزاماً وسلامة مسلك وعقيدة وأمن جوار وصلابة
في دين الله). وفي هذه الفرية الكبرى التي لم يقل بها
عاقل، فما قامت الوهابية الا لشق عصا المسلمين وتفريق
شملهم واحداث الانقسام فيهم، ومنذ قامت والمؤامرات السعودية
الوهابية تفت من عضد هذه الامة حتى ضاعت فلسطين بسبب تآمرهم
مع الأجنبي، وخذلوا كل الدول الرافضة للاستعمار
من مفتريات المنيع قوله (لقد كانت بلادنا مرتعاً للبدع
والمنكرات..) وكأني به يحمّل الجزيرة العربية آثام نجد،
تماماً كقوله (وكان أمنها مضرب مثل للفوضى والظلم والعدوان
وكانت مناطقها ميادين نزاعات وحروب واضطرابات) وهذا يحكي
حال نجد، فلم تكن الحجاز مضرب مثل للفوضى قبل الوهابية
وآل سعود، ولم تشهد نزاعات وحروب قبل غزوات الوهابيين،
وما ارتكبوه من مجازر ودمار. اما قوله (فعوَّضها الله
بسلامة العقيدة والأمن في الأوطان وثبات الولاية ووحدة
الكلمة والأرض وإخراج الأرض خزائنها وتوجه العالم إليها
سائلاً ومستعطياً..)، فذاك كلام يحتاج الى تأمل ورد طويل.
يقول عن الوهابية بأنهم (من الأمة الوسط التي جعلها
الله شاهدة على الناس وجعل رسولها شاهداً عليها). وكرر
المنيع القول (ان المذهب الحنبلي من أوسع المذاهب الفقهية
تيسيراً)، وهو ما لم يقله علماء الشريعة كما يدعي، وأن
مجرد القول (فالأصل عند الحنابلة في المعاملات الإباحة)
لا يجعله مذهباً ميّسراً، فهذا الأصل معتمد لدى المذاهب
الاسلامية الكبرى عموماً، ولا تميّز فيه لمذهب على آخر.
وكذلك قاعدة أصل البراءة، ورفع الحرج، وغيرها مما يعتبره
علماء الشريعة من مبادىء التيسير على العباد.
كل ما اراده المنيع من مقالته هو ما جاء في الخاتمة
(وخلاصة القول إن وصف علماء السعودية بالوهابيين على سبيل
الهمز واللمز والتنقص وعلى سبيل الافتراء عليهم في سوء
المعتقد هو وصف أثيم فلا وهابية في بلادنا السعودية فجميع
أهل السنّة فيهم من علماء وعامة هم أمة سلفية.. فهم لا
ينتسبون إلى شيخ معين ولا إلى فرقة غير الفرقة الناجية).
ومع ذلك، فإن التوصيفات التي ينفرد المنيع بذكرها للفرقة
التي ينتسب اليها لا تنطبق سوى على الوهابية. وهو ما يؤكده
المنيع نفسه حين يذكر قائمة الأئمة الملهمين لأهل دعوته
حيث يذكر (الطحاوي وابن تيمية وابن القيم وابن رجب وابن
كثير ومحمد بن عبدالوهاب وغيرهم من أهل العلم والصلاح
وسلامة الاعتقاد). إذاً هو نفس الخط العقدي الذي يميّز
نفسه وأتباعه عن غيرهم من بقية الخطوط العقدية، سواء من
خلال رموز (ابن تيمية وابن قيم الجوزية وابن عبد الوهاب
كأمثلة) أو موضوعات محددة (توحيد الاسماء والصفات، تكفير
مرتكبي المعاصي، الموقف من زيارة قبر الرسول صلى الله
عليه وسلم) وغيرها.
على اية حال، فإن ما عجز الملك فهد عن تحقيقه بوقف
استعمال مصطلح الوهابية، فإن النتيجة ذاتها ستكون من نصيب
الملك عبد الله، وأمراء آل سعود بأسرهم، فالوهابية خط
في المجال الاسلامي يتميّز بصرامته ونبذه للآخر وتعصبه
وتكفيره واستعماله للقتل سبيلاً للتعبير عن رفضه لمعتقدات
الآخر.
قراءة أخرى للوهابية
في سياق ردود الامير سلمان والشيخ المنيع على من يستعملون
مصطلح الوهابية بغرض اللمز والغمز والتشويه، حسب اعتقادهم،
عثر الكاتب الصحافي السعودي أحمد عدنان على فرصة الدخول
إلى حلبة المناظرة حول الوهابية، فكتب مقالاً بعنوان (حوار
هادئ حول الوهابية..) نشر في 8 يوليو الماضي، وكان المحرّض
بالنسبة له ما جاء في مداخلة الأمير سلمان بن عبد العزيز
في صحيفة (الحياة) بتاريخ 28 أبريل 2010 بعنوان (فليحذر
الباحثون من فخ مصطلح الوهابيّة)، والتي كتبها للرد على
مقالين نشرتهما (الحياة) للباحثة السعوديّة د. بصيرة الداود
الأول بتاريخ 29 مارس 2010 بعنوان (الدعوة الوهابيّة)،
والثاني بتاريخ 12 أبريل 2010 بعنوان (أمانة التاريخ بين
الشيخ الأباضي والشيخ السلفي)، بالإضافة إلى تعليق د.
خليل الخليل في نفس الصحيفة بتاريخ 15 أبريل 2010 بعنوان
(نظرية الشويعر ليس لها أساس)، وقد تضمنت المقالات ما
يعكس هوية وممارسات خاصة بمذهب الشيخ محمد بن عبد الوهاب،
والتي على أساسها وضع مصطلح الوهابية.
وكانت مداخلة الأمير سلمان قد دفعت كاتبين معروفين
في مصر هما إبراهيم عيسى من صحيفة (الدستور) وطارق حجي
للتعليق على ما ورد في المداخلة الأميرية. فكتب إبراهيم
عيسى في صحيفة (الدستور) المصرية بتاريخ 29 أبريل 2010
مقالة بعنوان (وهابية سمو الأمير)، فيما كتب طارق حجي
بتاريخ 30 أبريل 2010 مقالة بعنوان (إختلال الميزان في
مقال الأمير سلمان)، وجّها فيهما نقداً لاذعاً لمقاربة
الأمير سلمان وبيان الوهن فيها كونها تشتمل على جرعة لاهوتية
تبريرية تتجاوز الواقع التاريخي الذي نشأت فيه الوهابية
والحقائق المرعبة التي أفرزتها على أرض شبه الجزيرة العربية
وخارجها.
الكاتب عدنان يسرد قائمة الكتابات التي صدرت من داخل
المجتمع الوهابي والتي اشتملت على مصطلح الوهابية ومشتقاتها
مثل كتاب إبن سحمان المشهور (الهديّة السنية في التحفة
الوهابيّة النجدية)، وكتب عبد الله القصيمي قبل إلحاده
من بينها (الثورة الوهابية) وصدر سنة 1931، وكتاب (الفصل
الحاسم بين الوهابيين وخصوهم) الذي صدر سنة 1934.
ما يلمح إليه عدنان هو أن مصطلح الوهابية لم يكن ذا
محمول عدائي، بدليل أن في مقدمة من استعمله هم أتباع الوهابية
نفسها، وقد كتب الرحالة الأوائل الأجانب تقارير وكتب بعنوان
(ملاحظات على البدو الوهابيين)، وكتاب آخر بعنوان (الوهابيون
تاريخ ما أهلمه التاريخ) ولم يشكل أحد عليهم، أو يطالبهم
بالكف عن استعمال هذا المصطلح.
وقد ارود الكاتب الصحافي عدنان شواهد عديدة تثبت أن
مصطلح الوهابية كان رائجاً بل ومقبولاً لدى علماء الوهابية
أنفسهم، ولم يجدوا في استعماله على أنفسهم ضيراً وحرجاً،
بل اعتبروها مكافئاً للفرقة الناجية كما جاء في مجموع
فتاوى ابن باز (الجزء الأول ص 233):(عقيدة الوهابية هي
التمسك بكتاب الله وسنة رسوله)، فيما قال الشيخ محمد بن
صالح العثيمين في مجموع فتاواه (المجلد 28 – صفحة 41):
(إن الوهابية ولله الحمد من أشد الناس تمسكاً بالكتاب
والسنة).
في قراءة أحمد عدنان للوهابية والتي يضعها في صيغة
(موقف المخالفين والمستقلين) أن دعوة الشيخ محمد بن عبد
الوهاب تمايزت بثلاث مسائل خارجة عن الكتاب والسنة: الاستسهال
في تكفير المسلمين.. تقسيم بلاد المسلمين بالدرجة الأولى
– قبل غيرهم – إلى بلاد كفر وبلاد إسلام ووجوب الهجرة
إلى الشيخ أو إلى أرض دعوته (وهذا التقسيم الحاسم استدعى
أحكاماً فقهية قاسية كاستباحة الغزو والغنائم والاستتابة
ويمكن – هنا – مراجعة تاريخ ابن غنام).. وتقسيم التوحيد
(وهذا رأي لم يسبقه فيه إلا ابن تيمية الحرّاني).
يضيف عدنان ودائماً على لسان المخالفين والمستقلين
أن (الارتباط بين ابن تيمية وابن عبدالوهاب ضخ الحياة
في أفكار بعضها مخالف للكتاب والسنة صراحة.. وبعضها –
الآخر – أسير لظرفه الثقافي والتاريخي، ويكفي أنْ نطالع
كتاب (نقد الخطاب السلفي – ابن تيمية نموذجاً) للباحث
الجاد رائد السمهوري لنكتشف بعض العناوين اللافتة (المُوَثقة)
في فكر ابن تيمية.. والتي امتد بعضها إلى إرث ابن عبدالوهاب
أو بعض أتباعه:
- الكفار لا يملكون أموالهم ملكاً شرعيّاً ولا يحق
لهم التصرف فيما في أيديهم.
|
ابراهيم عيسى: وهابية سمو
الأمير! |
- أنفس غير المؤمنين وأموالهم مباحة للمسلمين.
- غير المؤمنين تجب عداوته وإنْ أحسن إليك.
- وجوب إهانة غير المسلم وإهانة مقدساته.
- اليهود والنصاري ملعونون هم ودينهم.
- تخويف غير المؤمن مصلحة.
- بل إكراه في الدين (وهناك آية واضحة في القرآن نصها
"لا إكراه في الدين").
- المرأة كاللحم على وضم (خشب الجزار) وهي أحوج إلى
الرعاية والملاحظة من الصبي.
- المرأة عورة وناقصة في مقابل كمال الرجل.
- النساء أعظم الناس إخباراً بالفواحش.
- المرأة أسيرة للزوج وهي كالمملوك له.. وعلى المملوك
الخدمة.
- جنس العرب أفضل الأمم وأذكى الأمم، ومخالفة هذا هو
قول أهل البدع.
- عدم تفضيل جنس العرب نفاق وكفر، وحب العرب يزيد الإيمان.
- اكتساب الفضائل بالاستغناء عن القراءة والكتابة أكمل
وأوفق.
- علم الرياضيات والفلك كثير التعب قليل الفائدة.
- إتقان الفلاسفة للعلوم الطبيعية إنما هو لجهلهم بالله.
- الكيميائيون يضاهون خلق الله، والكيمياء لا تصح في
العقل ولا تجوز في الشرع.
يتوقّف عدنان عند العقيدة المركزية للوهابية، ورغم
محاولته التنصّل من قراءته لمصطلح (التوحيد) بحسب المفهوم
الوهابي، ونسبته كما هي العادة في مقالته هذه الى المخالفين
والمستقلين، إلا أنه بدا واضحاً اعتناقه لهذه القراءة،
بقوله (مصطلح "التوحيد" – والنقل دائماً عن المخالفين
والمستقلين – لم يشِعْ في النصوص الأصلية للدين الإسلامي
ولم يستخدم في القرون الاولى حتى جاء إبن تيمية ثم ابن
عبدالوهاب، وكان العلماء الأوائل يستخدمون – قبل ذلك –
مصطلح "الإيمان" الذي يناقض بداهة واصطلاحاً كل الشرك
والكفر)، وما يلبث عدنان أن يعبّر عن موقفه صراحة (ولعل
أروع ما قرأته لأحد العلماء حين وصله التنظير حول التوحيد:
(سورة الإخلاص تلخّص كل التوحيد).
وتفرض مناقشة مصطلح التوحيد الانتقال الى القسمة المثيرة
للجدل: توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية وتوحيد الأسماء
توحيد الصفات، والتي يقول عنها عدنان (لم يأت به أحد –
كتاباً أو سنة أو صحابة أو تابعين – إلا ابن تيمية ثم
ابن عبدالوهاب)، ونسب عدنان الى البعض بأنه يرى (بأن هذا
التقسيم – لا التوحيد – أوغل في بث الفرقة بين المسلمين
(وأغلب أهل السنة – إلى اليوم – هم على العقيدة الأشعريّة
ثم الماتريديّة وكلا العقيدتان تتصادمان مع هذا التقسيم)
لأنه حوّل التنوع العقدي بين أبناء الدين الواحد إلى تناقضٍ
فيما بينهم)، حسب قول عدنان.
في استدراك لافت ودرءً لأية انطباعات يمكن أن تتركها
مواقف (المخالفين والمستقلين) الذين يمثّل احمد عدنان
وجهة نظرهم، يؤكد على رفض تكفير ابن تيمية وابن عبد الوهاب
وفي الوقت نفسه رفض الموقف المغالي منهما من جهة (التعامل
مع تأويلات ابن تيمية وابن عبدالوهاب على أنها نصوص منزلة
من السماء.. أو تحتكر – دون غيرها – تأويل الكتاب والسنة..
أو أنها لا تحتمل النقد أو المخالفة أو المراجعة).
يذكر احمد عدنان في هذا السياق موقف إبن تيمية من المخالف،
والتي يضعها في سياقها المفهوم بسبب فتنة التتار التي
عايشها، (ولكن يتعجّب البعض من توسّع ابن عبدالوهاب (عبر
تأويله لتأويل ابن تيمية) في إسقاطه على الداخل المسلم..
فحديثه عن الكفار والمشركين قصد – غالباً – المسلمين في
مكة وحريملاء والمدينة المنورة والإحساء وغيرها من مواقع
العالم الإسلامي أو الجزيرة العربية.. ووصفهم بأنهم على
دين عمرو بن لحي وأن كفار قريش ومشركيهم أفضل من مسلمي
عصره.. أي مخالفيه، فمن نماذج إفراط ابن عبدالوهاب في
التكفير: تكفير البدو (راجع "الدرر السنية" المجلد العاشر
صفحة 114)، تكفير قبيلة عنِزة (صفحة 113 وكفر فيها أيضاً
قبيلة الظفير)، تكفير أهل العيينة والدرعية من معارضي
الشيخ (المجلد الثامن صفحة 57)، تكفير محي الدين ابن عربي
وتكفير من لا يكفره أو يشك في كفره (المجلد العاشر صفحة
25)، تكفير أهل سدير وأهل الوشم (المجلد الثاني صفحة 77).
كما يكفر الشيخ السواد الأعظم من المسلمين – أي كل من
لا يتبع دعوته – (المجلد العاشر صفحة 8) وتكفير من يتحرّج
من تكفير أهل لا إله إلا الله (صفحة 139).
من طرائف ما يذكره أحمد عدنان من باب، ربما، إبراء
الذمة، ما نقله عن الباحث المحقق حسن فرحان المالكي في
كتابه (الشيخ محمد بن عبد الوهاب.. داعية وليس نبياً)،
حيث ذكر في المبحث الثاني بين صفحات (108 – 112)، ومن
أهم هذه التناقضات: أنه لا يكفر المخالفين في موقع.. وفي
موقع آخر يكفر من لا يشك في كفرهم ويعده منهم، وفي أحد
المواقع يقول بأنه لا يبطل كتب المذاهب الأربعة وفي موقع
– مقابل – يصفها بأنها "عين الشرك"!.
ثم يعود عدنان الى سياقه النقدي الذي يتمثّل فيه رأي
المخالفين والمستقلين للوهابية بأن الشيخ ابن عبد الوهاب
(تجاوز الكتاب والسنة، أو على الأقل.. أنه انفرد بآراءٍ
دوناً عن غيره من العلماء والدعاة – وهذا ليس عيْباً –
ليعبر عن مذهبٍ مستقل، ولكنهم يعتقدون بأن الواجب على
أتباع الشيخ البدء – فوراً – في ممارسة النقد الذاتي..
وتنقية تراث الشيخ – على الأقل – من الرواسب التاريخية
التي تعانق تأويلاته والاستفادة من النقد العلمي الذي
وُجّه لتلك التأويلات.. خصوصاً وأن إحصاء الكتب – من مختلف
العالم الإسلامي – التي رفضت أفكار ابن عبدالوهاب – منذ
ظهورها إلى اليوم – أو ردّت عليه يحتاج إلى كتابٍ مستقل!).
وهنا يتحرر أحمد عدنان من وظيفة تمثيل المخالف والمستقل
ليستعيد هويته المستقلة والواضحة ويمارس دوره النقدي،
ويقول: (إن تأويلات ابن عبدالوهاب – وابن تيمية – تنتمي
إلى الماضي، ويلاحظ البعض بأن الاستشهاد في الفتاوى المعاصرة
بآراء الشيخ أو آراء ابن تيمية مرتبط – دائماً – بموقع
الإقصاء الذي أصبح السمة الغالبة على الخطاب الديني السعودي
السائد، لذلك فإن أغلب دعوات تجديد الخطاب الديني في المملكة
تهدف بالدرجة الأولى إلى التحرر من بعض تأويلات ابن تيمية
وابن عبدالوهاب المرتبطة – طبيعياً – بظروفها الثقافية
والتاريخية قبل اجتهادها الخاص.. والتي يُصعب إسقاطها
على الواقع أو المستقبل).
|