تزايد الاعتقالات التعسفية
مقاضاة وزارة الداخلية
محمد قستي
يحسب للإصلاحيين في المملكة كسرهم حاجز الخوف من وزارة
الداخلية التي مثّلت رمز البطش والتخويف وتكميم الأفواه،
وذلك بإعلانهم في أكثر من مناسبة عن مقاضاتها، ما يعتبر
اطاحة بهيبة هذا الجهاز القمعي.
فبعد الدعوى القضائية التي تقدّم بها الإصلاحي الدكتور
عبد الله الحامد قبل أكثر من عام ضد وزارة الداخلية، يتقدّم
اليوم الإصلاحي والقاضي سليمان الرشودي والمعتقل لأكثر
من ثلاث سنوات دون محاكمة أو توجيه إتهام إليه برفع دعوى
قضائية ضد وزارة الداخلية. وقد تلقّت منظمة (فرونت لاين
ـ الخط الأمامي) في الحادي والعشرين من يوليو الماضي نبأ
الدعوى وتفاصيلها وجاء في بيان لها:
تتابع الخط الأمامي بقلقٍ وأمل الوقائع القضائية في
الدعوى التي أُقيمت على وزارة الداخلية بالعربية السعودية،
بشأن التوقيف التعسفي للقاضي سليمان الرشودي، المدافع
البارز عن حقوق الإنسان وعضو الجمعية السعودية للحقوق
المدنية والسياسية. والقاضي الرشودي رهن التوقيف الانفرادي
منذ أكثر من ثلاث سنوات دون محاكمته أو توجيه اتهامات
إليه بصورة رسمية. ومن المقرر أن تنعقد جلسة الاستماع
المقبلة في قضيته يوم السابع من آب/ أغسطس 2010. وسبق
للخط الأمامي أن وجَّهت مناشدةً بالنيابة عن القاضي سليمان
الرشودي، في الخامس والعشرين من آذار/ مارس 2010.
اعتُقل الرشودي مع ثمانية آخرين من زعماء الحقوق المدنية
في جدة يوم الثاني من شباط/ فبراير 2007، من قبل عناصر
في مديرية التحقيقات العامة. وتمَّ توقيفهم فيما يتصل
بما يقومون به من العمل الحقوقي في سبيل التغيير السياسي
السلمي وتعزيز حقوق الإنسان وحمايتها. وعمدت السلطات إلى
استهدافهم بعد أن وزَّعوا عريضةً تدعو إلى الإصلاح السياسي،
وبحثوا مقترحاً مؤدَّاه تأسيس منظمة مستقلة لحقوق الإنسان
في العربية السعودية. ونُقل القاضي سليمان إبراهيم الرشودي
مؤخراً من سجن ذهبان في جدة إلى سجن الحاير بالرياض.
وفي السادس عشر من شهر آب/ أغسطس 2009، أقام فريق الدفاع
عن القاضي سليمان إبراهيم الرشودي دعوى قضائية على وزارة
الداخلية بالعربية السعودية، التي تتبع إليها مديرية التحقيقات
العامة، لدى محكمة الجُنح الإدارية الخامسة بالرياض. وكان
من المقرر أن تنعقد جلسة الاستماع الأولى في هذه القضية
يوم الحادي والعشرين من كانون الأول/ ديسمبر 2009، لكنها
أُجِّلت حتى الثالث من شباط/ فبراير 2010، عندما لم يحضر
محامي وزارة الداخلية. وعُقدت جلساتٌ تالية يوميَ السابع
والعشرين من شباط/ فبراير، والعشرين من آذار/مارس. وقد
أخفقت وزارة الداخلية في أن تقدِّم إلى المحكمة لائحة
بالاتهامات المنسوبة إلى القاضي الرشودي ورفاقه.
|
الإصلاحي المعتقل: سليمان
الرشودي |
في جلسة الاستماع الأخيرة التي انعقدت يوم السادس عشر
من حزيران/ يونيو 2010، قدَّم فريق الدفاع عن القاضي سليمان
إبراهيم الرشودي إلى المحكمة نُسخاً من رأي مجموعة العمل
الخاصة بالتوقيف التعسفي التابعة للأمم المتحدة، التي
أعلنت في عام 2007 أنَّ اعتقال القاضي الرشودي ورفاقه
وتوقيفهم كانا إجراءين تعسُّفيِّيَن (الرأي رقم 27/2007
الصادر في الثامن والعشرين من تشرين الثاني/ نوفمبر 2007).
وجدَّد فريق الدفاع مطالبته بالإفراج الفوري وعن القاضي
سليمان إبراهيم الرشودي نظراً لحالته الصحية المتدهورة،
وإن كان ذلك بكفالة. وكان فريق الدفاع قد أصدر بياناً
تفصيلياً حول وقائع الجلسة.
وتعتقد مؤسسة الخط الأمامي أن القاضي الرشودي يخضع
للتوقيف التعسفي المستمر نتيجةً لعمله المشروع والسلمي
في الدفاع عن حقوق الإنسان. وتعرب الخط الأمامي عن قلقها
حيال سلامة القاضي سليمان إبراهيم الرشودي الجسدية والعقلية
أثناء توقيفه.
وحثّت مؤسسة فرونت لاين ـ الخط الأمامي السلطات السعودية
على:
1. الإفراج الفوري وغير المشروط عن القاضي سليمان إبراهيم
الرشودي، لمَّا كان توقيفه قد تم على أساس عمله المشروع
والسلمي في الدفاع عن حقوق الإنسان.
2. اتخاذ الإجراءات الكفيلة بضمان أن تكون معاملة القاضي
الرشودي أثناء احتجازه متماشية مع جميع الشروط التي نصَّت
عليها (المبادئ الأساسية لمعاملة السجناء)، التي تبناها
قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 45/ 111 الصادر
في 14 كانون الأول 1990.
3. ضمان أن يكون المدافعون عن حقوق الإنسان ومنظماتهم
في العربية السعودية قادرين في جميع الأحوال والظروف على
القيام بعملهم المشروع في مجال حقوق الإنسان دون خوف من
القصاص، وفي حرية من كل تقييد ومضايقة.
ونشر موقع أريبيان بيزنس في الرابع من أغسطس الجاري
خبر الشكوى التي تقدّم بها الرشوي ضد وزارة الداخلية بسيب
توقيفه لأكثر من ثلاث سنوات دون محاكمة.
ورفع الدعوى الاولى من نوعها مجموعة من النشطاء ومحام
لا يلتقي موكله. وهي تعتمد على قانون جديد يمنح المعتقلين
حق الاعتراض على الادارة. ولم يكن هذا القانون موجوداً
عندما أوقف الرشودي وهو قاض سابق في الثالثة والسبعين
من العمر، مع ناشطين آخرين لانهم طالبوا باصلاحات سياسية.
وقال محمد القحطاني الذي يعمل في جمعية الحقوق المدنية
والسياسية السعودية (نريد أن نجعل من قضية الرشودي نموذجاً).
ولم تتمكن وزارة الداخلية خلال ست جلسات منذ كانون
الاول/ديسمبر من اقناع القاضي برفض القضية. ورأى عبد العزيز
الوهابي، محامي الرشودي، ان القضية حققت نجاحاً.
فعلى الرغم من ما وصفه أحد مؤيدي المعتقل بأنه (وجود
قوي للشرطة) في الجلسة الاخيرة، سمح القاضي لمدافعين عن
حقوق الانسان بحضور الجلسة. وقال القحطاني الخبير الاقتصادي
الذي يعمل في الحكومة (إنها المرة الاولى التي يجرؤ فيها
أحد على تحدي وزارة الداخلية).
ويمكن ان تؤثر قضية الرشودي على عدد كبير من المعتقلين
في السجون السعودية الذين يشتبه بأن معظمهم على علاقة
بتنظيم القاعدة.
وكان القاضي السابق اعتقل في الثاني من شباط/فبراير
2007 في جدة غرب السعودية عندما كان في لقاء مع عدد من
الاشخاص الذين يطالبون باصلاحات ديموقراطية في المملكة
المتشددة. أوقف تسعة ناشطين حينذاك ما زال سبعة منهم معتقلين
بينما أفرج عن إثنين آخرين لأسباب صحية.
ورفعت شكوى الرشودي في 16 آب/اغسطس في اختبار حقيقي
لقانون حماية المعتقلين الذي يقضي بإطلاق سراح المعتقلين
خلال ستة اشهر اذا لم تبدأ اجراءات قضائية ضدهم والسماح
لهم بمشاورة محام واستجوابهم من قبل مدعي وزارة العدل
ومنع التعذيب.
ومع ذلك لم يسمح لمحامي الرشودي بمقابلته. وهم يجرون
الإتصالات بينهم عن طريق الزوجة الثانية للمعتقل أم عمر
وهي سورية في التاسعة والثلاثين يسمح لها بزيارة زوجها
والتحدث اليه هاتفياً.
وقالت ام عمر أن زوجها (تعرض لتعذيب نفسي وجسدي شديد).
وأضافت أنه (يقول أن السجن يشبه غوانتانامو).
وبعد توقيفه مع ناشطين آخرين في 2007، إتهمته وزارة
الداخلية بأنه على علاقة بعراقيين وبفلسطينيين من غزة،
ملمحة بذلك الى أنه يدعم الحركات الاسلامية المتشددة الممنوعة.
وقال الوهابي أن موكله زار العراق في إطار وفد بموافقة
رسمية والتقى ناشطين فلسطينيين من غزة كانوا يقومون بزيارة
الى السعودية.
واكد مؤيدون للرشودي انه منذ أن رفعت الدعوى، لجأت
وزارة الداخلية إلى أساليب عديدة لالغائها مثل عدم إرسال
ممثلين الى الجلسات. أما وسائل الاعلام التي تخضع لمراقبة
السلطات فلم تورد اي معلومات عن القضية.
وقامت الوزارة في كانون الثاني/يناير بنقل الرشودي
الى سجن في الرياض وقالت انه سيحاكم من قبل محكمة جنائية
خاصة انشئت منذ عامين للنظر في القضايا المرتبطة بهجمات
وقعت بين 2003 و2006 ونسبت الى تنظيم القاعدة.
واكتفى ناطق باسم وزارة الداخلية بالقول ان (القضية
بين ايدي المحكمة والمحاكمة لم تبدأ بعد).
ولجأت جمعية الحقوق المدنية والسياسية وزوجة الرشودي
أم عمر الى الملك عبد الله للإفراج عنه أو تأمين محاكمة
عادلة له لكنها لم تتلق رداً حتى الآن.
من جهة ثانية، قامت أجهزة المباحث السعودية بتوقيف
الناشط الحقوقي مخلف الشمري بصورة تعسفية بتهمة (إزعاج
الآخرين). وكانت محكمة بمدينة الدمام شرق المملكة قد ردّت
في 19 يوليو الماضي قضية المدافع عن حقوق الإنسان مخلف
الشمري لعدم الاختصاص، وأحالت القضية إلى مكتب التحقيق
والادعاء بالدمَّام. ونتيجةً لذلك، فإنَّ مخلف الشمري
لا يزال رهن التوقيف في سجن الدمام العام. ويعمل الشمري
صحافياً وكاتباً، وهو من مؤيدي الإصلاح والديمقراطية.
اعتُقل مخلف الشمري يوم الخامس عشر من حزيران/ يونيو
2010، بينما كان يحضر مأدبة عشاء مع أصدقاءٍ له في الجبيل.
ولم يتلقَّ أي إخطار أو استدعاء لغايات الاستجواب قبل
اعتقاله. وذُكر أنه أُحضر مخفوراً تصحبه قوة أمنية مسلَّحة،
وهي ممارسة عادةً ما يُحتفظ بها للمشتبه في ارتكابهم جرائم
خطيرة أو أفعالاً إرهابية، واقتيد إلى مركز شرطة الخُبر.
وفي يوم العشرين من حزيران/ يونيو 2010، سجَّل مكتب التحقيق
والادعاء العام القضية رقم 2029/255/31 ضده، ووجَّه إلى
مخلف الشمري تهمة (إزعاج الآخرين) بكتاباته. خضع الشمري
للاستجواب بشأن ستة مقالاتٍ كان قد كتبها ونشرها في عدد
من المواقع الإلكترونية السعودية. ووفقاً لملفه لدى سجن
الدمام العام، حيث نُقل في مطلع تموز/ يوليو، فإنَّ الاتهامات
الموجهة إليه تتصل بملاحظاتٍ نقدية تتعلق بمسؤولين حكوميين
أبداها في تلك المقالات.
وسبق أن عمل مخلف الشمري مع مفوضية حقوق الإنسان التي
ترعاها الحكومة، ولكنه غادر المنظمة بسبب خلافاتٍ حول
أساليبها في العمل. ومنذئذٍ، عمل على نحوٍ مستقل في نشر
المقالات دفاعاً عن حقوق العمال الأجانب والأقليات في
العربية السعودية، ونقداً لعدم التسامح الذي يبديه المسؤولون
وهيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الحكومية. وفي
يوم الخامس عشر من أيار/ مايو 2010، اعتقلت الشرطة مخلف
الشمري في مدينة الخُبر بسبب مقالاتٍ كان قد كتبها، هاجم
فيها الرؤية الدينية المتشددة، وتم توقيفه لفترةٍ قصيرة
قبل أن يتم إطلاق سراحه بكفالة. وسبق أن اعتُقل مخلف الشمري
في شباط/ فبراير من عام 2007، وأُوقف لثلاثة شهور دون
توجيه اتهاماتٍ إليه، وقيل حينذاك أن التهمة تتعلق بعلاقاته
مع بعض الشخصيات الشيعية في المنطقة الشرقية.
وتعتقد مؤسسة الخط الأمامي أن توقيف مخلف الشمري والاتهامات
الموجهة إليه إنما هما نتيجةٌ لعمله المشروع والسلمي في
الدفاع عن حقوق الإنسان، ولا سيما ممارسته حقَّه في حرية
التعبير. وتعرب الخط الأمامي عن قلقها حيال سلامة مخلف
الشمري الجسدية والعقلية.
تحث الخط الأمامي السلطات السعودية على:
1 ـ الإفراج الفوري وغير المشروط عن مخلف الشمري، لمَّا
كان توقيفه قد تم على أساس عمله المشروع والسلمي في الدفاع
عن حقوق الإنسان.
2 ـ القيام على الفور بإسقاط جميع الاتهامات الموجهة
إلى مخلف الشمري، إذ من الجلي أنها لا تقوم على أساس،
وتعتقد الخط الأمامي أنها ليست إلا نتيجة لممارستِه حقَّه
في حرية التعبير.
3 ـ اتخاذ الإجراءات الكفيلة بضمان السلامة الجسدية
والعقلية لمخلف الشمري أثناء توقيفه، وأن تكون معاملته
أثناء احتجازه متماشية مع جميع الشروط التي نصَّت عليها
مجموعة المبادىء المتعلقة بحماية جميع الأشخاص الذين يتعرضون
لأي شكل من أشكال الاحتجاز أو السجن، التي تبناها قرار
الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 43/173 الصادر في التاسع
من كانون الأول 1988.
4 ـ ضمان أن يكون المدافعون عن حقوق الإنسان ومنظماتهم
في العربية السعودية قادرين في جميع الأحوال والظروف على
القيام بعملهم المشروع في مجال حقوق الإنسان دون خوف من
القصاص، وفي حرية من كل تقييد أو تهديد لسلامتهم الجسدية
والعقلية.
|