مدارسنا أعشاش التعصّب
الأحمد هادم الحرم مشيّد لأجيال التطرف
محمد فلالي
يدرك الذين كتبوا عن مشاركة رجل الدين الوهابي المتطرّف
الشيخ يوسف الأحمد في إعداد المنهج التربوي لطلاب المدارس
الابتدائية أن وجه الاعتراض ليس منصبّاً على اجتهاد فقهي
مرتبط بمبدأ (إلقاء التحية) أو السلام على المسلم وغير
المسلم، فذاك موضوع يشترك فيه الأحمد وغيره ولعله موضوع
يستوجب تأمّلاً عميقاً كون الاجتهاد فيه يؤسس لنوع العلاقات
الإنسانية المطلوبة، لأن السلام هو إنساني قبل أن يكون
دينياً.
ومن أجل إنصاف الرجل، يجب القول بأن المشكلة لا تكمن
في مشاركة الأحمد بل هي مشكلة منهج تعليم ديني، وأكبر
من ذلك، فهي مشكلة أيديولوجية دينية متطرّفة تنتج نظرات
إقصائية واقتلاعية إزاء الآخر. وقبل الخوض في موضوع دور
يوسف الأحمد في تأليف الكتب المدرسية، نتوقف للحظات عند
ما ورد في تقرير لسوزان ميركيلسون من مجلة فورين بوليسي
حول (أسوأ كتب التربية في العالم) نشر في موقعها على شبكة
الإنترنت في 7 سبتمبر الماضي بمناسبة عودة الطلاب في أرجاء
العالم الى المدارس، حيث يتعلّم كثير منهم ليس فقط أموراً
زائفة بل خطيرة. فقد سلّط التقرير الضوء على مناهج التعليم
في عدد من الدول حول العالم من بينها السعودية. وجاء تحت
عنوان: خطة الدرس: أعداء العقيدة. وفي التفاصيل: بعد هجمات
الحادي عشر من سبتمبر ـ والتي شارك فيها 15 سعودياً من
أصل 19 مختطفاً ـ قام الملك عبد الله بإجراء إصلاحات للكتب
المدرسية السعودية، التي كانت متخمة بإحالات الى المسيحيين،
والشيوعيين، والصهاينة، والغربيين الكفار، كأعداء للمسلمين.
تضيف الكاتبة بأنه بعد تسع سنوات فإن التقدّم كان بطيئاً.
وفي 2006، وعدت الرياض بإزالة (كل المقاطع المتعصّبة)
ولكن بعض المصادر تقول بأن الأطفال مازالوا يتلقون تعليمهم
من كتب مناهضة للسامية وتحرّض على الجهاد. مرة أخرى، زعمت
السعودية بأن كتبها المدرسية وبرامجها التي يجري استعمالها
سواء داخل المملكة أو من قبل مدارس مموّلة من قبل السعودية
في أماكن أخرى من العالم (ستخضع للمراقبة الكاملة والصارمة
خلال السنوات الثلاث القادمة). وتستعمل المدارس السعودية
في كل من الولايات المتحدة، وبريطانيا، وفرنسا، وألمانيا،
وتركيا كتب مدرسية مماثلة.
|
وبحسب مصدر رئيسي (إملأ الفراغات بالكلمات المناسبة
(الإسلام، جهنم): كل دين غير.... زائف. من لم يمت على
دين الإسلام يدخل....) منقول من كتاب الصف الأول.
(روي عن إبن عباس: القردة هم اليهود، أهل السبت، والخنازير
هم النصارى، الكفار من أتباع عيسى). من كتاب الصف أول
متوسط (التوحيد والفقه).
إذاً ما هو وجه الاعتراض على دور ما للأحمد في تأليف
منهج الفقة للصفوف الأولى من المرحلة الإبتدائية؟ إنه
ببساطة الشخص وليس الموضوع، لأن من أفتى بهدم الحرم المكي،
وحرمة الاختلاط وهدّد وتوعّد بأن ذلك سيؤدي الى اضطرابات
لابد أن تدعو مشاركته في إعداد مناهج تربوية للإنكار.
وبحسب ما كشفت عنه صحيفة (الوطن) في 27 سبتمبر الماضي
بأنه دليل مادي على عنصرية منهج الفقه الذي ألّفه الشيخ
يوسف الأحمد. حيث نشرت الصحيفة الانتقادات التي تطالب
بعض دروس منهج (الفقه والسلوك) للصف الأول الابتدائي،
وخصوصاً الدرس الثالث الذي يأتي تحت عنوان (السلام)، والذي
يقصر التحية على المسلمين فقط، ويطلب من الطلاب عدم القاء
أي تحية لغير المسلمين في تحريض واضح ضدهم وغرس سلوك عدائي
في نفوسهم تجاه الآخر.
تربويون وصفوا درس (السلام) في منهج الفقه للصف الأول
الإبتدائي بتأجيج (العنصرية) ضد غير المسلمين، وغرس كراهية
(الغير) في نفوس الطلاب، وأن ذلك يكمن في اختصار الدرس
التحية على المسلمين فقط، وهو ما سيولّد أسئلة كثيرة في
ذهن الطالب عن حكم تحية غير المسلم، لعدم قدرة طالب الصف
الأول على التفريق بين لفظ (السلام) الذي يوجّه شرعاً
للمسلم، والتحية العامة التي توجه لبقية الناس مسلمين
كانوا أم غير مسلمين.
وعلّق عميد كلية التربية بجامعة الملك عبدالعزيز الدكتور
حسن عائل على تقرير الصحيفة قائلاً (أن قائمة مؤلفي كتاب
الفقه والسلوك للصف الأول الابتدائي خلت من وجود أسماء
تربويين، وهو ما ينبغي التركيز عليه عند تأليف الكتب الدراسية،
وأنه يجب أن يتكون فريق التأليف من مجموعة من المتخصصين
في العلم نفسه، ومجموعة من المتخصصين في التربية).
وطالب بأن يراعي المختصون مطالب الطفل في هذه المرحلة،
ومنها سهولة المعلومة، وعدم تعارضها مع الواقع الحالي،
وأن يركزوا على الأخذ بآراء المعلّمين، وأولياء الأمور،
والطلاّب، والمجتمع. وقال إنه بعيد عن المعلومات الموجودة
في الكتاب كونها معلومات شرعية يتحدث عنها المتخصصون،
فإن التربويين يحرصون على عدم تعارض ما فيها مع قيم المجتمع
والواقع الحالي.
من جانبه، أكد عضو هيئة التدريس بجامعة الملك عبدالعزيز
الدكتور عبدالله بن عويقل السلمي أن المقررات المدرسية
تعد الصائغ الأهم لعقلية المتلقي في مرحلة الطالب الأولى،
وأنه ينبغي عند صياغتها استحضار الجوانب الحياتية التي
تربي النشء على حب الإنسان للإنسان في أي مكان ومهما كان
في ظل هذا الانفتاح والتعايش العالمي.
وشدد على أنه بعيد عن الأحكام الشرعية، يجب أن يراعي
مؤلفو هذا الكتاب ضرورة إستشعار أننا لا نعيش بمفردنا
في هذا العالم، ولا يجب أن نصوغ مناهجنا بمعزل عن الأمم
التي نتعاطى معها، وأن نعلم أجيالنا عدم كراهية الإنسان
مهما كان اتجاهه، أو انتماؤه، أو عرقه، أو دينه. وطالب
بإبعاد أي صياغة منهجية تتضمن نبرة التمييز أو كراهية
الغير، ابتداء من السلام والبشاشة في وجه الإنسان، وانتهاء
بالمعاملات الحياتية..
أحد المعلّقين ذكّر وزير التربية بأن الشيخ يوسف الأحمد
قد تمّ إيقافه عن التدريس في جامعة الإمام محمد بن سعود
بسبب تطرّفه الديني يعود الى حقل التربية من أخطر أبوابه،
فيسمح له باعتماد تأليف الفقه للطلاب الصغار، ويعلق منكراً
(ألا يوجد إستشاريون تربويون يحلّون محله، أم أن أبناءنا
لعبة تساومون بهم لتمرير مصالحكم؟). ويخلص في الأخير للقول
(يبدو لي أن أصحاب الأفكار المتطرفة لديهم رغبة جامحة
في تطرف أبنائنا وزرع الكراهية في نفوسهم ضد الآخر..في
ظل حوار الأديان والمنهج الإسلامي الوسطي المعتدل والمتقبّل
للآخر..!! وهذا واضح وجلي من الدليل المادي التي كشفت
عنه صحيفة الوطن مشكورة..!).
الانتقادات المتصاعدة بعد نشر خبر مشاركة يوسف الأحمد
في تأليف كتاب (الفقه والسلوك)، فرضت على وزارة التربية
الإعلان عن موقف رسمي من تقرير صحيفة (الوطن)، خصوصاً
وأن إسم الأحمد تصدّر قائمة المؤلفين في تأليف الكتب الدراسية
لمادة الفقه، ومع بدء السنة الدراسية الجديدة في 25 سبتمبر
الماضي حيث عادت قضية مناهج التدريس السعودية للتداول
بعد أن هدأ الحديث بشأنها بعد سنوات من الانتقادات، وبعد
وعود من الملك عبد الله بتنقية المناهج التربوية السعودية
من مقاطع تدعو للتطرف.
صحف الكترونية نشرت في 25 سبتمبر الماضي تأكيد صدور
أمر من وزارة التربية والتعليم إلى مديري التعليم بالمناطق
بسحب الكتب التي عليها إسم الأحمد، وبعد أقل من 24 ساعة
صدر قرار إبقاء الكتاب للطلاب حتى إشعار آخر، وقد صدر
التوجيهان من وزارة التربية والتعليم إلى المديرين من
خلال رسالة جوال وليس بخطاب رسمي. ولكن ما لبث أن نفى
المتحدث الرسمي بإسم وزارة التربية والتعليم، محمد الدخيني،
أن تكون الوزارة قرّرت سحب كتاب الفقه أو إعادة توزيعه
مرة أخرى، مؤكداً أن شيئاً رسمياً بهذا الخصوص لم يصدر
من الوزارة. وقال لموقع (العربية.نت) السعودي في 25 سبتمبر:
(لم نصدر أي بيان أو قرار بسحب الكتاب ولا بإلغاء قرار
السحب. أصدرنا بياناً خاصاً بالخطة الدراسية الجديدة وموجود
على كل المواقع الإلكترونية الرسمية).
أما يوسف الأحمد، فيقدّم شرّحاً تفصيلياً عن دوره في
تأليف الكتب المدرسية الخاصة بطلاب المرحلة الابتدائية.
وقال في مقابلة مع موقع (العربية.نت) بأنه (تم تأليف 27
كتاباً في الفقه للمرحلة الابتدائية والمتوسطة لكل مرحلة
ثلاثة كتب؛ للطالب وللمعلم وللنشاط، ضمن المشروع الشامل
لتطوير المناهج، وقد شارك في مادة الفقه أكثر من 45 متخصصاً،
وقد مر المشروع بتسع مراحل: الأولى: صياغة وثيقة المناهج
من خلال اللجنة العلمية ومشاركة الأسر الوطنية، ثم مرحلة
التأليف من خلال فريق التأليف، ثم مرحلة المراجعة من خلال
لجنة المراجعة، ثم مرحلة التعديل بعد المراجعة، ثم عرض
الكتب على اللجنة العلمية في الوزارة، ثم مرحلة التعديل
بعد مراجعتها).
ولا يمكن أن يصدر هذا الشرح المتخم بالتفاصيل الدقيقة
الا من شخص ليس طارئاً على الحقل التربوي بل يكاد يكون
أحد أعمدته الأساسية. أنظر إلى ما يضيفه بعد ذلك لتتأكّد
هذه الحقيقة (ثم رفعت الكتب إلى الوزارة فأحالتها إلى
لجنة "تجويد المنتج" ثم مرحلة التعديل بعد مراجعتها، ثم
أحيلت الكتب إلى لجنة التربية التي من أعضائها الشيخ عبدالله
المطلق، وهي لجنة لها صلاحية التعديل دون الرجوع إلى غيرها،
وتم التعديل النهائي، ثم طبع الكتاب ووزع على 40 مدرسة
للتجربة خلال ثلاث سنوات، وتم اكتشاف بعض الملحوظات وقامت
الوزارة بتعديلها، ووزعت هذه السنة مادة الفقه للأول والرابع
الابتدائي والأول متوسط، توزيعاً عاماً بعد مضي ست سنوات
من العمل، وبقية المراحل لاتزال كتبها في دائرة التوزيع
التجريبي، وسيتم توزيع الباقي توزيعاً عاماً في وقته المحدد
في السنتين القادمتين).
فالحديث إذن ليس عن شخص متسلل أو طارىء على مشروع خطير،
بل هو أحد صنّاع المنهج التربوي الديني في مملكة آل سعود،
وتالياً أحد صنّاع التطرف والارهاب في العالم. ومن هذه
حاله، لا دهشة في أن يعبّر عن استغرابه من شائعة إلغاء
المنهج (كيف يمكن بعد هذا العمل الضخم أن يلغى برسالة
جوال قبل موعد الدراسة بيومين..) بل اعتبر أن قرار الإلغاء
(كارثة إدارية وفوضى وتخبط واضطراب وأمر لا يقبله العقل..).
ثم يختم الأحمد بحقيقة عن مشاركتته في التأليف فيقول
مؤكّداً (كان بطلب رسمي من وزير التربية السابق الدكتور
محمد الرشيد بأن أعمل مستشاراً غير متفرغ في الوزارة ورئاسة
لجنة تأليف الفقه، ووافق مجلس قسم الفقه ثم المجالس الأخرى
وإدارة الجامعة على ذلك).
أليس من المعيب أن يبحث أحد عن منابع للتطرف خارج الحدود!
أكثر من ذلك أن فصل الأحمد من جامعة الإمام هي الأخرى
شائعة وقال بوضوح (عملي الرسمي هو عضو هيئة التدريس في
قسم الفقه بكلية الشريعة بجامعة الإمام بالرياض).
في أول مقالة صدرت كرد فعل على خبر صحيفة (الوطن) كان
للأكاديمي علي سعد الموسى في 25 سبتمبر الماضي بعنوان
(من يكتب مناهجنا المدرسية؟) وجّه فيها نقداً مباشراً
ولاذعاً (للذين مازالوا يقولون إن مناهجنا المدرسية تخضع
لتمحيص وتدقيق ومراجعة)، ووجّه لهم خطاباً مباشراً (ها
هو البرهان من على مشارف الصفحة الأولى لمقرر مدرسي حيث
المؤلف الأشهر يتصدر لائحة المؤلفين بالاسم الثلاثي ومباشرة
من الكلمة الثالثة بعيد مفردتي (الفقه والسلوك)، كما قدّم
لفتة (للذين مازالوا يقولون إن مناهجنا تعج بالتسامح..)
وخاطبهم (ها هو البرهان، لا من حبر من مثلي وأنا الذي
أعرف جيداً أين وضعوني من التصنيف، بل البرهان من الاختلاف
الحاشد مع ذات المؤلف من قبل حشد من ذات حقل المشتغلين
بالعمل الشرعي). وقال بأن (هذه القصة تفضح المسؤولين عن
المناهج وتطرح السؤال: من هو الذي يكتب هذه المناهج؟).
|