سجون (الداخلية) نموذجية ولكن في السوء
عبدالحميد قدس
هناك في بلاد الحرمين الشريفين من يتقن ببلاهة منقطعة
النظير التزلّف المجاني للأمراء طمعاً في (شرهة) مأمولة
يمكن اصطيادها في مجلس أحدهم، أي (التسوّل المبطّن)، بحسب
برنامج كوميدي سعودي مقرف على قناة إم بي سي المقرفة.
نتذكّر أن أحد الضمائر السابقة، محسن العواجي، قدّم تقريراً
سنة 2000م الى وزير الداخلية الأمير نياف يرصد فيه حالات
التعذيب في السجون السعودية من قبل ضباط التحقيق في المديرية
العامة للمباحث، وتمّ توثيق شهادات عشرين ضحية من ضحايا
التعذيب والتنكيل في السجون السعودية. ومن بين صور التعذيب
التي رصدها التقرير:
|
الهاجري.. سجون آل سعود أسوء من سجون اسرائيل
|
(التعرية الكاملة والمتكررة والتي قال السجناء أنها
شيء روتيني في سجون الغربية وكذلك التهديد بإحضار الزوجة
مع التعذيب الشديد كما حصل للمواطن ص ش ، أو بالتقيد بالرجلين
واليدين وسحب السجين ماشياً بالسيارة في فناء السجن حتى
يهرول فتؤلمه رجليه من القيد كما حدث ذلك مع المواطن س
ج الذي أصيب بالصرع جراء ذلك، أو إدخال السجين في غرفة
مظلمة والهجوم عليه من قبل مجموعة من الضباط ضرباً وصراخاً
حتى لا يعرفهم فيما بعد كما حدث ذلك للمواطن ع م ، أو
أن يخرج الضابط ذكره ووضعه على يد السجين ويأمره أن يمصه
كما عمل الضابط (م. س) مع السجين أ س الذي ذكر هذه القصة
لحوالي ثمانية من زملائه ولا تزال آثار حرقه بالسجائر
واضحة في جسده وفي إليتيه حتى الآن وهو الآن يعيش رعباً
شديداً وقد حلق لحيته وأصبح ميالاً للعزلة خوفاً مما حدث
له ولم أتمكن من مقابلته خوفاً من إيذاءه نفسياً، أو إن
يعرى السجين ويعذب عرياناً ثم يؤمر زميله بمص ذكره - وإن
تمنع- ونتف لحيته وأمر أحد الحاضرين بفعل الفاحشة فيه
ورفع ثوبه له ترويعاً له وقد حدث هذا بأمر مباشر من اللواء
(أ. ز) مع المواطن خ ش.. كما أن هناك ممارسات أخرى قام
بها جهاز التحقيق في سجن الحائر بالرياض ولكوني من نزلاء
هذا السجن سابقاً فإنني أجزم بصحتها حيث ولقد كنت شخصياً
أحد من مورست معه ومنها).
هذه هي سجون (الداخلية) النموذجية التي يتحدّث عنها
من لم يزرها، ولم تنل عصي محقّقيها من جسده، وإنما يقول
ذلك خوفاً من بطشها وطمعاً في شرهات رؤوسائها. وماجرى
مؤخراً لأحد سجناء (الداخلية) من حملة الجنسية الكويتية
يعيد بعد عشر سنوات على اطّلاع نايف على شهادات السجناء
الذي خضعوا للتعذيب، ما يعني أنه هو نفسه من يشرف على
برامج التعذيب ويجيزها ويحرّض المحقّقين التابعين له على
اقتراف المزيد من الممارسات الوحشية ضد السجناء.
كتب أحدهم في 27 أكتوبر الماضي، (الكل يشكو، والكل
ينتقد، ووزارة الداخلية نائمة في العسل. هو كسل أو تخمة
أو عدم مبالاة بشعور الناس وبسمعة البلد..السجون السعودية
قمّة السوء والتعاسة. والشواهد كثيرة، فكل يوم نسمع ونقرأ
عن أحداث ومرويات وصور من السجون وواقعها التعيس الذي
لايمكن لحيوان أن يعيش فيها فما بالك بإنسان.. يانايف
بن عبدالعزيز إلى متى السكوت على هذه المأساة، إلى متى
وسمعة البلد مشوهه وانت ووزارتك غير مكترثين؟).
جاء التعليق تعقيباً على وصف مواطنين كويتي السجون
السعودية بأنها أسوأ من السجون الإسرائيلية ومن معتقل
غوانتنامو بكوبا. وقال ناصر بن نايف الهاجري الذي كان
معتقلا لمدة عامين ونصف في سجن الملز بالرياض إنه لم يكن
يتوقع أن يتلقى تلك المعاملة الوحشية في دولة إسلامية
حسب قوله.
جاء ذلك في حوار أجرته قناة (حقوق وحريات) الإلكترونية
الكويتية مع الهاجري الذي ذكر أنه لا يزال يجهل سبب اعتقاله
أثناء زيارته المملكة لأداء فريضة الحج أواخر عام 2007.
وقال الهاجري (نعم خرجت مما هو أسوأ من جوانتنامو (..)
إلى هذه الساعة لا أعرف لماذا اعتقلت فلم أُعرض على قاضي
ولم تعقد لي أي محكمة ولم يُسمح لي بتوكيل محامي ولم أعرف
ما هي تهمتي بالضبط) حسب ماذكر.
اتهم الهاجري السلطات السعودية بتعذيبه وذلك بضربه
على رأسه الأمر الذي أدّى إلى حدوث ورم تطور إلى سرطان
كبير بسبب إهمال السلطات لحالته برفض توفير العلاج له.
وأشار إلى أن السلطات السعودية أفرجت عنه خشية من أن يموت
بسبب مرضه.
في إجابته عن سؤال حول أساليب التعذيب المتّبعة في
السجون السعودية، قال الهاجري (التعذيب بالتسهير وهو إيقاف
السجين لمدة أربعة أيام أو خمسة أيام أو أسبوع دون أن
ينام...وهذا أشد شيء على الشخص المعذب الذي يتمنّى لو
أن يُضرب ضرباً شديداً في مقابل أن يُسمح له بالنوم، وكذلك
التعذيب بالوضع في الحبس الإنفرادي لمدة تصل إلى تسعة
أشهر، بالإضافة إلى التعذيب بالضغط النفسي عبر وضع السجين
في زنازنة قريب من مراكز التعذيب حتى يسمع أصوات المعذبين).
ابتسم الهاجري ساخراً عند سؤاله عن حقوق الإنسان في
السجون السعودية، وقال في معرض إجابته (هو أصلا في حقوق!
وكما قلت لك قبل قليل في إسرائيل للسجناء حقوق أفضل من
السعودية). وأكد الهاجري أنه اتصل بالعديد من المؤسسات
الحقوقية العالمية وتقدّم بشكوى إليها بسبب ما تعرّض له،
وناشد سلطات بلاده بالدفاع عن الكويتيين (كما تفعل جميع
الدول عندما يتعرّض رعاياها للظلم، كما أشار إلى أنه قد
يتضرر بسبب هذه المقابلة وما جاء فيها من إتّهامات لكنه
اعتبر ما قاله أمانة معلّقة في عنقه لابد أن يوصلها نسبة
لما عاناه ويعانيه غيره من أبناء الكويت في السجون السعودية)،
بحسب تعبيره.
في حقيقة الأمر، أن شهادة الهاجري لا تمثّل حالة فردية،
بل هي تنبّه إلى ظاهرة عامة في السجون السعودية، وقد نبّهت
الى ذلك أيضاً تقارير حقوقية دولية أو حتى محلية، وقد
نشرت قبل نحو عام اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان تقريراً
سلّطت فيه الضوء على حالات التعذيب في المعتقلات السعودية.
|