|
حين يشيخ الملوك والأمراء |
لغز الوراثة.. والموت حلاً
عبد الوهاب فقي
كتبت أنديرا مطر في اغسطس الماضي مقالاً بعنوان (في
مملكة آل سعود: الحذر.. هو الملك أبداً!) وقد أصابت بذلك
التوصيف كبد الحقيقة، خصوصاً في بلد تجد فيه الهواجس والارتيابات
مرتعاً خصباً. وذكّرت مطر بمقالة كانت صحيفة (الايكونوميست)
البريطانية قد نشرتها في 15 يوليو الماضي بعنوان (الخلافة
السعودية.. حين يشيخ الملوك والأمراء)، جاء فيها: (أخ
يعقب أخاً كملكية مطلقة في السعودية؛ وقد تستمر كذلك،
ولكن أرقب التوتّرات داخل العائلة المالكة كبيرة الحجم
للغاية). وذكّر كاتب المقالة من القاهرة بصورة افتراضية
للعائلة المالكة في بريطانيا على أساس أن يكون للأمير
تشارلز، المؤهل لتولي العرش في بريطانيا، عشرات من الأخوة،
وعدداً كبيراً من الأبناء، ومئات من أبناء العم، وأن قصر
ويندزور يعج بآلاف من الأمراء والأميرات الأقل من حيث
المراتبية.
يحاول الكاتب تركيب مشهد لصراع افتراضي داخل القصر
الملكي حول المناصب في الجهاز الإداري للدولة، ليقرّب
الى القارىء صورة الوضع في السعودية، والصراع المحتدم
بين الأمراء. وينطلق أولاً من السلطات المطلقة التي يتمتع
بها الملك الذي لا تقتصر سلطته في حدود كونه رئيساً للوزراء،
ولكنه أيضاً يعيّن أعضاء البرلمان ويعيّن خليفته في العرش.
وفوق ذلك، فإن الأعمال الحقيقية لهذا النظام ليست بسيطة،
فإن حجم العائلة المالكة في السعودية (على الأٌقل 5 آلاف
أميراً)، وأن الامتيازات المتراكمة للأمراء القياديين
هي بالقدر الذي تفرض على الملوك أخذها بنظر الإعتبار والإهتمام
من أجل الموازنة بين المصالح المتضاربة. وعليهم أيضاً
إستيعاب العلماء الوهابيين الذين يتطلعون إلى مكافآت لقاء
إضفاءهم مشروعية على الملكية المطلقة، وكذلك التكنوقراط
الذين يديرون الجهاز البيروقراطي للدولة، وعليهم أيضاً
مراعاة رعاياهم الذين تظهر علامات سخط متنامية في أوساطهم،
ويطالبون بصوت يمثّلهم في عملية صنع القرار.
أفادت مطر من مقالة (الاكونوميست) لتضيء على إشكالية
الوراثة داخل العائلة المالكة مع دخول عامل السن كعنصر
حاسم في معادلة السلطة والتناوب عليها، فالآباء والأبناء
باتوا في سباق مع السن، فيما تضيق حلقة الزمن على الجيل
الثاني الذي لا تكاد فرص أعضائه كبيرة في العرش، فقد بات
الجميع مرشّحاً للغياب في أي لحظة إما بسبب عامل المرض
أو بسبب أمراض الشيخوخة، فالأمير سلطان، ولي العهد، يصغر
أخاه الملك بعام واحد فقط.
بقي الملك عبد الله في منصب ولاية العهد 23 عاماً،
كما بقي أخوه غير الشقيق الأمير سلطان في منصب وزير الدفاع
منذ العام 1962، ونايف الذي تولى وزارة الداخلية لمدة
35 عاماً، يبلغ من العمر 77 سنة. هذا الاقتراب الجماعي
من لحظة الرحيل الطبيعي، بقدر ما تفتح الباب أمام وصول
الجيل الثالث من الأمراء الى العرش، فإنها تقرّب لحظة
المواجهة بين الأبناء، لأن الصراع سيكون بين عدد كبير
من المتنافسين، إن لم يكن المتصارعين. في التاريخ السعودي
ما يبعث على القلق، فقد انهارت الامارتان السعوديتان الأولى
والثانية بسبب الصراع بين الأخوة وأبناء العم على من يجب
أن يحكم. في السعودية اليوم، وهو ما تلفت إليه (الايكونوميست)
أن قضية تداول السلطة أصبحت قضية حرجة، لأنها تعتمد نظام
(الأصلح) التفضيلي ذي المعايير المتغيّرة.
عودة بندر هي الأخرى أعادت طرح مسألة الخلافة، وذكّرت
بما طرحته مجلة (جون أفريك) الفرنسية حول المواجهة بين
الملك عبد الله وأمراء كبار مثل سلطان ونايف والى حد ما
سلمان. إلغاء الملك عبد الله زيارته الى باريس للمرة الثانية
(الاولى في منتصف يوليو الماضي، والثانية في منتصف سبتمبر
الماضي)، قد أثار تكهنات في المرة الأولى عن صحته وتالياً
خلافته، ولكن في المرة الثانية بدا الأمر جديّاً، فالملك
عبد الله لم يعد قادراً على التحرّك بسهولة رغم أن بقائه
في العرش طيلة هذه السنوات يرسّخ من أهمية سؤال الخلافة،
ومن سيكون الملك القادم، خصوصاً مع وجود 200 أمير من الأسرة
المالكة من الذين يحق لهم المطالبة بالعرش.
للتذكير فحسب، فإن الملك عبد الله هو خامس ملك من أبناء
الملك عبد العزيز، ولم يبلغ أي من أسلافه عمره، فقد قضى
الملوك السابقون قبل بلوغهم منتصف العقد التاسع، ولذلك
فإن أسئلة حول من سيخلفه في حال موته، وأي من إخوته غير
الأشقاء سيكون صاحب الحظ الأوفر في العرش، ومالذي يمكن
أن يحدث بعد ذلك؟ أسئلة تبدو جوهرية خصوصاً مع الحديث
عن صراع أجنحة محتدم بين آل سلطان وآل نايف، وأن ثلاثة
من الجناح السديري وهم سلطان ونايف وسلمان يشاركون في
الحكم منذ تولي الملك فيصل العرش في 1964، ويتقاسمون جنباً
الى جنب مع الملك عبد الله السلطة والثروة في البلاد منذ
العام 1973، وهم أنفسهم أيضاً مسؤولون، بعد غياب الملك
فهد، عن مشكلات البلاد الكبرى وأهمها الفساد المالي والإداري،
والمشكلات الاجتماعية والاقتصادية، وليس هناك ما يمكن
أن يشير الى حدوث تبدّلات جوهرية حتى مع وجود الملك عبد
الله والمزاعم حول دوره الإصلاحي.
كلما تقدّم الزمن كلما أصبحت فترات الحكم قصيرة، ولذلك
من المرجّح أن تؤول خلافة (قصيرة الأجل) لملوك سعوديين
متعدّدين الى زعزعة الاستقرار السياسي في البلاد إن لم
تصل الى أزمة خلافة في المملكة، بما سيجعل أمرها ليس شأناً
داخلياً أو عائلياً وقد يتطلب الأمر تدخّلاً خارجياً،
بسبب الخوف على مصالح استراتيجية للقوى الكبرى، فبلادنا
مسؤولة عن خمس احتياطي النفط العالمي.
الانتقال إلى الجيل الثاني سيتم عاجلاً أم آجلاً لكنه
ليس مطروحاً الآن ولن يحدث ثورة كبيرة. شخصية ليبرالية
كالوليد بن طلال، 55 عاما، أبن أخ الملك يبرز كأكثر المستبعدين.
لم يخف الوليد طموحه لوراثة العرش وهو صاحب المركز الثاني
والعشرين في قائمة أثرياء العالم لكن مواقفه المؤيدة لتحرير
المرأة تدريجياً وهجماته على السلفية أبعدتاه عن دوائر
السلطة، إلى جانب عوامل أخرى مرتبطة بنسبه من جانب أمه.
للولايات المتحدة وجهة نظرها الخاصة في الموضوع: فهي
لا تنظر بعين الرضى إلى تتويج سلطان أو نايف. يقول سايمون
هندرسون من معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى أن الأمير
سلطان وعلى الرغم من تأييده للأميركيين إلا أن شعبيته
محدودة نسبياً داخل المملكة. أما نايف فيعتبر رجلاً صعباً
و(كان متردداً في تشديد الإجراءات الأمنية بعد هجمات القاعدة
ضد المملكة في 2003)، كما أنه يثير خشية الليبراليين إذا
تسلم الحكم بسبب تبنيه للخط المتشدد. ولكن، لا الحليف
الأميركي ولا مجلس الشورى أو البرلمان يستطيعون الوصول
مباشرة إلى أسرار العائلة الحاكمة. في السنوات القادمة
من المرجح أن نشهد استعراضا لتتويج رؤوس عدة في قمة الدولة
وبعض التغييرات المهمة. في مملكة آل سعود الحذر هو الملك
أبداً.
|