محاولة للبحث عن مصير الشعب السعودي
أزمة الصراع السياسي بين الأجنحة الحاكمة في السعودية
أعيدوا الاعتبار للشعب، بالمساواة بين أفراده، وبقوامته
الحقيقية على الدولة، وبشورى حقيقية، لشعب
حقيقي وليس شعباً صورياً في توحيد صوري شكلي، قابل
للتفكك لمجرد اختلافات داخلية داخل النظام
د. محمد العبدالكريم
|
د. محمد العبدالكريم |
الدكتور محمد العبدالكريم، أستاذ أصول
الفقه بجامعة الإمام محمد بن سعود بالرياض، كتب مقالاً
ونشره على الفيس بوك، يتعلق بالصراع على الحكم، وإمكانية
تفكك الدولة السعودية، منتقداً تغييب الرأي العام الشعبي
عن صناعة القرار، ومندداً بتصرّفات بعض الأمراء وسياساتهم.
نُشر المقال في 23 نوفمبر الماضي، وبعد
أقل من اسبوعين تمّ اعتقال الكاتب والأستاذ الجامعي في
5/12/2010، واقتيد من سكنه بعيد الظهر الى سجن عليشة،
ومن هناك اتصل بزوجته (حنان البصيص) ليبلغها بأنه سيعود
بعد صلاة المغرب. ولكن المعتقل لم يتحدث الى زوجته بعدئذ
ولم يطلق سراحه.
السيدة حنان قالت بأن زوجها ومنذ أن كتب
مقاله ذاك، وهو يتوقع الإعتقال بين لحظة وأخرى. وجاء الإعتقال
ليكشف مستوى حرية التعبير في السعودية.
تجدر الإشارة ان الدكتور عبدالكريم يبلغ
من العمر 40 عاماً، وأنه أب لثلاثة أبناء تتراوح أعمارهم
بين 3-14 سنة.
فيما يلي نص المقال.
الأمّة مكلّفة شرعاً بالاحتساب السياسي والأخلاقي والمالي
والإداري، وعليها ألاّ تنتظر عالماً ضعيفاً يقوم بالواجب
الشرعي، فضعفه عطّل حكم الشريعة في باب السياسية والحكم
والفساد، ليعوضه في باب الأحوال الشخصية!
عليها ألاّ تراهن على داعية يرهب سوط الحاكم، أو عمّن
يبحث عن ردود جامعة وصواعق مرسلة على خصومه !
عليها أن تسدل الستار، وألا تثق بالأسماء المتخاذلة
المنشغلة بالحوارات الكلامية، وبالسجالات الباحثة عن بطولات
ورقية وليس في رصيدها سوى بضع كلمات منمقات منتهية للاصطفاف،
وتكثير الأتباع!
الأمّة لن تفقد الأمل..
هي بشبابها، والصادقين الأخيار فيها، والصحوة السياسية
المتنامية لديها، مؤهلة للقيام بالتكليف الشرعي. ولا يضيرها
سكوت عامة العلماء والدعاة، أو بحثهم عن مخارج وتأويلات
شرعية، ثم أمر الناس بالتزام ما التزمه العلماء، ثم اعتبار
مسلكهم هو الطريق الحق ومنهج أهل السنة والجماعة!! وليبقى
الوضع السياسي بدون إصلاح أو تغيير إلا إن شاءت السلطة،
فإن لم تشأ فلا يوجد دور حقيقي للتغيير.
حماية وحدة المملكة ووحدة الخليج ووحدة كل المنطقة،
يجب أن تكون مواضيع الساعة.
والأيام القادمة تخفي في داخلها تفتيتاً وتقسيماً للعالم
العربي والإسلامي، ونحن لسنا استثناء في الكرة الأرضية
!
يجب ألا تبقى مسألة تفككك الدولة ــ إما بسبب صراعات
بين العائلة الحاكمة أو بعوامل خارجية ــــ طي الكتمان
أو من المحظورات السياسية التي لا تناقش إلا في دوائر
ذوي المصالح الخاصة؟
يجب ألا يرضى الشعب أن يكون مصيره معلقاً باتفاق هيئة
البيعة على حاكم.
فماذا لو لم يتفقوا؟
وماذا لو حدث صراع عائلي مسلح؟
هل تكون مهمتنا الاصطفاف مع أحد الأجنحة؟
ثم لماذا لا تدخل هيئة البيعة الشعب في اختيار الحاكم؟
هل الشعب مجموعة قطيع ينتظر من يرعاه، ويعطيه الراتب
آخر الشهر؟
ما هذه البيعة التي نبايع فيها حاكماً اختاره غيرنا؟!
كيف يرتضي العلماء بيعة من دون اختيار؟
وكيف يجعلونها بيعة “شرعية” وهي صوريّة؟
كيف يصححونها شرعاً وهي إكراه وإجبار؟!
ثم لو تجاوزنا كل هذه الأسئلة ووجد لها بعض المحافظين
مخارج شرعية كالعادة :
ماذا لو اتفقوا وانعكست عوامل الصراع الخارجية على
الدولة؟
أيهما أبقى للدولة، وأحفظ لها، وأقوى لكيانها وشعبها
من تفتيتها إلى دويلات كما يحصل في العراق والسودان واليمن..أن
يبقى مصيرها معلقاً على تصالح أجنحة الحكم، وهدوء الصراعات
الدولية، أم في مشاركة حقيقية للشعب في إدارة الدولة؟!
أيهما أصلح للعباد والبلاد: أن تكون الدولة دولة الجميع
يحميها الجميع؛ لأنها دولتهم، وهي جزء منهم وهم جزء منها،
يخافها الخارج لأنها دولة حقيقية، متصالحة موحدة توحيداً
حقيقياً، للجميع نصيب في إدارتها، والجميع يعي مسؤولية
توحيدها في كيان موحد..أم تبقى الدولة دولة أفراد، ومؤسسات
أفراد، كل فرد في العائلة يستولي على مؤسسة، يبنيها بسواعد
الشعب، ليحمي مملكته الخاصة !!
نحن حتى هذه اللحظة لا نشعر بأن الدولة جزء منا أو
من ذواتنا، ولا نشعر بالخطر الداخلي والخارجي الذي يهدد
كيانها أو وحدتها، لأننا مسيرون فيها، لا نختار فيها حتى
رؤساء الأقسام في القطاعات الحكومية !
لدينا الانفصال الشعوري تولد عنه انفصال حسي، جعلنا
نبحث فقط عن مأكل ومشرب وملبس ومسكن وسرير في مستشفى حكومي،
تابع لحكومة داخل الحكومة !
لدينا جفاء، وتسكن قلوبنا الجفوة.. لكن لا يحق لأحد
أن يلوم جفوتنا تجاه السلطة الحاكمة، فهي سلطة مهمومة
بمعيشتها، وضمان مصيرها وسيادتها، ونعلم أن كل المدح والثناء
الذي تناله الحكومة إنما تناله بالنفاق السياسي، ويفعله
المواطن بمقابل مادي أو وسيلة للبحث عن منصب!!، فليس بيننا
وبين دولتنا مواطنة واقعية، بل ربما لدينا من لديه الاستعداد
ليبيع الوطن، ويبحث عن وطن آخر يجعله في حياة كريمة.
الدولة لا تثق بنا، ونحن نمدّ يدنا في كثير من الأحيان
لنقف معها بالمجان بدون مقابل، وقفة صادقة حقيقية، ولكنها
تبحث عن حمايتها من الخارج، وتعقد صفقات الأسلحة بربع
ترليون ريال سعودي من مالنا ومن عرق جبيننا بدون مشورتنا.
وتخرس ألستنا لو طالبناها بمشورتنا !
فلأجل مصلحتنا أولاً، ومصلحة الدولة ثانياً، وقبل أن
تضطر الدولة ـ تحت ضغط المصالح الدولية التي تعيد تشكيل
المنطقة من جديد مع ترهل الأنظمة الحاكمة.. نقولها بكل
أمانة وصدق وإخلاص وحب لبقائنا في كيان موحد :
إن الكيان الحالي هو كيان صوري، كيان شكلي وليس كياناً
حقيقياً، ولو كان حقيقياً فلن يجرؤ خصم قريب أو بعيد على
تهديده أو استغلال التفاوت الطبقي والطائفي والقبلي فيه.
لو كان حقيقياً، لوثق الشعب به في تمتينه وتقويته.
لو كان حقيقياً لوثقت به الدولة قبل الشعب، في حماية
أزماتها الخارجية، والتعويل عليه في مشاركته السياسية
وتفعيله في كل أجهزة الدولة بالمساواة بين مناطقه وأفراده.
أعيدوا الاعتبار للشعب، بالمساواة بين أفراده، وبقوامته
الحقيقية على الدولة، وبشورى حقيقية، لشعب حقيقي وليس
شعباً صورياً في توحيد صوري شكلي، قابل للتفكك لمجرد اختلافات
داخلية داخل النظام.
|