|
الشريان والركابي.. دفاع
مفتعل عن الوهابية |
لا تضيعوا وقتكم..
لإنصافها: إنها وهّابية وستبقى كذلك
محمد فلالي
تولى الإعلامي دواد الشريان إدارة موقع (العربية نت)
فأراد تغيير الشكل والمضمون، في سياق تصحيح الخطأ الذي
كاد أن يطيح مدير قناة (العربية) عبد الرحمن الراشد على
خلفية بث القناة برنامجاً غربياً وجّه فيه باحث غربي نقداً
للوهابية. في 29 أكتوبر الماضي فتح الموقع حلقة نقاش حول
الوهابية في السعودية، واستضاف أكاديميين ومثقفين سعوديين
مقرّبين من الحكومة وبعضهم له حضور إعلامي وخصوصاً في
الصحف المقرّبة من جناح الأمير سلمان، وجاءت التوقعات
متطابقة مع آراء الضيوف، الذين أجمعوا عن سابق إتفاق على
أنه لا يوجد شيء إسمه وهابية، وإنما هو الاسلام الصحيح،
الذي عبّرت عنه الوهابية لجهة العودة بالمسلمين الى المصادر
النقيّة للإسلام.
خرج الشريان بشهادة حسن سلوك إداري من حلقة الدفاع
عن الوهابية، وخرج الضيوف من معركة من طرف واحد ضد الذين
شهروا النعت التوصيمي (الوهابية)، وتوصّلوا الى ما يشبه
إتفاق قد دبّر قبل بث الحلقة بيوم أو بعض يوم، على أن
ينال فيه من الأطراف التي استعملت (الوهابية) مادة توصيم
لأتباعها، مثل الدولة العثمانية والمستشرقين، الذين صنعوا
صورة سلبية عن (الوهابية)، وتحوير معناها، ولا ندري ما
هو المعنى الذي يمكن أن تنتجه الوهابية كنظام عقدي، أو
جماعة دينية اصطفائية ترى في نفسها خصائص (الفرقة الناجية)
أو (الطائفة المنصورة)، الأمر الذي دفعها لأقتراف أفدح
الأخطاء إزاء خصومها الحقيقيين والافتراضيين. وفي حقيقة
الأمر، أن (الوهابية) كانت تميل الى صنع خصومها من أجل
ضمان وجودها واستمرارها.
ما يلزم إلفات الإنتباه إليه، أن البرنامج بصيغته الدفاعية
يأتي في سياق محاولة الأمير سلمان بن عبد العزيز، أمير
الرياض، لوقف استعمال (الوهابية) بعد أن ظهر بأن المراد
بها الحط من شأن أتباعها، وقد حاول بعض علماء الوهابية
عبر سلسلة تعقيبات واستدراكات على مقال الأمير سلمان الدخول
في المرافعة الفكرية والسياسية عن (الوهابية)، ولكن جاءت
النتائج ضئيلة الشأن، لأن المصطلح كما أشياء كثيرة في
الحياة ليست ملكاً لأحد، ولا يمكن فرض مدّة صلاحيتها،
فقد تموت مع الزمن بعد انتهاء شروط وجودها، وقد تعيش فترة
أطول مع عوامل تخصيب داخلية أو خارجية، وفي حال الصراع
بين المذاهب تنتعش سوق المصطلحات ذات الطبيعة الازدرائية.
وقد تكون (الوهابية) من بين باقي المذاهب في المجال الإسلامي
التي أحيت مصطلحات كادت تفنى، ولكنها بقيت كمكوّنات جوهرية
في ثقافة الخصومة والصراع الطائفي.
ظهور (الوهابية) مصطلحاً وجماعة ومدرسة فكرية في الدولة
السعودية الأولى في منتصف القرن الثامن عشر الميلادي،
أثار انتباه أطراف عديدة قريبة وبعيدة، والتصق مصطلح الوهابية
بجماعة محدّدة إنتسبت الى طريقة الشيخ محمد بن عبد الوهاب
عقيدة وفقهاً وسلوكاً متطرفاً، وقررت أن تملك مبادرة الحرب
على الآخر، دون سابق إنذار من أجل تغيير معادلة قائمة
وإقامة معادلة جديدة تكون هي محورها. في حقيقة الأمر،
أن إطلاق تسمية (الوهابية) لم يكن يثير حساسية لدى أتباعها،
ولربما تفاخر بعضهم بهذه التسمية، ولكن المتأخرين نظروا
إليها على أنها محاولة تشوية لصورة الدعوة الوهابية لدى
السعوديين، ثم جاءت هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001 لترفع
من مستوى الحساسية لدى العائلة المالكة، خصوصاً بعد أن
أظهرت التحقيقات الأميركية ضلوع 15 سعودياً من أصل 19
عنصراً كانوا على متن الطائرات الانتحارية التي ضربت برجي
نيويورك والبنتاغون.
تنبّه آل سعود الى أن القضية لا تقتصر على تهمة الضلوع
في هجوم انتحاري بل أن النوايا تتجه الى تجريد النظام
السعودي من مشروعيته الدينية التي يستمدها من (الوهابية)،
فكان يخشى تقويض الأسس الأيديولوجية للدولة بما يؤول الى
فقدان الأخيرة لنظام المناعة إزاء النقد.
من وجهة نظر أمين عام دارة الملك عبدالعزيز الدكتور
فهد السماري، فإن التسمية (أي الوهابية) تقف خلفها الدولة
العثمانية التي أطلقت المصطلح عبر عدد من كتابها، وهذا
صحيح، بل عبأت مطبعة خاصة في استانبول كل طاقاتها لنشر
منظومة كتيبات ضد الوهابية كرد فعل على الفتاوى التكفيرية
التي أصدرها علماء الوهابية ضد الدولة العثمانية.
وقد كتب عبد القديم زلّوم في (كيف هدمت الخلافة ـ الطبعة
الثالثة 1990 ص 8)، (كانت انجلترا قد حاولت عن طريق عميلها
عبد العزيز بن محمد بن سعود ضرب الدولة الاسلامية من الداخل،
وكان قد وجد للوهابيين كيان داخل الدولة الاسلامية بزعامة
محمد بن سعود، ثم إبنه عبد العزيز فأمدتهم إنجلترا بالسلاح
والمال، واندفعوا على أساس مذهبي للإستيلاء على البلاد
الاسلامية الخاضعة لسلطان الخلافة، أي رفعوا السيف في
وجه الخليفة، وقاتلوا الجيش الإسلامي جيش أمير المؤمنين
بتحريض من الإنجليز وإمداد منهم. وذلك لأخذ البلاد من
الخليفة وحكمها حسب مذهبهم..).وفي (ص 11) يقول زلوم: وكانت
عمولة آل سعود للإنجليز وولاؤهم لهم أمراً معروفاً لدى
دولة الخلافة ولدى الدول الأخرى كالمانيا وفرنسا وروسيا،
وكان معروفاً أنهم يسيرون من قبل الانجليز، وكان الانجليز
أنفسهم لا يخفون وقوفهم إلى جانب السعوديين دولياً..ولهذا
فإن الدول الأوروبية ولا سيما فرنسا كانت ضد حملة الوهابيين
هذه باعتبارها حملة انجليزية).
من طريف ردود الوهابيين، ما جاء في كتاب الدكتور صالح
العبود بعنوان (عقيدة الشيخ محمد بن عبد الوهاب وأثرها
في العالم الإسلامي، الجزء الأول ص 27)، يبرىء فيه ساحة
الوهابية كون نجد لم تكن خاضعة لسيادة الدولة العثمانية،
(فما امتد إليها سلطانها ولا أتى إليها ولاة عثمانيون
ولا جابت خلال ديارها حامية تركية في الزمان الذي سبق
ظهور دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب..). والصحيح، أن الوهابية
هي من امتد سلطانها الى ولايات الدولة العثمانية من الإحساء
الى بلاد الشام مروراً بالعراق، وكان ذلك انتهاكاً صارخاً
لحق الخلافة العثمانية، وطاعة ولاة الأمر حينذاك. فقد
حرّكت الوهابية أنصارها الغزاة الى هذه المناطق وقتلت
ونهبت ودمّرت دون رعاية لولاية السلطان العثماني عليها،
ولا حرمة لدماء المسلمين المؤتمنين على أرواحهم وأموالهم.
إن تبرير علماء الوهابية مثل ابن عثيمين وابن باز بأن
الشيخ محمد بن عبد الوهاب لم يخرج على دولة الخلافة العثمانية
بحجة واهية مفادها (لم يكن في نجد رئاسة ولا إمارة للأتراك)
وأنه (إنما خرج على أوضاع فاسدة في بلده) فهل كانت مناطق
الإحساء والعراق وبلاد الشام والحجاز تقع في منطقة نجد
أم كانت تحت السيادة العثمانية حينما انطلقت جيوش الوهابية
تعيث الدمار والفساد في هذه المناطق؟!
بل كان تصرّف الوهابيين مع الحجيج الوافدين الى بيت
الله الحرام، وكان الحجاز حينذاك تحت السيادة العثمانية،
يستبطن خروجاً على السلطان العثماني وتمرّداً على النظام
العام، بحجة تصحيح معتقدات الناس، وإرشادهم الى الطريق
السويّ في العبادة الخالصة لله وحده، وكأن الله عزّ وجل
قد فوّض إليهم فعل ذلك، وإن أدى ذلك إلى انتهاك الحرمات،
وسفك الدماء، وإشاعة الفوضى.
أما الدكتور عبد العزيز السعيد رئيس الجمعية العلمية
للسنّة، فقال بأن (المصطلح أطلق بغرض اللبس واللمز من
الدعوة المجددة)، ولا يظنّن أحدٌ قرأ تراث المرحلة التي
برزت فيها الوهابية، وكأنها حركة عصيان إجتماعي، لم توفّر
أحداً من نعوتها الحادة، وأخرجت خلقاً كثيراً من دين الله
تحت عناوين البدعة، والشرك، فجوّزت لنفسها مقاتلة المسلمين
ومصادرة أملاكهم واحتلال أراضيهم، وقد شهد على ذلك ما
فعلوه في الحجاز في تربة الطائف، وفي الديار المقدّسة
من قتل ونهب وهدم، وفعلوا مثل ذلك في العراق وبلاد الشام،
فهل يتوقّع السعيد من الضحايا أن تبارك الدعوة الدموية،
وأن تنظم قصائد المديح، وتتلو آيات الحمد والشكر بظهورها
وقد كان الدمار دليلاً عليها.
الكاتب زين العابدين الركابي، يرى بأن إطلاق مصطلح
(الوهابية) انطلق من أهداف سياسية تقصّدت النظام السياسي
السعودي وقتها، وذاك صحيح لو أن أتباعها كانوا ينبذون
المصطلح، بل كان المؤرخون يستعملونه للتمييز بين أتباع
الشيخ محمد بن عبد الوهاب وأتباع المذاهب الاسلامية الأخرى،
خصوصاً بعد أن امتازت الوهابية بتكفير أغلب المسلمين،
أما إسقاط النظام السياسي السعودي، فلا نعلم ربطاً بين
استعمال مصطلح (الوهابية) وخطة إسقاط النظام السعودي،
ما لم يكن ثمة إسقاط متأخر يجعل هذا الربط ممكناً. نعم،
قد تكون الميول الاستئصالية لدى أنصار الوهابية قد دفعت
كثيرين إما لتمني أو للعمل على زوال النظام السعودي باعتبار
زواله سيؤدي الى نهاية الوهابية، ولكن ذلك لم يكن على
سبيل القصد الأولي، بل القصد الثانوي، وإلا فإن الهدف
النهائي هو زوال الوهابية.
الركابي أضاف الى ما سبق من ردود كلاماً دفاعياً مفتعلاً،
حين اعتبر استعمال مصطلح (الوهابية) خطأ فاحشاً (ناتج
عن الدعاية الكاذبة)، كيف؟ لأن المخالفين (من هم؟!) (وصفوا
الدعوة بخروجها على المذاهب الأربعة)، ألم تكن كتابات
الشيخ محمد بن عبد الوهاب قد كشفت عن ذلك، وما ذكره أبناؤه
من بعده دليل على ذلك، حين قالوا بأن كتب فلان وفلان (في
المذهب الحنبلي) عندنا من أصح الكتب؟ وأن من لم يكن على
طريقة الشيخ محمد بن عبد الوهاب وأبنائه فليس له حظ من
الدين، كما جاء في (كتاب الدرر السنيّة). فلم يكن هناك
من قال زيفاً أو نفخ دعاية كاذبة في شبّاك الوهابية، بل
على العكس من ذلك، فإنه طيلة القرنين الماضيين كانت الوهابية
هي من تشنّ الغارات قولاً وعملاً ضد الآخر، المسلم دائماً،
وهي كانت تشيع أجواء الكراهية الدينية وتشحن النفوس بين
أتباع المذاهب الاسلامية لغرض إشعال الفتن الطائفية، وكان
الجميع يلوذ إما بالصمت رجاء انطفاء الغريزة الطائفية
لدى الوهابية حين لا تجد من يستجيب لجنوحها، بل كانت الوهابية
تحظى بكل فرص الانتشار الكوني، وهذا ما تنبّه الى خطره
حتى الغربيين الذين فتحوا الأبواب للوهابية حين كانوا
يريدونها سلاحاً في وجه الإسلام التنويري والثوري، وأن
ما وصفه الركابي بالحملة على الوهابية إنما جاء بعد هجمات
الحادي عشر من سبتمبر، أي بعد أن وجّهت الوهابية سهامها
لحلفاء الأمس.
الدكتور ناصر التويم، رئيس قسم الثقافة الإسلامية بجامعة
الإمام محمد بن سعود الإسلامية، كان دقيقاً في تحليله
حين اعتبر القصد من استخدام التسمية هو الازدراء. ولكن
حدث ذلك في أزمنة احتدام الصراع الداخلي، أي حين تخوض
الوهابية صراعاً مع المذاهب الاسلامية الأخرى، وتشنّ حملة
تكفير ضدها، حيث تنطلق حملة التوصيم المتبادل فتكون الوهابية
لفظة إزدراء في وعي الآخر.
أما استعمال المستشرقين لمصطلح الوهابية، فلم يكن الغرض
منه الإزدراء، بل كما أسلفنا لوجود سمات وخصائص محددة
تجعل هذا الخط (أي الوهابية) في المجال الإسلامي مستقلاً
بذاته، وهي أعانت على ذلك حين تعاملت مع كل المذاهب والفرق
الإسلامية على أنها منحرفة العقيدة ولابد من تصحيحها،
ولذلك أعلنت تكفير المجتمعات ثم الانفصال عنها، وأخيراً
إعلان الجهاد عليها، فهل بعد ذلك يأتي من يقول أن الوهابية
من صنع الآخر، أم هي صناعة يدوية محلية لقيت دعماً أجنبياً،
إنجليزياً على وجه الخصوص فأصابت خيراً لنفسها وألحقت
بالأمة شروراً لا قبل لها بها.
|