عمالقة النفط يخشون الثورة
نشرت مجلة (فوربس) الأميركية المتخصصة في أنباء الأثرياء
حول العالم، مقالاً في 2 شباط (فبراير) الجاري للكاتب
كريستوفر هيلمان بعنوان (عمالقة النفط يخشون من أن تأتي
الثورة إليهم لاحقاً)، جاء فيه: حين اشترت شركة أباتش
كورب الموجودات المصرية التابعة لشركة بريتيش بتروليوم
في الصيف الماضي بقيمة 650 مليون دولار لم يتوقّع أحد
بأن الانتفاضة ستقع بعد ستة أشهر. اليوم أعلنت شركة أباتش
بأنها كانت تسحب العمال غير الضروريين الى خارج البلاد.
وتنضم أباتش وأمثالها مجموعة بي جي، وستات أويل، وشل،
وترانس أوشين، في إغلاق مكاتبها وتقليص عمليات الحفر.
وفي مصر ليس هناك حتى الآن من انقطاع في التدفق من
آبار النفط والغاز القائمة والتي تنتج 700 ألف برميل يومياً.
الجيش المصري يسيّر عربات مراقبة على طول خطوط الانابيب
البالغة 200 ميلاً، والتي تحمل النفط الخام من البحر الحمر
الى البحر الأبيض المتوسط. لقد أبلغني رجل أعمال شرق أوسطي
بأن موجودات الطاقة في مصر اليوم هي في أيد آمنة بالنظر
الى أن الجيش قد أُطعِم وأُلبِس بالمليارات من الولايات
المتحدة والسعودية خلال الثلاثين سنة الماضية.
ولكن ماذا يحدث حين ينتشر الإحتجاج الى السعودية الغنيّة
بالنفط، وايران، وليبيا، والجزائر؟ مسبقاً، قال الرئيس
اليمني علي عبد الله صالح بأنه لن يترّشح للإنتخابات القادمة.
وقد دعا المعارضون لاحتجاجات في الجزائر في 12 فبراير،
والبحرين في 14 فبراير، وليبيا في 17 فبراير.
ماذا قد يحدث لإمدادات النفط والغاز؟ من المحتمل لا
شيء، على الأقل في المدى القصير. فبعد كل شيء، أن المعارضين
يناضلون من أجل مستقبل أفضل لأنفسهم، ولعوائلهم ولبلدانهم.
فهم يرون ثروة الوقود المستحاثة باعتبارها حقاً تكوينياً،
كونها ثروة وطنية والتي على أساسها يمكن بناء المستقبل.
ولكن أسواق النفط والغاز خائفة بحق. يتذكّر التجّار
حرائق آبار النفط في العراق وتفجيرات الأنابيب من قبل
الثوار النيجيريين والتي تسببت في شطب الصادرات هناك لسنوات.
وأن آخر حركة لأسعار النفط، من 2004 ـ 2008 حدثت حين كان
السوق مشدوداً، مع نمو سريع في الطلب الصيني وأن هناك
مليون برميل يومياً في فائض القدرة المتوفّرة لتوازن الانقطاعات
المحتملة.
وسادة العرض اليوم هي نحو 5 مليون برميل يومياً. ويعتقد
الخبراء بأن هذا القدر من الاحتياطي يعني بأن المستهلكين
في وضع أفضل اليوم لمواجهة أية انقطاعات محتملة. ومع ارتفاع
اسعار النفط الى أكثر بقليل من 10 % منذ بداية الاحتجاجات
في مصر، فإن السوق لا تبدو قلقة كثيراً حول المدى القصير.
ولكن المدى الطويل هو قصة مختلفة. على سبيل المثال،
جاء هوجو شافيز الى السلطة في فنزويلا وأقال أفضل المهندسين
في شركة النفط الفنزولية وجوّع الشركة منذاك من رأس المال
وانتزع حقولاً من الشركات الغربية. انتاج النفط الفنزويلي
لم يتم التعويض عنه بصورة عالية بالرغم من أن احتياطيها
يقدّر بـ 500 مليار برميل. الناتج النفطي الروسي هو الآخر
انهار بعد انهيار الاتحاد السوفياتي.
للسياسة شأن. وعليه من هو في حال الخطر؟ تزوّد كل من
الجزائر وليبيا ما يقرب من 15 % امدادات الغاز الطبيعي
الأوروبي عبر أنابيب في البحر الأبيض المتوسط الى اسبانيا
وإيطاليا. وينتج البلدان 2.8 مليون برميل يومياً. وبالرغم
من أن وزير النفط الليبي شكري غانم قد دعا الى أسعار نفط
مرتفعة باعتبارها في صالح ليبيا، من الجدير بالملاحظة
أن معمر القذافي أمسك بالسلطة 10 سنوات قبل حسني مبارك.
وقد حظرت كل من الجزائر وليبيا بصورة مؤكّدة كل مباريات
كرة القدم، لمنع تحوّل المدرّجات الى منصّات للاحتجاج.
وفي البحرين، أقنع الملك حمد بن عيسى آل خليفة ثمان بلدان
لعقد قمة عربية طارئة لمناقشة الاحتجاجات السياسية. ويبدو
أن الكويت قد أرضت شعبها من خلال منح مرتب نقدي شهري الى
مواطنيها بقيمة 3.500 دولار إلى جانب مواد غذائية مجانية.
وقد علمتُ بأن مواطني أبو ظبي قد وعدوا بسكن ومزرعة. قطر،
أيضاً، التي يقطنها أقل من 300 ألف مواطناً، دعمت المداخيل
من خلال أكبر حقل للغاز في العالم.
ويمكن لحكام البلدان الصغيرة تقديم جزر كاف من أجل
إبقاء شعوبهم بعيداً عن الشارع. السعودية ذات الحجم السكاني
الأكبر قد تكون في وضع خطر قليلاً. وقد سمعت تقارير غير
مؤكّدة بأن أربعة أشخاص على الأٌقل أحرقوا أنفسهم حتى
الموت هناك، على غرار العملية الانتحارية الذي أشعل الثورة
التونسية، وأن عشرات تم اعتقالهم في مظاهرات ضد الحكومة
في جدة بعد السيول التي أودت بحياة أربعة.
الملك عبد الله القلق بمرارة قال في بيان نشرته وكالة
الأنباء السعودية بأن الاحتجاجات في مصر مدفوعة من قبل
مندسّين يهدفون الى زعزعة الامن والتحريض على الفتنة الخبيثة.
وبالرغم من أن السعودية ينظر إليها في الغرب على أنها
بلد غني، يصل عدد سكّانه نحو 25 مليون نسمة، فإن البترودولارات
لم تذهب بعيداً، وأن الفجوة بين الأغنياء والفقراء قد
تكون هائلة، مع بطالة تقدّر على الأقل بـ 15%. وكما في
معظم دول الخليج فمن الناحية العملية فإن كل الاعمال الوضيعة
يقوم بها عمال يتم جلبهم من بنغلادش، وماليزيا، والهند
(ماذا سيحدث حين يتمرّد مواطنو الدرجة الثانية فتلك قصة
أخرى).
|