السعودية: سياسة التهديد والوعيد
د. مضاوي الرشيد
|
د. مضاوي الرشيد |
في تصريح صحافي لوزير الخارجية سعود الفيصل عن الاضطرابات
المحتملة في السعودية نتيجة التغييرات السياسية والحالة
الثورية التي تعم ارجاء الوطن العربي هدد الامير وتوعد
بقطع الاصابع وخاصة اولئك المتهمين بالتلاعب بأمن البلاد
من الخارج. وقبل ذلك بفترة قصيرة هدد عالم من علماء السعودية
وتوعد وطالب بتهشيم جماجم كل من تسول له نفسه بالتظاهر
السلمي للمطالبة بحقوق سياسية لا يعتبرها العلامة سعد
البريك حقوقا مشروعة.
لا بد لنا من وقفة تأمل في هذا الخطاب الذي اصبح معتادا
في المجال السياسي السعودي والذي تدعمه الممارسات السياسية
والمواجهات بين المتظاهرين ورجال الامن الذين يأتمرون
بخطاب العنف الدموي. وان لم نتفاجأ بمنظومة تهشيم الجماجم
المعهودة والمتوقعة من رموز التيار الديني الرسمي السعودي..
الا ان قطع الاصابع تعتبر بادرة ان دلت على شيء فهي تدل
على حالة ذعر وتخبط قد ضربت رمزا من رموز الدبلوماسية
الخارجية السعودية وحالة انحطاط واضحة وصريحة.
لقد انهارت فرص الامل عندما نستمع الى خطابات الاصابع
المبتورة التي تختم دعوات وهمية للحوار خاصة بعد ان افرغ
النظام السعودي الساحة السياسية من مفهوم الحوار وزج بالمصلحين
والناشطين في السجون وان اخرج بعضهم فيجبرهم على التوقيع
على تعهدات تلجمهم وتخرسهم تحت سوط الرقيب. يوما بعد يوم
تبدو القيادة السعودية بشقيها المزعومين الرجعي والتقدمي
كمنظومة منتهية الصلاحية ليس لها من شرعية الى شرعية الاجهزة
البوليسية والامنية والاستخباراتية هذا بالاضافة الى خطاب
تهشيم الجماجم المعهود. فلا مشاريع تربوية ولا حوارات
وطنية ولا امبراطورية اعلامية ولا تنمية وهمية استطاعت
ان تمتص الغضب والتململ من نظام اصبح عبئا على المجتمع
في الجزيرة العربية.. اثقل كاهله واخرجه من مسيرة التاريخ
وزج به في دوامة وازدواجية رهيبة فصمت شخصيته الى شطرين،
وشتتت جهوده في اتجاهات مختلفة وبذرت ثروته الى الابد
وقمعت طموحه وقتلت فيه روح المواجهة، ولكنه اليوم بدأ
باعادة صياغة شخصيته ولم شمله الفكري وتكثيف جهده ليخرج
من دوامة الفرقة والتشرذم تحت شعارات مختلفة ومتباينة
لكن لها وحدة واحدة وهي الاتفاق على التغيير السياسي الآن
وليس غدا.
عنف النظام سيؤدي اولا الى بداية مشروع تقسيم السعودية
الى كانتونات طائفية وقبلية ومناطقية تتناحر وتتقاتل وتدار
معاركها من غرفة عمليات سعودية خاصة ونرجو من جهاز الامن
وعناصره ان لا يكونوا جند التقسيم عندما يطلقون النار
على المتظاهرين والمعتصمين بشكل سلمي صرف. لتصرخ نساؤنا
في وجوههم (وطني لا تقسموه) وليسمع هؤلاء الخطاب الآخر
الذي ينادي بالوحدة الوطنية والدينية في مواجهة اكثر الانظمة
تعسفا ودموية تختبئ تحت قفازات حريرية.
ثانيا: العنف السعودي سيؤدي الى فتح الباب على مصراعيه
امام تدخل خارجي شئنا ام ابينا اما بشكل حظر جوي او مصادرة
او تأمين المرافق النفطية فالسعودية حسب المصادر الغربية
هي بنك العالم النفطي الذي يضخ النفط حسب الطلب وبسرعة
فائقة لتعويض السوق عن اي تناقص في الموارد النفطية. فما
هو موقف النظام عندما تمارس عليه عمليات الحظر الجوي فوق
المنطقة الشرقية او فوق مكة والمدينة ان استفاق اهلها
ونقضوا عنهم حاجز الخوف والتريث. وما هو موقف العالم الاسلامي
عندما يعم الارهاب السعودي مناطق مقدسة؟ لهذا يجب على
نظام القمع ان يفكر اكثر من مرة عندما يطلق العنان لغرائزه
الدموية ويتصدى لشباب مسالم يطالب بأبسط الحقوق المدنية
والسياسية ويكف عن لغة البتر والقطع والتهشيم.
العنف السعودي بشقيه السياسي الذي يوعد المجتمع بقطع
الاصابع والآخر الديني الذي يبشر بتهشيم الجماجم وجهان
لعملة واحدة فقدت قيمتها في سوق الانظمة وان كان الشعب
قد اعتاد على الشق الديني والسياسي الا انه اثبت قدرته
على التصدي والمقاومة في وجه اكبر آلة عسكرية مهمتها الاولى
والاخيرة مواجهة الشعب وليس العدوان الخارجي، ان فشل المقاومة
السلمية في التغيير السياسي سيطلق العنان لتكهنات خطيرة
يكون النظام السعودي اول ضحيتها لذلك يجب ان يقف النظام
وقفة تأمل وتفكير قبل ان تنطلق الشرارة التي ستجر الجزيرة
العربية الى دوامة عنف وتدخل خارجي وتقسيم مخيف وسيكون
هذا النظام وليس الاصوات المنادية بالاصلاح من يحرك دوامة
العنف ويجر البلاد الى مستقبل غامض وخطير. لن يحل عنف
وزير الخارجية او دموية الخطاب الديني معضلة الاصلاح والتغيير
الحقيقي.
عن القدس العربي، 14/3/2011
|