عندما أقاطع الإنتخابات البلدية، أمارس موقفاً إيجابياً
عبدالرحمن الكنهل
السلبية أن أشارك في الجمود، أن أشارك في تجربة جامدة،
لا تحقق سوى نجاح واحد، وهو نجاح مسرحية، والتأكيد على
نجاحها، وبالتالي استمرارها بنفس المستوى.
السلبية أن أؤكد للدولة من خلال مشاركتي أن تجاهل نصف
المجتمع، وترشيح نصف الأعضاء، ومجالس بدون صلاحيات، أمر
أقبل وأساهم في نجاحه، ليستمر بنفس الطريقة والمستوى.
المقاطعة ليست مجرد موقف سلبي، بل موقف إيجابي؛ لأنه
يحمل رسائل ومضامين، لأنه يعبر عن وعيي، عن رفضي لتجاهل
نصف المجتمع، ورفضي لإنتخاب النصف، ورفضي لمجلس مجرد من
الصلاحيات.
اعتبر بعض الأصدقاء أن موقفي من مقاطعة الإنتخابات
البلدية موقف سلبي، ومع تفهمي لنبل وصدق مواقفهم، إلا
أنني أختلف معهم تماماً، فموقفي من وجهة نظري قمة في الإيجابية.
فالسلبيّة هي أن أكون جزء من مشهد في مسرحية تسخر من
حقوقي.. جزء من مسرحية فقط ،لأجل أن تخبر المشاهد الغربي
أن لدينا إنتخابات يقبل عليها المواطن، بينما الحقيقة
أنني أشارك في تجاهل نصف المجتمع، لأجل إنتخاب نصف أعضاء
مجلس مجرد من الصلاحيات. لقد أكدت لي التجربة الأولى أن
وجود هذه المجالس مثل عدمها.
المقاطعة تخبر الجميع أنني كمواطن سعودي أفهم جيداً،
تطلعاتي أكبر من مجرد صوت أبدده في التصويت لمن أدرك جيداً
أنه لن يفعل شيئاً لأجلي ولأجل وطني.
لا أتفق مع من يقول يجب أن أدلي بصوتي لأجل إنتخاب
من أراه أفضل وأكثر وطنية وأمانة، لأنه لا فرق بينه وبين
من أظن أنه أقلّ كفاءة، فكلاهما سوف يصبحان مجرد عضوين
في لجنة حكومية تابعة لأمانة أو بلدية ومجردين من الصلاحيات.
أما الذين يقولون أن عدم المشاركة قد يثبت مقولات أن
الشعب السعودي غير مستعد للإنتخابات وأنها لا تصلح له،
فهذا غير صحيح، بل العكس، فالمقاطعة تثبت مستوى وعي المواطن
وفهمه العميق لماهية المشاركة الشعبية الحقيقية، والأطر
التي يجب أن تكون داخلها، وتبين مستوى تطلعاته وتوقه لمشاركة
شعبية حقيقية وفاعلة.
أما الذين يتحدثون عن التجربة وتطورها، فهذا الكلام
صحيح وفي محله لو أن الإنتخابات لدينا نمارسها كحق كامل
غير منقوص بمشاركة المرأة، وفي مواعيد محددة لا يملك أحد
تعطيلها، ولأعضاء يمثلون الناخبين ويمارسون واجباتهم بإستقلالية
تامة وحماية قانونية وقضائية، عندها يمكننا الحديث عن
تجربة بنجاحاتها وإخفاقتها، بإيجابياتها وسلبياتها، ومراحل
تطورها ونضجها، لأن ثمة مساحة للتجربة والممارسة والتعلم
وتطور المفاهيم.
أما الحالة الحالية فهي ليست سوى تجربة واحدة فقط،
مسرحية إنتخابات لا يتوفر فيها الحد الأدنى من عوامل نجاح
أو تحقيق فاعلية لهذه المجالس، مجرد مجالس صورية، فالمشاركة
تعني نجاح هذه المسرحية وإستمرارها على نفس المنوال، والمقاطعة
تعني رفض هذه الحالة.
أما الذين يقولون أن التجارب هكذا تبدأ، ثم تتطور تدريجياً،
فهذه المقولة تكون في محلها لو أننا نشهد تطوراً وتغيراً
ملموساً، فالمسافة بيينا وبين مختلف شعوب العالم في الممارسات
الديموقراطية والمشاركة الشعبية ومؤسسات المجتمع تتسع
فيها الفجوة بسبب الإستجابة المستمرة في كثير من الدول
العالم نحو مزيد من الديموقراطية، بينما نحن نعاني من
حالة شديدة من الجمود بل والتأخر، فحتى هذه الإنتخابات
عطلت عامين بلا سبب، ولم يوفى فيها وعد بمشاركة المرأة،
ومنذ سبع سنوات تقريباً أقرت هذه الإنتخابات ونظام المجالس
البلدية بهذه الصيغة ولم يحدث فيها أي تطوير، ولا في أي
مجال آخر.
سبع سنوات من أعمار المجتمعات ليست قصيرة، في ظل عالم
تتزايد فيه التحديات.. عالم يتطور بشكل مذهل، ونحن نتقهقر.
لن أشارك في عملية تقهقر وتراجع، ليس هذا ما أريده.
لدي وعي يجب أن يحترم. لدي تطلعات أكبر يجب أن أعبر عنها.
أنا أقاطع، إذن أنا أمارس موقفاً إيجابياً.
أنت تشارك، إذن أنت تمارس حقك الذي يجب أن يحترم.
|