فلتبدأ السعودية بالإصلاح أولاً
عبد الباري عطوان
يتحسس المسؤولون السعوديون كثيرا عندما يتناول الكتاب
العرب بعض القضايا التي تتعلق باوضاعهم الداخلية، وقضايا
الحريات وحقوق الانسان وغياب القضاء العادل المستقل على
وجه الخصوص، بينما لا يتورعون عن الخوض في قضايا الآخرين
الخارجية والداخلية على حد سواء، ولا يرون اي تجاوز او
خروج عن المألوف في هذا الصدد.
الصحافة السعودية، والزملاء الكتاب فيها، يسطرون المقالات
حول الاوضاع في سورية، وفساد بعض اركان نظامها، ولا ينسون
التعريج على غياب حقوق الانسان واستفحال القمع، والتعليق
على احداث ليبيا وديكتاتورية نظام القذافي، وانتقاد السلطة
الفلسطينية، والغمز في قناة حركة (حماس)، واحيانا شن هجمات
على الطرفين، وهذا امر مشروع ونرحب به، حتى لو كان هذا
الخيار الانتقادي انتقائيا، فمن واجب الصحافة والصحافيين
التصدي لكل انتهاك لحقوق الانسان او قمع للحريات، والانتصار
للديمقراطية والحكم الرشيد.
فالانطباع السائد، او الذي يريد البعض تكريسه، ان الاعلام
السعودي بكل اشكاله والوانه ووسائله هو الاعلام العربي
الوحيد الحميد والمهني، اما ما عداه فهو مناقض لذلك كليا،
وتتحمل انظمة عربية قمعية يسارية المسؤولية الكبرى في
هذا الصدد، لانها سكتت اولا عن هذه الظاهرة، وساهمت بذلك
في تكريسها، ولانها لم تقدم البديل المهني الآخر الذي
يستطيع المنافسة بطرق حضارية، بعيدا عن الصراخ الايديولوجي
الفج، وافساح الحد الادنى للرأي الآخر، سواء في القضايا
المحلية او العربية.
صحيح ان الاعلام السعودي، والخارجي منه على وجه الخصوص،
يتجنب الخوض في القضايا الداخلية التي تتناول مواضيع حساسة
مثل الفساد، واضطهاد الرأي الآخر، وغياب الديمقراطية الحقة،
وان فعل فباستحياء شديد، ولكن الصحيح ايضا انه نجح بامتياز
يحسب له في التغطية على هذا النقص الواضح والكبير من خلال
تناول القضايا العربية بطريقة ذكية، وتقديم اعلام (قومي)
يتجاوز الاعلام المحلي، من خلال استضافة خيرة الاقلام
والكفاءات العربية، واعطاء مساحة للرأي الآخر.
بمعنى آخر، يمكن القول ان الرأي الآخر مطلوب في القضايا
العربية، ومحظور تماما في معظم القضايا المحلية الحساسة.
ثم ان هناك تمييزا واضحا في القضايا العربية، فهناك قضايا
مسكوت عنها في دول مجلس التعاون الخليجي، وعلى رأسها،
قضية الانتفاضة في البحرين على سبيل المثال، وقضايا اخرى
مشاعة مثل الانتفاضة الشعبية الديمقراطية في بلاد مثل
مصر وسورية وليبيا وربما اليمن ايضا.
* * *
يوم الاثنين الماضي 11/7/2011، دعا مجلس الوزراء السعودي
جميع الدول العربية التي تعيش ثورات داخلية الى وقف اراقة
الدماء والقيام باصلاحات جادة تكفل حقوق الانسان العربي،
وقال وزير الاعلام السعودي عبدالعزيز خوجة في ختام اجتماع
مجلس الوزراء، (ان المملكة تدعو الجميع الى تغليب صوت
الحكمة والعقل ووقف اراقة الدماء واللجوء الى الاصلاحات
الجادة التي تكفل حقوق وكرامة الانسان العربي، وتحقق الاستقرار
والحفاظ على وحدة واستقلال الاوطان العربية).
هذا البيان يأتي بعد دعوة مماثلة اصدرها الامير سعود
الفيصل وزير الخارجية السعودي، لمح فيها الى سورية دون
ان يذكرها بالاسم، بينما ذهب شقيقه تركي الفيصل، الذي
لا يشغل اي منصب حاليا، منذ تركه منصبه الاخير كسفير لبلاده
في واشنطن، وقبلها رئيس لجهاز الاستخبارات العامة، ذهب
الى ما هو ابعد من ذلك عندما وصف في حديث لمحطة الـ (بي
بي سي) التلفزيونية العربية، بان ما حدث في مصر ليس ثورة،
واشاد بالرئيس المخلوع مبارك كحليف قوي، واكد ان السعودية
لا تتخلى عن حلفائها، ونفى وجود شيء اسمه (ربيع عربي).
لا نجادل في حق مجلس الوزراء السعودي في تقديم النصائح
للدول الاخرى بالحكمة والتعقل، والقيام بالاصلاحات الجادة،
فهذا سعي يشكر عليه، ويقدر له، كما اننا لا نعترض مطلقا
على تدخل امراء او كتاب سعوديين في شؤون داخلية او خارجية
لدول عربية اخرى، ولكن ما نتمناه ان تبدأ السعودية في
تطبيق الاصلاحات الجادة التي تبشر بها في داخل المملكة
نفسها، وتقدم لنا القدوة والنموذج في هذا الصدد.
فالسعودية بحاجة الى اصلاحات جذرية وليست جادة فقط،
في مختلف الميادين، من حيث انتخاب مجلس شورى بصلاحيات
كاملة، وفي انتخابات تشارك فيها المرأة جنباً الى جنب
مع الرجال كمرشحة وناخبة، ووضع دستور عصري ينظم شؤون الحكم
ويحدد واجبات المواطن قبل حقوقه، ويشدد بشكل صريح على
ملكية دستورية واضحة المعالم، ويؤسس لقيام القضاء العادل
المستقل، وتحقيق الشفافية.
نعترف بأن الامن السعودي لا يطلق النار ويقتل المئات
او الآلاف مثلما حصل في مصر وسورية وتونس وليبيا التي
شهدت انتفاضات شعبية عارمة للمطالبة بالتغيير الديمقراطي،
والسبب ان هذا الامن لم يختبر بعد، وربما لو نزل الشباب
السعودي بالآلاف الى الشوارع على غرار نظرائه في الدول
الاخرى لتصرف هذا الأمن بالطريقة نفسها للحفاظ على العرش،
تحت عنوان الحفاظ على الاستقرار ومواجهة الجماعات الارهابية
المسلحة.
* * *
السلطات السعودية التي يدخل خزينتها سنوياً اكثر من
350 مليار دولار كعوائد نفطية، تستطيع ان تمتص الصدمات
الشعبية، وتشتري صمت الشباب العاطل الغاضب من خلال رصد
مئة مليار دولار لزيادة الرواتب، وتقديم اعانات بطالة،
وبناء مئات الآلاف من الوحدات السكنية، والغاء اقساط ديون
لمواطنين فقراء، وهذه خطوات جيدة نقدرها، ولكن هذا لا
يعني ان الخطر قد زال، فالشعب السعودي، مثل كل الشعوب
العربية الاخرى يريد الاصلاحات السياسية الجادة التي طالب
مجلس الوزراء السعودي الدول الاخرى بتطبيقها فوراً دون
تلكؤ.
صدمتنا كانت كبيرة عندما قرأنا احصاءات رسمية تقول
ان اكثر من مليوني شاب سعودي تقدموا بطلب اعانات بطالة
من المراكز التي خصصتها الدولة، وهي اعانة في حدود 500
دولار شهرياً. وتدفع للمرة الاولى في تاريخ المملكة، الرقم
ضخم بكل المقاييس، اي عدد العاطلين وليس حجم الاعانة ويوازي
اكثر من عشرة في المئة من مجموع السكان، واذا اضفنا الفتيات
العاطلات والمحرومات من الكثير من الوظائف فان هذا الرقم
يتضاعف عدة مرات.
نشدد على حرصنا على امن واستقرار ووحدة اراضي جميع
الدول العربية دون اي استثناء بما في ذلك المملكة، ونؤكد
ان بعض الانتكاسات التي تتعرض لها بعض الثورات العربية
الديمقراطية في الوقت الراهن هي من الامور الطبيعية والمتوقعة
في ظل حكومات ديكتاتورية جثمت على صدر الشعوب لعقود، فالثورات
لا تعطي ثمارها جميعاً بين يوم وليلة، وهناك قوى عديدة
تريد اجهاضها وحرفها عن اهدافها، ولكن الامر المؤكد ان
عصر الاضطهاد والقمع واذلال المواطن والمس بكرامته الوطنية
والشخصية قد بدأت حجارته في التساقط الواحدة تلو الاخرى.
هناك خطوات عديدة للاصلاح الجاد يعرفها الجميع ولا
نريد سردها، ولكننا نضيف اليها خطوة اخرى نرى انها ضرورية
ايضا وهي ان يتواضع اشقاؤنا المسؤولون السعوديون في التعاطي
معنا، نحن الذين لا نملك العوائد النفطية الهائلة، والاعلام
الباذخ، وان يكفوا عن القاء المحاضرات والمواعظ علينا
من عليائهم.
اخيراً نسأل وبكل براءة: لماذا يعتبرون كل من ينتقد
السعودية ويطالب بالاصلاح فيها جنباً الى جنب مع الدول
الاخرى معادياً لها وللخليج من بعدها، بينما لا ينطبق
الاعتبار نفسه عليهم ومسؤوليهم اذا انتقدوا سورية ومصر
والعراق ولبنان واليمن والسودان وباقي منظومة الفقر المالي
والاعلامي العربية الاخرى؟
عن: صحيفة القدس العربي 15/07/2011
|