هل تخون الولايات المتحدة المملكة؟
مي يماني
عندما نتحدث عن ملك السعودية عبد الله فإن المقولة
القديمة “وحيد من يضع التاج على رأسه” تكتسب حرفياً معنى
جديدا. فهو لم يشهد حليفيه الإقليميين المقربين، الرئيسين
المصري حسني مبارك واليمني على عبد الله صالح، وقد أطيح
بهما فحسب، بل إن رفاقه من أصحاب الرؤوس المتوجة في البحرين
والمغرب والأردن شعروا أيضاً بعروشهم وقد زلزلت تحت دوي
الاحتجاجات الشعبية.
والآن تستعد الولايات المتحدة التي وفرت الحماية للملكة
لفترة طويلة، والتي خذلت عبد الله عندما احتضنت الربيع
العربي (على مضض)، تستعد لسحب قواتها من العراق المجاور.
ويتساءل عبد الله، من سيمنع الذئب الإيراني الآن من اقتحام
أبواب المملكة.
فمن المفترض وفقاً لاتفاق أمني تم التوصل إليه مع حكومة
العراق أن تسحب الولايات المتحدة قواتها بحلول نهاية هذا
العام. وتشعر السعودية، فضلاً عن جيرانها من بلدان الخليج
التي يحكمها السُنّة، بالقلق الشديد خشية ألا تترك الولايات
المتحدة بعض قواتها في العراق للمساعدة في منع إيران من
الاعتداء عليها. والواقع أن حكومة الولايات المتحدة لا
تحتاج لمن يقنعها بهذا، ولكن الشعب الأميركي ـ والعراقيين
العاديين ـ يريد أن يعيد القوات إلى الوطن. ولا يريد أي
فصيل سياسي عراقي أن يتحمل اللوم عن إطالة أمد الاحتلال،
ولكن أغلب الساسة العراقيين، باستثناء حركة مقتدى الصدر،
لن يترددوا في الموافقة على تمديد بقاء الوجود العسكري
الأميركي لخمس سنوات أخرى.
وعلى الرغم من اشتراك الولايات المتحدة وممالك الخليج
في الخوف من إيران، فإن الكثير فيما يتصل بالعراق والمنطقة
غير هذا الخوف أصبح محل خلاف الآن. فالسعودية لا تزال
رافضة لفكرة العراق الديمقراطي تحت حكم الأغلبية الشيعية.
والشيعة الذين تعتبرهم المؤسسة الوهابية في المملكة مرتَدّين
يُنظَر إليهم بوصفهم تهديداً لشرعية الدولة السعودية ووجودها،
ليس فقط بسبب قوة إيران، بل وأيضاً بسبب القطاع الضخم
في المملكة من السكان الشيعة، والذي يتركز حول حقول النفط
في البلاد.
منذ سقوط صدّام حسين، ظلت الولايات المتحدة تحث السعودية
على الاستثمار سياسياً واقتصادياً في العراق. ولكن ما
حدث بدلاً من ذلك هو أن السلطات السعودية تعاملت مع زعماء
العراق بازدراء وتغاضت عن الفتاوى الوهابية التي حرضت
المتطوعين الجهاديين على القتال ضد الشيعة “المرتدّين”.
وبمجافاة العراق الذي يهيمن عليه الشيعة، لم يعد للغالبية
السُنّية في السعودية والأردن ودول الخليج أي نفوذ تقريباً
في بغداد، وبالتالي أصبح المجال مفتوحاً أمام إيران.
إن المخاوف السعودية بشأن العراق تحركها مخاوف أمنية.
فعلى الرغم من الحرب الأهلية الدامية التي أعقبت الإطاحة
بصدّام حسين، لا يزال العراق يعتقد أنه لديه حق في الزعامة
الإقليمية. ولكن الممالك في المنطقة استبعدت العراق من
مجلس التعاون الخليجي. أما السعودية، التي تخشى أن يتسبب
أي دور للعراق في تحديد مصير الأمن الإقليمي في تضاؤل
الهيمنة السعودية على الصعيدين السياسي والعسكري بين دول
الخليج، فلم تفتح سفارة لها في بغداد حتى الآن.
وتخشى السعودية أيضاً أن يستعيد العراق حصته النسبية
في إنتاج النفط داخل منظمة الدول المصدرة للبترول (أوبك)،
والتي لم يتمكن العراق من تلبيتها بسبب الأوضاع الأمنية
السيئة والقيود التي تفرضها البنية الأساسية المتضررة.
كما يخشى السعوديون أن يؤدي ارتفاع أسعار النفط إلى إنعاش
اقتصاد العراق، واقتصاد إيران، فيتعزز بالتالي نفوذهم
في المنطقة. وهذا يفسر حرص المملكة على زيادة إنتاجها
من النفط، وهو ما من شأنه أن يضعف الاقتصادات المنافسة
لها (ويسُر الغرب).
لذا فإن حكام السعودية والخليج السُنّة يريدون أن تبقى
القوات العسكرية الأميركية جزئياً في العراق بهدف تحجيمه.
بل إن الكويت ترفض إعفاء العراق من الديون المستحقة عليه
منذ عهد صدّام، وتقوم الآن ببناء ميناء في منطقة مبارك
الكبير، وهو ما ينظر إليه العراقيون باعتباره محاولة صريحة
لخنق العراق الذي يعاني بالفعل من قدرته المحدودة على
الوصول إلى الخليج. كما ردت البحرين على الانتقادات العراقية
للقمع السياسي الذي تمارسه بوقف رحلات شركة الطيران الوطنية
في البحرين إلى بغداد وبيروت وطهران، التي يرى حكام البحرين
أنها مسكونة بشياطين الشيعة.
والواقع أن غالبية العراقيين يشعرون باستياء عميق إزاء
السعودية ـ ولأسباب وجيهة. فقد كان الجهاديون السعوديون
في قلب الفوضى التي راح ضحيتها مئات الآلاف في السنوات
التي أعقبت الغزو الذي قادته الولايات المتحدة للعراق
في عام 2003. حتى أن السعودية تنفق المليارات من الدولارات
من أجل بناء جدار أمني على طول الحدود السعودية الشاسعة
مع العراق، في محاولة لاحتواء العنف الذي كان العراق يصدره
إليها.
بيد أن الدرع الواقية الحقيقية التي تحمي حكام الخليج
تتلخص في تواجد القوات الأميركية في العراق، لأن المخططين
الاستراتيجيين التقليديين في المملكة فشلوا في إدراك حقيقة
مفادها أن الامتناع عن التعامل مع العراق في مرحلة ما
بعد صدّام من شأنه أن يترك المجال مفتوحاً أمام إيران.
ولكن الحلم السعودي المتمثل في إعادة الزمن إلى الوراء
وتمكين أقلية سُنّية من حكم العراق يجعل الدبلوماسية الواقعية
في حكم المستحيل.
وعلى الرغم من هذا الفشل فإن دول المنطقة التي يهيمن
عليها السُنّة لا تزال مصرة على التعامل مع العراق بكل
جفاء. والواقع أن العراق حاول الاضطلاع بدور سياسي داخل
العالم العربي من خلال المشاركة في القمم العربية، ولكن
عندما جاء دوره للقيام بدور المضيف تأجلت القمة لمدة عام،
ويرجع هذا جزئياً إلى الربيع العربي، ولكنه راجع أيضاً
إلى رفض بعد دول الخليج المشاركة في اجتماع يقعد في بغداد.
من منظور السعودية، يعني خروج الجيش الأميركي من العراق
تسليم البلد بالكامل لإيران. ولعل السعوديين على حق: ذلك
أن رحيل القوات الأميركية سوف يمثل انتصاراً ساحقاً لإيران،
التي ليس لها وجود عسكري في العراق حتى الآن، ولكنها رغم
ذلك اللاعب الأقوى هناك. ولا قِبَل لأي دولة أخرى تحالفت
مع الولايات المتحدة، ولا حتى تركيا، بمعادلة النفوذ الإيراني
في العراق.
إن الانسحاب العسكري من العراق سيكون حقاً بمثابة الهدية
لإيران. ولكن هذا يرجع بالكامل إلى حقيقة مفادها أن السعوديين
تصرفوا منذ عام 2003 وكأنهم يخشون الشيعة في العراق ـ
وفي السعودية ـ أكثر من خشيتهم من النظام الإيراني.
|