رحل القذافي.. ولكن مصادر التهديد باقية
آل سعود في زمن الأسوأ
كتبت محررة مجلة (بروسبكت) برونوين مادوكس في جريدة
(التايمز) اللندنية في 27 تشرين الأول (أكتوبر) الماضي
بأنه في حمى ربيع العرب، فإن عدم استقرار السعودية يتعاظم
كما يتعاظم سباق تسلّح وشيك مع إيران.
إن عملية الدفن السري لجثمان العقيد معمر القذافي،
والتي برزت كواحدة من النقاط المناخية في ربيع العرب،
لم تكن المراسيم الأكثر أهمية في ذلك اليوم. بل الأهم
من ذلك كله كان جنازة ولي العهد السعودي الأمير سلطان.
وحيث أن الآلاف إحتشدوا في مسجد تركي بن عبد الله بالرياض،
مصطّفين لتقديم التعازي الى الملك عبد الله (الذي كان
يتعافى من عملية جراحية، وبقي جالساً ومرتدياً قناعاً
طبياً)، كانت تلك لوحة عن نظام في أزمة.
حقاً، فحتى عقدين من الزمن على الأقل، كان السفراء
الى السعودية يملئون التقارير بأن الحقبة الطويلة من الإستقرار
التي تعيشها المملكة تقترب من نهايتها وأن على الغرب أن
يوطّد نفسه على الإنفجار. هذه الشكاوى بقيت حتى الآن خاطئة.
وأن الملك عبد الله كما يتوقّع على نطاق واسع، بإسم الإستقرار،
سيعيّن خليفته الفاعل وزير الداخلية الأمير نايف، المعروف
بكونه محافظاً وتسلّطياً.
ولكن الإستقرار أبعد ما يكون من السهولة تحقيقه. فالوراثة
نفسها موضع نزاع داخل أجنحة العائلة المالكة التي يصل
تعداد أفرادها 22,000 أميراً وأميرة. وأن قوّتهم تخضع
تحت التهديد من تحديّات داخلية عدّة. فهناك الأقلية الشيعية
الساخطة القلقة (نحو 15 بالمئة من التعداد السكاني، أو
3.5 مليون نسمة)، والحركة النسوّية الجنينية التي لا يمكن
إستبعادها أو تجاهلها. الأخطر من ذلك كله، على كل حال،
أن هناك ملايين السعوديين ـ كثير منهم من الشباب العاطلين
عن العمل ـ الذين أمضوا الشهور الستة الماضية في مراقبة
الإنتفاضات العربية على القنوات الفضائية، ويتساءلون ما
إذا ستكون بلادهم القادمة.
ثم يأتي ضمنياً التهديد الأشد زعزعة للإستقرار، ذلك
الذي ياتي من تقدّم إيران باتجاه بناء أسلحة نووية واحتمال
قيام إسرائيل بشن حملات جويّة لوقف التقدم ذاك. لا تشعر
السعودية بقلق على التجارة مع الصين، ولا أزمة اليورو،
فقد يُنظر إليها على أنها مجرد كماليات السياسة الخارجية
بالمقارنة مع تهديد العطالة بين السعودية وايران. إنها
تتشكل لتكون المشكلة الدولية الأشد صعوبة والتي تواجه
بريطانيا والولايات المتحدة، وقد تكون الأزمة الأولى التي
تواجه الرئيس أوباما أو خلفه بعد الإنتخابات الرئاسية
في العام المقبل.
خلافة الملك عبد الله كانت الشغل الشاغل لسنوات، ليس
فحسب في السعودية. فالأمير نايف، كسب سمعة بوصفه متشدّداً
خلال فترته كوزير للداخلية، حينذاك لم يكن مرتاحاً حتى
مع حركة التحرير المحدودة التي وضعها الملك عبد الله على
السكّة. في مواجهة الإيحاءات السلبية حول نايف، فإن مسؤولين
أميركيين ـ يدعمون بصورة واسعة صعوده ـ ويقولون بصورة
خاصة دون مبرر واضح، بأنّه سوف يحكم البلاد كبراغماتي.
ولكن سمعته وغرائزه السابقة لا تجعل منه يبدو المرشّح
الأفضل لإدارة المشاكل الاجتماعية المتعاظمة في السعودية
في حمى الربيع العربي. لقد تضاعف عدد السكان ثلاث مرات
خلال الـ 34 سنة الماضية، وحتى الثروة النفطية فشلت في
الحفاظ على مستويات المعيشة للجميع. وبالرغم من جهود الملك
عبد الله، فإن الإقتصاد قد بدأ للتو بالتنوّع من النفط
والغاز؟ وحيث أن الكثير منها يفتقر الى ثقافة عمل متطوّرة،
فإن الكثير من الوظائف يتم تنجيزها بواسطة عمّال أجانب
مؤقّتين.
البطالة بلغت 11 بالمئة، ولكن هي أعلى بكثير بالنسبة
للشباب، وأن المملكة بدأت بدفع معونات لأول مرة ـ الاستعمال
المباشر للثروة النفطية لشراء السلم. أصبح للحركة النسائية
صوت مرتفع بدرجة كبيرة ولن تكون راضية من خلال الحق الممنوح
لها مؤخراً بالتصويت في الإنتخابات البلدية عديمة الجدوى
تقريباً.
الأهم من ذلك كله، أن الأقليّة الشيعية، والتي تقطن
في المنطقة الشرقية الغنيّة بالنفط، راقبت بغضب القمع
المدعوم سعودياً للإنتفاضة من قبل السكان الشيعة، الأغلبية
في البحرين. وهذه الضغوطات كانت تتنامى لسنوات، ولكن التنافس
السعودي مع إيران الشيعية تستدعي بعداً جديداً للمشكلة.
إن تقرير الوكالة الدولية للطاقة النووية (كاتبة المقابلة
تحدّثت عن صدوره في نوفمبر)، يفيد بأن إيران تعمل على
“تسليح” مواد نووية. إنه ضريبة تدخّل مفتشي الوكالة، وكذلك
مبرر لجولة رابعة من العقوبات الدولية وفايروس ستكسنت،
حيث لم تحصل إيران حتى الآن على واحد منها.
السعودية، وهي تراقب العطالة، أوضحت بأن ايران اذا
حصلت على السلاح النووي، فإنها تريد هي الأخرى ذلك. لا
غرابة من أين سيأتي ذلك: باكستان. السعودية موّلت باكستان
لفترة طويلة، وإذا ما طلبت تعويضاً بالحصول على المعرفة
النووية مقابل ما قدّمته من مساعدات، فمن الصعب أن ترى
اسلام أباد ترفض طلب السعودية.
وحيث لا تزال بريطانيا والولايات المتحدة تمتلكان نفوذاً،
فيجب عليهما التركيز على ثني السعودية عن الحصول على تكنولوجيا
الأسلحة النووية وعلى باكستان من تزويدها بذلك. وهذا يتطلب
أن يكون أولوية لدى أنظمة عربية جديدة في المنطقة أيضاً.
إن الربيع العربي قد حقن الأمل والإحساس بالتغيير في
البلدان التي جمدت فيها الحكومات لأجيال. ولكن الظل عليها
كان مظهر السعودية، بالنظر الى سجّلها في رد الفعل دائماً
بصورة ضئيلة، ومتأخرة جداً للضغط من أجل التغيير.
ربما، عبر القمع، تستطيع العائلة المالكة مواصلة وقف
تلك القوى لسنوات. ولكن الصدام مع ايران هو سبب جديد للتفكير
بأن الاستقرار قد لا يدوم.
|