الإتحاد ضدكم، الوحدة عليكم
حول دعوة الملك عبدالله للوحدة الخليجية
إيمان القويفلي
في عام 2002م، خلال احتفالات البحرين بإعلانها مملكةً
وبدء العمل بموجب ميثاق العمل الوطني؛ انتشرت رسالة نصيَّة
ساخرة تتنبأ بمستقبل الإمارات والممالك الخليجية لعام
2102، إذ كانت الرسالة في جزء منها تشير ساخرة إلى ديمومة
الشخوص على الكراسي رغم مرور قرن كامل، إذ إنها كانت تغمز
في الوقت ذاته من قناة العِشق الخليجي الطاغي للإعلان
عن الإنجازات الأسطورية التي تعقبها الاحتفالات الوطنية
على طريقة الأفراح والليالي الملاح، في حين أن الإنجاز
ليس أكثر من عنوان يعتلي الفراغ الخاوي.
وكان سطر من الرسالة النصية يقول: “في الذكرى المائة
لإعلان تحولها إلى مملكة؛ البحرين تعلن تحوّلها إلى إمبراطورية”!
مُصغية إلى فكرة تحول دول مجلس التعاون الخليجي إلى”الاتحاد”،
لم أستطع أن أسمع الفكرة إلا بوصفها سطرا ساخرا، كجزء
من النكتة القديمة:
“في الذكرى الثلاثين لإعلان مجلس التعاون، دول الخليج
تعلن تحولها إلى اتحاد”!
وعلى الرغم من أن الجوقة الحكومية انتشرت تهلل لدعوة
الوحدة الخليجية على كل المنابر، بدءًا من منبر الحرم
المكي وحتى تويتر، في محاولة لا تهدف إلى الدعاية للفكرة
أو الإقناع بها، فهذا أمر مستحيل، ولكن على الأقل في محاولة
لإضفاء شيء من الجدية على الفكرة المثيرة للسخرية التي
لم تُثِر حتى نقاشًا خليجيًّا حقيقيًّا، بوصفها مشروعًا
للتكامل الاقتصادي والتنموي، والسبب واضح ويعرفه الجميع
-وترفض الاعتراف به القيادات الخليجية- وهو فشل دول مجلس
التعاون الخليجي في متابعة اتفاقيات وقرارات أصغر وأبسط
وأقل طموحًا بكثير من قرار الوحدة الأسطوري علاوة على
إنجازها.
وبمراجعة سريعة لقائمة بعض القرارات الخليجية خلال
العقد الماضي ومصيرها تكفي للبرهنة على ذلك. قرار الاتحاد
الجمركي الذي اتّخذ في 2001م على أن يدخل حيّز التنفيذ
في 2003م، لكن الفترة الانتقالية مُددت إلى 2004م، ثم
إلى 2007م، وآخر إعلانات الأمين العام للمجلس يقول بتمديد
الفترة الانتقالية إلى 2015م. العُملة الخليجية الموحدة
كان “قادة دول مجلس التعاون” قد اتخذوا قرار التعامل بها
في عام 2012م -الذي يبدأ بعد غد!- لكن تصريحات مسؤولي
الجامعة بعد القمة الأخيرة قالت بتأجيل المشروع “إلى أجلٍ
غير مُسمى”.
أما المشروع الخليجي العظيم ذو الأبعاد السريالية الداعي
إلى تحول دول مجلس التعاون إلى تجمّع للممالك والإمارات
العربية من خلال قرار ضمّ الأردن والمغرب إلى المجلس أوائل
هذا العام، فقد اعتلت سُحنة بيان القمة الخليجية الأخيرة
حُمرة الخجل بعد أن “…. أتت الفـكْرَة”، وحاول أن يلملم
آثار الإعلان -الفضيحة- بتحويل المشروع إلى دعم ملياري
للأردن والمغرب بهدف التعاون وصولا إلى الشراكة المنشودة،
دون إشارة أو ذكر لموضوع “الانضمام”.
الحقيقة أنه من الطريف أن يهلل أحد لمشروع الوحدة الخليجية
الذي أعلن في القمة الخليجية ذاتها التي شهدت فصلًا جديدًا
من تأجيل قضايا الاتحاد الجمركي، والعملة الموحدة، وانضمام
الأردن والمغرب. لهذه الأسباب -وهناك الكثير منها ومثلها-
لا يمكن حمل مشاريع مجلس التعاون الخليجي بجدية تزيد عن
الجدية التي تُشاهد بها العوالم الخيالية المدهشة في إعلانات
شركة “زين” للاتصالات، أو عوالم “شارع السمسم” التي لا
علاقة لها بغبار الشارع الخليجي الحقيقي.
الحقيقة أنه من الطريف أن يهلل أحد لمشروع الوحدة الخليجية
الذي أعلن في القمة الخليجية ذاتها التي شهدت فصلًا جديدًا
من تأجيل قضايا الاتحاد الجمركي، والعملة الموحدة، وانضمام
الأردن والمغرب. لهذه الأسباب -وهناك الكثير منها ومثلها-
لا يمكن حمل مشاريع مجلس التعاون الخليجي بجدية تزيد عن
الجدية التي تُشاهد بها العوالم الخيالية المدهشة في إعلانات
شركة “زين” للاتصالات، أو عوالم “شارع السمسم” التي لا
علاقة لها بغبار الشارع الخليجي الحقيقي.
وإذا كانت الوقائع كفيلة بإسقاط أيّ جدية عن الأهداف
الاقتصادية كما ورد أعلاه؛ فإن الوقائع أيضا كفيلة بتحديد
طبيعة الهدف الأمني المنشود من الوحدة الخليجية، وليس
من قبيل الصدفة أن تأتي فكرة الوحدة الخليجية لأسباب أمنية
في هذا العام بالذات، 2011م، فهو العام الذي شهد تغوّل
الدولة البوليسية في جميع دول الخليج تقريبا، ففي الكويت
لوحق المغردون واعتقل المتظاهرون، وفي البحرين قُمِعَ
الحراك الشعبي ودخلت البلاد في مكارثية محليّة مُريعة،
وفي السعودية اعتُقل نُشطاء حقوق الإنسان وأفراد من عائلات
السجناء، والنساء والأطفال، وتوالدت الأنظمة التي تزيد
من قيود التعبير والحركة. وفي الإمارات سُجن النشطاء وسُحبت
من آخرين جنسياتهم الوطنية، وفي عُمان قُمعت المظاهرات
التي تحركت أول العام، ولا يمكن عزو الهدوء على الجبهة
القَطـرية حتى الآن إلا لكون المواطنين القطريين لم يُلامسوا
بعد سقف احتمال القيادة القطرية، السقف المنخفض الذي يظلل
الخليج بأسره. وعبر الدويلات ككل تورمت الطائفية والعنصرية،
وبثّت الأنظمة دعايتها التي تصوّر الإصلاح السياسي بوصفه
مطلبا طائفيا أو عنصريا، وتوّج المشهد بتحوّل قوات درع
الجزيرة التي يُفترض أنها قوات خليجية مُشتركة لحماية
الخليج من الاعتداء الخارجي؛ إلى وسيلة رمزية للتأكيد
على تضامن الأنظمة الخليجية الحاكمة ضد الحراك الشعبي
الداخلي ومطالب الإصلاح السياسي.
الوقائع تؤكد أن مجلس التعاون جادٌّ جدَّا في أهدافه
الأمنية، وأن القيادات حازمة وعَمَلية وديناميكية عندما
يتعلق الأمر بالموضوع الأمني، لكن أمن مَنْ؟ الأمن مِن
ماذا؟ الوقائع تقول: أمن الأنظمة. الأمن مِن التغيير السياسي.
الاتحاد الأميري والملكي ضد ما هو شعبي. الاتحاد ضدّكم،
الوحدة عليكم.
لا يمكن والحال هذه الحديث عن الوجه الجميل للوحدة
الخليجية والضرورات الاستراتيجية الداعية لها، فهو حديث
-كقرار الوحدة ذاته- لا علاقة له بالواقع، أو على الأقل
بالمواقف العملية للأنظمة الخليجية. التهليل للوحدة عندما
لا يكون جزءًا من البروباغاندا الخليجية الحكومية؛ فهو
ليس أكثر من حديث رومانسي مثل كثير من الرومانسيات الخليجية
السياسية التي تخفي في طيها حمولات مؤذية من المشاريع
الفاشلة، والتضاد البيني، والتغوّل البوليسي.
إنها رومانسية لا يمكن التسامح معها بعد، أو أخذها
بغير المبالاة، أو الأسباب التخفيفية.
ويمكن القول، أن اتخاذ موقف ضد الوحدة الخليجية اليوم،
هو موقف في جوهره، ضد القمع الأمني.
عن موقع (المقال)، 30/12/2011
|