الملك حمد لشعب البحرين: أنا.. أو الرياض!
عباس بوصفوان ـ عن مرآة البحرين
ذهب الملك البحريني إلى الرياض يوم الأربعاء الماضي
(8 فبراير 2012)، ليحضر مهرجان الجنادرية للثقافة والتراث
السعودي، بمعية الملك عبدالله آل سعود، فيما يبدو مثيرا
للأسئلة أن الملك حمد لم يحضر في بلده البحرين احتفالية
(تاريخية) شبيهة، بل وأهم، باعتبارها ذات بعد اقليمي،
وأعني بها افتتاح فعاليات المنامة عاصمة للثقافة العربية،
التي دشنت قبل نحو أسبوع من انطلاق مهرجان الجنادرية.
ربما يكون السبب أمنيا، إذ تزامن الافتتاح مع تظاهرة
مطلبية، قادها داعية حقوق الانسان والديمقراطية في العالم
العربي نبيل رجب، في قلب المنامة، على بعد أمتار من موقع
الاحتفال الرسمي (المبهر)، على طريقة وزيرة الثقافة الشيخة
مي آل خليفة، حيث الميزانية (مب مشكلة)، وحيث المزاج البحريني
لا يشكل هاجسا، بقدر الأبهة والفخامة.
لكني لا أظن أن السبب أمني، لسبب بسيط أن الحراك البحريني
مسالم، فيما حضر الاحتفال ولي العهد الشيخ سلمان بثوب
أزرق غامق مميز، يتناسب والاحتفالية المبالغ فيها، التي
أريد لها أن تكون دليلا على أن الوضع الأمني (مستتب)،
وأن (ليس عقدة) تمنع تنقل القادة السياسيين، وهذا لا يمنع
من القول بأن هيبة الدولة في باتت في الوحل، بفعل التظاهرات
المستمرة منذ نحو عام، فيما لا تستطيع حملات العلاقات
العامة أن تخفي التوتر العميق الذي تعيشه العائلة الحاكمة.
ما لفت النظر في الزيارة للجنادرية البيان الذي صدر
بعدها، والذي أعلن فيه بأنه (تم التشاور والتباحث بين
جلالة الملك وخادم الحرمين الشريفين بشأن الخطوات التنفيذية
للوصول الى تصور يحقق مشروع الاتحاد الخليجي الذي يطمح
الجميع إلى تحقيقه والذي سيعرض على القمة التشاورية لقادة
دول مجلس التعاون المقرر عقدها في العاصمة السعودية الرياض
خلال شهر مايو المقبل).
وربما يكون منافيا للديبلوماسية أن تعلن قرارات كهذه
من خلال اجتماع ثنائي، لا اجتماع لكل القادة الخليجيين،
لكن هذا هو بالضبط ما يعبر عن حقيقة الواقع المأزوم لمشروع
تريد الشعوب تطبيقه، ويستخدمه حاكم البحرين كنوع من العقاب
ضد قطاعات عريضة من الشعب ـ ليس مبالغة القول الآن أنها
تمثل الغالبية ـ تطالب بالديمقراطية، لا يوجد حماس للاتحاد
الخليجي داخل الأجهزة الرسمية في أغلب الدول: بالطبع لا
في عُمان المحافظة، لأسباب عملياتية وعملية، وأخرى دينية،
وأسباب تتعلق بما يمكن تسميته (النموذج العماني)، فيما
نعلم أن مسقط نأت بنفسها عن الاتحاد النقدي الخليجي.
أما الكويت التي تخشى السعودية كما تخشى العراق، فإن
حكامها من آل الصباح يحرصون على الحفاظ على قدر من التوازن
بين الثلاثي: ايران والعراق والسعودية. وتبدو قطر أذكى
من أن تسلم نفسها إلى (أسد عجوز). أما الامارات فتجربتها
الوحدوية تكفيها، وهي تعرف أن اللحاق بالسعودية ـ على
الطريقة البحرينية ـ هو بمثابة انتحار، لذا ليس صدفة رفض
الامارات الانضمام للاتحاد النقدي، مادام مقره الرياض
أيضا، بما يعنيه ذلك سياسيا واقتصاديا.
وإذا أخذنا البحرين، فإن تجاربها مع الخليج غير مبشرة،
إن على صعيد طيران الخليج التي استنزفها على مدى خمسة
عقود الشيخ علي بن خليفة آل خليفة، ابن رئيس الوزراء،
والرؤساء التنفيذيون المتتالون، اضطرت معها الدول الشقيقة
للانسحاب مما كان يوما أسطولا جويا مهابا، حتى من دون
تعويضات أو أسهم، حتى ترتاح من نزف مالي مزمن. كما يمكن
ذكر تجربة جامعة الخليج، التي سرقتها، نهارا جهارا، حكومة
البحرين، كما يدعي القائمون على الجامعة، كمؤشر آخر على
النموذج الخليفي في إدارة السلطة والثروة.
وكل ذلك، بفضل (القيادة الحكيمة) لحكومة البحرين (الرشيدة)،
التي تكافئ اليوم على ماضيها (الناصع) بأن يكون أحد المطالب
(معارضة الفاتح) بأن الشعب يريد خليفة بن سلمان، على طريقة
الشعب يريد حسني مبارك، وعلي عبدالله صالح، والقذافي وبشار
الأسد.
إذا، البحرين ليست نموذجا إطلاقا في العمل الخليجي
المشترك، لا يثق بها الخليجيون، ويعرفون الفساد الطاغي،
ولذا يفضلون عدم إعطاء دعم نقدي (كاش) إلى المنامة، وإنما
يموّلون بناء مشاريع، مثل أن تبني الامارات مدينة زايد،
أو تبني الكويت مدارس ومراكز صحية من خلال المكتب الفني
الكويتي، فيما تختار السعودية تطوير جامعة الخليج... ومع
ذلك لا ضمانات بأن الفلوس تصل إلى مكانها المفترض..والخليجيون
يدهم على قلوبهم وهم يترقبون كيفية إدارة الحكومة البحرينية
لعشرة مليارات دولار أعلن أن دول الخليج ستدفعها للبحرين
خلال عشر سنوات، ويفترض أن المليار الأول قد وصل أو في
طريقه للبحرين.
إن الحديث عن الكونفدرالية الخليجية يأتي في خضم زيادة
وتيرة المطالبة بالديمقراطية في البحرين، ضمن سياق الربيع
العربي، والرسالة التي يريد الملك حمد إرسالها للمطالبين
بالتتغيير مفادها: إما القبول بدكتاتوريتي، ودكتاتورية
عائلتي، أو إلحاق البحرين بالسعودية، رسميا.
ولغة تهديدية كهذه تفتقر إلى الحكمة والمسئولية الوطنية..
إنها أشد وطأة من لغة العنف التي اعتادتها السلطة، وهي
قريبة في عنفها من لغة التجنيس العشوائي الذي يدمر حاضر
الوطن ومستقبله.
ولم يلجأ الأمير الراحل عيسى بن سلمان، وشقيقه رئيس
الوزراء الشيخ خليفة حين كان حاكما فعليا للبلاد، للتجنيس،
أو الذوبان في السعودية أبان انتفاضة التسعينات المطالبة
بعودة دستور 1973، كما لم تلجأ الكويت بعد احتلال العراق
لها لهذا الحل الذي يبدو معيبا لحاكم، بل قد تصدق عليه
تهمة الخيابة العظمى!.
لقد أسقط المطالبون بالديمقراطية معادلة إما الدكتاتورية
أو العنف والحرب الأهلية.. ويبدو صعبا أن يحقق الحكم نجاحا
حقيقيا على صعيد المعادله الجديدة: إما دكتاتورية آل خليفة
أو دكتاتورية آل سعود الأشد قسوة. وإذا عرفنا المكاسب
الضيفة لدى آل خليفة، من خلال منح البحرين للمجنسين أو
السعودية، فإن الشقيقة الكبرى يفترض أن تكون في غير حاجة
إلى إلحاق رسمي لبحرين مريضة، إنها للرياض كمن يشتري علة،
خصوصا وأن المنامة حاليا هي في الجيب السعودي.
وفي كل الأحوال، فإن الكونفدرالية لا تحل المشاكل الداخلية
للوحدات/ الدول التي يتشكل منها الاتحاد، ذلك أن كل وحدة/
دولة تحتفظ بنظامها السياسي: السلطة التنفيذية والتشريعية
والقضائية، (كما في النموذج الأرووبي)، وهذا يعني أن تظل
مطالب الديمقراطية في البحرين، فيما ستحتفظ الكويت ببرلمانها
القوي، وتحتفاظ باقي الدول بخصائصها المحلية.
المعادلة التي يريد الملك الترويج لها: إما الدكتاتورية
او الإلحاق بالسعودية) تبدو غاية في العنف والرخص والأنانية،
وقانونيا يتوجب أن يقر المواطنون أي توجه كهذا من خلال
استفتاء شعبي. ويبدو واضحا أنه لن يكتب النجاح لسيناريو
من هذا النوع في البحرين دون أن يحصل الشعب على ديمقراطية
كاملة، وهنا فإن رد الشعب على الملك: إننا نطالب بالديمقراطية
والوحدة الخليجية الشعبية، وليس وحدة الأنظمة ضد الشعوب..
وإنك لن تُكرّهنا في الوحدة الخليجية حتى لو استخدَمتها
بطريقة تسيء لها.
|