الإتحاد الخليجي والامتحان السعودي
عبد الباري عطوان
بعد اكثر من ثلاثين عاما على تأسيسه كمنظمة إقليمية
تميزه عن محيطه العربي، يواجه مجلس التعاون الخليجي أمراض
الشيخوخة المبكرة، وما قد يترتب عليها من إرهاق وضعف وأعراض
جانبية، بعضها يتسم بالخطورة، ويهدد تماسكه، وربما يعجّل
بتآكله، على غرار ما حدث في التجمعات الاقليمية العربية
الاخرى المماثلة.
القبضة السعودية على المجلس بدأت تتراخى تدريجيا، بسبب
(تمرد) الدول الصغيرة الاعضاء على الشقيقة الكبرى، واعتمادها
على قوى خارجية عظمى دون المرور عبر وسيط، مثلما كان عليه
الحال اثناء حكم الجيل الاول من القادة.
ثلاث مبادرات تقدمت بها السعودية في السنوات القليلة
الماضية، لم يكتب لأي منها النجاح حتى هذه اللحظة.
الاولى: العملة الخليجية
الموحدة التي عادت كمشروع الى الادراج السفلى، بعد رفض
سلطنة عُمان الانضمام الى معاهدتها، وانسحاب دولة الامارات
منها بسبب الخلاف على جعل الرياض المقر الدائم للمصرف
المركزي الخليجي، وغموض الموقف الكويتي.
الثانية: اقتراح العاهل
السعودي ضم كل من الاردن والمغرب الى عضوية مجلس التعاون،
وتكوين ناد عربي للملكيات لحمايتها من ثورات الربيع العربي،
وهو اقتراح لم يلقَ اي تأييد من قبل الدول الاعضاء، بل
ومن قبل بعض أمراء الصف الاول في السعودية، وتم دفنه بهدوء
ودون مراسم عزاء بعد مشاركة وزيري خارجية البلدين في اجتماعين
يتيمين مع زملائهما الخليجيين، وجرى منح الاردن والمغرب
مساعدات مالية في حدود خمسة مليارات دولار كتعويض عما
اصابهما وبعض مواطنيهما من خيبة أمل.
الثالثة: مشروع سعودي مفاجـئ
بنقل المجلس من صيغـة (التعاون) الى صيغة (الاتحاد)، وتسريب
انباء عن احتمال أن يبدأ الاتحاد الجديد بين المملكتين
الوحـيدتين في المجلس وهـما السعـودية والبحـرين، ويتم
اعلانه اثناء القمة التشاورية الاخيرة في الرياض، ولكن
هذا المشروع ووجه بحملة معارضة قوية من قبل ثلاث دول هي
سلطنة عمان والكويت ودولة الامارات العربية المتحدة، تحت
ذريعة ضرورة درسه دراسة معمّقة ومتأنية قبل اتخاذ اي قرار
بشأنه.
تراجع نفوذ السعودية داخل مجلس التعاون الخليجي يتوازى
حاليا مع تراجع آخر في الساحة العربية بشكل عام، فالعلاقات
مع كل من العراق وسورية في قمة التوتر، وتتهم الاخيرة
الرياض بدعم الفوضى والجماعات (الارهابية) التي تقاتل
النظام وتريد اسقاطه، وتزودها بالاسلحة، حتى ان الرئيس
بشار الاسد سخر من النظام السعودي في مقابلة مع تلفزيون
(روسيا اليوم) بقوله ان سورية لا تريد دروسا في الديمقراطية
من السعودية. اما علاقات المملكة مع مصر ففاترة، حيث يتهم
معظم المصريين السلطات السعودية بالتحالف مع النظام السابق
وفلوله لإسقاط ثورتهم. والشيء نفسه يقال ايضا عن علاقاتها
بالسودان والجزائر، وبدرجة اقل مع لبنان واليمن.
القلق السعودي الاكبر يتأتى من تصاعد النفوذ الايراني
واتساعه في المنطقة العربية، وخاصة في دول كانت دائما
حليفة لصيقة للمملكة مثل البحرين وسورية والعراق ولبنان،
وتفاقم هذا القلق بعد تصاعد الاحتجاجات المطالبة بالتغيير
الديمقراطي في البحرين، وتطور البرامج النووية الايرانية
لدرجة الاقتراب من تصنيع اسلحة ذرية.
صانع القرار السعودي بات يشعر ان نظام الحكم في البحرين
يواجه خطرا وجوديا حقيقيا يمكن ان ينعكس قلاقل واضطرابات،
وربما تمزيق وحدة اراضي البلاد، ولهذا وجدت المملكة التي
عارضت الوحدة المصرية ـ السورية بشراسة، مثلما حاربت كل
التيارات الوحدوية والقومية، ان المخرج الأمثل هو الوحدة
مع البحرين لتذويب الغالبية الشيعية فيها في محيط سني
كبير.
البحرين دولة عربية، وشعبها اختار هويته العربية في
استفتاء نزيه وشفاف رفض فيه بوضوح الانضمام الى ايران،
ومن المؤكد انه سيكرر الشيء نفسه في اي استفتاء جديد،
او هكذا نعتقد، فالمعارضة البحرانية في معظمها تطالب بالاصلاح
وليس الانضمام الى ايران، وهي محقة تماما في ذلك.
الوحدة بين السعودية والبحرين، او بين جميع دول مجلس
التعاون امر جيد ومطلوب، وهو حلم كل انسان عربي باعتباره
خطوة لتحصين هذا الجزء الغالي من الوطن العربي من اي اطماع
خارجية، لكن هذه الوحدة تتطلب تحقيق شروط اساسية لنجاحها،
أبرزها ان تأتي برضاء الشعوب وترتكز على الديمقراطية والحريات
والانفتاح السياسي، وتكريس مبدأ المساواة على مستوى القمة
والقاعدة معا، وهذه الشروط غير متوفرة حاليا.
السعودية، ونقولها بكل صراحة ووضوح، تعيش حاليا مأزقا
حقيقيا داخليا واقليميا على وجه الخصوص، ابرز ملامحه انحسار
دورها الاقليمي لمصلحة قوى غير عربية ابرزها ايران وتركيا،
لأنها لم تقرأ الخريطة السياسية الاستراتيجية جيدا، الأمر
الذي اوقعها في اخطاء عديدة اوصلتها الى ما هي عليه حاليا.
الخطأ الاكبر في رأينا عندما تصرفت بطريقة انتقامية
مع العراق ونظامه السابق الذي حقق لها وللعرب جميعا التوازن
الاستراتيجي مع ايران، وبنى سدا منيعا حال دون تمددها،
اي ايران، على الشاطئ الآخر من الخليج العربي. أما الخطأ
الثاني فيتمثل في ترك ايران ودول اخرى تخطف القضية العربية
المركزية منها، عندما قدمت مبادرة سلام، وبإيعاز امريكي،
ولم تستطع تطبيقها رغم علاقاتها الوثيقة مع واشنطن والغرب،
والخدمات الجليلة التي قدمتها لهما، وخوض او تمويل جميع
حروبهما في المنطقة، سواء ضد العراق او افغانستان، او
لاطاحة النظام الديكتاتوري في ليبيا.
الرئيس العراقي صدام حسين لم يجد كويتيا واحدا يؤيد
ضمه للكويت، لانه لم يقدم للكويتيين ومعظم العراقيين النموذج
الصالح للحكم الرشيد، ونجزم بان معظم اهل البحرين يعارضون
اي وحدة اندماجية مع السعودية، التي لا تسمح للمرأة بقيادة
السيارة، ولا يعرف شعبها الحد الادنى من الحريات السياسية،
بما في ذلك انتخاب برلمان او تكوين الاحزاب او الحق في
التظاهر سلميا.
غياب زعيمين خليجيين عن القمة التشاورية الاخيرة في
الرياض، وهما السلطان قابوس بن سعيد (عُمان)، والشيخ خليفة
بن زايد (الامارات)، هو مؤشر على اتساع مساحة الخلاف وحجمه
بين السعودية وشقيقاتها الخليجية، وكارت أحمر، بل شديد
الاحمرار لمبادرتها الاتحادية الاخيرة، ومن يقول غير ذلك
انما يغالط نفسه ويضلل حكام السعودية انفسهم.
نحن مع قيادة السعودية للخليج، بل وللوطن العربي بأسره،
شريطة ان تقوم هذه القيادة على مبدأ الحكم الرشيد والتصدي
بقوة وحزم للمشاريع غير العربية التي تريد تفتيت المنطقة
ونهب ثرواتها، وأولها المشروع الاسرائيلي.
العنوان الأبرز للقيادة السعودية، او اي قيادة عربية
اخرى، هو القدس المحتلة ومسجدها الاقصى وكنائسها، اما
العناوين الاخرى فهي ثانوية وغير ذات معنى.
* عن: القدس العربي، 18/5/2012
|