السعودية ومثلث الثورات
د. مضاوي الرشيد
يتبين التدخل السعودي السافر في ثلاث ثورات، حيث اتجه
الى قمع الثورة في البحرين بطريقة مباشرة واحتوائها في
اليمن ومساندتها في سورية، مما يطرح اسئلة كثيرة على الدور
السعودي في المنطقة. اعتبرت السعودية الاطاحة بالنظام
البحريني خطرا مباشرا لانه ينذر بتغيير اولي لمنظومة الحكم
الملكي المشيخي، الذي تأصل ليس فقط في السعودية بل في
منطقة الخليج كلها فحاولت جاهدة لتصوير الثورة البحرينية
كثورة طائفية مدعومة من قوة اقليمية ايرانية تنافس السعودية
على المنطقة لتحافظ على المنظومة الملكية بشكلها القائم
وتبعد خطر السابقة التاريخية البحرينية عن تفشيها في محيطها
القريب فلا تريد السعودية نظاما جمهوريا في الخليج فتتهاوى
العروش بعد ذلك واحدا تلو الاخر.
اما في اليمن الجمهورية اصلا، ارادت السعودية احتواء
تداعيات الثورة التي تنذر بتغيير الطاقم الحاكم المستقطب
سعوديا والتابع سياسيا واقتصاديا فجاءت المبادرة السعودية
لتنقذ هذا الطاقم القديم ومعه علاقات التبعية مع الرياض،
فاليمن يظل خلية نحل متحركة تتقاطع فيها المصالح العسكرية
والاقتصادية والقبلية والمناطقية والطائفية، بالاضافة
الى الايديولوجيات من اقصى اليمين الى اقصى اليسار مع
مصالح سعودية بحتة، لذلك ان كان التدخل العسكري المباشر
السعودي غير متوقع، كما حصل في البحرين، الا ان التدخل
اتخذ اشكالا متفرقة ومتنوعة من دبلوماسية الى سياسية واقتصادية
وتدعيم علاقات زبونية مشخصنة مع الفعاليات اليمنية من
اجل احتواء الثورة اليمنية وتداعياتها واصدائها في المملكة
ذاتها.
اما في الثورة الثالثة السورية نجد السعودية داعما
قويا للثورة ماديا ومعنويا، ليس لان السعودية نفسها تعيش
نشوة تغيير ديمقراطي فريد او حاملة لشعارات الحرية والعدالة،
بل لان السعودية التي صادقت القيادة السورية سابقا ودعمتها
ماديا، تحولت في علاقتها مع النظام السوري الى العداوة
مؤخرا، بسبب علاقة هذا الاخير الحميمة مع ايران، فالسعودية
تطمح من خلال دعم التغيير في سورية الى هزيمة ايران في
المنطقة وحليفها (حزب الله) وليس دعم تطلع الشعب السوري
الى نظام ديمقراطي يمثل الشرائح السياسية والاقتصادية
السورية. فليس من الممكن لنظام يقمع اي حراك سياسي داخليا
ان يكون مناصرا للديمقراطية في بلد عربي مجاور، وهذا لا
يخفى على الفعاليات السورية الثورية والعسكرية والسياسية،
التي تقلصت خياراتها عندما ترنحت ثورتها تحت الرصاص النظامي
الذي اطلق عليها. وان ارتمت بعض هذه القيادات في الحضن
السعودي فهي أجبرت على ذلك.
تمثلت السياسية السعودية في ثلاث صور تجاه الثورات،
فاتخذت صورة القمع المباشر في البحرين، وصورة الاحتواء
في اليمن، وصورة الدعم الواضح في سورية وكلها استراتيجيات
تهدف الى غاية واحدة وهي السيطرة على الوضع السياسي بشكل
يضمن عدم تهديد نظامها داخليا، وهي استراتيجية محلية صرفة
لتصرف رياح التغيير عن حدودها.. ولكن هل ستنجح السعودية
في تأجيل ملف التغيير السياسي الى اجل غير مسمى؟
نعتقد ان من الصعب على النظام السعودي ان يوقف عجلة
التغيير مهما استعرض عضلاته خارجيا لان القوى التي اطاحت
بالانظمة العربية القمعية وان كانت لا تزال ضعيفة في السعودية
الا انها تزداد تبلورا في الداخل السعودي نفسه وهي تتعلم
دروسا في الحراك مجانية، رغم ان ثمنها باهض يؤدي الى السجن
وحتى المواجهة الدموية. وان انشغل الداخل السعودي بمراقبة
الثورات العربية الملتهبة الا انه سيعود يوما الى التفكير
بوضعه الداخلي الذي يبقى نشازا سياسيا فريدا من نوعه في
منطقة تغلي بالطموحات السياسية. وسيأتي اليوم الذي تعترف
فيه القيادة السعودية ان الحكم التسلطي قد فات اوانه والمؤامرات
الخارجية لن تكون يوما ما تعويضا عن التغيير الجذري في
الداخل السعودي.
* باختصار، عن القدس العربي ـ 6/8/2012
|