منع من النشر في صحيفة المدينة
أهل مكة هم من تهوي إليهم الأفئدة
فائز صالح محمد جمال
|
فائز صالح محمد جمال |
أعلن منتصف شهر رمضان المبارك الماضي عن صدور الموافقة
بنزع ألفي عقار لمصلحة مشروع الساحات الشمالية للحرم المكي
الشريف لبناء محطات القطارات والمواقف العامة وكذلك لمصلحة
تطوير وقف الحرم الجديد.
والملاحظ أن الساحات الشمالية لم تعد شمالية، فقد شرّقت
وغرّبت وجنوبت – إن صحت هذه الأخيرة - فبعد أن أتت على
كل الأحياء الشامية امتدت إلى البيبان والحجون، والآن
في طريقها إلى شعب عامر، وربع أطلع، والفلق، وجبل عبادي،
وجبل المدافع، وجرول، وجبل الكعبة، وقبة محمود، وميدان
التيسير.
والناظر للمناطق التي شملتها الهدميات يحتار في فهم
الخطة الجاري تنفيذها، ويشعر بأنه لا توجد خطة مبنية على
رؤية بعيدة المدى للمنطقة المحيطة بالمسجد الحرام، وكأنما
هناك رغبة في استثمار الوفرة المالية لنزع ملكيات أكبر
مساحة ممكنة، مع التركيز على الأحياء والمباني القديمة.
وترتب على تتابع الهدم على مدى الست سنوات الماضية أن
أزيلت أحياء مكة القديمة بالكامل، وأزيل معها العديد من
المواضع التاريخية التي كان من آخرها مسجد الراية، الذي
بُني حيث غزّ رسول الله صلى الله عليه وسلّم رايته يوم
الفتح، وهو بالمناسبة سبب تسمية الحي بـ (الغزّة)، الذي
ذهب وبقية الأحياء بكل ما تحمله من عبق التاريخ، وبقية
ذكريات وعلاقات إنسانية.
فالحيرة تأتي من التوسع في الهدم شمال وشرق المسجد
الحرام بمسافة تمتد لمئات الأمتار وإلى أعالي الجبال،
في الوقت التي يُسمح فيه للمستثمرين العقاريين بالبناء
على بعد أمتار من غربه وجنوبه. وهو ما يخل بتوازن كثافة
الإسكان والحركة حول المسجد الحرام.
الحيرة أيضاً من أن يتم هدم البيوت التي على قمم الجبال،
حيث لا يُتصور إقامة محطات نقل أو مواقف عامة مكانها.
والحيرة كذلك من هدم البيوت ونزع الملكيات لمصلحة إقامة
وقف جديد، إذ كيف يتم قبول تحويل ريع مبانٍ قائمة من جيوب
ملاكها وأسرهم، وهم يُعدون بالآلاف، إلى وقف استثماري،
حتى وإن كان ريعه للمسجد الحرام؟!
إن نزع أملاك الناس محكوم في الشريعة والنظام بقدر
الحاجة الحقيقية، وليس متروكاً لأهواء المستثمرين والمتنفذين،
وما زاد عن الحاجة الحقيقية فهو غصب، والغصب محرّم في
كل مكان، وفي مكة المكرمة أشدّ حرمة، ومنعه آكد، فهي بلد
الله لحرام الذي لا يُعضد شوكه، فما بالنا ببيوته؟ ولا
يُنفّر طيره، فما بالنا بأهله وسكانه؟ وهو البلد الذي
توعد الله من يُرد الإلحاد فيه بظلم بالعذاب الأليم.
إن الواجب أن يُلتزم في نزع أملاك الناس أن تكون بقدر
الحاجة الفعلية فقط، وأن لا يُتوسع في ذلك بذريعة الحاجات
المستقبلية البعيدة، وأن يُراعى الحفاظ على الأماكن التاريخية
والآثار الإسلامية، فمكة شرّفها الله شهدت أحداثاً هامة،
وبها مواضع تاريخية عديدة.
ومن الواجب أيضاً أن يتم تطوير ما تبقى من أحيائها
القديمة، بما فيها التي على قمم الجبال، بتمهيد طرق الوصول
إليها، وإيصال جميع الخدمات التي تحتاجها لاستبقاء البقية
من أهل مكة كسكان دائمين حول الحرم.
ومن الواجب التنبه إلى أن ما يجري من سماح بزيادة ارتفاعات
المباني المحيطة بالمسجد الحرام، واستمرار نزع ملكيات،
أدى إلى رفع كلفة السكن الدائم حول الحرم، وهو ما يعني
تفريغ من تبقى من أهل مكة من حوله.
وعلينا التنبه أيضاً إلى أن أهل مكة هم المعنيون في
الآية الكريمة (ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع
عند بيتك المحرم ربنا ليقيموا الصلاة فاجعل أفئدة من الناس
تهوي إليهم وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون)، إذ لم يقل
سبحانه وتعالى (تهوي إليه) أي بيته المحرّم، وإنما قال
(تهوي إليهم)، وإبعادهم من جوار الحرم يعني تغييب من تهوي
إليهم الأفئدة، وهم خير من يُحسن خدمة وإكرام هذه الأفئدة،
وبغيابهم يغيب ما تبقى من مظاهر الحياة الاجتماعية الطبيعية
في قلب مدينة مكة المكرمة، وتحويلها إلى أقرب ما تكون
لمحطة عبور (ترانزيت)، ومكة أعظم وأقدس من أن تُحوّل إلى
محطة عبور.
وعلينا التنبه أيضاً إلى أن أهل مكة هم المعنيون في
الآية الكريمة (ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع
عند بيتك المحرم ربنا ليقيموا الصلاة فاجعل أفئدة من الناس
تهوي إليهم وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون)، إذ لم يقل
سبحانه وتعالى (تهوي إليه) أي بيته المحرّم، وإنما قال
(تهوي إليهم)، وإبعادهم من جوار الحرم يعني تغييب من تهوي
إليهم الأفئدة، وهم خير من يُحسن خدمة وإكرام هذه الأفئدة،
وبغيابهم يغيب ما تبقى من مظاهر الحياة الاجتماعية الطبيعية
في قلب مدينة مكة المكرمة، وتحويلها إلى أقرب ما تكون
لمحطة عبور (ترانزيت)، ومكة أعظم وأقدس من أن تُحوّل إلى
محطة عبور.
|