تويتر يمنح السعودية ثورتها؟
كتب روبرت وورث مقالاً من الرياض في 20 أكتوبر الماضي
يقول فيه: لم يكن لدى السعودية ربيع عربي. ولكن لديها
ثورة من نوع آخر. فالنقد المفتح للعائلة المالكة في البلاد،
وهو أمر لم يكن مسموعاً في وقت ما، قد أصبح شائعاً في
الشهور الأخيرة. يصدر قضاة ومحامون بارزون تشنيعات عامة
صارمة حول فساد الحكومة على نطاق واسع والتجاهل الاجتماعي.
تهكم النساء من رجال الدين الذين يحدّون من حرياتهن. وحتى
الملك بات تحت الهجوم.
هذه الاحتجاجات تجري في المنبر نفسه: تويتر.
وبخلاف وسائل الإعلام الأخرى، فإن تويتر سمح للسعوديين
لاختراق الحدود الاجتماعية وعرض الموضوعات الدقيقة بصورة
جماعية وفي الوقت الحقيقي، عبر مناشيتات رئيسية لموضوعات
مشتركة (الفساد السعودي)، و(السجناء السياسيين)، المعروفة
في تويتر بـ (هاشتاقات).
مع وجود العديد من الناس يكتبون غالباً بأسمائهم الحقيقية
ـ هناك نحو 2.9 مليون مستخدم في المملكة، بحسب دراسة حديثة،
وهي أسرع نطاق تويتر نموّاً في العالم، وفيما يبدو فإن
السلطات استسلمت لهذا الواقع.
يقول المحامي فيصل عبد الله، 31 عاماً، (تويتر بالنسبة
لنا مثل برلمان، ولكنّه ليس من نوع البرلمان القائم في
المنطقة. إنه برلمان حقيقي، حيث يلتقي الناس من كل الاتجاهات
السياسية ويتحدثّون بحرية).
أما أن يؤدي هذا الحديث الى تغيير حقيقي فمن الصعب
قول ذلك. يرى بعض المشكّكين بأن تسامح الحكومة غير المتوّقع
بأنه خطّة مقصودة لتنفيس احتقان الناس، ولا يختلف كثيراً
عن مليارات الدولارات التي أنفقتها الحكةمة على برامج
الرفاه الاجتماعي العام الماضي عشية الانتفاضات العربية:
أي شيء لاخماد الثورة الحقيقية. في بلد حيث التسلية العامة
وحياة الشرع، دع عنك الاحتجاجات، بالكاد تكون موجودة،
فإن قلّة من الناس يختلطون ويندمجون خارج عوائلهم، فإن
التواصل الاجتماعي يعبيء حاجة ملّحة.
يبقى، أن رفع التابوات المفاجىء عن النقد العام كان
لافتاً بحد ذاته. وقد تم الكشف، من بين أشياء أخرى، عن
عمق صادم للغضب من العائلة المالكة بما أدى الى اختراق
الفضاء السياسي وقاد بعض السعوديين للتساؤل الى متى سيبقى
هذا المجتمع المحافظ البقاء دون إصلاح جاد.
(تويتر كشف عن إحباط كبير ورفض شعبي للوضع الجاري)،
كما يقول سلمان العودة، رجل الدين البارز، الذي اعتقل
عدّة سنوات في التسعينيات بسبب هجوماته على الحكومة وينظر
اليه على أنه معتدل. لديه أكثر من 1.6 مليون متابع على
تويتر.
وأضاف: (هناك فجوة كبيرة بين الحاكم والمحكوم)، واستطرد
الشيخ قائلا: (حتى أولئك المسئولين عن الأمن لا يعرفون
ما يفكر فيه الناس حقا، وهذا ليس جيدا).
أن أشد الانتقادات حدة للعائلة المالكة صدرت من شخص
واحد غامض يدعى Mujtahidd (مجتهد). وأضاف أنه ابتداء من
أواخر العام الماضي، نشر (مجتهد) على موقعه في التويتر
(يتابعه أكثر من 600 ألف)، الاتهامات المثيرة والغنية
بالتفاصيل عن صفقات الأسلحة الفاسدة وما يجري بين الأطراف
المؤثرة في الحكم داخل الغرف المغلقة، وبينهم أمراء بارزون
في العائلة المالكة، بمن فيهم الملك عبد الله.
وقد كتب مجتهد في مطلع هذا العام الى الأمير عبد العزيز
بن فهد، وهو من أهدافه المفضّلة (هل صحيح أن بيتك في جدة
كلّف مليار دولار ولكنّك كلّفت الدولة 6 مليار واحتفظت
الباقي في جيبك؟). وليس هناك من سبيل للتأكّد من صحة هذه
المزاعم، ولكن العائلة المالكة من الواضح تحمله على محمل
الجد، وتكتب استنكارات شديدة اللهجة.
يقال بأن العائل المالكة بذلت جهوداً مضنية لمعرفة
هوية مجتهد، ولكن دون جدوى. وقد أشيع على نطاق واسع بأنه
عضو مقرّب من العائلة المالكة، أو شخص يعتمد في معلومات
على مصادر داخلية.
في الوقت الراهن، يظهر مجتهد بأنه شجّع كثيراً من السعوديين
على النقد.
عطلة اليوم الوطني السنوية الشهر الماضي، على سبيل
الماثل، أثارت موجة نقد. وقبل يوم من العطلة، أصدر وزير
الداخلية، السابق، الأمير احمد بن عبد العزيز، تصريحاً
لفت فيه الى (أننا نعيش في بحبوحة اقتصادية). وقد أريد
لهذا التصريح أن يكون وطنيّاً. (نلفت هنا الى أن الكاتب
كما يبدو خلط بين الأمير سلمان بن عبد العزيز، صاحب التصريح
الشهير حول البحبوحة الاقتصادية، والأمير احمد بن عبد
العزيز، وزير الداخلية السابق).
ولكن على تويتر، قال كثير من السعوديين بأنهم رأوا
في (أننا) الأمير كإحالة غرور الى العائلة المالكة، وليس
الشعب. الوزير، الغاضب، قدّم دفاعاً. واستدرج تصريحه المزيد
من الاستنكارات الغاضبة، بما في ذلك الاستنكار التالي:
تذكّر بأنه ليس لدينا ضمان صحي، ولا وظائف. (الأمير سلمان
بن عبد العزيز، ولي العهد، يمتلك مليارات الدولارات، ولا
ينسى الأراضي المشبّكة الخاصة بالعائلة المالكة).
مشاعر التمرد البادية على تويتر تظهر وكأنها تركت تأثيرها
على الاعلام التقليدي، حيث كتّاب الأعمدة وضيوف برامج
الحوار أصبحوا أكثر جرأة في نقدالحكومة. ولكن لا يزال
تويتر يقود النقاش العام.
الاصوات الجديدة ليست مقتصرة على نداءات الاصلاح الليبرالي
على الطراز الغربي. إن أكبر عدد من الاتباع لا يزال من
نصيب العلماء. محمد العريفي، رجل الدين المحافظ، لديه
أكثر من 2.7 مليون متابع، متفوقاً على معظم المناصرين
لحقوق المرأة، على سبيل المثال، وأعضاء في العائلة المالكة.
في مطلع هذا العام، حين كتب شاعر سعودي شاب وكاتب عمود
يدعى حمزة كشغري، ثلاث تغريدات بدا وكأه ينتقد النبي محمد،
فإن فضاء توتير السعودي كان مليئاً بنداءات باعتقاله ومحاكمته،
فيما طالب ليبراليون غربيون بالعفو عنه. لقد جرى ترحيله
الى السعودية وإرجاعه من ماليزيا، ومازال في السجن بتهمة
الزندقة.
النقد الديني كما يبدو هو خط أحمر بالنسبة لكل السعوديين
تقريباً. وعقب الخلاف الشهر الماضي حول شريط فيديو ضد
الاسلام، تم عمل هاشتاق على تويتر بعنوان (الا رسول الله).
وليس لدى الحكومة سياسة وضع اليد. مسؤولو وزارة الداخلية
حاضرون في مجال تويتر، ودائماً تحت أسماء مزوّرة، يشنّعون
على منتقدي الحكومة، ويصدرون تصريحات في الولاء للملك
والبلاد.
وكانت هناك أيضاً جهود قليلة لضبط النقد، بما في ذلك
أمر ملكي صدر في يوليو الماضي يمنع القضاة من الكتابة
على تويتر.
الأمر الملكي كانت نتيجة شهور من الهجوم اللفظي الحاجد
من قبل القضاة ضد إدارة القطاع القضائي. وفي سبتمبر الماضي،
استقال 45 قاضياً، في سياق موقف احتجاجي. ويقول عبد العزيز
القاسم، محامي بارز في الرياض، (هناك ثورة في الدوائر
القضائية).
ولكن يبقى تويتر مشهداً بارزاً من مساحات المجتمع السعودي
الذي كان حتى وقت قريب مغلقاً على الأجانب. إن قضية المعتقلين
السياسيين، على سبيل المثال، وهو موضوع يفهم عادى على
أنه يشمل المناصرين للملكية الدستورية والاسلاميين المعارضين
للحكومة على أرضية دينية، ويستقطب مجالاً واسعاً من التعاطف.
في مساء ما، السيد عبد الله، المحامي، جلس في مقهى
في شارع التحلية بالرياض وفتح غطاء المحمول (اللابتوب)
ليقوم بعرض قائمة متنوعة من التغريدات النقدية. واحدة
منها (مذكرة السجن العام) وهي من قبل سجن قام بإرسالها
من جهازه الخليوي الذي يتم تهريبه احياناً الى زنزانته.
ولديه 85.000 متابع. الرسالة المثال: (إذا رأيت سجيناً
نائماً، فلا تقم بإيقاضه. فربما يكون يحلم بالحرية).
في هاشتاق حول السينما، وهي غير قانونية في السعودية،
يكشف بصورة حيوية مناظرة بين الليبراليين الذين يعارضون
الحظر والمحافظين الذين يقولون بأن رفع الحظر سوف يؤدي
الى إفساد الشباب.
يقول عبد الله (هذا يزيد من ثقافة الحقوق هنا. وهذا
يلفت الانتباه. بالأمس، كتبت تغريدة حول نظام المحكمة،
متهماً القضاة بالغرور. وزير القضاء استدعاني شخصياً للحديث
حول ذلك. وعليه كما ترى، فإنهم يقرأون).
|