طريق السعودية الى التفكّك
ساندرا ماكي
كاتبة وباحثة في شؤون السعودية
والشرق الأوسط
فيما ازهار الربيع العربي التي كانت في مهدها العام
2011 قد ذبلت في خريف العام 2013، فإن الاستقرار الهش
في السعودية يقوم على الجذعية الذابلة للبيت السعودي.
فالتهديد الناشيء من منطقة تعيش مأزقاً، وينسحب ذلك على
النخبة الحاكمة في المملكة، فإن المصالح الاستراتيجية
للولايات المتحدة، وحيوية الاقتصاد العالمي مرد والى حد
كبير هو خطر انفجار الاضطراب السياسي داخل المملكة، حيث
تفكك البلاد نفسها.
وعلى الرغم من أن مساحات شاسعة داخل حدودها لم تحتل
من قبل الغازي الأجنبي، فإن السعودية لم تؤسس وحدة ودولة
حتى عام 1932، حين أخضع عبد العزيز تحت حكمه مناطق مختلفة
تضم قبائل الصحراء وعوائل المدن. لكن عبد العزيز وذريته
على مدى العقود الثمانية الماضية لم يحاولوا زرع هوية
شاملة تتجاوز المذهب الوهابي. بدلا من ذلك، فإن السعودية
هي شركة عائلية تحكم ست مقاطعات ممسوكة عن طريق اللاهوت،
والتحالفات القبلية والسخاء الذي يتدفق من آل سعود.
تاريخياً، تعتبر الحجاز، وهي منطقة على الساحل الغربي،
حاضنة مكة والمدينة، وتحافظ على تماسكها دائماً بصورة
منفصلة وبعيداً عن بقية الجزيرة العربية. يبقى أن مكائد
البريطانيين والمقاتلين البدو التابعين لعبد العزيز تغلّبوا
على خصومهم الهاشميين في إعادة توزيع السلطة بعد الحرب
العالمية الاولى.
وفيما تحظى الحجاز بأهمية عالية بسببب دلالتها الدينية،
فإن الإحساء على الساحل الشرقي من الجزيرة تحتل المركز
الأول في الاهمية الاقتصادية كون التجارة هي في منطقة
الخليج وبعد العام 1938، فإن برك النفط تقع تحت رمالها.
داخل مملكة عبد العزيز هناك ثلاث مناطق أخرى ـ عسير، الخضراء،
وهي منطقة جبلية جنوب جدة، حيث الروابط مع اليمن قوية،
وجيزان وتقع في أقصى الساحل الجنوبي الغربي الذي يطل على
أفريقيا ويستضيف السعوديين من أصول أفريقية، والجبهة الشمالية
التي كان ينظر اليها دائماً على أنها جزء من سوريا والعراق
أكثر من كونها جزءً من السعودية. ولكن إنها نجد، القلب
الكبير للجزيرة العربية التي تقدّس التعاليم البدوية،
وتحمي بصرامة المذهب الوهابي، وهي وطن أجداد آل سعود،
والتي كانت، أي نجد، تحكم سياسة واقتصاد وثقافة السعودية.
يبقى لأسباب تاريخية وثقافية، فإن الحجاز لا يزال يزدري
المناطق الأخرى، فيما تحتفي الاحساء بحضريتها، وأن نجد
تعتبر نفسها روح السعودية. ويبقى سكّان كل منطقة منقسمين،
وبالنسبة لكل سعودي فإن ما يأتي أولاً وقبل كل شيء هو
كونه عضواً في عائلة لها انتسابها داخل قبيلة ويتم تشخيصها
وتعريفها عن طريق روابط الدم بسلف مشترك حقيقي أو مفتعل.
ما هو لافت وفي الوقت نفسه باعث على القلق حول السعوديين
اليوم هو إلى أي حد هم تغيروا حيث أنني عشت هناك في أواخر
السبعينيات وبداية الثمانينات، إذ إن السعودية المعزولة،
والمدقعة، والعنصرية كانت تقوم بعملية تحول سلس الى بلد
غني بالنفط ومكره على التفاعل مع العالم الخارجي. حين
وصلت في عام 1978، كانت العاصمة الرياض لا تزال تحتوي
على بنى جدارية مبنية بالطين. وكانت الخدمة التلفونية
غير منتظمة وبدائية في الغالب. وأن نظام المجاري والنفايات،
بما في ذلك الهياكل العظمية للحيوانات تجري في مجاري سوق
البطحاء، ما يدفع العمال الاجانب الى ارتداء فانيلات كتب
عليها (نادي بطحاء لليخوت). ومع تدفق المال على المملكة،
فإن الغربيين المشاكسين فشلوا في معرفة وعلى وجه الدقة
الى أي حد يمكن للسعوديين الانخراط نفسياً في حسم الخلاف
بين الحاجات المادية للتحديث وتحديات نزعة المحافظة.
القيادة العليا لآل سعود فهمت النزاع أكثر مما هي موصوفة
بصورة عامة. أمثالنا الذين يألفون التحدي الذي يواجه النظام
السياسي القائم يراقبون كيف أن ماكينتهم السياسية تشيّد
بنية تحتية تشتمل علىى الطرق، والاسكان، والمستشفيات،
والمدارس بينما في الوقت نفسه تحافظ بحماسة على قداسة
العائلة المالكة والعقيدة. وبالرغم من أن هذا التوازن
بين التحديث والتقليد ساعد آل سعود لقيادة المملكة عبر
رياح عواصف التغيير في سبيل حماية مصالحها، فإنها لم تقم
بتأهيل المجتمع السعودي من أجل مواطنية أصيلة وحقيقية.
حتى لو لم يقم آل سعود بحماية مصالحهم بتحريض مجموعة
ضد أخرى، وباستعمال الثروة النفطية، فإن بناء وحدة بين
السعوديين أثبتت بأنها صعبة. قبل النفط، عاش جيل بعد آخر
في الصحراء بدون حماية من أي سلطة خارج العائلة. وعليه
فإن جيلاً بعد آخر فقد الثقة غريزياً في أي شخص خارج المجموعة
القرابية. وبعد أن تمّ دمجهم مع بعض من قبل عبد العزيز
ومنحهم ثروة كبيرة، واصل السعوديون العيش منقسمين. اليوم،
فإن المناطق الحضرية، حيث تقطن الغالبية من السكان اليوم،
هي مجمع من الفيلات المحصّنة بجدران، ومجمّعات عائلية،
ومشاريع تطوير شقق سكنية حيث الأغلبية من السكان تتقاسم
روابط المنطقة والنسب. إن السكان يواصلون العيش تحت إملاءات
صارمة من المجتمع البطريركي. فما فوق أب الأسرة يأتي شيخ
القبيلة، الذي يتوقع منه تقديم الرفاه الجماعي. هذا هو
النموذج الذي مكّن آل سعود ـ المفتي، المدافع عن العقيدة،
حامي التقليد، والموزّع للثروة ـ من الحكم. فقد مضت على
ذلك جزئياً لأن الشعب السعودي مهادن للغاية.
بدلاً من الرؤية الغربية الشائعة حول المقاتلين العدوانيين
الذين يدفعون بالإسلام الى خارج الجزيرة العربية في القرن
السابع، فإن السعوديين في الواقع يخشون ويمقتون الفوضى.
إنهم يرفضون أيضاً تحمل مسؤولية أنفسهم أو رفاه بلدهم.
فهناك توقّع مشترك بأن الحكومة تقدّم التعليم والرعاية
الصحية، وتوفر الدعم للخدمات والغاز، وتمثل خياراً أولاً
للتوظيف. إن المستويات الأعلى للمبادرة والطموحات الفردية
يمكن العثور عليها بين النساء، اللاتي تواجه الجدران العالية
من التمييز الجنسي (أي على أساس الجنس: ذكر/أنثى)، في
سوق العمل. ولكن هذا مجرد جزء من المجتمع النسوي. فالغالبية
سعداء في العيش تحت سيطرة بطريركية في مقابل الأمن داخل
دائرة العائلة. ويمكن قول الشيء ذاته عن حماية الدين.
بالنسبة للرجل والنساء معاً، فإن الوهابية تصون العائلة،
والعائلة تصون المجتمع، فيما تصون التحالفات بين القادة
الدينيين وآل سعود النظام السياسي.
وبالرغم من التوازن بين التقليد ومسار العقد الاجتماعي
بين آل سعود والشعب السعودي، فإن سفينة الدولة قد دخلت
في مياه عكرة ومضطربة. فإن البنية التحتية المتمددة التي
أضفت بركة على التمديد الداخلي، وجريان المياه، والتكييف
فتحت المملكة في نهاية المطاف على عصر التلفزيون الفضائي
والانترنت. إن التحسينات على معدلات المعيشة نتجت أيضاً
عن انفجار سكاني. في ذروة الطفرة النفطية، فإن إجمالي
عدد السكان يقدّر في الخطة الخمسية الثالثة بين سبعة وثمانية
ملايين. أما اليوم فإنّه يصل الى 21 مليون نسمة، فيما
تشكل نسبة 47.8 % من السكان تحت عمر الخامسة والعشرين.
إنهم الشباب الذين نموا في تواصل مع العالم الخارجي والذين
هم يشكّلون بصورة خطيرة تحدياً للنظام السياسي والاجتماعي
القائم. فهناك فوضى متزايدة في المملكة، والتي لم تكن
فيما مضى موجودة حين عشت هناك في ذروة الطفرة النفطية.
هذه الفوضى تأتي من الشباب، وكثير منهم في حالة ثورة لأنهم
سأموا. وهم يريدون المزيد من الحرية الاجتماعية. هم يريدون
حصة زائدة من الثروة الوطنية. والمطلب الأكثر خطورة هو
المزيد من الشفافية في الحكومة. ما لا تريده الأغلبية
العظمى هو الديمقراطية على الطراز الغربي، أو أن تكون
المسؤولية بيدهم في الحكم. فمع إصلاحات تسمح وبصورة أكبر
توزيع الثروة، فإن معظم السعوديين من مختلف الاعمار يرغبون
في مواصلة دعم الوضع القائم الذي يديره آل سعود. ولكن
السؤال يصبح هو كم هو الوقت الذي سوف تستغرق قدرة آل سعود
على الضبط قبل أن يفقدوا القبضة على الثروة وقبل أن تكون
بركة المال النفطي المتقلّصة غير كافية على تحريك عجلات
النظام السياسي.
منذ زمان عبد العزيز، فإن آل سعود أقاموا شرعيتهم على
دعوى حماية الحرمين الشريفين، في مكة والمدينة، ورئاسة
ما يؤول الى تحالف القبائل المعتمدة على الهبات والشرهات.
ولكن هذان العمودان يهويان، ويتقوّضان بواسطة الفساد الاخلاقي
والمالي. عاش عبد العزيز حياة الشيخ الذي يحكم مع بركة
المؤسسة الدينية ويقدّم حكمه الى رعاياه عبر أفعاله. وبالرغم
من الحكم التسلّطي، فإنه حظي بدعم أغلب رعاياه. وحين توفي
في العام 1953، فإن أسلافه، كل أشقائه أو إخوته من أبيه،
دافعوا عن تلك الصورة بدرجات متفاوتة.
إبنه، الملك سعود، كان مسرفاً حيث تمّ عزله من العرش
بواسطة العائلة. فيصل كان المصلح الفكري والزاهد، حيث
وضع السعودية على طريق التحديث. خالد كان الشيخ الطيب
الذي كان الأسعد في الصحراء مع القبائل. فهد كان بلاي
بوي وعاش حياة ترف وانتهك أغلب القوانين التي يقوم عليها
احترام الشيخ. في سن التسعين، عبد الله، الملك الحالي،
يحظى باحترام وهو على المستوى الشخصي غير ملوّث بالفساد.
ولكن أيامه باتت معدودة.
من سيأتي لاحقاً؟ أخٌ هرم آخر الذي لن يدوم بقاؤه في
العرش طويلاً؟ عضو من الجيل اللاحق؟ إذا كان كذلك، من
من الاحفاد سوف يصبح خادم الحرمين الشريفين؟ هل سوف يسعى
للتمسك بنموذج ال سعود الديني، والسياسي والاقتصادي، أم
سوف يبحث عن التغيير؟ من سيخلقه ـ هل أحد أبنائه، وعليه،
سوف يقوم بتأسيس سلالة داخل جناح من العائلة، أو أن أحد
أبناء عمومته يتم اختياره بالاجماع عبر العائلة حيث تضم
سبعة آلاف أمير، كلهم ينحدرون من عبد العزيز بصورة مباشرة؟
الزمن فقط من سيجيب عن ذلك. ذاك هو التحدي. المعضلة التي
انطلقت في العالم العربي في 2011 ضيّقت نافذة الفرصة حيث
يمكن آل سعود أن يعثروا على طريقة للإمساك بالسلطة.
أولئك الذين يعتمدون على النفط السعودي يعولون كثيراً
على ما يحدث. ويبقى السعوديون بصورة عامة مهادنين أيضاً
للقيام بثورة. وحتى إذا تجمّعوا فإن الطاقة والالتزام
لإطاحة آل سعود بالقوة، فإنهم لا يملكون الايديولوجية
أو المؤسسة القادرة على خلق نظام حكم بديل. كما ليس هناك
أي مؤسسة يمكن بناؤها من أجل الخير العام، لأنه ليس هناك
مفهوم بين السعوديين للمنافع لأي شخص خارج نطاق العائلة.
ذلك يعني إما أن يبقى آل سعود غير فاعلين إلى حد كبير
للهيمنة على النسيح الاجتماعي المتدهور، والذي يشمل المؤسسة
العسكرية، أو أن البلاد تنفلش. مناطق المملكة ـ الحجاز،
الإحساء، ونجدـ تنفصل بعضها عن البعض الآخر، تأتي بعد
ذلك مناطق عسير، وجيزان، والمنطقة الشمالية. الشيعة في
المنطقة الشرقية، الذين يديرون من الناحية الجوهرية شركة
أرامكو، يحمِّلون الوهابيين مسؤولية الظلم الواقع عليهم.
العائلة والقبيلة يحافظان على مصالحهما الخاصة. وأن الاجانب
الجشعين الى جانب المؤسسات العسكرية القوية يجتمعون للمنافسة
على مصادر النفط في المملكة المنهارة. ومع المعظلة وارتفاع
أسعار النفط، فإن الجميع يخسر ـ آل سعود، السعوديون، والاقتصاد
العالمي.
عن موقع (ذي ناشيونال انترست)،
13 سبتمبر 2013
|