غزوة شرورة.. هل دقّت ساعة آل سعود؟
فؤاد ابراهيم
باحث وناشط سياسي
عن جريدة الأخباراللبنانية
هل دخلت السعودية دائرة الاستهداف من قبل «القاعدة»
و»الدولة الإسلامية»؟ سؤال فرضته الأحداث الأخيرة على
الحدود السعودية اليمنية، والتي انتقلت إلى داخل أراضي
المملكة باستهداف مقر أمني، كذلك فإن «الجهاديين» استكملوا
من حيث الإطار النظري والشرعي شروط الجهاد في الجزيرة
العربية
اشتعلت مواقع التواصل الاجتماعي بالبيانات والبيانات
المضادة بين «القاعدة» و»الدولة الإسلامية» من جهة ووزارة
الداخلية السعودية من جهة ثانية، منذ حادثة شرورة، جنوب
المملكة، في 5 تموز الجاري، حين اقتحم ستة من عناصر «القاعدة»
منفذ «الوديعة» على الحدود السعودية اليمنية، وأسفرت نتائج
المواجهات عن حصيلة من القتلى والجرحى من الجانبين، فيما
أقدم انتحاريان على تفجير مبنى المباحث العامة.
من دون شك، فإن إعلان أبو بكر البغدادي إقامة دولة
«الخلافة» في المناطق التي فرض سيطرته عليها في سوريا
والعراق قد عجّل في تسخين الجبهة الجنوبية في السعودية،
في ظل انفلات أمني خطير على طول الحدود الجبلية بين السعودية
واليمن. فلطالما أعلن حرس الحدود الجنوبية عن متسللين
بالآلاف قادمين من اليمن، آخرها كان إعلان حرس حدود عسير
في 2 تموز الجاري عن إيقاف 3924 متسللاً من اليمن. وبصورة
عامة، تمثّل الحدود الجنوبية منفذاً للتهريب بأنواعه وأصنافه
كافة، بما في ذلك البشر والسلاح.
لا بد من الإشارة أيضاً إلى أن إعلان «الدولة الإسلامية»
بعث الأحلام الوهابية في نسختها الأصلية من رقادها، وربما
عجّل في قرار البدء بعمل ما يكسر الركود في منطقة الجزيرة
العربية التي بدت كما لو أنها في منأى عن الفوضى المتمدّدة
في العراق وسوريا.
في الإطار النظري والشرعي، استكمل «الجهاديون» في التيار
السلفي الوهابي (القاعدة والدولة الإسلامية) شروط الجهاد
في الجزيرة العربية. فالرؤية الشرعية مكتملة والخطط الاستراتيجية
كذلك، بانتظار قرار القيادة التي يبدو أنها حسمت خيارها
باتجاه التصادم، هذا ما تخبر عنه أدبيات «القاعدة» بوضوح.
يرسم أبي بكر ناجي (أحد منظّري القاعدة) في كتابه «إدارة
التوحّش... أخطر مرحلة ستمر بها الأمة»، خريطة طريق الجهاد
في المنطقة. ويقرر أن تيار السلفية الجهادية (أي القاعدة
وتفرعاتها) توصّل إلى أن إدارة التوحش هي أخطر مرحلة،
فإذا نجحت «القاعدة» في إدارتها بصورة متقنة فستكون المعبر
لدولة الاسلام المنتظرة منذ سقوط الخلافة.
|
ويفشي ناجي أسراراً بالغة الأهمية والخطورة بقوله إن
القيادة العليا في تنظيم «القاعدة» كانت ترى أن شباب جزيرة
العرب هم قوتها الضاربة، إلا أنها لم تكن ترشّح الجزيرة
للتغيير لعدم توافر الشروط، ومنها ما ذكره الشيخ أبو بصير
الطرطوسي في «سؤال وجواب عن حكم النظام السعودي» من كتاب
«شهادة الثقات... آل سعود في ميزان أهل السنّة، جمع صالح
بن سعد المحسن، نشر خاص، إصدار كانون أول 2003»، حيث استدرك
على من قال بأن كفر النظام يستلزم الخروج عليه، وقال:
«نعم، من الناحية الشرعية يجب الخروج عليه، بينما من الناحية
العملية الواقعية فإن الخروج له شروطه وترتيباته ومقدماته،
لا أرى استعجاله قبل استيفاء تلك الشروط والترتيبات والمقدمات،
والتي منها أن يكون فكر الخروج على أنظمة الكفر هو فكر
التيار الأعظم من المسلمين. وإلى حين أن يتحقق ذلك، لا
مانع شرعاً إن وجدت المقدرة وأمنت الفتنة الأكبر من العمل
على استئصال بصورة فردية من تشتد فتنته على البلاد والعباد
من طواغيت الحكم والكفر والجور، وإراحة العباد».
ولكن موقف القيادة تغيّر لاحقاً، بحسب ناجي، إذ خلصت
إلى أن ثمة انقلاباً حدث في عوامل التغيير «وأصبحت الجزيرة
من الدول المرشحة». ويضيف على ذلك «إن القيادة وضعت لها
أولوية، وذلك لكون العدو فيها ــ وهو نظام آل سعود ــ
يمثل أكثر الأنظمة المُعادية للمجاهدين ضعفاً، فكانت جزيرة
العرب تطبيقاً مثالياً لهذه القاعدة».
للإشارة، كان تنظيم «قاعدة الجهاد في جزيرة العرب»
قد نشر سلسلة كراريس بإشراف الشيخ يوسف العييري (قتل في
30 أيار 2003 في المواجهات مع قوات الامن السعودية) حول
مشروعية الجهاد في المملكة، ومن بينها «النبع الفياض في
تأييد الجهاد في الرياض»، و»انتقاض الاعتراض على تفجيرات
الرياض» للشيخ عبد الله بن ناصر الرشيد، وكان يردّ فيه
على ما يعتبرها الشبهات التي أثارها ما وصفه تهكماً الموقع
العقلاني «الإسلام اليوم»، والكتاب الآخر «غزوة شرق الرياض:
حربنا مع أميركا وعملائها».
على أي حال، فإن «مجاهدي» تنظيم القاعدة و»داعش» التقوا
في خطة الانغماس في عمل مفتوح يمهّد «لإقامة شرع الله
في الجزيرة العربية، وإن أدى ذلك إلى إراقة الدماء وإتلاف
الأموال»، بحسب أدبيات «القاعدة».
كفر الدولة السعودية لم يعد موضع جدل وسط هؤلاء «المجاهدين»،
فقد حسم في فترة مبكرة، وأعانهم عليه فهمهم ــ نقلاً عن
مصادرهم ــ لمواقف الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ، المفتي
العام في زمن الملك فيصل (قتل 1975)، وكذلك الشيخ عبد
العزيز بن باز، المفتي العام السابق، والشيخ محمد صالح
بن عثيمين، وأخيراً نصوص «مذكرة النصيحة»، التي وقّعها
108 من مشايخ الصحوة ورفعت إلى الملك فهد في تموز 1992،
والتي توّجت بكتاب أبي محمد المقدسي «الكواشف الجليّة
في كفر الدولة السعودية».
الخلاف يقع في ترجمة الحكم إلى موقف عملي، وهذا ما
يأخذه مقاتلو «القاعدة» و»الدولة الإسلامية» على العلماء
والمشايخ بأنهم وقعوا في إثم «المداهنة». ولذلك يعتقد
مقاتلو «القاعدة» بأن الله عوّض مشايخ الصحوة الذين «داهنوا»
النظام السعودي بأسامة بن لادن الذي ضحّى بماله ونفسه
من أجل تحكيم شرع الله.
ويرى مقاتلو «القاعدة» و»الدولة الإسلامية» أن السعودية
أولى بالقتال من غيرها من الدول، ويعقدون لذلك مقارنة
في هيئة تساؤل: «حكومةٌ كافرةٌ تحكم دولةً في وسط آسيا
وبين الجبال ــ في إشارة إلى أفغانستان ــ أم حكومات تحكم
بلاد العرب التي فيها جلُّ ثروات المسلمين النفطية، وذات
المواقع الاستراتيجية؟! حكومةٌ تحيط بكابل وقندهار، أم
حكومات تحيط بمكة والمدينة وبيت المقدس وتمكّن لليهود
والنصارى من تدنيس مقدسات المسلمين؟!».
قبل أيام من موعد تنفيذ عملية شرورة، أطلق ناشطو «القاعدة»
في مواقع التواصل الاجتماعي، وفي موقع «تويتر» على وجه
الخصوص، أشبه ما يكون بتحذير استباقي للسلطات السعودية.
وجاء في تغريدة قبل ثلاثة أيام من حادثة شرورة تغريدة
لشخص يدعى «المفخخ #خلافه» يقول إن «في شرورة أشجع الفرسان
ــ أبطالنا الانغماسية... راح ينغمسون في المباحث بإذن
الله». وأكّدت مصادر «القاعدة» أن «العملية مرتّب لها
سلفاً منذ فترة»، وأن مجموعة انغماسية تابعة لـ««نظيم
قاعدة الجهاد في جزيرة العرب» اقتحمت معبر الوديعة الحدودي
عبر سيارة مفخخة واقتحام عدد كبير من المسلحين.
بيان وزارة الداخلية السعودية بدا مربكاً منذ اللحظة
الأولى، من حيث كمية المعلومات والصور التي قدّمها إلى
الرأي العام، حيث اعتبر ما جرى في الوديعة وشرورة مجرد
«اعتداء على دورية أمنية»، واستولى شخصان من المجموعة
المقتحمة أو المنغمسة، بحسب تعبيرات «القاعدة»، على السيارة
وتوجّها بها إلى محافظة شرورة، وتمت مطاردتهما والاشتباك
معهما، فيما تمكّنت سيارة أخرى يستقلها اثنان من المجموعة
باقتحام مبنى الاستقبال التابع للمباحث العامة في محافظة
شرورة وتمكنا من دخول المبنى بعد مقتل أحد رجال الأمن،
ثم قاما في صباح اليوم التالي، أي السبت، 5 تموز، بتفجير
نفسيهما في المبنى.
وذكر بيان وزارة الداخلية السعودية أن عناصر المجموعة
المقتحمة هم من المطلوبين لوزارة الداخلية وموجودين خارجها.
رواية «تنظيم قاعدة الجهاد في جزيرة العرب» تبدو متطابقة
في بداياتها، ولكن مختلفة إلى حد كبير في تفاصيلها وخواتيمها،
حيث ذكرت أن مقاتلي التنظيم قاموا أولاً بتفجير «منفذ
الوديعة الحدودي» في الجانب اليمني، ثم تقدمت سيارات القاعدة
إلى جانب السعودية، واستطاع مقاتلو التنظيم التقدم إلى
موقع دورية «لحرس حدود آل سعود» واشتبكوا معها وقتل ضابط
الدورية التابع ومعه جندي آخر، ثم سيطر مقاتلو المجموعة
على سيارة تابعة لحرس الحدود، وتقدّم بها 2 من أبناء شرورة،
فيما كان آخران يشتبكان مع عناصر الأمن السعوديين. ووصلا
بسيارة حرس الحدود إلى مبنى مباحث شرورة التابع لوزارة
الداخلية واشتبكا مع حرس المبنى فقتل جنديان، ثم سيطر
عناصر «القاعدة» على مبنى المباحث بالكامل، وتمكنوا من
أسر عدد من ضباط المباحث فيه. وكان الهدف من وراء ذلك
هو الدخول في عملية تبادل أسرى: إطلاق سراح الضباط في
مقابل إطلاق سراح نساء معتقلات وشيوخ مقرّبين من «القاعدة»
في سجون المباحث السعودية.
وخاضت قوة عسكرية سعودية ومقاتلي «القاعدة» مواجهات
استمرت 19 ساعة، ومع رفض مطلب التبادل، قرر المقاتلان
من القاعدة الاستمرار في المواجهة حتى النهاية، وبعد أن
نفدت ذخيرتهما لجآ إلى الأحزمة الناسفة التي أدت إلى مقتل
عدد من ضباط المباحث، فيما بلغ عدد الجرحى 18 عنصراً من
بينهم رائد مظلي، حزام مفرج محمد الدوسري، والرائد فهد
حجاج المطيري، ورئيس رقباء محمد صالح جدوع العمري، وعدد
من الرقباء والعرفاء والجنود.
وبقدر ما كشفت الحادثة عن تطوّر أمني خطير، لجهة ضعف
الجاهزية الأمنية والعسكرية لدى الجانب السعودي، وتصميم
«القاعدة» و«الدولة الإسلامية» كما تكشف عن ذلك تحضيراتهم
الميدانية والإعلامية والفكرية على الالتحام المباشر والمفتوح
مع من يصفونهم بـ«آل سلول»، فإن ما يزيد الأمر خطورة هو
ردّ الفعل غير المتوقّع من قبل الرأي العام المحلي. فعلى
خلاف ما كان يصدر عن التيار الديني الوهابي على مستوى
الشارع والنخبة الدينية من ردود فعل ضد الأعمال الإرهابية
التي كان يقوم بها تنظيم «القاعدة»، فإن ثمة انقساماً
شعبياً يكاد يكون متكافئاً، من حيث التأييد والرفض، باستثناء،
بطبيعة الحال، المكوّنات التي هي في الأصل على خلاف مع
«القاعدة» وعقيدتها الوهابية مثل الشيعة والصوفية والاسماعيلية
وكذلك التيارات الفكرية والسياسية الحديثة الليبرالية
والعلمانية واليسارية.
ما يجدر الالتفات إليه هو أن ما يجري داخل المكوّن
الوهابي الشعبي في المملكة السعودية انقلابي بكل ما للكلمة
من معنى. في السابق كان الفعل الارهابي يموت بموت الضالعين
فيه من جانب «القاعدة»، ولا يجد له من يدافع عنه، ولكن
اختلفت الحال اليوم، فثمة مدافعون عنه ومنتصرون له ومشجّعون
عليه.
مشهد يكتنز دلالات مفتوحة: أحد أنصار القاعدة على «تويتر»
ردّ على من اعترض على الجهاد ضد آل سعود بطريقة لافتة
بأن وضع صورة تحوي نواقض الإسلام. يريد القول ببساطة إن
«آل سعود» جاؤوا بناقض أو أكثر من نواقض الاسلام، فاستحقوا
الكفر وتالياً المقاتلة... وصولاً إلى إقامة الخلافة وتحكيم
شرع الله.
|