السعودية.. قوة إقليمية من ورق
عبد الوهاب فقي
مقالات الكتّاب السعوديين، خصوصاً المستشارين لأمراء
آل سعود، مثل نواف عبيد، تبتغي إيصال رسالة واحدة تقول:
إن المملكة قادرة على العمل بصورة مستقلة عن الولايات
المتحدة، وأن بإمكانها تحقيق أهدافها دون الاستعانة بالحليف
الأميركي. نواف عبيد، مستشار تركي الفيصل، تكفّل بكتابة
سلسلة مقالات دفاعية عن السعودية في كل منزلق تذهب اليه،
وفي هذه المرة رأى ـ حسب التوجيهات الرسمية ـ التشديد
على أن الرياض قادرة على الاحتفاظ بموقعها كدولة محورية
في المنطقة؛ من بينها مقالة له نشرت في صحيفة (ذي تلغراف)
اللندنية بعنوان: (السعودية قوة إقليمية جديدة في المنطقة).
الديلي تلغراف البريطانية، وصفت السعودية بأنها قوة
إقليمية عظمى جديدة في المنطقة، وأنها أثبتت جدارتها بهذا
اللقب من خلال قدرتها على بناء تحالف يضم 12 دولة، وإطلاق
حملة عسكرية كبيرة باسم «عاصفة الحزم»؛ مضيفة بأن تداعيات
الأزمة اليمنية على الأمن القومي السعودي، ومنطقة الخليج
بأكملها، بالغة الأثر، وإن احتمال سيطرة ميليشيا مدعومة
من ايران على اليمن بموقعه الاستراتيجي في جنوب الجزيرة
العربية كان خطا احمر بالنسبة للمملكة.
وإزاء هذه التهديدات كان من الضروري أن تنتهج السعودية
سياسة دفاعية جديدة تؤمن حدود المملكة مع بناء قدرات القوات
المسلحة السعودية لتمكينها من خوض حملتين عسكريتين كبيرتين
في آن واحد، يقول نواف عبيد، موضحاً ان الملك سلمان أمر
باستخدام 100 طائرة مقاتلة حديثة و150 الف جندي وقوات
برية وبحرية كبيرة، وذلك لمواجهة تحدّي اليمن.
ويقول نواف عبيد للديلي تلغراف بأن الرياض لم تتوفر
على بديل لتحذير ايران سوى شن الحرب (عاصفة الحزم)، مؤكداً
ـ أي نواف عبيد ـ بأن قوة الرياض الاقتصادية والمالية
والنفطية فضلاً عن موقعها الديني.. يجعلها مرشحة طبيعية
للقيام بدور قيادي في عالم إسلامي مثقل بالأزمات. هذا
الدور سيعتمد على العضلة العسكرية، حيث أشار عبيد الى
أن الرياض تعتزم صرف مائة وخمسين مليار دولار لتطوير قدراتها
العسكرية وتوسيعها، بما يمكنها من تحقيق دورها القيادي.
الطريف أن نواف عبيد عاد وكتب مقالاً آخر في ذات الصحيفة
اليمينية وفي السياق نفسه، حيث أضاف بعداً جديداً بأن
عدّ ما وصفه (تحرير جنوب اليمن) دليلاً على أن قوة السعودية
تتنامى.
وفيما يتجاوز عبيد المعطيات على الأرض وحقائق الميدان
يقفز الى نتائج متخيّلة بقوله أن النجاح الباهر للقدرة
العسكرية السعودية ضد الحوثيين المدعومين من ايران في
اليمن يؤشر الى نقطة تحوّل مهمة في سياق تطور العقيدة
الدفاعية الناشئة للمملكة.. وهنا يلفت الى النقطة الحرجة
في العقل السياسي السعودي بقوله: (منذ بدأت إدارة أوباما
سياستها المدمّرة بالتقارب مع ايران، عملت السعودية على
تأسيس موقف دفاعي جديد حيث يمكن استخدام احتياطياتها العسكرية
الخاصة ـ وليس الحلفاء التقليديين مثل الولايات المتحدة،
المملكة المتحدة أو فرنسا ـ للدفاع عن مصالحها. وعليه،
حين حاولت إيران إطاحة حكومة منتخبة ديمقراطياً في اليمن،
وهي حليف أساسي للرياض، تمّ نشر قوات عسكرية بقيادة السعودية).
في تصوير عبيد وأمراء آل سعود، فإن الاستراتيجية العسكرية
الجديدة للسعودية لا يبدو أنها تعمل فقط، ولكن من المحتمل
أن تصبح كنموذج لأعمال أخرى في المستقبل، والتي يمكن أن
تسري وتتمدد في منطقة الشرق الأوسط المنغمس في الصراعات
لسنوات قادمة..على وجه الخصوص الحرب الأهلية في سوريا.
لابد من الوقوف على واحد من أبشع الأكاذيب التي يسوقها
آل سعود وأبواقهم في العدوان على الشعب اليمني، ولتبرير
الجرائم التي يقترفونها ضد المدنيين. يحاول عبيد أن يقارب
جرائم ال سعود في اليمن بطريقة خادعة وتبريرية وسخيفة
حين يجعل من حجة إخفاء الأسلحة في الأحياء السكنيّة وبين
المدنيين مبررا لقتلهم. ويقول بأن هناك مزاعم من قبل منظمات
حقوق الانسان بأن التحالف السعودي نفّذ غارات دون تمييز
ضد أهداف مدنية في اليمن. ويرد عبيد على ذلك، بأن السعودية
استخدمت أسلحة دقيقة مثل تلك التي استخدمتها بريطانيا
خلال التدخل العسكري في ليبيا سنة 2011. واضاف بأن المشكلة
مع هذه الانواع من التدخلات العسكرية، أن العدو يحاول
دائماً اخفاء معداته العسكرية في مناطق مأهولة بالسكان،
ما يجعل من الصعوبة بمكان التمييز بين المحارب والمدني.
ويقول عبيد بأن التحالف الذي جمعته السعودية يمثل درساً
رئيسياً للغرب، وان نجاح التحالف في اليمن، فإن الملك
سلمان عازم على نقل اهتمامه ـ الحرب المباشرة ـ إلى سوريا،
رغم اعترافه بتعقيدات الوضع هناك، لكنه يتدراك فيقول:
(هناك بوادر مشجعة بالفعل بأن تدخلاً عسكرياً فاعلاً بقيادة
السعودية في سوريا قد يكون ضروريا).
هذه أحلام عبيد ومن ورائه أسياده السعوديين، الذين
غرقوا في اوحال اليمن، والأرجح أنهم سيتلقون هزيمة نكراء
غير مسبوقة قد تفضي الى تفتت الكيان السعودي.
الغرور والتعالي والرغبوية لدى صانع القرار السعودي
وُضعت الآن على المحك، وفي الميدان العسكري، براً وجواً
وبحراً. فلننتظر أين ستصل النجاحات السعودية العظمى! وكيف
سيرقع آل سعود وهمهم بإنشاء امبراطورية بعضلات رخوة.
|