داعش وآل سعود.. عقيدة التدمير!
تحت عنوان )الغرب يندد بإقدام داعش على تدمير المواقع
الأثرية ويتغاضى عما يفعله السعوديون( كتب الصحافي البريطاني
روبرت فيسك مقالة في صحيفة (الاندبندنت) في 12 أكتوبر
الجاري جاء فيه:
المتفجرات تدمر المواقع التاريخية في منطقة الشرق الأوسط،
والجرافات تمحو المقابر القديمة والأضرحة، وتمزق الحصون
التاريخية العائدة الى الفترة العثمانية.. وحتى منزل زوجة
الرجل الأكثر احتراما لدى المسلمين، يحوله الحكام السعوديون
إلى مكان للمراحيض. كيف يمكن للعالم أن يمنع هذا التدنيس
الشيطاني وابادة التراث الذي ينتمي للبشرية جمعاء؟ أنا،
بالطبع، أشير الى أولئك التكفيريين السلفيين الوهابيين
من قاطعي الرؤوس.. السعوديين!
العالم لن يفعل شيئاً على الإطلاق. بل سوف يرفع صوته
بالصياح وتعابير الغضب واللعنات على الارهابيين من سلفيي
داعش وهم يفجرون الآثار الرومانية في تدمر، ولكنه لن يجرؤ
أبداً - ولا يفكر حتى - على التفوّه بكلمة احتجاج ضد التدمير
المتعمّد الذي تنفذه المملكة السعودية لازالة المقابر
القديمة والمنازل والأضرحة والمباني العائدة للنبي محمد
وآل بيته وأصحابه. بطبيعة الحال، فإنه يمكن للبعض القول
إن بقايا الآثار الرومانية أكثر قيمة من القطع الأثرية
للإسلام. ولكن ذلك سيكون رد فعل عنصرياً أن ننظر الى الإمبراطورية
الرومانية باعتبارها أكثر أهمية من الإمبراطورية الإسلامية.
إن السبب الحقيقي لتجاهل العبث بالكثير من المواقع
الإسلامية هو أننا لا يمكننا - وهذا ما يجب ألا يكون -
انتقاد السعوديين الذين يملكون ثروة تفرض الصمت علينا
جميعا، إلى حد ارتكاب فاحشة مثلما فعل رئيس وزرائنا بتنكيس
الأعلام عند وفاة حاكمها المستبد. ممنوع الاعتراض أو حتى
الهمس الناعم الذي يمكن أن يربط أصدقاءنا السعوديين بالجماعة
الدينية المتوحشة المسماة داعش، والتي تتبع بحزم مطلق
المذهب الوهابي الذي خرج قبل 270 عاما على يد أسلاف العائلة
المالكة حاليا في السعودية.
في الأيام القليلة الماضية، شهدنا تدمير قوس النصر
الرائع في تدمر، العائد الى ما قبل 1800 سنة، الذي ربما
شيد للاحتفال بذكرى انتصار الإمبراطور أوريليوس على الملكة
زنوبيا، التي تم سحلها في وقت لاحق، على غرار ما تفعله
داعش، في شوارع روما. ان تحويل آثار تدمر إلى ركام جريمة
حرب، وفقا للأمم المتحدة. ولكن عندما تزيل البلاد التي
تحتضن المئات، وربما الآلاف، من أنصار تنظيم داعش ومموليه،
التاريخ الإسلامي في الجزيرة العربية، بما في ذلك 90 في
المائة من مواقع مكة القديمة، فإننا لا نولي اهتماماً
كبيراً لهذا التخريب الشامل ولا نفعل أكثر مما نفعله في
حالة كسر زجاج نافذة في كنيسة.
فلنلق نظرة على ما يجري في السعودية، حيث تم بناء مكتبة
على المسكن الذي ولد فيه النبي محمد في مكة المكرمة، ومن
الممكن الآن أن تحل محلها ناطحات سحاب. كما تم جرف مسجد
بلال، الذي يعود تاريخه إلى الفترة نفسها. اما منزل اولى
زوجات الرسول السيدة خديجة، في مكة المكرمة فقد تم تحويله
إلى دورات للمياه. وشيد فندق هيلتون مكة على أطلال بيت
أبي بكر، والد زوجة الرسول وأول خليفة بعده. كما تم تدمير
مئات المنازل العثمانية القديمة في السعودية واُزيلت العمارة
العثمانية في جميع أنحاء الحرم المكي بحجة مشاريع التوسعة
في مشاعر الحج. وكانت خمسة مساجد شهيرة بنتها ابنة النبي
محمد وأربعة من أصحابه، هدمت منذ 90 عاما. وبعد ان نشر
اللبناني المسيحي الأستاذ كمال صليبي كتابا في عام 1985
يشير إلى أن العديد من القرى السعودية تحمل أسماء أماكن
توراتية يهودية، محت الجرافات وجودها بالكامل.
ويرتبط هذا الدمار البشع للتاريخ الإسلامي بالعقيدة
التي تؤمن بها داعش ويدعو لها المذهب الوهابي لازالة الشركيات،
وهي التعاليم التي اعتمدها السعوديون منذ القرن الثامن
عشر. ومن هذه التعاليم جاءت فكرة أن أي أثر تاريخي يمثل
ذريعة لعبادة الأصنام، وهو المبدأ الذي اعتمد بحماسة شرسة
من قبل القبائل النجدية السعودية. وعندما انتقل عبد العزيز
بن سعود إلى مكة المكرمة في العشرينات من القرن الماضي
كان اول ما قام به جيشه، هو تدمير المقبرة التي دفنت فيها
السيدة خديجة، جنبا إلى جنب مع قبر أحد أعمام النبي. ونفس
المصير كان بانتظار مقابر ابنة النبي محمد السيدة فاطمة
وحفيده الامام الحسن بن علي في المدينة المنورة.
وهكذا بدأ تخريب المقابر والقبور والأضرحة والمباني
التاريخية في جنوب غرب آسيا: من المزارات الشيعية في باكستان،
مروراً بتماثيل بوذا الرائعة في باميان، إلى المكتبات
القديمة في تمبكتو. ومن آثار مكة، إلى كنائس الموصل، والآثار
الرومانية في تدمر. هذه الكراهية للتاريخ هي جزء لا يتجزأ
من العقيدة الوهابية التي تريد العودة إلى الوراء وتتعلق
بالماضي شكليا، بينما تعتبر كل اثر رمزاً للنقص والخطيئة.
إذا أردنا أن نفهم تماماً ما هو داعش وما تمثله تصرفاته
الغريبة، علينا أن ندرس بعناية أكبر انماط العقائد الدينية
المخيفة التي تربط داعش وطالبان والقاعدة بشعب السعودية،
الذي يدعو ملكه نفسه فيه خادم الحرمين الشريفين.
|