هل تنهار مملكة الحروب والأزمات؟
إعداد سامي فطاني
الصراع السعودي الإيراني
ليس هناك من جمهور آل سعود من يريد طرح
السؤال الكبير، وهو: لماذا يصبح أعداء آل سعود هم أنفسهم
أعداء الكيان الاسرائيلي، وأصدقاؤهم أصدقاؤه؟ هل ذلك حصل
بمحض الصدفة، أم أن ثمة مشتركات تملي هذا النوع من العلاقة
وهذ التطابق.
صحيفة (وول ستريت جورنال) نشرت مقالاً في 21 فبراير
الماضي كتبها الباحثان ديفيد وينبجر، ومارك ودوبويتز،
في «مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات» وهي مؤسسة تعتبر مقربة
جداً من اسرائيل وتيار المحافظين الجدد. قال الباحثان
في تلك المقالة ان لدى السعودية وحلفائها الخليجيين أسلحة
مالية قوية يمكن ان تستخدم ضد ايران، وأشارا الى أن الرياض
سبق وأن استخدمت النفط سلاحاً ضد طهران، في حين ان صندوق
الثروة لدى السعودية يعطيها نفوذاً كبيراً على اي طرف
يفكر بالاستثمار في ايران. وزعم الباحثان ان الرياض يمكن
أن تضع اللاعبين الماليين أمام خيار: اما التجارة في الرياض
أو في طهران.
و اشار الكاتبان الى شركة تسمى Blackrock، التي صدرت
أنباء في مارس 2015 تفيد بأن مديرها يخطط لرحلة استكشافية
في ايران، وأن السعودية قامت حينها بسحب أرصدتها من الشركة
المذكورة، إضافة الى عدد من الشركات الاخرى. وشدّد الكاتبان
بأن السلاح المالي الأقوى لدى الرياض قد يتمثل بالاستثمار
في أراضيها من خلال العقود والتسهيلات التي تمنح للشركات
الاجنبية للعمل في السعودية، حيث حصلت الشركات من دول
مثل كوريا الجنوبية واسبانيا على عقود بقيمة مليارات الدولارات.
ولفتا الى أن نفس هذه الشركات تبحث عن المشاريع في ايران،
وبالتالي قد تضطر قريباً الى الاختيار بين السعودية أو
ايران.
ويخلص الكاتبان الى أن السعودية مسلحة بشكل أفضل للحرب
الاقتصادية من ايران، خاصة وأنها مدعومة بحليف قوي يتمثل
بدولة الامارات. وبسبب أن ادارة أوباما مترددة بفرض عقوبات
اقتصادية ومالية جديدة على طهران، فإنه في حال وحّد السعوديون
والاماراتيون قوتهم المالية، فذلك قد يكون كافياً لإضعاف
الاقتصاد الايراني مجدداً، على حد قولهما.
دعوات بوقف توريد السلاح الى السعودية
كتب الباحث الاميركي المعروف في «مركز
السياسة الدولية» ويليام هارتنج مقالة نشرت على موقع Lobelog
في 25 فبراير الماضي، أشار فيها الى التقارير التي تفيد
بأن واردات السعودية من الاسلحة قد ازدادت بنسبة 279%
بين عامي 2011 و2015، وذلك مقارنة مع الاعوام الخمسة التي
سبقت هذه الفترة. ولفت الى أن أكثر من ثلاثة أرباع هذه
الاسلحة جاء من الولايات المتحدة وبريطانيا.
الكاتب نبّه الى ان صفقات بيع الاسلحة الاميركية الى
السعودية السابقة كانت تتمحور أكثر حول المال والسياسة
بدلاً من خوض حروب فعلية، حيث كانت الرياض تشتري كميات
كبيرة من الأسلحة مقابل التزام واشنطن بحماية الرياض في
وقت الازمات. لكن كل ذلك تغير مع التدخل السعودي في اليمن،
مشيراً الى أن السعوديين هم «اللاعب الاساس في تحالف تسبب
بوقوع آلاف الضحايا المدنيين بينما قام بقصف كل شيء، من
مستشفايات وأسواق وأنظمة إمداد المياه». وقال أن هذا القصف،
والى جانب الحصار البحري المفروض، تسبب بكارثة إنسانية
في اليمن، مشيراً الى تقارير العفو الدولية وهيومن رايتس
ووتش بشأن قصف الطائرات السعودية للاحياء المدنية اليمنية
بالقنابل العنقودية الاميركية، والتي قد تصنّف ضمن جرائم
حرب.
وعلق الكاتب على الحجة السعودية بأن التدخل في اليمن
إنما هو من أجل التصدي للنفوذ الايراني، بالقول انها حجة
ضعيفة، فمعاناة الحوثيين لا علاقة لها بايران؛ فضلاً عن
أن الدور الايراني في اليمن صغير جداً، مقارنة مع العمل
العسكري الضخم الذي تقوم به السعودية. وفي السياق أكد
الكاتب على حقيقة أن الحرب في اليمن مكّنت تنظيمي القاعدة
في شبه الجزيرة العربية و داعش من التوسع في الأراضي اليمنية.
ورأى هارتنج بأن الحرب في اليمن تنفي مزاعم واشنطن
بأن صفقات بيع السلاح الى السعودية تساعد على تعزيز الاستقرار
في المنطقة، وأضاف أنه وعلى رغم دعوة إدارة أوباما الى
الدبلوماسية وضبط النفس، فإن الاسلحة والمساعدة اللوجستية
الاميركية تلعب دوراً مركزياً في الحملة العسكرية السعودية.
موضحاً أن أن السياسة الاميركية تدعم عملية عسكرة السياسة
السعودية هذه، إذ أشار الى ورقة أعدتها مؤسسة Security
Assistance Monitor والتي كشفت بأن صادرات الاسلحة الاميركية
الى السعودية قد ازدادت بنسبة 96% مقابل فترة رئاسة بوش
الابن. كما أفادت هذه الورقة بحسب الكاتب، أنه في عام
2014 وحده، تلقّى أكثر من 2500 جندياً سعودياً التدريب
في الولايات المتحدة.
وقال هارتنج بأن العديد من أعضاء الكونغرس قد بدأوا
يطرحون الاسئلة حول كيفية استخدام الاسلحة الاميركية في
اليمن، وذلك في الوقت الذي تبنى فيه البرلمان الأوروبي
قراراً بدعوة دول الاتحاد الى فرض حظر بيع السلاح الى
السعودية بسبب ما تقوم به في اليمن. وبناء على ذلك كله،
قال الكاتب، فإن «المنطق والعدالة» تتطلبان من الولايات
المتحدة وحلفائها الاوروبيين «الاعتراف بالنتائج الكارثية»
جرّاء دعم النظام السعودي، مشدّداً على ان الخطوة التالية
يجب ان تكون وقف تسليح الرياض وأنه «كل ما تمّ ذلك بشكل
أسرع كل ما كان أفضل لأمن المنطقة».
البرلمان الأوروبي وحظر بيع السلاح للسعودية
من جهة ثانية، كتب الباحث Eldar Mamedov
مقالة نشرت على موقع Lobelog في الاول من مارس الجاري،
شدد فيها على ان مشروع قرار البرلمان الاوروبي المطالب
بفرض حظر اوروبي على بيع الاسلحة الى السعودية، يعزز الضغوط
على مجلس الاتحاد الاوروبي الذي يمثل حكومات الدول الاعضاء
في الاتحاد، وذلك على الرغم من أنه من غير المرجح أن تستجيب
هذه الحكومات لدعوة البرلمان الاوروبي. ولفت الكاتب الى
ان تبني البرلمان الاوروبي مشروع قرار حظر بيع الاسلحة
الى الرياض، سبقته حملة تعبئة غير مسبوقة للمجتمع المدني
الاوروبي، إذ وقّع قرابة 750000 مواطناً على عريضة تدعو
البرلمانيين الاوروبيين الى تبني مشروع القرار.
وأشار الكاتب الى أن كثافة المساعي السعودية لعرقلة
تبني مشروع القرار الاوروبي، وهي قد تكون خير دليل على
مدى تأثير هذا القرار، حيث نبّه الى أن الدبلوماسيين السعوديين
الذين عادة ما يلجأون الى ضغوط خلف الكواليس، أجبروا هذه
المرة على تغيير اساليبهم.
وفي هذا الاطار تحدّث الكاتب إلدار ميمادوف عن عدد
من النقاط حاولت السعودية التركيز عليها بغية اقناع البرلمانيين
الاوروبيين بعدم التصويت لصالح مشروع قرار حظر بيع الاسلحة:
النقطة الاولى التي روج لها السعوديون، بحسب الكاتب،
هي أن التدخل السعودي في اليمن كان خطوة ضرورية من اجل
منع حدوث «الارتدادات الجيوسياسية المدمرة على المملكة
و اوروبا و الغرب عموماً»، وأنه بعد مرور عام «اقترب التدخل
السعودي في اليمن من جلب الاستقرار الى البلاد».
لكن الكاتب رأى أن الحقائق على الارض تنفي هذه المزاعم
السعودية، إذ ان لا نهاية في الافق للحرب في اليمن بعد
مرور عام عليها. وقال ان «حكومة هادي المستقيلة تسيطر
على أقل من عشرين بالمائة من أراضي البلاد، كما لا تستطيع
فرض سيطرتها الكاملة حتى على عدن. ثم إن تنظيمي القاعدة
وداعش يكثفان نشاطهما في المناطق الجنوبية، في الوقت الذي
تزداد فيه الهجمات العابرة للحدود السعودية التي يشنها
الحوثيون وحلفاؤهم مثل الموالين للرئيس السابق علي عبدالله
صالح».
النقطة الثانية التي روجت لها الرياض لمنع البرلمان
الاوروبي من تبني قرار حظر بيع السلاح، فهي أنها «استجابت
لدعوة الغرب بتعزيز دورها في محاربة الارهاب، وأنه نتيجة
للعمل العسكري الذي قام به التحالف السعودي، فإن المملكة
لم تعد تعتبر تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية تهديداً
كبيراً». وهنا أيضاً سلّط الكاتب الضوء على زيف هذا الادعاء،
مشيراً الى أن الحرب السعودية قد قوّت نفس هؤلاء المتطرفين
الذين تقول الرياض أنها تحاربهم. وأضاف أن تنظيم القاعدة
استطاع ملء الفراغ في المناطق الجنوبية، لافتاً أيضاً
الى المكاسب السياسية والميدانية التي حققتها داعش، وعليه
قال الكاتب ان المزاعم السعودية بأن القاعدة وداعش لم
تتمكنا من تحقيق أي مكاسب ميدانية هي غير صحيحة، لكنّه
نبّه الى ان ذلك ربما يجب أن لا يكون مفاجئاً، حيث تفيد
التقارير بأن القاعدة قد انضمت الى التحالف السعودي في
معركة مدينة تعز.
وبالنسبة للنقطة الثالثة التي ركز عليها السعوديون،
لإقناع البرلمان الأوروبي بسحب مشروع قراره بحظر بيع السلاح
لبلادهم، هي زعمهم بأن النزاع في اليمن هو نتاج للنفوذ
الايراني الذي يحاول زعزعة الاستقرار عبر وكيل تابع لطهران.
وهنا اشار الكاتب الى وجود إجماع بين الدبلوماسيين الاوروبيين
على الارض، ومراكز الدراسات المعروفة، بأن السعوديين قد
بالغوا في قضية العلاقات الايرانية مع الحوثيين. وقال
انه وبينما قامت كل من ايران وحزب الله بتوفير مستوى من
الدعم السياسي والعسكري للحوثيين، فإنه لا يبدو ان ايران
تلعب دوراً حاسماً في مساعدة الحوثيين عسكرياً أو في رسم
استراتيجيتهم السياسية. وأكد على أن ما يحصل في اليمن
ليست حرباً بالوكالة بين السعودية وايران، وانما نزاع
داخلي تعود جذوره الى عملية انتقال سياسي فاشلة نجمت عن
الاطاحة بالرئيس السابق علي عبدالله صالح عام 2011. كما
أن فساد حكومة هادي وعدم قدرتها على الانخراط في مسعى
جاد وشامل لمشاركة السلطة قد أجّج النزاع أكثر بكثير من
أي تدخل ايراني.
الكاتب عاد ليشير الى أن البرلمانيين الاوروبيين قد
صوّتوا لصالح مشروع قرار حظر بيع السلاح رغم الحملة السعودية.
وذكر بأنه إذا كان لدى الرياض هواجس امنية مشروعة، فإنها
اختارت أن تعالجها عبر الطرق العسكرية والطائفية، وهو
ما يزيد الوضع الأمني سوءً لدى جميع الاطراف، بما فيها
الرياض. وعليه شدّد على أن «أقل ما يمكن للاتحاد الاوروبي
فعله» هو رفض المساهمة في هذه الكارثة من خلال تقديم السلاح،
وبالتالي فإن دعوة فرض حظر على بيع السلاح الى الرياض
«خطوة في الاتجاه الصحيح»، وإنه يجب نقل المعركة الآن
الى مجلس الاتحاد الاوروبي الذي يملك السلطة لتنفيذ القرار.
دعوة تصعيد أميركي خليجي ضد ايران
كتب الباحث الاميركي في معهد واشنطن لشؤون
الشرق الأدنى مايكال نايتس مقالة نشرها موقع Cipher Brief
في 25 فبراير الماضي تحدّث فيها عن انهيار مزدوج في الشرق
الاوسط خلال الاعوام الخمس القادمة: الاول يتمثل بانهيار
دول المنطقة، والثاني انهيار الهيكل الامني في الشرق الاوسط.
الكاتب استبعد ان تعود المنطقة الى ما كانت اليه في
السابق، مشيراً الى ترسخ داعش، والى أن إيديولوجية القاعدة
قد تستمر وإن كان بشكل آخر في حال تمّ تفكيك التنظيم،
كما تحدّث عن الاستقطاب الداخلي في سوريا و العراق، واستبعد
ان تعودا الى التركيبة السابقة. وأضاف أن ايران كذلك أصبحت
أقوى نتيجة الاتفاق النووي، والنشاط المتزايد لروسيا والصين
في المنطقة، إضافة الى أن الضغوط السياسية والاقتصادية
التي ساهمت بنشوء الثورات عام ،2011 ليست مستمرة فحسب،
بل ازدادت سوءً.
وعليه قال إن الرئيس الاميركي المقبل سيكون عليه مواجهة
هذه الحقائق ورسم استراتيجية للتعاطي معها. ورأى أن بعض
عناصر الاستراتيجية الاميركية القديمة يستحق اعادة احيائها،
مشيراً على سبيل المثال الى ان تضافر الجهود لمواجهة ايران
قد تساهم بتعزيز إستقرار المنطقة (حسب زعمه) وتعزز كذلك
ثقة حلفاء أمريكا في المنطقة. في المقابل طالب الكاتب
باعادة النظر ببعض العناصر الاخرى بالاستراتيجية الاميركية
القديمة، لافتاً الى أن أحداث الاعوام الخمس الماضية قد
أثبتت بأن الاصلاحات الاقتصادية والسياسية ضرورية من أجل
تقوية مؤسسات الدولة بما يخدم المصالح الاميركية.
كما رأى الكاتب ان الصراعات الاقليمية الاخيرة كشفت
أيضاً عن فرص موجودة، «مثل استعداد متزايد لدى حلفاء الولايات
المتحدة للعمل المتضافر رداً على تهديدات مشتركة». وقال
إنه في حال تمّ دمج هذا الاستعداد مع قيادة أميركية مجددّة،
فإن ذلك قد يشكل أساساً لهيكل أمني جديد متعدد الاطراف
في المنطقة.
وشدّد الكاتب أيضاً على أن أي استراتيجية جديدة يجب
أن تكون طويلة الامد، وتحظى بتأييد كلا الحزبين الديمقراطي
والجمهوري، مع التأكيد على ضرورة أن يتكيّف السياسيون
الاميركيون مع متغيرات المنطقة.
تباعد روسي سعودي وتقارب روسي إيراني
الدبلوماسي الهندي السابقM. Bhadra kumar
كتب مقالة نشرت على موقعAsia Times بتاريخ 15 فبراير الماضي
وحملت عنوان «لوح الشطرنج في الشرق الاوسط: السعودية تبتعد
عن روسيا»؛ شدد فيها على أن روسيا لا تستطيع ان تعتمد
الا على ايران بينما يقترب «وقت الحسم» في النزاع السوري،
ولاحظ أن روسيا وإيران تواجهان «عزلة اقليمية»، ما يعني
حاجة كل منهما للآخر.
وبشأن الانتقادات الغربية الحادّة لروسيا على خلفية
تدخلها العسكري في سوريا، قال كومار ان المشكلة الأكثر
الحاحاً تتمثل بابتعاد «الدول السنيّة العربية» عن موسكو
التي سبق لها أن سعت وبذلت جهوداً لبناء جسور مع دول مثل
السعودية وقطر والاردن والبحرين، حيث كانت استراتيجية
موسكو ترمي الى توطيد العلاقات مع هذه الدول بغية منع
إعطاء تدخلها العسكري في سوريا طابع الاصطفاف مع «الهلال
الشيعي الذي تقوده ايران في المنطقة.
غير أنه وبرأي الكاتب، فإن الحرب في سوريا والعمليات
العسكرية الروسية التي ساهمت في قلب الميزان العسكري على
الارض لصالح نظام الأسد بدأت تؤثر، حيث قال أن السعودية
بشكل خاص تبتعد عن روسيا، وكل ما يقوم به السعوديون هو
مجرد إعلام موسكو بأن العلاقات الثنائية قد تصاب بنكسة
بسبب الخلافات حول مستقبل سوريا، مشيراً الى نفي وزارة
الخارجية السعودية إعلان لأحد كبار مساعدي الرئيس فلاديمير
بوتين بأن الملك سلمان سيزور موسكو في منتصف مارس الجاري.
وكذلك ما جاء من نقد على لسان وزير الخارجية عادل الجبير
الذي تحدث عن مصير المساعي الروسية «الفاشلة» لانقاذ الرئيس
بشار الاسد هو الفشل.
الكاتب رأى ان حسابات السعودية واضحة بهذا الصدد، فأولاً
تريد هي وتركيا تقويض احتكار روسيا للعمليات العسكرية
في سوريا. وثانياً، يضيف الكاتب، تقدّر السعودية بأن موسكو
حريصة جداً على الاحتفاظ بالعلاقات مع الرياض ضمن استراتيجية
اقليمية تهدف الى توسيع النفوذ الروسي في الشرق الاوسط
على حساب الولايات المتحدة، وبالتالي رأى أن السعوديين
لا يعتبرون أنفسهم خاسرين من دون صداقة موسكو.
اما العامل الثالث، يقول الكاتب، فيتمثل بكون الاستراتيجيين
السعوديين لم يعد يعتقدون بأن التدخل الروسي في سوريا
قد يؤدّي تدريجاً الى تقليص الدور الايراني في هذا البلد،
وذلك بعد ان اعتقد البعض في الرياض أنه يمكن خلق هوة بين
روسيا وايران من خلال توطيد العلاقات الروسية السعودية.
الا ان العامل الاهم وفقاً لرؤية الكاتب، فيتمثل بارتفاع
«مستوى الارتياح السعودي» من الولايات المتحدة، والى ادراك
الرياض بأن الانخراط الاميركي الايراني ليس على وشك ان
يتحول الى شراكة اقليمية ذات اهمية كبرى لاستراتيجيات
واشنطن الاقليمية، كما كانت تخشى.
انهيار الدولة السعودية
نشر موقعDefense One مقالة بتاريخ 16 فبراير
الماضي كتبها الباحثان Sarah Chayes و Alex de Waal حملت
عنوان «إبدأوا الاستعداد لانهيار المملكة السعودية»، وصفا
فيها السعودية بأنها ليست دولة، وإنما مجرد شركة سياسية
تستخدم نموذج عمل ذكي ولكن غير قابل للاستمرار أيضاً،
أو هي تشبه مؤسسة فاسدة تماماً كالمنظمة الإجرامية. وفي
كلتا الحالتين لا يمكن للسعودية أن تبقى، وعلى صناع القرار
الاميركيين الاستعداد بالتخطيط للتعامل مع انهيار المملكة
السعودية المرتقب.
وقال الباحثان: يمكن النظر الى الملك السعودي على انه
الرئيس التنفيذي لشركة تجارية عائلية تحوّل النفط الى
دفعات لشراء الولاء السياسي. الدفعات تأخذ شكلين، الدفعات
النقدية أو الامتيازات التجارية للعدد المتزايد من أتباع
العشيرة الملكية، وتوفير بعض السلع وفرص العمل للمجتمع
العام. وفي الوقت نفسه هناك «قوات الامن الداخلي الوحشية
المسلحة بالاسلحة الاميركية تستخدم العصا القسرية».
الباحثان شدّدا على أن توسيع إنتاج النفط في ظل الاسعار
المنخفضة يعكس حاجة ملحة الى الايرادات والضرورات الاخرى.
وحتى السوق السياسي فإنه أيضاً يخضع لقانون العرض والطلب.
وسأل الكاتبان عما سيحصل في حال ارتفع ثمن الولاء السياسي؟.
وقالا إنه يبدو أن ثمن هذا الولاء قد ارتفع بالفعل، حيث
اضطر الملك سلمان الى صرف الكثير من الاموال من أجل تأمين
ولاء «الوجهاء» الذين سبق وان أعلنوا ولاءهم للملك عبدالله
الراحل. وأشارا الى ان الرياض قد تواجه سيناريو شبيه لما
يحصل في جنوب السودان والصومال، اللتان تعانيان من نفس
هذه المشاكل.
كذلك حذّر الباحثان من أن المملكة قد تواجه الاعسار
السياسي في حال تواصل ارتفاع «مؤشر أسعار الولاء». وشبها
النخبة الحاكمة السعودية بالمؤسسة الاجرامية المتطورة،
في الوقت الذي تطالب فيها الشعوب بمختلف الاماكن بمحاسبة
الحكومة. ولاحظا أنه وبينما تأتي المطالب السياسية بشكل
أساس من الأقلية الشيعية في السعودية اليوم، الا أن هناك
طبقة سنية مثقفة منفتحة بشكل غير مسبوق على العالم الخارجي،
وبالتالي من غير المرجّح أن تبقى راضية ببعض الخدمات التي
يقدمها الحكام.
هذا وحذّر الباحثان من أن أساليب الملك سلمان بالتعاطي
مع أصوات المعارضة، مثل الاعدام وخوض حروب خارجية واللجوء
الى العداوات الطائفية لمواجهة مطالب السعوديين الشيعة،
تحمل في طيّاتها مخاطر جسيمة. وحدد الكاتبان بعض السيناريوهات
في حال ضعف تمسك سلمان بالسلطة:
أحد السيناريوهات: وقوع صراع داخل العائلة المالكة،
حيث يصبح ثمن الولاء أعلى من ان يقدر أي كان على دفعه.
سيناريو آخر: حرب خارجية أخرى، وحذرا من أن التصعيد
قد يحصل بسهولة نتيجة المواجهة بين السعودية وايران في
كل من اليمن وسوريا. وعليه أكد الكاتبان على ان صناع القرار
الاميركيين يجب ان يأخذوا بعين الاعتبار هذا الخطر بينما
يضغطون من أجل حلول اقليمية للمشاكل في المنطقة.
سيناريو ثالث: وقوع تمرد، إما على شكل انتفاضة غير
مسلحة، أو تمرّد جهادي قاعدي او داعشي.
ودعا الكاتبان الولايات المتحدة للتخطيط وفق السيناريوهات
المحتملة.
خيارات الرياض امام خطر الافلاس
محرر الشؤون الاقتصادية في صحيفة الاندبندنت
البريطانية Ben Chu كتب مقالة نشرت في 16 فبراير الماضي
شرح فيها ستة أسباب حقيقية دفعت بالسعودية الى الموافقة
على تجميد مستوى انتاج النفط.
السبب الاول: ان سعر النفط ينخفض بشكل حاد دون وجود
أي مؤشر على الانتعاش. وقد رفضت السعودية خفض الانتاج
رداً على انخفاض الاسعار، اذ توقعت ان الاسعار ستعود الى
طبيعتها، الا أن الأسعار انخفضت أكثر مما توقع السعوديون،
وبالتالي أصبحوا متخوفين جداً.
الثاني: ان المملكة قادرة على ان تؤثر على السعر العالمي
للنفط من خلال زيادة أو خفض المخزون، كما أنها تعد رئيسة
منظمة اوبك، وبالتالي لا يمكن ان تنجح اي خطة بخفض الانتاج
من دونها.
الثالث: السعودية تواجه خطر الافلاس في حال انخفض سعر
النفط بشكل حاد جداً. وذكّر الكاتب بأن صندوق النقد العالمي
قد حذر في اكتوبر الماضي عندما كان سعر برميل النفط ما
زال عند خمسين دولاراً، من أن السعودية تسير على طريق
استنزاف الاصول المالية في غضون خمسة أعوام في حال تواصل
انفاقها بنفس المستوى. وأشار الى ان السعودية ومنذ ذلك
الحين أعلنت اجراءات تقشّف رداً على وضعها المالي المتدهور،
الإ أن سعر النفط انخفض أكثر، ما عزز الضغوط المالية على
الحكومة.
الرابع: يعود الى انهيار سوق البورصة في السعودية،
مدفوعاً بمخاوف الافلاس للشركات النفطية. وقال إن البورصة
السعودية هي الاكثر تضرراً بين البورصات العالمية، بالتالي
يريد السعوديون رفع قيمة قطاع المؤسسات السعودي من خلال
استقرار اسعار النفط.
الخامس: لا تريد السعودية وقف الانتاج بالكامل، لانها
لا تزال تريد الغاء دور منتجي النفط الصخري الاميركيين.
السادس: رغبة السعوديين بابقاء الاسعار منخفضة من أجل
الحاق الأذى بايران. وقال الكاتب إن السعودية لا تريد
ان يستفيد الايرانيون كثيراً من صادرات النفط الجديدة،
وبالتالي تريد ان تبقى الاسعار منخفضة.
(المتهور) ومعالجة الأزمة الأقتصادية
وفي 25 فبراير الماضي نشرت صحيفة (واشنطن
بوست) مقالاً للكاتب هيو تايلور بعنوان (السعودية تعاني
من انهيار أسعار النفط والأمر قد يزداد سوءاً) وجاء فيه:
الانهيار الكبير الذي تشهده أسعار النفط، دفع قادة
السعودية إلى اتخاذ إجراءات تقشفية صعبة للغاية، إلا أن
تلك الإجراءات ربما تمثل تهديدا قاسيا للغاية على برامج
الرعاية الاجتماعية التي توفرها المملكة لمواطنيها، والتي
تعد أساسا مهما لاستقرار النظام الحاكم بها. مثل هذه السياسات،
التي تضطر المملكة إلى اتخاذها، أشبه ما تكون بمغامرة
كبيرة في ظل احتمالات كبيرة لحدوث اضطرابات عميقة داخل
المجتمع السعودي، وهو الأمر الذي حذر منه قطاع كبير من
المحللين والدبلوماسيين.
الأمير محمد بن سلمان، وزير الدفاع، وولي ولي العهد،
والذي يشرف على خطط التنمية الاقتصادية في المملكة، يرى
أن الانهيار الراهن في أسعار النفط يمثل فرصة للسعودية
من أجل تقليل الاعتماد على النفط، وكذلك تقليل الدعم الحكومي،
وتحقيق الإصلاح داخل مؤسسات القطاع العام التي تعاني من
خسائر كبيرة وعدم الشفافية.
إن مسألة التقشف ليست بالأمر السهل، وهو الأمر الذي
يظهر بوضوح في الشكاوى المتعددة لرجال الأعمال السعوديين
الذين يؤكدون أن هناك تراجعاً كبيراً في أعداد عملائهم،
حتى المواطنين العاديين الذين كانوا يوما ما يتفاخرون
بسياراتهم الفارهة وقصورهم الفخمة أصبحوا يشعرون بالقلق
من جراء مستقبلهم المالي الغامض، بينما مراكز التسوق،
والمعروفة بازدحامها الدائم، لم تعد هي الأخرى على عهدها.
الأسواق والمحال التجارية من جانبها لجأت لرفع أسعار
منتجاتها بصورة كبيرة، حتى تستطيع أن تتواكب مع قرار تخفيض
الدعم على السلع الذي اتخذته الحكومة السعودية، بل وأنها
أيضا لم تعد تقوم بتوظيف موظفين جدد، إلا أن الأمر لم
يقتصر على المملكة ولكنّه امتد إلى دول الجوار، من أعضاء
مجلس التعاون الخليجي، والتي من المقرر أن تقوم بإبرام
اتفاقية فيما بينها لفرض ما يسمى بضريبة «القيمة المضافة»،
والتي سوف تدخل حيز النفاذ في عام 2018.
مثل هذه الخطوات التي تشهدها تلك الدول، والتي من شأنها
رفع حالة المنافسة الدولية في أسواق الطاقة العالمية،
تعد بمثابة اعتراف ضمني بأن أيام الوفرة النفطية، والتي
بلغ فيها سعر برميل النفط حوالي 130 دولاراً للبرميل قد
ذهبت بلا رجعة، وبالتالي لا مفر من تحقيق إصلاح حقيقي
داخل مؤسسات تلك الدول.
إلا أن الطريق إلى الإصلاح ليس مفروشاً بالورود، فتحقيقه
يتطلب التخلّي عن العديد من الصفقات التي عقدتها الدولة
مع مواطنيها لعقود طويلة من الزمن، والتي تقوم في الأساس
على تقديم الوظائف برواتب مجزية، وكذلك برامج الرعاية
الصحية والاجتماعية والتعليمية المجانية مقابل الحفاظ
على الاستقرار، وهي الصفقات التي عمقت ثقافة الانفاق المتزايد
لدى مواطني هذه الدول.
تبدو دول الخليج ضعيفة في هذه الفترة، وليس من المعروف
ما إذا كانت سوف تستطيع الوقوف أمام العاصفة أم لا، فهناك
مخاوف كبيرة من جراء حدوث حالة من الاضطراب قد تضرب دول
المنطقة على غرار ما حدث في العديد من الدول إبان ثورات
الربيع العربي، إلا أن الأمر سوف يتوقف في الأساس على
ما سوف تشهده المملكة السعودية، خاصة وأنها دائماً ما
تقوم بدور الأخ الأكبر لدول الخليج الأخرى على المستويين
السياسي والدفاعي.
إلا أن اهتمامات المملكة تغيرت بصورة كبيرة في الآونة
الأخيرة، حيث اتبعت سياسة خارجية أكثر جرأة تقوم في الأساس
على التدخل المباشر في الصراعات التي تشهدها دول الجوار،
وهو الأمر الذي يبدو مكلفاً بصورة كبيرة على المستوى الاقتصادي،
حيث كان سبباً رئيسياً في توجيه انتقادات كبيرة لولي ولي
العهد، والذي يصفه قطاع كبير من المتابعين بـ «المتهور»،
وإن كان مازال يحظى بإشادة كبيرة في الإعلام.
|