السعودية في مرمى الإعلام الغربي
إعداد سامي فطاني
تسلل داعش الى السعودية
نشرت صحيفة نيويورك تايمز تقريراً بتاريخ الحادي والثلاثين
من مارس الماضي، تمّ إعداده من مدينة بريدة في السعودية،
وقد أشار الى قيام مجموعة من الشباب السعوديين المنتمين
الى نفس العائلة بإعدام أحد أقربائهم، كان يعمل ضابطاً
بقوات مكافحة الارهاب السعودية. وأوضح التقرير ان المجموعة
التي قامت بإعدام الضابط تتألف من ستة شباب كانو قد أعلنوا
ولاءهم سراً لداعش، حيث أضاف أن الشباب الستة قاموا بخطف
الضابط المدعو بدر الرشيدي وإعدامه، وأنهم قاموا بنفس
الوقت بتسجيل ادانتهم للعائلة المالكة أمام عدسات الكاميرا
واتهموها بنبذ الاسلام.
التقرير لفت الى مدى خطورة داعش للسعودية، خاصة وأن
التنظيم الارهابي تبنى عناصر من الفكر الوهابي الذي هو
الدين الذي يمارس في السعودية، واستخدمه لنزع شرعية العائلة
الملكية.و نقل عن كول بنزل وهو الباحث بالتاريخ الوهابي
في جامعة برنستون بأن الفكر الوهابي جزء أساس من ايديولوجية
داعش، حيث قال إن طابع الدين الذي تمارسه الجماعة هو مأخوذ
من الوهابية وأن الوهابية هي «العلامة الفارقة» في إيديولوجية
داعش.
وترفض السعودية المقارنة بينها وبين «داعش» على المستوى
الأيديولوجي، إذ يحاجج مسؤولون سعوديون بحجة ضعيفة، ترتكز
على أنه يوجد «الملايين من غير المسلمين في المملكة»،
دون ذكر أن تلك الأقليات تتعرض للاضطهاد لأسباب دينية
وعنصرية وإثنية. وقال التقرير إن الحجة الثانية التي تستخدمها
السعودية هي أنها تشارك في «الحملات ضد المجموعات المسلّحة»،
فيما يذكّر التقرير بتاريخ السعودية في دعم المجموعات
الإسلامية المسلّحة وتمويلها، وذلك إما على مستوى النظام
أو عبر قنوات غير رسمية (شركات، رجل أعمال، رجال دين).
واعتبرت «نيويورك تايمز» أن «داعش» يشكّل تهديداً جديداً
للنظام السعودي، إذ إنه «يستخدم عقيدة المملكة ضدها»،
ويتهمها بـ»إفساد الدين من أجل الحفاظ على الهيمنة». لكن
المملكة تصرّ، وفق التقرير، على أن «الإسلام» السعودي
«لا يروّج للخلافة كما يفعل تنظيم داعش»، وأن «كبار علماء
المملكة يدينون الأعمال الإرهابية”.
في المقابل، يرى ناقدون أنّه فيما تدّعي السعودية وجود
تلك الاختلافات بينها وبين التنظيم، فإنّ كبار علمائها
لم يعلنوا التخلي عن «تلك الجوانب من العقيدة الوهّابية»
التي تبنّاها التنظيم، خاصّة حيال الأقليات كالشيعة الذين
يعتبرهم الكثير من علماء النظام «كفّاراً»، إلى جانب غير
المسلمين. بل على العكس، إذ إنّه يجري الالتزام بتلك العقائد
الوهابية ويحاكم الناس على أساسها، وفق قول النقّاد. وتمكّن
«داعش» من اختراق المملكة عبر «الاستقطاب الرقمي» ومواقع
التواصل الاجتماعي التي استخدمها التنظيم للوصول إلى أشخاص
في داخل السعودية وإقناعهم بموالاة التنظيم، وتنفيذ عمليات
في الداخل «لزعزعة المملكة». ومع ذلك، واجه التنظيم صعوبات
في استهداف قوات الأمن، فدعت أنصارها في الداخل إلى استهداف
أقربائهم الضباط. وفي شهر سبتمبر الماضي، اختطف رجلان
أحد أقربائهما، وهو جندي في الجيش السعودي، وصوّرا عملية
إعدامه، وتمكّنت قوات الأمن من قتل أحدهما واعتقال الثاني.
وقد أشارت مجموعة «جيوبوليتيكال مونيتور» في تقرير
سابق لها إلى دور المؤسسات غير الحكومية الممولة من قبل
آل سعود في نشر ثقافة التطرف في بلاد عديدة حول العالم،
ولا سيما في بلجيكا التي شهدت هجوماً عنيفاً. ويعطي التقرير
نموذج «رابطة العالم الإسلامي» التي أسستها الرياض عام
1962 «لتوحيد المسلمين وإزالة العوامل التي تقسّم المجتمع
الإسلامي حول العالم». لكن الرابطة موّلت باستمرار منذ
1967، الجوامع والمراكز الإسلامية في بروكسل، حيث يروّج
لعقيدة المملكة عبر دعاة غير محليين. وقد موّلت المملكة
المئات من المراكز وآلاف المدارس في بلاد غير إسلامية
حول العالم.
هذا فيما نبه التقرير الى ان إعدام الضابط الرشيدي
هي الحادثة الثالثة وأن مرتكبو الجرائم برروا اعمالهم
بالقول ان السعودية تمارس نموذجاً منحرفاً من الاسلام.
ومن جهة اخرى تمكّن داعش من التسلل الى المملكة من خلال
التجنيد عبر الانترنت، حيث وجد مناصرين مستعدين لقتل «زملائهم
السنة» كما الشيعة. في يوليو 2015، قام شاب سعودي يبلغ
من العمر تسعة عشر سنة بقتل عمه الذي كان يعمل عقيداً
في الشرطة، وذلك قبل ان يقوم بعملية انتحارية قرب احدى
السجون ادت الى اصابة حارسين اثنين. ونقل التقرير عن اللواء
منصور تركي المتحدث باسم وزارة الداخلية السعودية بأن
الهجمات الارهابية التي وقعت خلال العامين الماضيين أدّت
الى مقتل عشرات الاشخاص، وأيضاً الى مقتل أكثر من عشرين
إرهابياً.
و لفت التقرير الى انضمام حوالي 3000 سعودياً الى الجماعات
المسلحة الارهابية في الخارج، إضافة الى سجن ما يزيد عن
5000 مواطناً في الداخل وجهت اليهم تهمة الارهاب، مشدّداً
على أن ذلك يشكل ارتفاعاً كبيراً في الاعداد مقارنة مع
الاعوام التي سبقت.
المنتقدون يقولون أن رجال الدين السعوديين لم يتنكّروا
اطلاقاً لعناصر الفكر الوهابي الذي تبنته داعش، خاصة فيما
يخص الشيعة الذين يشكلون عشرة بالمائة من سكان المملكة.
وعليه أشار التقرير الى ان داعش حاولت استغلال هذا العامل
عبر استهداف المساجد الشيعية بالهجمات الانتحارية، ومن
ثم اتهام رجال الدين السعوديين بالنفاق عندما يدينون هذه
الاعمال. ونقل التقرير عن البروفسور بنزل بأنه من الصعب
لرجال الدين السعوديين إدانة الهجمات ضد الشيعة، وأنه
يمكن للمرء أن يشعر «بأنهم ـ أي رجال الدين الوهابيين
ـ لا يبالون كثيراً اذا ما استهدف الشيعة، لأنهم ليسوا
حقيقة مسلمين في رأيهم”.
الحرب السعودية على اليمن
الباحث دانيال ديبتريس كتب مقالة في موقع (ناشيونال
انترست) بتاريخ الحادي والثلاثين من مارس الماضي، رد فيها
على مقالة كتبها السفير السعودي لدى واشنطن الأمير عبدالله
آل سعود في صحيفة وول ستريت جورنال. الكاتب قال انه وفيما
لو كانت تهدف مقالة السفير عبدالله (وهي مقالة شرح فيها
اسباب الحرب السعودية على اليمن) الى اقناع الاميركيين
بأن السعودية تقوم «بعملية عسكرية لا تشوبها شائبة»، فإنه
على الارجح قد فشل. وأشار الى ان السفير عبدالله كرر نفس
النقاط التي قالها المسؤولون في الرياض، بأن «الحوثيين
متعطشون للدماء»، وبأن «الميليشيات الشيعية تعمل بناء
على طلب ايران التي تحاول اخضاع اليمنيين لسيطرتها».
وشدّد الكاتب على أن السفير عبدالله في المقابل لا
يتطرق إطلاقاً في مقالته الى آلاف المدنيين اليمنيين الذين
قتلوا في الغارات الجوية السعودية. ووصف ادّعاءه بأن «السعودية
تعمل مع حلفائها لاخذ كل الاحتياطات من أجل حماية المدنيين
والطواقم الطبية والمنظمات الانسانية والصحفيين في اليمن»،
وصف ذلك بالمضحك، نظراً الى التوثيقات الموسعة الصادرة
عن جهات مستقلة وذات مصداقية، والتي تفيد بانتهاك سعودي
متعمد لقوانين الحرب. فإضافة الى التقارير الصادرة عن
منظمات مثل «هيومن رايتس ووتش» و»العفو الدولية»، هناك
توثيقات فريق الخبراء التابع للامم المتحدة الذي أشار
الى أن 119 غارة جوية على الاقل، هي في خانة انتهاك القوانين
الدولية.
وعليه، يقول الكاتب، فإن الطريقة التي تواصل بها السعودية
تدخلها العسكري في اليمن هي ما بين «عدم الكفاءة والإجرام”.
ورأى ان التصرف المناسب هو ان يجري الرئيس اوباما مكاملة
هاتفية مع الملك سلمان أو وزير الخارجية عادل الجبير،
وأن يوجه رسالة واضحة: إما أن تتوقفوا عن قصف المدارس
والمستشفايات والمنازل السكنية والاسواق وغيرها، أو قد
يتوقف الدعم العسكري الاميركي للحرب.
وفي مقالة لصحيفة «لوس انجلس تايمز» الاميركية بتاريخ
ثلاثين مارس الماضي، لفتت كاتبتها الى مجزرة مستبأ التي
قامت بها السعودية، حيث ان عدد ضحاياها أكبر بكثير من
عدد قتلى هجمات بروكسل (التي قتل فيها 34 شخصاً)، الا
ان وسائل الاعلام والمجتمع الدولي «تجاهل عموماً العمل
الوحشي» السعودي. لكن المشكلة بنظر الكاتبة تتخطى التجاهل،
اذ يقدم الغرب الدعم بالسلاح وكذلك المساعدة العسكرية
لعدوان السعوديين الذين ينتهكون القوانين الدولية ويشنون
الهجمات دون ان يكون هناك هدف عسكري واضح، ويستخدمون كذلك
الاسلحة المحرمة مثل القنابل العنقودية.
وأنحت الكاتبة باللائمة على مساهمة امريكا وبريطانيا
في الحرب السعودية على اليمن، فهما المزود الاساس لترسانة
الاسلحة للتحالف السعودي. وقد أصبحت السعودية أكبر مشتر
للأسلحة، حيث هناك عقود لشراء الاسلحة من الولايات المتحدة
بقيمة 20 مليار دولار في عام 2015، إضافة الى عقود بقيمة
حوالي 4.3 مليار دولار لشراء الاسلحة من بريطانيا في نفس
العام. كذلك أشارت الى أن دولة الامارات هي رابع أكبر
مشتر للاسلحة في العالم، إذ قامت بشراء اسلحة بقيمة 1.07
مليار دولار من الولايات المتحدة وبقيمة 65.5 مليون دولار
من بريطانيا العام الماضي.
ورأت الكاتبة ان امريكا وبريطانيا مسؤولتين من الناحية
القانونية عن الضربات الجوية العسكرية غير القانونية التي
تشارك فيها السعوديين، بما في ذلك قصف جامعة صنعاء بالقنابل
العنقودية على جامعة صنعاء في شهر يناير الماضي. وبالنسبة
لبريطانيا فإنها لا تلتزم بقوانين الحرب، وتشير التقديرات
الى وجود نحو مائة وخمسين مدرباً بريطانياً في مركز القيادة
في الرياض. وتساءلت الكاتبة هنا عما يفعله هؤلاء. فإذا
كانوا يساعدون في عملية الاستهداف، فذلك قد يجعلهم طرفاً
في النزاع، اما إذا كانوا يقدمون الاستشارة فقط، فحينها
من الواضح أن السعوديين يتجاهلون هذه الاستشارة.
ودعت الكاتبة الى اجراء تحقيق دولي مستقل للضربات السعودية
الجوية غير القانونية على الأهداف اليمنية، وهي دعوة سبق
لكل من السعودية والولايات المتحدة وبريطانيا لرفضها وقامت
بتعطيل مسعى لدول أعضاء في مجلس حقوق الانسان التابع للامم
المتحدة لاجراء مثل هكذا تحقيق. لكن الدول الثلاث المذكورة
(السعودية والولايات المتحدة وبريطانيا) أيّدت في المقابل
اجراء تحقيق محلي تقوم به حكومة عبدربه هادي لم تصل الى
اي نتيجة، في حين أعلن التحالف بقيادة السعودية عن إنشاء
لجنة من أجل الالتزام بالقانون، الا أنه أكّد في الوقت
نفسه أنه لن يحقّق في أي انتهاكات ربما تكون ارتكبت.
وتضيف الكاتبة بأن امريكا في الوقت الذي تقود فيه حملة
مطالبة بالعدالة الدولية ضد حكومة سوريا، فإنها تغض الطرف
وتعيق التحقيقات فيما يتعلق بانتهاكات السعودية. وفي حين
ربط أوباما تكراراً بين انتشار التطرف الدموي والانتهاكات
التي ترتكبها الحكومات المستبدة بالعالم العربي، لكنه
لم يقل الكثير فيما يخص المخاطر التي قد يتعرض لها المدنيون
الاميركيون جراء التحالفات الاميركية مع هذه الحكومات
المستبدة وتقديم الدعم العسكري لها.
وحذّرت الكاتبة، من أن أوباما يجب أن يقلق كثيراً من
أن يرتد خطر هذه التحالفات، خاصة في هذا العصر من الزمن
حيث لا تتطلب الهجمات الارهابية في العواصم الغربية الكثير
من التدريب والعتاد. وشدّدت على ان الهجمات غير القانونية
ووقوع أعداد كبيرة من الضحايا المدنيين سيؤدي الى المزيد
من عدم الاستقرار والتطرف الذي قد تتخطى آثاره المنطقة
وتقترب من الوطن (من أميركا).
توبيخ رئاسي لآل سعود
نشرت هيئة التحرير في صحيفة «نيويورك تايمز» في 21
مارس الماضي تعليقاً على ما ورد عن الرئيس أوباما تجاه
السعودية فيما عرف بـ (عقيدة أوباما) التي نشرت في مجلة
(ذي أتلانتك)، وهي خلاصة سلسلة مقابلات أجراها معه الصحافي
جيفري جولدبرغ. وتقول الصحيفة إنه من النادر أن يغمز رئيس
أميركي من قناة حكومة صديقة بصورة علنية. ولكن ذاك ما
فعله الرئيس أوباما في عرضه لتحليل ضاف حول المصاعب في
العلاقة مع السعودية.
وأشارت الصحيفة الى ان اوباما «طالما اعتبر السعودية»
وغيرها من الدول العربية بأنها مجتمعات قمعية «يساهم تفسيرها
المتشدد للاسلام بنشر التطرف». كما اعتبرت ان الشراكة
بين الرياض وواشنطن التي تعود الى ما قبل عقود والتي جاءت
نتيجة العداء تجاه الاتحاد السوفييتي والاعتماد الاميركي
على النفط السعودي، تزداد هشاشة.
هذا وسلطت الصحيفة الضوء على ما ورد من كلام لأوباما
في مقالة جولدبرغ بأنه لا يمكن التوصل الى حل شامل لمشكلة
«الارهاب الاسلامي» قبل أن «يتكيّف الاسلام مع العالم
المعاصر»، مضيفاً أن القيادة الحاكمة في السعودية اليوم
لا تبرز أي اهتمام حقيقي بالتجديد، خاصة في ظل المشاكل
الاقتصادية التي تعانيها الرياض جراء انخفاض اسعار النفط.
كما لفتت الصحيفة الى ان اوباما قد دفع النقاش عن العلاقات
السعودية الاميركية الى العلن بعد أن كان يخاض خلف الكواليس،
لكنها تساءلت في الوقت نفسه عما كان باستطاعة واشنطن القيام
بشيء للتشجيع على الاصلاحات الحقيقية. وتوقّعت ان يتولى
الرئيس الاميركي المقبل مهمة إعادة النظر في كيفية التقدم
بالعلاقات الاميركية السعودية.
حان وقت الطلاق مع آل سعود
كتب الصحافي ماكس فيشر مقالة نشرت على موقع Vox في
الحادي والعشرين من مارس الماضي حملت عنوان «كيف أسرت
السعودية واشنطن»، تحدث فيها الكاتب عن وجود نظرة عالمية
لدى أغلب الباحثين الاميركيين في مجال السياسة الخارجية
تقوم على «اسطورة» الهيمنة الاميركية المرحب بها. ولفت
الى أن هذه النظرة تتطابق ونظرة السعودية، الا أنه نقل
عن الخبراء بأن المال الخليجي الذي يصل الى مراكز الدراسات
في واشنطن أدى الى تحريف النقاشات التي تدور في اميركا
حول الشرق الاوسط.
الكاتب أكّد على أنه، وبناء على الاحاديث التي اجراها
مع الخبراء، فان الآراء المؤيّدة للسعودية في واشنطن (عند
اغلب الباحثين في مجال السياسة الخارجية) هي صادقة وليست
ناتجة عن املاءات من قبل ممولين خارجيين. غير أنه في الوقت
نفسه ينقل عن مصادره ان هذا المال الخليجي انما يعزز القواعد
التي كانت موجودة مسبقاً والتي تؤيد السعودية، الامر الذي
يؤدي الى تعميق الانحياز أكثر فأكثر.
الكاتب قال أن جميع من تحدث معهم يوافق على ان هذا
الانحياز لصالح السعودية يشكل مشكلة حقيقية لواشنطن ويعيق
قدرتها على فهم المتغيرات في الشرق الاوسط. كما ان تدفق
المال الخليجي الى مراكز الدراسات في واشنطن بدأ مؤخراً
في عام 2013، وقال أن قطر هي أول من بدأ بتقديم الدعم
المالي لمراكز الدراسات الاميركية. ولفت في هذا السياق
الى إنشاء قناة «الجزيرة أمريكا» ومبلغ 14.8 مليون دولار
قدمتها قطر كهبة لمعهد بروكنغز الذي ربما يكون أهم مراكز
الدراسات في واشنطن، حيث قدّم هذا المبلغ من أجل إنشاء
مركز جديد تابع للمعهد الاميركي في العاصمة القطرية الدوحة.
وشرح الكاتب كيف أن السعودية ودولاً خليجية أخرى رأت
كم كانت تنفق قطر في واشنطن وبالتالي استنتجت بدورها ضرورة
التصدي للنفوذ القطري في واشنطن وعليه قرّرت دول مثل السعودية
والامارات والكويت والبحرين تقديم هبات مالية ضخمة الى
مراكز الدراسات في واشنطن وكذلك المعاهد الاكاديمية الاميركية.
ونقل الكاتب عن أحد الخبراء الاميركيين في مجال السياسة
الخارجية بأن «الاماراتيين والسعوديين استثمروا بشكل كبير
في إطار حربهم الباردة ضد القطريين».
بحسب الكاتب، سرعان ما اكتشفت دول مثل السعودية والامارات
أن الدعم المالي لمراكز الدراسات أسلوب فاعل، خاصة اذا
ما قورنت باسأليب أخرى. كما نبّه الكاتب الى أن ذلك تزامن
وارتدادات الازمة المالية حيث كانت تعاني مراكز الدراسات
والجامعات من مشاكل مالية، وبالتالي كانت المؤسسات هذه
بأمس الحاجة الى المال عندما قررت دول الخليج اتخاذ هذه
الخطوات.
ونقل الكاتب عن مصادره بأن هذا الاسلوب يساهم بتخصيص
الاهتمامات والنقاشات على ما يسمى «السلوك السيء» لدول
مثل ايران، بينما لا يعطي الاهتمام نفسه للسلوك السيء
من قبل حلفاء واشنطن الخليجيين، مثل انتهاكات حقوق الانسان
ومعارضة الحركات الديمقراطية.
الا ان الكاتب أشار في الوقت نفسه الى أنه وبحسب رأي
مصادره، فإن المال لا يلعب ذاك الدور الكبير، إذ كانت
المواقف المؤيّدة للخليج هي السائدة أصلاً قبل تدفق المال.
غير أنه لفت الى أن تدفق المال الخليجي قدّم للباحثين
الاميركيين المؤيدين للسعودية منابر أكبر والمزيد من الفرص.
وشرح كيف أن مراكز الأبحاث المموّلة خليجياً تقدم رواتب
عالية والموارد المطلوبة لتقديم رسالة قوية مؤيدة للموقف
الخليجي.
ولفت الكاتب الى تعزيز العملية، اذ بينما تحصل المؤسسات
المؤيدة للخطاب السعودي (وخطاب دول الخليج التابعة للرياض)
على المزيد من المال، فإن ذلك يعطي فرصاً لأشخاص آخرين
لهم آراء مماثلة، ما يؤدي الى تعزيز هذه الآراء أكثر فأكثر.
وعليه نبّه الكاتب الى وجود مخاوف من ان المال الخليجي
أدى بالتالي الى تحريف النقاش في واشنطن من خلال الترويج
للأصوات المؤيدة للخليج على حساب أصوات أخرى.
وتحدث الكاتب عن وجود مشكلة أخرى تتمثل بحالة من الألفة
بين الباحثين الاميركيين المختصين بالسياسة الخارجية ودول
خليجية مثل السعودية وغيرها. وأشار، على سبيل المثال،
الى ان اغلب الباحثين الاميركيين قد زاروا دولة الامارات
وكوّنوا نوعاً من الصداقات والعلاقات الشخصية هناك. وفي
السياق ذاته قال أن تقريباً كل من سبق وعمل في الحكومة
الاميركية على ملف مرتبط بالشرق الاوسط عمل الى جانب نظير
سعودي من أجل تحقيق هدف مشترك ما على صعيد السياسة الخارجية.
وشدّد على أن ذلك يعني بأن عالم الباحثين الاميركيين في
مجال السياسة الخارجية هو مليء بالأشخاص الذين لديهم علاقات
شخصية وصداقات مع السعوديين.
وأكمل الكاتب بأنه وبينما تساهم حالة الالفة هذه مع
المسؤولين السعوديين والاماراتيين بالتعاطف مع نظرتهم
العالمية وأهدافهم السياسية، فإن العكس صحيح مع ايران.
وقال أن دول الخليج وبسبب علاقاتهم القديمة في واشنطن
تستطيع بسهولة تامة توجيه رسالتهم الى «مجتمع السياسة
الخارجية الاميركية في واشنطن» عن مخاوفهم من الاتفاق
النووي مع ايران وتأييدهم بان تبقى اميركا معادية لايران
الى اقصى حد.
و نقل الكاتب عن أحد الخبراء بأن الشكوك القديمة تجاه
ايران تؤثر على الموقف تجاهها، تماماً كما تؤثر العلاقات
القديمة مع السعودية على قراءة الباحثين الاميركيين للأحداث.
وقال أن الكثيرين في واشنطن لهم علاقات قديمة مع المسؤولين
السعوديين لكنهم في الوقت نفسه ربما لم يسبق وان التقوا
بأي مسؤول ايراني، وبالتالي هو عرضة للتعاطف أكثر مع السعوديين.
وجدّد الكاتب التأكيد على ان هذه الظاهرة كانت سائدة
قبل تدفق المال الخليجي، وبالتالي فان المال سمح بتعزيز
هذه الظاهرة دون اصدار التعليمات التي تفرض اتخاذ مواقف
مؤيدة للخليج.
وعن وجود هذه الظاهرة من الاساس، ذكّر الكاتب بالتحالف
الذي بدأ في الاربعينيات والشراكة في الحرب الباردة مروراً
بحرب الخليج الاولى والحملة ضد ايران، مستشهداً بخبير
مختص بالشرق الاوسط قال ان «(الظاهرة) ناتجة عن تاريخ
طويل».
بالتالي يقول الكاتب، فإن أي انحراف عن التحالف القديم
هو انحراف عن الوضع الذي ساد منذ عقود، عليه فمن البديهي
أن يكون موضع جدل. غير أنه شدّد في الوقت نفسه على ان
السعودية لطالما كانت في قلب معادلة الهيمنة الاميركية
على الشرق الاوسط، وبالتالي فإن الكثيرين في واشنطن ممن
أشرف على هذه المعادلة يتخوّف من التغييرات الحاصلة على
صعيد المنطقة ويرغبون بشدة بالاحتفاظ بما تبقى من النظام
القديم.
الكاتب قال ان اوباما وعندما يسخر من التحالف الاميركي
السعودي، فانه يقوم بهز احدى أعمدة النظام القديم، وهو
ما يؤدي الى رد الفعل الغاضب من قبل الباحثين الاميركيين
في مجال الشرق الاوسط. كما نقل عن الخبراء بأن النظام
القديم يقوم على التحالف مع اسرائيل ودول الخليج لاحتواء
ايران ومحاربة الارهاب واستمرار تدفق النفط، وأن السياسة
الخارجية الاميركية تجاه المنطقة تمحورت حول هذه العناصر
لمدة خمسين عاماً. ويضيف الخبراء بحسب الكاتب، أن اوباما
يحاول القيام بأشياء مختلفة، وبالتالي فان الموقف المؤيد
للسعودية هو نفس موقف «مؤسسة السياسية الخارجية» في واشنطن.
كما شدّد الكاتب على أن السعوديين وغيرهم من دول الخليج
يصفون العالم بشكل يروق جداً لمجتمع السياسة الخارجية
في واشنطن، اذ ترغب دول الخليج بالهيمنة الأميركية لأنها
تخدم مصالحهم.
وأشار الكاتب الى وجود قناعة عند نخب الباحثين الاميركيين
تعود جذورها الى «مثالية» و»تفاؤل» حيال دور القوة الاميركية،
تصادف أنها تنسجم مع مواقف دول الخليج. وتحدث عن اسطورة
تعتبر أن فترة ما بعد الحرب الباردة شهدت السلام لأن القوة
الاميركية في طبيعتها فاضلة وتجلب الاستقرار. وأكمل أنه
بالنسبة للمنتمين لهذه المدرسة، فإن جذور أي مشكلة في
العالم تعود الى غياب القوة الاميركية وأن الحل بالتالي
هو المزيد من القوة الاميركية.
سيناريو التحالف بين داعش والقاعدة
الباحث الاميركي المختص بملف الارهاب بروس هوفمان كتب
مقالة نشرت في مجلة فورين أفايرز، في العدد الصادر في
الأول من إبريل الجاري، قال فيها ان تنظيمي القاعدة وداعش
قد يدخلان في تحالف مع حلول عام 2021. ونقل الكاتب عن
مصدر استخبارتي اميركي مضطلع بأن هكذا تطور «سيشكل كارثة
مطلقة غير مسبوقة» للولايات المتحدة وحلفائها. من بين
الاسباب التي تجعل هذا السيناريو ممكناً، هو نقاط التشابه
الايديولوجي بين داعش والقاعدة، مضيفاً أن نقاط التشابه
هي أهم من نقاط الاختلاف.
لاحظ هوفمان أن كلتا الجماعتين ملتزمة بالمبدأ الذي
تحدث عنه مؤسس القاعدة عبدالله عزام قبل ثلاثة عقود، والذي
يقول أنه من الواجب على المسلمين حول العالم ان يدافعوا
عن المسلمين الآخرين. ويقول أنه وبحسب فكر كل من عزام
وبن لادن وأيمن الظواهري وكذلك أبو بكر البغدادي، فإن
الاعداء هم الدول الغربية الديمقراطية الليبرالية، وكذلك
الانظمة القمعية المرتدة في العالم العربي، إضافة الى
الشيعة وغيرهم من الاقليات الاسلامية.
السبب الآخر للتحالف ـ حسب الكاتب ـ هو ان الاختلافات
بين داعش والقاعدة تتمحور حول الجهة أكثر من تمحورها حول
الجوهر، فكلاهما يتبع استراتيجية كان قد وضعها القائد
العملاني للقاعدة «سيف العدل» عام 2005 والتي تتحدث عن
سبع مراحل نحو خوض الحرب مع الكفار في فترة ما بين عامي
2016 و2020، والتي تؤدي بدورها الى المرحلة السابعة والاخيرة
التي تكون بإنجاز النصر الكامل ضد الكفار في فترة ما بين
2020 و2022.
أما الباحث الأميركي المختص بالفكر السلفي جاكوب أوليدورت،
فكتب مقالة نشرتها المجلة نفسها، أي فورين أفايرز، في
التاسع والعشرين من مارس الماضي أكّد فيها على ان السلفية
هي التي حفزت القاعدة وداعش بحثاً عن الجهاد العالمي.
وقال الكاتب أن السياسة الاميركية حيال الشرق الاوسط لم
تعر اهتماماً كبيراً بالفكر الديني رغم أهمية هذا الموضوع،
متحدّثاً عن فشل أميركي في هذا المجال. وأشار الى ان السياسية
الاميركية لم تلحظ المؤشرات التي كانت تفيد بزرع بذور
القاعدة في افغانستان.
الكاتب قال ان داعش تختلف عن غيرها من الجماعات الارهابية
من حيث مساعيها لانشاء دولة الخلافة العالمية. وأضاف أنه
بينما سارع المحلّلون الى وصف داعش بالدولة عندما استولت
على مناطق شاسعة وبدأت تدير الموارد والاموال، إلا أن
ما يستقطب المجندين المحتملين اليها بشكل أساس هو خطابها
عن زوال العالم ووعدها انشاء «مدينة فاضلة سلفية». بالتالي
اعتبر ان التعاطي مع داعش على أساس أنها دولة عدائية هي
مقاربة غير قابلة للنجاح، اذ أن الدول المارقة تستجيب
للضغوط الجيوسياسية وأشكال مختلفة من النفوذ الدبلوماسي.
أما داعش، فشدد الكاتب على ضرورة ان تتذكر واشنطن بأن
ما يحفزها هو الفكر الديني أكثر من أولويات الدولة، وهو
ما يجعلها تتمتع بمرونة اكثر من الدولة.
كما رأى الكاتب انه من المهم الاخذ في الاعتبار أن
«الدولة الداعشية» تمثل طموحاً وليس واقعاً، وعليه حذّر
من ان تصديق الغرب لمزاعم داعش عن الدولة، فهو يحمل معه
خطر تثبيت صحة مشروع الجماعة. واعتبر أن الغرب وبدلاً
من التركيز على هذا الموضوع، عليه ان يوقف تقدم داعش نحو
الدولة عبر استهداف موارده وتدفّقه المالي، وكذلك وقف
توسعه المناطقي ومساعيه في مجال التجنيد. كما تحدّث في
الإطار ذاته عن ضرورة تحشيد لاعبين محليين وإقليميين ليس
فقط من أجل محاربة داعش وإنما كذلك من أجل المساهمة باعادة
بناء دولهم. وقال ان ذلك لن يوقف توسع داعش على الارض
فحسب، بل يبطل الخطاب الديني الذي تروج له داعش: وهو أن
ازمات الشرق الاوسط جزء من حرب نهاية العالم الطائفية،
يكون فيها «مدينة داعش السنية الفاضلة» العلاج المناسب.
كما اشار الكاتب الى ان واشنطن، والى جانب عناصر القوة
الصلبة والقوة الناعمة، يمكن أن تستفيد أيضاً من إضافة
عناصر «سلطة الصورة» (image power)، حيث تنظر واشنطن الى
كيفية نظرة السكان المحليين لأساليبها (في مجالي القوة
الصلبة والناعمة)، خاصة نظرة هذه المجتمعات من الزاوية
الدينية. وشدّد على أن ذلك يتطلب تحديد أثمان ومكاسب الاجراءات
الاميركية ليس فقط بناء على المكاسب على المدى القصير
وعلى المستوى الثنائي، بل أيضاً بناء على الآثار الطويلة
الامد على الجماعات التي تستجيب «لوجهات النظر الرسولية»
بدلاً من الضغوط السياسية.
علاقة السعودية بانتشار الفكر
الارهابي في بلجيكا
نشرت صحيفة الاندبندنت البريطانية مقالة للكاتب الصحافي
ليو سندرويكز بتاريخ الثالث والعشرين من مارس الماضي تتناول
الدور السعودي بنشر الراديكالية في بلجيكا (الصحيفة كانت
قد نشرت المقالة بشهر تشرين الثاني نوفمبر الماضي لكنها
أعادت نشرها على ضوء هجمات بلجيكا).
و يشير الكاتب الى ان من بين اسباب انتشار الراديكالية
في بلجيكا هو دخول الواعظين السلفيين السعوديين الى البلاد
خلال حقبة الستينيات.
و يشرح الكاتب انه وخلال فترة الستينيات اراد الملك
باودوين البلجيكي الحصول على عقود نفطية مع السعوديين،
وبالتالي قدّم عرضاً الى الملك فيصل الذي زار بروكسل عام
1967، تقوم بموجبه بلجيكا بانشاء مسجد في العاصمة بروكسل،
وتوظف رجال دين تمّ تدريبهم بدول الخليج. ووفقاً للاتفاق
افتتح «المسجد الكبير في بروكسل» عام 1978، و الذي هو
كذلك مقر «مركز بلجيكا الاسلامي والثقافي».
وأشار الكاتب الى أنه وعلى الرغم من أنه تمّ التعاطي
مع هذا المسجد على اساس انه الصوت الرسمي للمسلمين في
بلجيكا، الا أن التعاليم الراديكالية السلفية التي كان
يروجها جاءت من نموذج مختلف تماماً عن الاسلام الذي كان
يمارسه اللاجئون الجدد (من المغرب وتركيا).
و ينقل الكاتب عن عضو البرلمان البلجيكي جورد داليماغنه
أن «المجتمع المغربي أصله من مناطق جبلية وليس الصحراء.
أنهم يتبعون المدرسة المالكية وهم أكثر تسامحاً وانفتاحاً
بكثير من المسلمين الذين هم من مناطق أخرى، مثل السعودية».
ويضيف داليماغنه ان الكثيرين من المجتمع المغربي الذي
انتقل الى بلجيكا تمّت «إعادة أسلمتهم على ايدي رجال الدين
السلفيين من المسجد الكبير» وأن بعض اللاجئين المغاربة
حصلوا حتى على منح للدراسة في المدينة المنورة في السعودية.
كذلك ينقل الكاتب عن داليماغنه قوله بأن رجال الدين
السلفيين حاولوا تقويض المساعي الرامية الى دمج اللاجئين
المغاربة في المجتمع البلجيكي، حيث يقول ان السعوديين
دائماً ما يمارسون «ازدواجية في الكلام، فهم يريدون تحالفاً
مع الغرب عندما يتعلق الامر بمحاربة الشيعة في ايران،
لكن لديهم أيديولوجية قهر عندما يتعلق الامر بدينهم في
بقية العالم». وبسبب فهمه أصبح السيد داليماغنه الراعي
للعديد من القرارات في البرلمان البلجيكي الرامية الى
تخفيف العلاقات مع السعودية والحد من النفوذ السلفي داخل
بلجيكا.
واشارت الإندبندنت الى وثائق ويكيليكس التي كشفت في
شهر أغسطس الماضي أن أحد موظفي السفارة السعودية في بلجيكا،
خالد العبري، والذي هو ايضاً مدير المركز الاسلامي، قد
تم طرده من البلاد بسبب دوره النشط في نشر «العقيدة التكفيرية»،
ورسائله المتطرفة.
صحيفة واشنطن بوست بدورها نشرت تقريراً بتاريخ الثالث
والعشرين من مارس الماضي حمل عنوان «أصول السعودية للتهديد
الاسلامي في بلجيكا» والذي اشار الى ما يقوله المحللون
لجهة غزو الفكر الوهابي لبلجيكا، لافتاً أيضاً الى المسجد
الكبير الذي انشأ في بروكسل بموجب اتفاق بين بلجيكا والسعودية
عام 1967.
و لفت التقرير الى وثيقة كشفتها ويكيليكس عام 2007
والتي تشرح كيف ان السفارة السعودية في بروكسل ساعدت في
تمويل المساجد في بلجكيا التي تروج للفكر الوهابي، كما
أضاف أن الرياض استثمرت كذلك بتدريب رجال الدين الذين
يروجون الوهابية.
وكان السياسي الالماني البارز سيغمار غابرييل قد قال
في شهر ديسمبر الماضي: «السعودية تحوّل المساجد الوهابية
حول العالم. وفي المانيا، فإن العديد من الاسلاميين الخطيرين
يأتون من هذه المجتمعات». ونبّه كذلك الى مذكرة تمّ توزيعها
في نفس الفترة تقريباً من قبل وكالة الاستخبارات الالمانية
والتي تتهم السعودية بزعزعة الاستقرار في الشرق الاوسط
وخارجه.
|