الأمير الطموح.. كارثة!
في مقالة مطوّلة بعنوان (طموح أمير سعودي لحياة ما
بعد صفقة قوى النفط في أوبك)، نشرت صحيفة (فايننشال تايمز)
البريطانية في 2 ديسمبر الجاري لكل من أنجيلي رافال وديفيد
شيبارد. وجاء في المقابل:
قد يُعيد القرار الذي اتخذته منظمة «اوبك» بخفض إنتاجها
لدعم أسعار النفط إلى أذهان الكثيرين ذكرى مرحلة سابقة،
لكن القرار الذي اتخذ الأسبوع الماضي، أي في الثلاثين
من نوفمبر الماضي في فيينا، اعتمد على وسيلة عصرية جداً
للتواصل، هي مجموعة التواصل عبر رسائل الهواتف الذكية
بين الوفد السعودي الذي كان حاضراً في مقر المنظمة في
فيينا، وولي ولي العهد محمد بن سلمان.
وبالنسبة لأمير يفتخر بكونه محدّثاً في المملكة للتكنولوجيا
التي يلم بها، فإن استخدامه لخدمة رسائل مشفرة معروفة
يبدو أمراً بديهياً.
لكن تدخل بن سلمان في توجيه القرار الذي اتخذ في فيينا
يعكس حقيقة أوسع: السياسة النفطية للسعودية هي اليوم لا
تتشابك فقط مع تفكير الأمير الشاب الذي برز سريعاً كأكثر
الوجوه قوة وإثارة للجدل في إطار اقتصاد المملكة، بل مع
موقعه السياسي.
فقد كان «ام بي سي»، كما يعرف محمد بن سلمان في الأوساط
الديبلوماسية، يغامر برؤية خططه الطموحة لنقل الاقتصاد
السعودي إلى مرحلة ما بعد النفط على شفير الفشل، بعدما
أثبتت سنتان ونصف السنة من الأسعار المنخفضة للنفط بأنها
شكلت أكثر من صدمة للمملكة: فقد ضرب سعر برميل النفط دون
الـ50 دولاراً سوق العملات النقدية، فيما جف انفاق القطاع
الخاص، وكبحت برامج الإنفاق العام السخية.
ولدعم هدفه الرئيسي، المعروف بـ «الرؤية 2030»، تقبل
محمد بن سلمان خلال الأشهر الأخيرة الماضية عودة السعودية
للتدخل من أجل التأثير على أسعار النفط، معاكساً «غنج»
المملكة النفطية عبر اطلاقها جماح السوق الحرة.
وبالرغم من أن بن سلمان هو ابن الملك السعودي الحالي،
سلمان بن عبد العزيز، ليس الوريث المباشر للعرش، بل الأمير
ووزير الداخلية محمد بن نايف. وإخفاقه في توجيه الاقتصاد
في الطريق السليم قد يعرض موقعه في البلاد، حيث التوافق
الاجتماعي بين آل سعود والشعب لطالما اعتمد على تزايد
الثروة.
وتقول المحللة الجيوسياسية في مجموعة «ار بي سي كابيتال
ماركتس» حليمة كروفت إن «حظوظ بن سلمان ليصبح ملكاً تعتمد
على نجاحه»، معتبرة أن «المشكلة بالنسبة إليه هي أن كل
الألم الذي تتطلبه رؤية 2030 يجب أن يحصل في السنوات الاولى.
وهو بحاجة للكثير من الأموال للحفاظ على الدعم الشعبي».
ويؤكد المراقبون ان المشاكل التي يواجهها الاقتصاد
السعودي يساعد في فهم القرار الذي اتخذته المملكة الأسبوع
الماضي، وهو الاول منذ عام 2008. فأسعار النفط المنخفضة
لم تلبِ بالسرعة المطلوبة محاولات السعودية الضغط على
المنتجين المنافسين، وهي هبطت وظلت منخفضة أكثر مما توقعته
الرياض.
ويقول مندوب خليجي لدى «اوبك» إنه «خلال العامين الماضيين،
كان الجميع يعتقد أن الولايات المتحدة ستصرخ، وأن روسيا
ستتراجع. لكن ذلك لم يحدث».
من خلال التوصل إلى الاتفاق في فيينا، أرادت السعودية
أن تؤمن أنها لن تكون الخاسرة في قطاع الطاقة.
وبعد فشل مباحثات في نيسان الماضي لتأمين اتفاق بتجميد
الإنتاج، تم تعيين خالد الفالح، رئيس «آرامكو» السابق
والمستشار المقرب من بن سلمان، وزيراً للطاقة. ونجح الفالح
سريعاً لا فقط في خطوة جعل اعضاء «أوبك» اليائسين إلى
جانبه، بل أيضاً المنافسين غير الأعضاء في المنظمة.
وعمل «ام بي سي» إلى جانب الفالح، مؤمناً دعم روسيا
لاستقرار اسواق النفط بعد لقائه الرئيس فلاديمير بوتين،
وذلك رغم الخلاف بين موسكو والرياض على سوريا.
ويقول مندوب لدى «اوبك» إن «السعودية كانت نشطة جداً
مع الروس على المستوى السياسي والتقني»، متحدثاً عن تبدل
في هذا الإطار عما كانت عليه الأمور في 2014، ومضيفاً
أنه «في الدوائر المغلقة، كان الكل يعلم أن الروس مستعدون
للتعاون».
وجاء اتفاق الجزائر في ايلول الماضي، بعدما شن أعضاء
آخرون في «أوبك»، بينهم الجزائر وفنزويلا حملة داعمة،
مطلقين جولات ديبلوماسية لدفع ايران إلى الطاولة، رغم
معارضة طهران لخفض انتاجها بعد سنوات من العقوبات. وقبل
اجتماع فيينا الأخير، وضعت السعودية وايران والعراق، الدول
الأعضاء الأقوى في «اوبك»، شروطها على الطاولة، ما دفع
المراقبين إلى التشاؤم بشان ابرام أي اتفاق. فبخلاف رغبتهم
في تحييد نيجيريا وليبيا، كان السعوديون مصرّين أن تجمد
ايران انتاجها إلى حدود قريبة من 3.8 ملايين برميل في
اليوم، وأن يخفض العراق انتاجه، وأن يلتزم جميع المنتجين
بقاعدة بيانات لطرف ثالث تستخدمها «اوبك» لتقييم الإنتاج.
وقالت السعودية ايضاً إن أي اتفاق سيكون مشروطاً بالتزام
الدول غير الأعضاء في المنظمة.
وبصمت، بدأت رقصة ديبلوماسية سمحت لجميع الأعضاء بغزل
حل وسط يحفظ لها ماء الوجه.
قبل يوم من اجتماع فيينا، اتصل بوتين بالرئيس الإيراني
حسن روحاني و»قدم له جميع الضمانات المطلوبة»، يقول مندوب
آخر لدى المنظمة النفطية. كما تقربت الجزائر من ايران.
وفيما كان وزراء الدول يجتمعون لتناول الفطور في الفندق
الذي يمكث فيه السعوديون يوم الأربعاء، كانت ايران على
متن السفينة.
ويشرح غيوم لونغ، وزير خارجية الإكوادور الذي قاد وفد
بلاده إلى فيينا، أن «المسألة مع ايران تمت معالجتها سريعاً.
أدى الجزائريون دوراً اساسياً لإيجاد المخرج: أعطي لإيران
هامش للنمو».
هكذا وجد العراق نفسه معزولاً. لكنه بحسب المندوبين،
فقد قرر المضي في الاتفاق بعدما رأوا أن أسعار النفط ارتفعت
بمجرد ورود معلومات عن ان «الكارتل» أوشك على إبرام اتفاق.
لكنّ السعودية وحلفاءها الخليجيين وافقوا على حمل النسبة
الكبرى من خفض الإنتاج.
ليس واضحاً إذا كان الفالح قد راسل بن سلمان عبر الهاتف
الذكي ليخبره بالتوصل إلى اتفاق. لكن في نهاية ذلك اليوم،
كانت اسعار النفط قد ارتفعت 10 في المئة. وفيما ستتحمل
السعودية العبء الاكبر من خفض الإنتاج، يقول خبراء الاقتصاد
إنه يجب ان يصل برميل النفط إلى سعر أعلى من 55 دولارا
لتتجنب المملكة الوقوع في العجز.
«اتفاق اوبك صدر من أعلى مستوى» في السعودية، يقول
ياسر الجندي من مكتب «ميدلي غلوبال» الاستشاري. «السعوديون
كانوا تحت ضغط كبير».
|