كيف يمكن رسم سبيل للمضي قدماً مع دول الخليج
لدى إدارة ترامب فرصة لإعادة ضبط العلاقات الاستراتيجية بين امريكا ودول الخليج،
وتعظيمها إلى أقصى الحدود. هذا دليل ارشادي
باتجاه الطريق المحبّذة للعلاقات المعقدة بين الطرفين.
لوري بلوتكين بوغارت
شعرَتْ دول الخليج بخيبة أمل عميقة إزاء السياسات التي
انتهجتها الولايات المتحدة تجاه المنطقة في عهد الرئيس
أوباما، ولا سيما إزاء إيران وسوريا، وهي تتوق الآن إلى
إقامة علاقة جديدة. وبالنسبة لأمريكا، قد يكون التعاون
والتنسيق الأمني الموسعين قوة مضاعفة خلال الحملات الرامية
إلى تحقيق الأهداف الرئيسية للسياسة الخارجية بما فيها
التصدي لسياسات إيران، وهزيمة تنظيم (داعش).
تتصدر مواجهة إيران وسحق تنظيم داعش قائمة أولويات
دول الخليج، مما يجعلها تُظهر قبولاً أكبر نحو تعميق العلاقات
الرامية إلى تحقيق هذه الأهداف. وعلى الرغم من المصالح
المتداخلة القوية والتعاون المؤسسي في عدد من القطاعات،
تُعتبر العلاقات الأمريكية -الخليجية حساسة. فقد تبرز
تحديات خاصة مرتبطة بتركيز أمريكا مؤخراً على "الإرهاب
الإسلامي المتطرف"، لا سيما فيما يخص السعودية.
المبادئ الأساسية: تمّ تشبيه العلاقة الأمريكية - الخليجية
بزواج مضطرب بل تقليدي. فالمصالح المشتركة القوية بينهما
تفرض التزامات كبيرة من الطرفين على الصعيد الأمني والاقتصادي
وغيرهما.
١. لاقة أمريكا بدول الخليج ليست من جانب واحد،
كما يصفها البعض؛ فعلى الرغم من التحديات الماثلة، فإن
للطرفين منافع متبادلة كثيرة، من وجود منشآت عسكرية أمريكية
ضخمة وطاقم عمل كبير على أرض الخليج لخدمة المصالح الأمنية
الأمريكية والخليجية.
٢. دول الخليج بعيدة جداً من أن تكون وحدة متراصة؛
فلكل دولة ترتيب مختلف للأولويات الأمنية تتم ترجمته بمستويات
مختلفة من الاهتمام بقضايا معيّنة والالتزام بالتعاون
مع امريكا بخصوصها. تتمثّل أفضل طريقة لتوسيع التعاون
مع الشركاء الخليجيين نحو تحقيق بعض أهداف السياسة الخارجية
الامريكية في أخذ الميول الطبيعية لكل شريك في الحسبان.
٣. عندما يتعلق الأمر بمسألة "الإرهاب ودول الخليج"
التي تشكّل موضع نقاش حاد، يشير الواقع الملموس إلى أن
معظم شركاء امريكا هم جزء من المشكلة وجزء من الحلّ على
حدّ سواء. تُعتبر كافة دول الخليج شركاء أقوياء لمكافحة
الإرهاب على مستوى العمليات، وينخرط الكثير منها في أعمال
واسعة النطاق لتمويل مكافحة الإرهاب. غير أن معظمها تؤجج
أيضاً مشكلة الإرهاب من خلال السياسات المحلية والإقليمية
المختلفة التي تنتهجها لضمان مصالحها. أما عُمان، وفي
نواح كثيرة، دولة الإمارات، فهما حالتان خاصتان إذ بذلت
الدولتان جهوداً كبيرة لتعزيز التسامح بين الأديان. وسيخدم
إشراك الحكومات الخليجية في المجالات المشتركة فضلاً عن
نقاط الخلاف المتعلقة بمكافحة الإرهاب، المصالح الأمنية
الأمريكية على أفضل وجه.
٤. صمدت الأسر الحاكمة في الخليج في العديد من
الفترات الصعبة خلال نصف القرن الماضي، إلا أن المناخ
الحالي يمثّل تحدياً بشكل خاص وسيشكّل اختباراً لقوة ومرونة
الأنظمة الملكية والعلاقات بينها وأمريكا. من شأن المزيج
المؤلف من التهديدات التي تطرحها إيران وحلفاؤها، ومن
الجماعات المسلحة السنّية، وانحدار أسعار النفط، والميزانيات
الحكومية، وتنامي أعداد الشباب الذين يتمتعون بقدرة غير
مسبوقة على النفاذ إلى أدوات التواصل القوية، أن يشكل
ضغوطاً على دول الخليج من جميع الجهات.
تعزيز الروابط: فيما يتعلق بتطوير العلاقات الثنائية،
هناك أهمية خاصة لبناء علاقات شخصية مع زعماء الخليج لأسباب
ترتبط بالثقافة والتقاليد المحلية. هذا من شأنه ان يعزّز
نفوذ أمريكا في سياسة الخليج. ومن شأن التعهدات التالية
أن تساعد في تحقيق أقصى قدر من التعاون الاستراتيجي.
أ. منح العلاقات الشخصية الأولوية على مستوى القيادة.
تكتسي العلاقات أهمية خاصة مع الرياض وأبوظبي.
ب. الحفاظ على اتصال مستمر وفي كل الأوقات. يشكّل قرار
الإدارة الأمريكية السابقة بعدم إشراك شركاء عرب منذ بدء
العملية السياسية التي تمخضت عن إبرام اتفاق نووي مع إيران
جرحاً مفتوحاً في الخليج.
ج. استخدام تكتيكات قوامها "الثواب بدلاً من العقاب".
فيما يخص شركاء أمريكا الخليجيين، يجب السعي إلى تشجيع
السياسات الإقليمية المؤاتية لمصالح امريكا بشكل سري،
عن طريق المفاوضات بدلاً من التخويف والتهديد. فشركاء
امريكا ينتهجون سياسات إقليمية محددة لضمان درجة معينة
من الأمن أو مصالح أساسية أخرى، وبالتالي يُعتبر الطلب
إليهم بالتخلي عن سياسة قائمة على المصالح أمراً مهماً.
د. إغداق الثناء عندما يكون الثناء مستحقاً. للاعتراف
العلني أثر كبير في الخليج حيث يتّم إيلاء أهمية للسمعة.
وسيساعد الثناء العلني في تعزيز العلاقات ويعود بالفائدة
على المصالح الأمريكية.
هـ. الاعتراف بالاختلافات من دون السماح لها بأن ترسم
معالم العلاقة - ما لم تمثّل حقاً العنصر الأهم في علاقة
امريكا بأي بلد معين. يمكن أن تؤثّر امريكا على دول الخليج
في مجموعة من القضايا لكنها لا تستطيع تحويل هذه الدول
كليا.
أولويات السياسة: أدّت الحروب الأهلية والنزاعات بين
الدول وتنامي التطرف إلى تفاقم التهديدات للمصالح الأمنية
الأمريكية في الشرق الأوسط. ولا بدّ من مواجهة التهديدات
الأكثر خطورةً - أي إيران وتنظيم داعش - بالتعاون مع شركاء
امريكا.
١. التصدي لسياسات إيران: تَعتبر الرياض أن دعم
طهران للمسلحين الشيعة في المنطقة، وتهديداتها بالسيطرة
على طرق التجارة البحرية، مصدر التحدي الأكبر الذي تواجهه؛
وسترحب الرياض بأي جهود تعاونية للتصدي لهذه التوجهات.
ويجب أن يستهدف التعاون الجهود التي تدعمها إيران لزعزعة
استقرار دول الخليج نفسها، وأن يضم مساعدة موسعة من القطاع
الخاص في مجال الدفاع الإلكتروني. كما يجب التركيز على
دعم السعودية في إطار دفاعها عن حدودها الجنوبية من هجمات
الحوثيين والضغط من أجل إيجاد حلول سياسية للحربين الكارثيتين
في اليمن وسوريا.
٢. مكافحة الإرهاب: تَعتبر دول الخليج أن داعش
يشكل خطراً وجودياً. لكن التعاون العسكري لهذه الدول في
الحملة ضد التنظيم كان محدوداً بسبب قلقها من إقدام الأسد
وحلفائه على ملء الفراغ الذي يتركه انسحاب داعش.
وتتطلب مجالات مثل مكافحة الفكر الإرهابي وإنهاء تدفق
الدعم المالي للجماعات الإرهابية من قبل دول الخليج..
إجراء مناقشات مستمرة معها.
٣. دعم التحرك نحو المساءلة والشمولية وسيادة
القانون: ستحقّق الحملات لتدمير تنظيم داعش، ووقف الاعتداء
الإيراني نتائج أفضل إذا ما تمّت معالجة سياسات دول الخليج
في تبني التسامح مع الفكرالمتطرف والطائفية المدمرة. ومن
دون معالجة هذه المشاكل، سيتزايد خطر بروز المشاكل القديمة
بمظاهر جديدة.
|