مغذيات التنافس السعودي ـ الإيراني
د. مضاوي الرشيد
|
|
د. مضاوي الرشيد |
كثيراً ما يتحدث المسؤولون في الحكومة السعودية، ولا
سيما ولي عهدها القوي، محمد بن سلمان عن دفع خطر إيراني
كبير. لكن الحقيقة هي أنه على الرغم من هذا الكلام، فإن
السياسة الخارجية المنبثقة من الرياض هي أساساً مدفوعة
بالسياسات الداخلية. يعرف الأمير محمد أن العدو المخيف
هو مفتاح قوته.
العلاقة بين المملكة السعودية وإيران كانت تتذبذب بين
اللامبالاة والعداء والتقارب والتوتر على مر العقود. وعلى
ما يبدو فإن الأمير محمد مصمم على تكثيف التنافس مع إيران،
حيث يواصل رفع مخاوف الرياض من التوسع الإيراني في العالم
العربي وما وراءه.
تكمن جذور تكريس هذا الصراع في السياق المحلي، وقد
استخدم ولي العهد التنافس مع طهران لصرف الانتباه عن الإرتيابات
الداخلية المعقدة. قد يكون الأمر نفسه صحيحاً في إيران.
بعد الثورة الإيرانية في عام 1979، شرعت البلاد في
تصدير علامتها التجارية للإسلام الثوري. ومع تحوّل إيران
إلى جمهورية إسلامية، لم يكن الإسلاميون السنّة يشعرون
بالغيرة من انتصار الإسلام الشيعي فحسب، بل أصبحوا أكثر
تصميماً على تأسيس نسختهم من الدولة الإسلامية.
صدّرت السعودية الإسلام الوهابي عبر أفريقيا وآسيا
وحتى أوروبا. دخلت الدولتان في معركة شرسة مع رجال الدين
السعوديين، مما زاد من خطابهم المناهض للشيعة، وقلّل نظراؤهم
الإيرانيون من شأن شيعتهم لناحية دعم المشاعر الإسلامية
والمناهضة للإمبريالية والمناهضة للغرب بين المسلمين.
اللحظة الحالية مختلفة. الأمير محمد يحاول إبقاء إيران
معزولة لإبعاد التركيز عن التحديات الداخلية. إنه يعزز
حكمه ويقوي سلطة اتخاذ قرارات سياسية رئيسية بنفسه، وبالتالي
يستثني العديد من الأمراء الطموحين. وهو لا يهدأ إذ تمت
إقالة وزير الداخلية الأمير محمد بن نايف وقائد الحرس
الوطني السعودي الأمير متعب بن عبد الله، واحتجاز الأمير
وليد بن طلال في حملة «مكافحة الفساد» في نوفمبر.
إن التهميش والإذلال غير المسبوق للأمراء الكبار يطارد
ولي العهد الشاب وأخوته وأولاد عمّه الساخطين. من غير
المؤكد ما ستكون عليه التداعيات.
المظالم السياسية، وعدم المساواة، والبطالة بين الشباب
هي الاهتمامات المحلية الملحّة للمملكة السعودية ودول
الخليج الأخرى. حتى الرئيس باراك أوباما ذكّر القادة السعوديين
والخليجيين بهذا الواقع. لكن السعوديين لم يقبلوا أبداً
هذا التقييم واستمروا في الضغط على الولايات المتحدة لقصف
إيران.
كما أن خطاب الأمير محمد المعاد لإيران والتعهدات بتراجع
النفوذ الإيراني في البحرين واليمن ولبنان وسوريا والعراق
تهدف أيضاً إلى خلق حالة حرب تشعل فيها المعارضة الداخلية.
إنه ـ أي ابن سلمان ـ يوجّه انتقادات لسياساته الداخلية
بتذكير أفراد العائلة المالكة المهمشين والعامة بأنهم
يحاربون تهديداً وجودياً من إيران التوسعية. وهو يلوم
إيران على احتجاجات المواطنين الشيعة في المملكة السعودية
في المحافظة الشرقية الغنية بالنفط، ويتهم المواطنين الشيعة
بكونهم عملاء إيرانيين. يتم إسكات المعارضين السنة الذين
ينتقدون السياسات المحلية من خلال التذرع بالحالة الحربية
مع إيران، وخاصة الحرب الأهلية في اليمن.
يرى السعوديون عودة النفوذ الإيراني كإحياء للقومية
الفارسية القديمة. إن تضخيم التهديد الإيراني يسمح للأمير
محمد بتكثيف دوره كمنقذ للمملكة السعودية والمنطقة العربية
الأوسع نطاقاً من الفرسنة والتشيّع.
إن الحفاظ على العداوة مع طهران هو أيضاً شرط أساسي
للتحوّل الإيديولوجي المحلي الذي أطلقه ولي العهد في عام
2015 ببركات والده الملك سلمان. بدأ ابن سلمان، تحت حكم
والده الملك، يحل محل الصمغ الأيديولوجي القديم للوهابية
بزعامة شعبية، والتي تغذي تهديد إيران التوسعية وقوميتها
الشيعية العدوانية.
التنافس مع إيران يعزز التضامن الوطني السعودي. يرى
السعوديون الحرب الوحشية في اليمن، حيث يتم دعم المتمردين
الحوثيين من قبل إيران، كرد ضروري في معركة من أجل بقاء
الأمة السعودية وهيمنة العرب على الفرس.
لا يزال التفوق الاقتصادي للسعودية يعتمد على حفاظ
المملكة على حصتها المهيمنة في سوق النفط وتعزيز مكانتها
كوجهة استثمارية عالمية في المنطقة. إن القيادة السعودية
تنظر إلى إيران، جارة منتجة للنفط، من خلال عدسة المنافسة.
تسعى المملكة إلى تقليص، وحتى انهيار، الاقتصاد الإيراني،
تحت العقوبات. ولن تسمح أبداً بأية جهود في التكامل الاقتصادي
الإقليمي، والذي يمكن أن يؤدي إلى إتاحة الموارد البشرية
والمنتجات الإيرانية بسهولة في منطقة الخليج. رؤية الأمير
محمد 2030 - خطة تحول طموحة لإبعاد بلده عن اعتماده على
النفط - وغيرها من خطط التنمية الاقتصادية تستثني إيران
بينما تسعى المملكة إلى تكامل إقليمي أكبر مع الإمارات
العربية المتحدة، والأردن، ومصر، وربما إسرائيل. ويتعلق
التنافس مع إيران أيضاً إلى علاقات المملكة السعودية مع
الولايات المتحدة. أي تقارب بين الولايات المتحدة وإيران
- مثل الاتفاق النووي في عهد الرئيس أوباما – كان ينظر
إليه بشكوك وخوف مكثف لأنّه يهدّد الموقع السعودي باعتباره
العميل الأمريكي الرئيسي في المنطقة. خلال الحرب الباردة،
عملت المملكة السعودية وإيران جنباً إلى جنب مع الولايات
المتحدة ضد الاتحاد السوفياتي. قبلا بتقاسم العمل: قدمت
إيران القدرات العسكرية، وقدّمت المملكة السعودية الذخائر
اللاهوتية والتمويل ضد الاتحاد السوفييتي.
وقد سعت المملكة، منذ ذلك الحين، إلى تعزيز قدراتها
العسكرية وتقديم نفسها كقوة إقليمية موالية وحيدة، راغبة
في اتباع سياسات واستراتيجيات مواتية للمصالح الأمريكية.
أسوأ كابوس لها هو الخوف من التخلي الأمريكي عنها من أجل
شريك إقليمي جديد. قام الأمير محمد بتصعيد نبرة تشويه
صورة إيران خلال عدة زيارات إلى الولايات المتحدة. وألقى
باللوم على إيران بسبب التطرف في المملكة السعودية، والإرهاب
العالمي وصعود الدولة الإسلامية في العراق وسوريا، حيث
أدى النفوذ الإيراني والصعود الشيعي إلى تهميش السكّان
السنة. لقد حمّل إيران مسؤولية إنشاء الميليشيات الطائفية
العنيفة التي ترهب السكان السنّة في العراق وسوريا، وأشار
إلى الزعيم الإيراني الأعلى، آية الله علي خامنئي، باعتباره
هتلر الجديد.
لأسباب محلية، تحاول المملكة السعودية بشكل أساسي التخفيف
من إمكانية إعادة إدماج إيران في المجتمع العالمي. لن
يتلاشى النزاع بين البلدين إلا إذا تراجعت حالات عدم اليقين
المحلية أو تلاشت. وقد يكون العالم الآخر ممكناً عندما
تشعر المملكة بالأمن الداخلي وتتحرك نحو حكومة تمثيلية
تحل المشاكل المحلية بتوافق الآراء بدلاً من إلقاء اللوم
على الأعداء الخارجيين بسبب عيوبها.
عن نيويورك تايمز، ٢٣/٤/٢٠١٨
|