ابن سلمان: قتل الناطور ولم يأكل العنب
أراد أن يسحر الغرب بتصريحات جوفاء حول خطته في التحوّل
الوطني متأبطاً رؤيته العمياء لعام 2030، ولكن ما لبث
أن انقشع السحر، وعاد ابن سلمان الى حجمه، أو هكذا وصلته
النصيحة من وكالة بلومبرغ الخبرية والتي طالبته بأن يفّكر،
ويحلم، ويخطط على قدّه، لا أن يتبنى مشاريع طوباوية لا
نصيب لها في الواقع.
هو دون ريب فشل في الخارج، ولا يزال يعالج آثار هذا
الفشل بضربة تارة على المسمار وأخرى على الحافر، وفي الداخل
استنفذ كل خياراته ولم يعد سوى القمع، الوسيلة المحبّبة
للطغاة عبر التاريخ، أداة لضبط سيطرته وإحكام قبضته على
السلطة.
مجلة «نيوزويك» الأميركية خصّصت أكثر من مقالة لقراءة
تجربة ابن سلمان في الحكم في ضوء رؤيته الاقتصادية، والثنائية
المتضاربة بين الانفتاح على الخارج والانغلاق على الداخل.
ففي مقالة للكاتبة رولا جبرئيل في 30 أغسطس الماضي، لفتت
الى اللعبة التي مارسها ابن سلمان في محاولة لاسترضاء
الغرب، حيث تناول طعام الغداء مع الملكة اليزابيث في زيارته
الأخيرة لبريطانيا، وكانت التغطية الصحفية متوهجة، وقد
وصفته الديلي تلغراف بـ (إنه ثوري)! وقد أحب المحافظون
البريطانيون اقتراح ابن سلمان خصخصة أرامكو السعودية،
وإدراجها في بورصة لندن - وهو دعم جيد للاقتصاد البريطاني
المتدهور.
بعدها كان ابن سلمان ضيف الرئيس ترامب، وقام بجولة
شملت ولايات عديدة إضافة الى زيارة وادي السيليكون، والتقى
نخبة من نجوم هوليوود، بما في ذلك أوبرا وينفري وإيلون
موسك ومدراء جوجل.
لكن المملكة السعودية لا تستطيع البقاء إلى الأبد على
دبلوماسية دفتر الشيكات في الخارج، ورفاهية الحكومة في
الداخل. أدى مرسوم يسمح للنساء بقيادة السيارات، إلى تعزيز
صورته الدولية كمصلح. وكان اعتقال 12 من أقاربه ووزرائه
في نوفمبر الماضي بتهمة الفساد والسرقة، قد تم تسويقها
على أنها وسيلة لتطهير الدولة من الفساد.
أراد ابن سلمان أن يمحو صورة بلاده منذ أحداث 11 سبتمبر
والتي تورّط فيها 15 من أصل 19 انتحارياً سعودياً. وقد
أفاد تقرير الكونغرس الصادر في العام 2016 والذي رفعت
عنه السرية - والذي عمل السعوديون إلى أبعد الحدود من
أجل حجبه - بأن الإرهابيين قد يكونوا تلقّوا دعما من أفراد
على صلة بالحكومة السعودية، كما أن برقية من وزيرة الخارجية
آنذاك، هيلاري كلينتون، قالت: «هناك تحدٍ مستمر من أجل
إقناع المسؤولين السعوديين بإدراج تمويل الإرهاب المنبثق
عن المملكة السعودية كأولوية استراتيجية». وتتمثل الأولوية
الإستراتيجية التي يضعها ولي العهد في دفن هذه الرواية.
تجنّب ابن سلمان الملابس الملكية التقليدية خلال معظم
جولته في الولايات المتحدة، بل وارتدى الجينز لمقابلة
المدير التنفيذي فيسبوك مارك زكربرج. لكن أمام كل الاحتفالية
الاعلامية التي رافقت جولة ابن سلمان كان هناك ملف حاضر
بقوة لم يستطع فريقه اخفاءه. فقد فشل المسؤولون في التعليق
على حقيقة أن المملكة السعودية تسجن النساء، مثل سمر بدوي
ونسيمة السادة، اللواتي كن يقمن بحملات من أجل الحق في
قيادة السيارة، وعشرات الناشطات الأخريات في مجال الحقوق
المدنية. كما لم يعلّقوا على الكارثة الإنسانية التي سبّبتها
حربه في اليمن، أو يعلقوا على انفاق ولي العهد مئات الملايين
من الدولارات على مقتنياته الشخصية، وكيف تتناسب مع روايته
للإصلاح الاقتصادي المسؤول. بحسب الاستاذة الجامعية مضاوي
الرشيد «لقد استخدم السعوديون جميع مواردهم. وخنقوا أي
دافع ديمقراطي في العالم العربي». اما بالنسبة لكل الضجة
الإصلاحية، فإن إبن سلمان يقود نظاماً استبدادياً دون
منازع.
لقد اعتقلت نهى البلوي، وهي ناشطة نشرت مقاطع فيديو
تعارض تطبيع العلاقات السعودية مع إسرائيل. ودعا ممثلو
الإدّعاء السعوديين إلى قطع رأس امرأة متظاهرة أخرى تدافع
عن حقوق الإنسان، وهي إسراء الغمغام، بسبب مشاركتها في
احتجاجات سلمية. تمّ حبسها لمدة 32 شهراً دون السماح لها
بالإتصال بمحامٍ. في هذه الأثناء، لا يزال الدعاة الذين
يبشّرون بإطروحات راديكالية تدعو الى قتل المسلمين الشيعة،
والمسيحيين، واليهود في مواقع نافذة، وما زالت الإيديولوجية
الوهابية المتشددة التي غذت التطرف في العالم الإسلامي
تمثل مصدراً رئيسياً للأفكار التبشيرية السعودية.
تقول الاستاذة مضاوي الرشيد: «إن الديمقراطية ليست
على جدول أعمال ولي العهد. في الواقع، إنه يجسّد الثورة
المضادة التي أخمدت الشعلة الديمقراطية خلال الربيع العربي.
لقد تحرّك هو ورجاله دون هوادة لإعادة تنشيط نظام إقليمي
استبدادي بالرياض بأيديولوجيته الوهابية».
الاستثمار في العلاقات العامة أفضى الى صعود إبن سلمان.
وبحلول العام 2016، كانت السعودية توظّف 10 شركات ضغط
تدفع لها ما يقدّر مجموعه بـ 1.3 مليون دولار في الشهر.
كينغ آند سبالدينج، تعمل على تخفيف قانون (جاستا). أيضا
تمّ التعاقد ضمنياً على عقد بقيمة 90 الف دولار مع مجموعة
كابيتول ميديا، وهي الشركة التي عملت في
العديد من الحملات الإعلامية ضد الإسلام، من خلال عقد
آخر من قِبل كورفيس، لجلب العشرات من المحاربين القدامى
الأمريكيين إلى الكابيتول هيل للتحدث ضد جاستا.
في زيارة ابن سلمان إلى لندن، وضعت لوحات الإعلانات
وإعلانات الصحف على صفحة كاملة في محاولة لشراء النفوذ.
كشف “مكتب الصحافة الاستقصائية” أن شركة كونسولت، مملوكة
لديبلوماسي بريطاني كبير يعمل لحساب السعودية. كما ساعدت
الشركة الأم لشركة كامبريدج أناليتيكا، SCL Group، فريق
ابن سلمان في التعرّف على فئات من المجتمع السعودي التي
من المحتمل أن تنهض ضد إصلاحاته. لقد تصاعدت وتيرة عمل
العلاقات العامة كلما أصبحت الظروف الداخلية أكثر قمعية.
ثم هناك حرب اليمن التي أودت بحياة آلاف المدنيين،
وأصابت أكثر من مليون شخص بالكوليرا، ووضعت 18 مليون شخص
على شفا المجاعة. وعلى الرغم من خلق أكبر كارثة إنسانية
من صنع الإنسان في العالم، فشل السعوديون في فرض إرادتهم
في ساحة المعركة.
ووفقا لتحقيقات وكالة أسوشيتد برس، أبرمت الرياض والإمارات
بإبرام صفقة سرية مع مقاتلي القاعدة في اليمن، يتم بموجبها
السماح لهم بالإنسحاب مع الأسلحة والمعدات ونحو 100 مليون
دولار من الأموال المنهوبة. وقد تمّ تجنيد العديد من هؤلاء
المقاتلين مباشرة في قوات التحالف السعودي، وهو الاتفاق
الذي عزّز أخطر فرع من الشبكة المتطرفة التي نفّذت هجمات
11 سبتمبر. الحرب الكارثية - وصفقات الأسلحة المشبوهة
- جعلت حتى حلفاء السعودية الثابتين يشعرون بالقلق. صوّت
البرلمان الأوروبي في العام 2016 لفرض حظر على الأسلحة
ضد السعودية.
لا شيء يعطل هذا الهجوم الساحر لابن سلمان في الغرب
الا صور الأطفال اليمنيين الذين قتلوا بسبب صاروخ أمريكي
أطلقته طائرة حربية تابعة للتحالف السعودي.
|