الزرقاوي في قلوب سعوديين (وهابيين)
فارس بن حزام
مضت أيام قليلة على نهاية الزرقاوي، وأثرها سيحسب للكثير،
وما علينا اليوم إلا التوقف عند أجواء هذه الأيام، لنكشف
عن الصورة المخبأة؛ شعبية الزرقاوي في بلادي.
عشنا فترة الزرقاوي أمام فئتين: أولى تعلن إعجابها
المباشر وتشجيعها الضاري له، وثانية تحاول التذاكي بالزعم
أنها معه في «جهاده» ضد المحتل فقط، وتخالفه في استهداف
الأردن، أو التحريض على السعودية.
هؤلاء المنضوون تحت الفئتين كانوا يطلقون آراءهم علانية،
بلا تردد أو وجل. بعضهم عبر خطب الجمعة أو كلمات المساجد
عقب الصلاة، وغيرهم في منتديات الانترنت، وهم معروفون
لأجهزة الأمن.
القصة مع جمهور الزرقاوي لا تنتهى جغرافيتها عند حدود
العراق، بل تبدأ من السعودية وتعود إليها. هؤلاء يعتقدون
أن مجرد «جهاد» المحتل كفيل بالمبايعة والتشجيع، رغم صراحة
طرح معشوقهم بارتباطه الفكري والتنظيمي بـ«قاعدة» بلادي،
وتبنيه لتفجيرات عمّان وأسوأ مشاهد العنف في العراق، تلك
غير المرتبطة بالمحتل، ونضيف أيضاً: التنسيق المستمر بين
«قاعدتي» البلدين.
التنظيمان في البلدين هما في النهاية كيان واحد، أو
شركة لديها عدة فروع عالمية، ومنتج ما - أمريكي مثلاً-
لا يستساغ الاكتفاء بمقاطعته إذا كان يباع في السعودية
ولا يقاطع حين يباع في العراق.
أهل الفئة الأولى يجاهرون في المساجد بتشجيع الزرقاوي،
وبعد تنبيهات عدة، أوقف الكثير منهم، لكن بعضهم انتقل
تلقائياً وتذاكياً إلى صف الفئة الثانية، بزعم أن التأييد
ينحصر في حدود العراق وما لا يمس المدنيين الأبرياء فقط.
وحين تناقش أحداً من الضالعين في محاولة التذاكي هذه،
تجده أمام حيرة من الأجوبة المنتهية بأسئلة من نوع: وما
العمل مع المحتل؟
ما يفعله المتذاكون من انتقائية لمنهج الزرقاوي لا
يطبقونه على واقعنا المحلي حين يتناولون وزير العمل الدكتور
غازي القصيبي، فالأديب نرتبط به كمسؤول حكومي لا علاقة
لنا بأدبه، ويدير عمله بكل احترافية، ومع ذلك نجد جام
غضبهم يصب عليه ويطالبون بإبعاده، مستندين في ذلك إلى
إنتاجه الأدبي، إذن، أين ما طبقوه على الزرقاوي من مسألة
القصيبي؟
المشكلة مع المتعاطفين لا تنتهي، طالما أن أساليب المناورة
متوافرة واللاعبين نشطاء على الساحة. لا أعتقد أننا كنا
في حاجة إلى أن يقتل الزرقاوي كي يخرج هؤلاء ما في جوفهم
مما خبأوه طوال الفترة الماضية. كانوا في السابق لا يرون
في الزرقاوي إلا «مجاهداً صادقاً»، وبعد أن وجه بنادقه
الإعلامية نحو السعودية، لجأوا إلى أساليب المناورة وخرجوا
علينا بالتكتيك المشار إليه سلفاً، لكن النهاية الطبيعية
للزرقاوي أعادتهم إلى ما كانوا عليه، دون أن يتناسوا التذكير
دائماً بأنهم لا يؤيدونه في رأيه تجاه السعودية.
قتل المدنيين في العراق هو بذات القيمة الدينية والإنسانية
في السعودية، وتفجير الأماكن الدينية لا تختلف قيمته بالجغرافية
أيضاً. هذه الحقيقة العلمية لا تأخذ طريقها إلى عقول المتذاكين
وجمهور الزرقاوي في بلادي؛ لأن التعاطي مع معشوقهم من
القلب إلى القلب ولا مكان للعقل فيه.
لو كان الزرقاوي قد اكتفى بتوجيه بندقيته إلى المحتل
الأمريكي لكان هذا مفهوماً، ومستوعباً، ولوقفنا إلى جواره
وضد منتقديه، لكن المحصلة تقول إن الأمريكيين هم الأقل
عدداً في دفتر يومياته في العراق.
كلما قلنا إن المتعاطفين بدأوا ينصرفون من المشهد،
أخرجتهم مستجدات الأحداث بصور جديدة، مما يعني أن الثقة
هي التي عليها أن تنصرف وتترك المكان لصالح الريبة والشكوك،
وأن التراجع الذي يصلنا تجاه تأييد «القاعدة» في بلادي
لا ينبغي أن ينال كل هذه الثقة، فلربما عادت أساليب التذاكي
مجدداً . قلت «ربما»، ولعلي لم أصب، ولكن - هداهم الله
- يدفعوننا إلى الريبة من مناسبة وأخرى، يدفعوننا أكثر
فأكثر إلى عدم الثقة بهم.
الرياض 12/6/2006
|