(شعار حماية السنّة في العراق)
خيارات التدخل السعودي في العراق
د. مضاوي الرشيد
لكل تدخل عسكري صريح ومفضوح شعار يغطي صراحته ويضلل
اهدافه الحقيقية. ومن هذا الباب جاءت تصريحات مستشاري
الأمن السعوديين عن الدور المستقبلي الذي ستلعبه السعودية
في حال انسحاب القوات الامريكية المحتلة للعراق. ترفع
السعودية اليوم شعار (حماية اهل السنة في العراق)، وهو
شعار خلاب جذاب، تحشد خلفه النفوس، وتؤجج اكثر المشاعر
بدائية وهمجية. وهي مشاعر تعد بتأجيج نار فتنة هي بالفعل
قد بدأت والتهبت. رفع هذا الشعار في لحظة خاصة يمر بها
النظام السعودي، ولها علاقة بالداخل السعودي نفسه، وليس
بالوضع السنّي العراقي.
اكثر من اي وقت مضى يشعر النظام السعودي انه بحاجة
الى موقف ينتشله من حالة التشرذم الداخلي، وتململ رعيته
ذات الاكثرية السنية من سياساته الداخلية والاقليمية والعالمية.
داخليا، يمر النظام السعودي بمرحلة تشكك فيها اطياف كثيرة
في مواقفه السياسية، بدءا بقبوله ضمنيا بخطة الولايات
المتحدة لاحتلال العراق، مرورا بقبوله بالموقف المتفرج
على مذابح الفلسطينيين السنّة، التي تقوم بها اسرائيل
بمباركة امريكية، وصولا الى تقويض دعائم المجتمع اللبناني
في مرحلة ما بعد حرب اسرائيل الصيفية.
التململ السعودي الشعبي الداخلي يظهر بوضوح لكل متابع
للسياسة المحلية وتطورها، حيث ان هذه السياسة تطل برأسها
بشكل ملتو ومعوج من خلال انشطار المجتمع السعودي بدعم
النظام ذاته الى فصيلين يتحاربان ويتعاركان في المنتديات
الثقافية والأدبية والحوارات المسماة وطنية. يعلم النظام
ان تصدع الداخل السعودي لن يحله سوى الانخراط في حرب الشعارات،
ونصرة سنّة العراق جزء من استراتيجية نظام يقف حائرا امام
بروز تيارات لم يعد باستطاعته كبح جماحها في الداخل ذاته.
وبما ان كل السياسة محلية، جاءت مقالات المستشار الامني،
او ما يسمى كذلك، لتعد الشعب السعودي بنصرة سنّة العراق
من باب انتشال النظام من مأزقه الحالي. هذا الخطاب يروق
ايضا لقراء الواشنطن بوست، والذي يرسم لهم مأزق العراق
وكأنه سيكون أسوأ بكثير عندما تنسحب القوات الامريكية،
حيث ستدخل السعودية الى حلبة المصارعة بكل ثقلها النفطي
وليس العسكري، اذ لا عسكر لها كما ثبت تاريخيا، ستطفح
بئر النفط وتفيض بمحتوياتها لتغرق السوق وتكسر الاسعار،
وهذا طبعا يروق لمستوردي النفط، وستضرب عدو امريكا الأول
ايران حتى ترتدع، ويتم تحجيمها بعد ان عانت من تضخم الأنا،
ومقابل هذا التضخم ستقوم دولة الخيلاء السعودية بواجبها
الديني تجاه السنّة، تماما كما حددته الولايات المتحدة.
يذكرنا هذا الموقف بموقف سعودي عمره اكثر من نصف قرن،
عندما كانت بريطانيا تتفاوض مع الاردن لسحب جيشها وانهاء
وجودها العسكري في الاردن، حينها هدد ملك السعودية بأنه
سيعود ويطالب بمعان والكرك في حال انهاء هذا الوجود البريطاني.
واليوم تهدد السعودية بالتدخل في العراق في حال خروج
الجيش الامريكي لحماية السنّة، وكأنها تطرح نفسها بديلا
لاحتلال لم يحم السنّة، بل أشعل نار الفتنة بين اطياف
المجتمع العراقي.
ما يهمنا اليوم هو الخيارات السعودية المتاحة لتفعيل
التدخل السريع في العراق تحت شعار (حماية السنّة) ونصرتهم.
لا يوجد في السعودية قوات تدخل سريعة، ولكن فيها من السيولة
كما هو معروف لتدخل عن طريق الـyxorP ـ رابط تحركه من
الرياض بعد ان يتحرك رابط واشنطن ـ الرياض.
اي رابط ستستعمل السعودية في غياب التدخل المباشر؟
فالعمل العسكري السعودي منذ ايام الكابتن وليام شكسبير
ووصولا الى الجنرال شوارتزكوف يظل رهينة هذه الشخصيات،
والتي قد تطغى على فرسان الصحراء في ساحة الوغى، رغم ان
هؤلاء الفرسان يظهرون في الفروسية الاسطورية ما يملأ مجلدات
وموسوعات كبيرة.
هل سيكون الرابط المهيء والمنفذ للتدخل السعودي شيخ
العشيرة الذي يستضاف في الرياض، ويعطر ويبخر ويكسي بالثياب
التقليدية، ويؤتى من الأتاوات ما يجعل باستطاعته تجييش
عشيرته؟ ام هو البعثي المرتد والذي يأتي معطرا مبخرا جاهزا
لحلقات اعلامية وترويج منظم على شاشات الفضائيات السعودية،
والذي يحسب على أهل السنّة والجماعة، من مبدأ البراغماتية،
رغم انه يجمع بين التشيّع والعلمانية، ام هو الشيوعي سابقا
و(المتلبرل) حاليا بعد دروس في اللبرالية درسها بعد احتلال
العراق في مراكز الابحاث الامريكية الحرة، او المسماة
هكذا؟ ام هو عالم دين يصاغ في قالب اشبه ما يكون بقالب
هيئة كبار العلماء السعودية؟ ام انه ناشط اسلامي يستقطب
وينتقى من جوقة حكومة المنطقة الخضراء العراقية، كما يحصل
حاليا للتيارات الحركية السعودية، والتي ترى كفرا بواحا
في كل مكان خارج السعودية، وتغض البصر عن مثله داخل هذه
الحدود؟ واخيرا هل الرابط سيكون أبو حمزة و أبو ذر المهاجرين
اللذين قطعا الأمل في أمّة الاسلام السعودية، بعد ان خدرها
النفط وضللها النظام السعودي؟
سيكون الإختيار صعبا امام هذا الموزاييك المعقد والمتشابك
في مرحلة حصل فيها من التقاطع والتصادم والتشرذم ما يجعل
النظام السعودي في حيرة من أمره.
ليس هناك من شك ان المستشارين سيختارون الأكثر تهيؤا
لقبول التدخل السعودي الموعود، خاصة بعد ان تتم دراستهم
من قبل الدارسين الامريكيين المعروفين. وسيبرز الرابط
المختار قريبا، بل ربما يعلن عنه بشكل مباشر.
ينذر التدخل السعودي الموعود بتفجير المنطقة، ليس العراقية
فقط بل العربية، كلها. ستكون حربا عشوائية لن تستطيع السعودية
ذاتها ان تحمي نفسها منها بجدار او ما شابه ذلك. تعلم
السعودية جيدا ان تداعيات تدخلاتها في دول الجوار بدأت
بافغانستان، حيث لم تستطع ان تستوعب تداعيات المرحلة الافغانية،
ولكنها لا تتعلم دروسا من تاريخها، اما بسبب قصر النظر،
واما بسبب تبنيها للمصلحة الضيقة والتي تحصر ببقاء الملوك
على العروش وتحت حماية ووصاية خارجية، حتى ولو كان هذا
البقاء على حساب شعب كامل يعاني من مشاكل اجتماعية وسياسية
وحتى نفسية من كثر التناقضات التي يعيشها.
لن ينتشل شعار نصرة (سنّة العراق) وتحجيم المد الايراني
الشيعي، النظام السعودي من مأزقه الحالي، ولربما يستطيع
الشعار ان يحل الأزمة في المرحلة الحالية، ولكن في المدى
البعيد ستكون عاقبة تمويل الحرب الاهلية العراقية وخيمة
قد تطيح بأكثر العروش حماية، تماما كما حصل لملوك اوروبا
عندما دخلوا في صراع مرير، ومولوا حروبا دينية راح ضحيتها
من الكاثوليك والبروتستانت ما جعل هؤلاء ينفضون عنهم الوصاية
الملكية التي أججت صراعاتهم العقدية، وغذت حروبا طويلة،
خرجت منها اوروبا بتركيبة تختلف تماما عن نمطها السياسي
الذي عهدته خلال عصورها السابقة.
يقتتل اليوم السني والشيعي في الساحة العراقية وفي
ساحات الانترنت بتغذية ملوك العرب ورؤسائهم، بمعاونة الجيران
القريبين والبعيدين. تدخل السعودية الصريح في حرب العراق
لن يمر بسلام ولن تخرج منه القيادة السعودية منتصرة، اذا
كنا نقرأ التاريخ لنستفيد من دروسه وليس لنمجده ونعيش
على اطلاله. سينغمسون في المستنقع العراقي كما انغمس غيرهم،
وسيخرجون بهزيمة واضحة وصريحة. كذلك لن ينتصر رابطهم مهما
احسنوا الاختيار، اذ ان معطيات الوضع العراقي وافرازات
الاحتلال الامريكي ليست بمستوعبة بعد على صعيد الداخل
السعودي والعربي الاقليمي. افرزت هذه الساحة عنفا معولما
من جهة ومخصخصا من جهة اخرى. تفيض المنطقة بالسلاح الشارد
والذي يجد طريقه الى زنود المغامر والمقامر والمأجور والوطني
الصادق.
المنطقة اليوم انتقلت من مرحلة العنف المركزي والذي
تحتكره الاجهزة العسكرية والاستخباراتية، الى مرحلة العنف
اللامركزي والذي يعبر عن نفسه بطرق مختلفة منها حركات
مقاومة واخرى مرتزقة مأجورة. وبينما يظل العنف المركزي
مدعوما الا انه اثبت عدم جدواه في استيعاب انماط مختلفة
من العنف المخصخص والمستشري في بنية المجتمعات العربية
من محيطها الى خليجها. بعض هذا العنف يدعم، بل يخلق، من
قبل الانظمة ذاتها ليحارب نيابة عنها. هذا الوضع لا يسهل
استيعابه مهما استورد من طائرات واجهزة قمعية، اذ انه
يجد المخبأ الآمن في خلايا المجتمع بتركيبته المعقدة القبلية
والدينية والاثنية. خصخصة هذا العنف افراز مباشر لسياسة
القمع المتبعة من قبل الانظمة بما فيها السعودي، ووعد
السعودية الجديد ما هو الا امتداد لسياسة عمياء وجبانة،
ترفض ان تعترف بهزيمة ليس فقط سياستها الداخلية بل ايضا
سياستها الاقليمية.
تتلون السعودية في مواقفها السياسية حسب الظروف، ولكن
لها ثابتا واحدا متفقا عليه، الا وهو المضي في المشروع
الامريكي من نيكاراغوا الى افغانستان مرورا بالعراق ولبنان.
نتمنى ان يعي سنّة العراق مخاطر الانزلاق في المخطط السعودي
الجديد، فيقرروا ان عدو عدوي ليس دوما صديقي.
عن القدس العربي، 6/12/2006
|