حول الطائفية والأقلية الشيعية في السعودية
(... و في 2007، لم أكن طائفياً)
ما يجب أن يحدث الآن هو أن يلجم المتعقـلون من السنة
والشيعة وحش الطائفية النامي،
وأن يصروا أكثر من أيّ وقتٍ على التعايش
إيمان القويفلي
لاحقا وعندما يسرد الناس تاريخهم في أعوام مُقبلة،
سيتمكن عدد قليل فقط من القول بصدق: (... في عام 2007،
لم أكن طائفياً). قلة من الناس لم تعد متورّطة الآن في
مشاعر ومواقف طائفية. وإن كانت الطائفية العاميـّة ليست
بجديدة، فإن الجديد هو الطائفية النخبوية، بواسطة أشخاصٍ
توصف مواقفهم عادة بأنها منفتحة وتصالحية ومتسامحة، ....إلخ،
لكنهم عندما كتبوا عن الوضع الشيعي - السني الراهن، اختاروا
الكتابة عن إيران الحاليّة مساهمين - ربما عن غير قصد
- في اختصار التشيّع بإيران أحمدي نجاد، وتلبيس الأقليات
الشيعية العربية بطموحات القومية الفارسية، ومتورّطين
حتماً في إذكاء التوتّر الطائفي الكامن بين شيعة وسنة
السعودية، والبحرين، والكويت، وكل الدول التي لا تزال
بعيدة عن الأوضاعٌ من النوع العراقي أو اللبناني.
موجة الكتابات المحذرة من الطموحات الإيرانية تأخرت
كثيراً. كُنا غارقين في بقايا الأحلام من إيران خاتمي،
الـمُسالمة الـمُبهجة كوجه خاتمي، وفي أنشطة التصالح التجاري
والثقافي مع المنتجات الإيرانية، والمعارض السنوية لبضائعها،
والفستق والسجاد والزعفران والسينما والموسيقى وأشياء
أخرى فارسية في غاية الجمال. كانت هدنة رائعة إلى درجة
أنه كان من العَصيّ الانقلاب عليها. وهكذا تأخر الوعي
بالمشروع القيادي الإيراني حتى أصبح الأمر مُعلناً، يُصرّح
به نجاد من فوق المنبر. أما الآن، فالجميع يكتب عن الخطة
الإيرانية، لكن ما يجب الكتابة والاشتغال به الآن قبل
أن يفوت وقته هو توسّع العدوى الطائفية، والتشديد على
التمييز بين إيران وفلولها هنا وهناك، وشيعة الداخل، الذين
هم بتعبير أفضل، (مواطنونا).
لكن كيفَ يمكن إبطال التوتر تجاه شيعة الداخل، إذا
كان الخوض علناً في المسألة الشيعية لا يزال أمراً محرجاً
ويثير الحساسيات، وربما يُحظر؟ وكيف يمكنُ، إذا كانت الكلمات
المقبولة فقط هي التي تتحدث شِعارياً ونموذجياً، لا التي
تبحث في الأمر الواقع؟ وكيفَ يمكنُ، إذا كانت حساسيات
الأقلية الشيعية تتقبّل المواقف المتعاطفة معها كأقلية،
المدافعة عنها كأقلية، لكنها لا تتقبّل بشكلٍ مماثلٍ الانتقادات
لمواقفها وسلوكياتها الجَمعيّة، أيضاً كأقلية؟ تعالوا
أقُل لكم: إن الأمر شبه مستحيل. إن كان الصمت والتجاهل
ومراعاة الحساسيات حامياً جيداً ضد الطائفية قبل سنين،
فهو اليوم إفساحٌ للطريق أمام الريح الآتية من الشمال.
وإذ يبدو الحديث عن إبطال التوتر الطائفي وإنهاء اعتصام
الأقلية الشيعية داخل طائفتها؛ حالماً جداً اليوم، فإنه
ضروري أكثر من أي وقت، لأنهُ بالذات، بات حالما .
خذ مثلاً ضعف الثقة العامّ بولاء المواطنين الشيعة
الذي صرّح بهِ الرئيس مبارك العام الماضي، (الشيعة في
أي مكان من العالم ولاؤهم لإيران). ربما يعود ضعف الثقة
هذا جزئياً إلى زمن محاولات تصدير الثورة الخمينية، لكنه
قد يعود بدرجة أكبر إلى غموض الحالة الشيعية كأقلياتٍ
داخل أكثرية سُنية. مَن هُم؟ كم عددهم؟ هل يختلفون؟ كيف
يختلفون؟ ماذا يحق لهم؟ ماذا لا يحق لهم؟ كيف تختلف حياة
الفرد من الأقلية عن حياة الفرد من الأكثرية؟ وما هي حقوقهما
كمواطنين؟ هذه الأخيرة بدورها راجعة إلى أنهُ ورغم الكلام
الكثير عن التعايش والتعددية وحفظ حقوق الأقليات، لا يجري
بحث تطبيقات هذه القـِيَم واقعياً، ولا ترسيم حدودها حقوقياً.
ما معنى التعددية؟ ما هوَ المجتمع المتعدد؟ ماذا يحق للفئات
المختلفة فيه؟ هل يحق للأكثرية ما لا يحق للأقلية؟ ماذا
يحق وماذا لا يحق؟ وعلى أيّ أساس؟ ماهي حصص الأقليات من
المقاعد الجامعية والدراسات العليا والوظائف والترقيات؟
هذه الأسئلة، بلا إجابات. ويُملأ الفراغ بالخيال. في المخيّلة
السنية الشعبية أن الشيعة ينافسونهم في كلّ مكانٍ بقوة
وينتزعون منهم ما هم أولى به. وفي المخيّلة الشيعية المسكونة
بالاضطهاد أن حقوقها مهضومة أينما كانت. والحقيقة قد توجد
في مكانٍ آخر، ليس هذا ولا ذاك. والحقيقة قد تكون أفضل
مما في هاته المخيلات المشحونة. بالصدفة عرفت أن الدولة
تديرُ قضاء جعفرياً للمواريث والأنكحة، وكنت قبلها أتخيّل
أن الشيعة يلجأون إلى قضاءٍ عُرفي ما، وأن لا قضاء رسميّ
لهم.
وهل مِن مَبحثٍ رصينٍ في وجدان الأقلية الشيعية؟ في
خياراتهم للسكنى والسفر والتواجد والعمل والأنشطة الخيرية
والصداقة والزواج؟ في نظرتهم إلى أنفسهم؟ إلى وجودهم؟
في أفكارهم عن الأكثرية حولهم؟ هل يهتمّ المثقفون من الشيعة
بدراسة ذواتهم وسلوكيات جماعتهم كأقلية؟ خيارات الكُتاب
من الشيعة، إنتاجهم المتاح لي، يشتغل بحقوق الشيعة وبنبرة
مُسايرة لوجدان الطائفة الذي يلح عليه الشعور بالاضطهاد.
لأنّ توجيه العين إلى الذات في أي تكتّلٍ من هذا النمط،
يُستقبلُ كخيانة وخائن. لكنّ إبطال التوتر الطائفي هو
أمرٌ لحسن الحظ، لا يمكن للسنة إنجازه وحدهم. فرضاً، لو
أن الذهنية السنية انفتحت على التعايش إنسانياً مع الشيعة،
وبات من الممكن للعنصر الشيعي أن يسكن في منطقة سنية وأن
يشعر بالراحة فيها، هل لهذا أي معنى ما بقيت الذهنية الشيعية
تحكم أبناءها للتواجد في غيتوهات معزولة، وما بقيت المدن
والمناطق التي يُفترض بها أنها (متعددة مذهبياً)؛ مُنفصلة
واقعياً حسب الأحياء والـمُدن والقرى؟
عندما قـُتلت أطوار بهجت، لـَفتت النظر إلى أنها كانت
مولودة لزواج سُنّي - شيعي. الأمر الذي يبدو غريباً، وربما
منفراً في البداية (بنظرة متعصبة طائفياً)، لكنه بعدَ
الهدوء، واليوم أكثر من أي وقتٍ آخر، يبدو علامة صحيّةً
على زمنٍ جميل مضى، لم تتزاوج فيه الطوائف عندما تزاوجت،
ولكن الناس ابتعدوا بأنفسهم مسافة كبيرة عن الطائفة والطائفية،
بحيث أمكن لهم التزاوج، كأفراد، كمسلمين، كعناصر إنسانية.
الأمر ممكن إذاً. الأمر غير مستحيل. ما يجب أن يحدث الآن
هو أن يلجم المتعقـلون من السنة والشيعة وحش الطائفية
النامي، وأن يصروا أكثر من أيّ وقتٍ على التعايش. كثرة
تحدّثوا عن اللاطائفية زمن السلم، وقلة يتحدّثون الآن،
والآن نحتاج هذا الحديث. من كان لديه كلمة ضد الطائفية
فليقلها الآن، أو ليصمت إلى الأبد.
عن جريدة الوطن، 13/1/2007
|