نظام الشرق الأوسط الجديد
الإنقسام الشيعي السني يتعزز بدعم السعودية
مي يماني
السياسة الجديدة للولايات المتحدة في العراق ضرورية
ليس فقط لإيقاف انزلاق أميركا إلى مستنقع العجز بينما
تحاول منع العراق من السقوط في هوة الحرب الأهلية الشاملة،
بل وأيضاً لأن خريطة القوة في الشرق الأوسط قد تبدلت بصورة
جذرية.
كانت تلك الخريطة تتقلب على نحو متصل طيلة الستين عاماً الماضية، وأثناء هذه الفترة ظلت القوى الرئيسية في المنطقة ـ مصر، والعراق، والمملكة العربية السعودية، وسوريا، وإسرائيل، وإيران ـ تشكل التحالفات ثم تحلها. والآن بدأنا نشهد ما يشبه خط التقسيم، وإذا ما نجح بوش أخيراً في فهم الديناميكية التي تتحرك المنطقة وفقاً لها، فقد يتمكن من صياغة سياسة قد يكون لها حظ من النجاح.
ويتجسد هذا التحول الإقليمي من خلال بروز تحالف فعلي لا يتجاسر أحد على تسميته بصراحة. فقد اجتمع الكيانان الأبعد عن أي احتمال لقيام تحالف بينهما، إسرائيل والمملكة العربية السعودية، على هدف واحد يتلخص في احتواء العدو المشترك: إيران بنفوذها المتنامي في العراق، ولبنان، وفلسطين. إن إيران لا تكتفي بتهديد إسرائيل (والمنطقة) نتيجة لرغبتها الملحة في امتلاك القدرة النووية وبسبب مقاتليها بالوكالة من الشيعة؛ بل إنها تسعى أيضاً إلى اغتصاب الدور التقليدي الذي تلعبه الأنظمة العربية السُـنّية المعتدلة كمدافع عن الفلسطينيين.
فبعد عقود من استغلال القضية الفلسطينية كأداة لحشد وتعزيز التأييد الشعبي لأنظمتهم الفاشلة المستبدة، أصبح هؤلاء الزعماء العرب المعتدلون في موقف الدفاع عن أنفسهم في مواجهة سعي إيران إلى فرض هيمنتها على المنطقة. وإذا ما نجحت إيران في الظهور بمظهر النصير الحقيقي للطموحات الوطنية الفلسطينية، فلسوف تنجح أيضاً في إضفاء الشرعية على مساعيها الرامية إلى فرض هيمنتها على الشرق الأوسط.
أما إسرائيل، الدولة المصدومة في أعقاب فشلها في تدمير حزب الله الصيف الماضي، وبعد أن أهينت نتيجة لتعهد الرئيس الإيراني محمود أحمد نجاد بمحوها من على الخريطة ـ وهو التهديد الذي يتعزز من خلال دعم إيران لحماس وحزب الله ـ فقد أصبحت الآن تتحدث عن (رباعي من المعتدلين) باعتباره الأمل الوحيد للمنطقة. والحقيقة أن إسرائيل ترى الآن أن أمنها لا يعتمد على الضمانات التي تقدمها الولايات المتحدة إليها، بقدر ما يعتمد على قدرة مصر، والأردن، والمملكة العربية السعودية، وتركيا (التي تسعى إلى فرض نفوذها الإقليمي خشية رفضها من قِـبَل الاتحاد الأوروبي) على تقييد إيران ووكلائها. وطبقاً لتصريح نائب رئيس الوزراء الإسرائيلي شيمون بيريز فإن إسرائيل تتمنى عزل واحتواء القوى الشيعية الفارسية من خلال التعاون الخارجي الصريح مع الأنظمة العربية السنية المهيمنة.
ولا تقل المملكة العربية السعودية تلهفاً إلى احتواء التهديد الإيراني والهلال الشيعي المتنامي الذي تحرك باتجاه الغرب، بعد تمكين الشيعة في العراق، لكي يشمل المناطق الشيعية في المملكة. وعلى هذا فليس من المدهش أن يكون النظام السعودي أول من يدين حزب الله الشيعي مع بداية حربه ضد إسرائيل، وليس من الغريب أن يعلن هذا النظام في ديسمبر/كانون الأول الماضي أنه سوف يقدم الدعم للقوات العسكرية السُـنّية في العراق إذا ما تسبب انسحاب الولايات المتحدة على نحو متعجل في اندلاع حرب أهلية بين السُـنّة والشيعة في العراق.
إن تهديد الشيعة للحكومة السعودية تهديد إيديولوجي. والحقيقة أن هذا التهديد يمتد إلى قلب سلطة الدولة السعودية، بسبب اعتماد أسرة آل سعود المالكة على الإسلام الوهابي لإضفاء الشرعية على حكمها. وحيث أن الوهابيين يعتبرون الشيعة مرتدين عن دين الإسلام، فإن التحدي المتمثل في الشيعة ـ داخل المملكة العربية السعودية وخارجها ـ يشكل تهديداً مهلكاً.
وعلى هذا فإن المملكة العربية السعودية على استعداد للتعاون مع إسرائيل، ليس فقط في مواجهة إيران، بل وأيضاً في مواجهة جهات 'متطرفةب أخرى مثل حماس. ومن الجدير بالملاحظة أن رئيس وزراء حماس إسماعيل هنية لم يُسْـتَقبل في المملكة العربية السعودية أثناء زيارته لبلدان المنطقة ملتمساً الدعم لحكومته المحاصرة. إن المملكة العربية السعودية المحافظة تفضل التعامل مع الزعماء التقليديين الذين يمكن التنبؤ بتوجهاتهم، مثل الرئيس الفلسطيني محمود عباس، ورئيس الوزراء اللبناني فؤاد السنيورة، على التعامل مع الزعامات المتشددة مثل حسن نصر الله زعيم حزب الله، وخالد مشعل زعيم حماس، وأحمدي نجاد زعيم إيران.
في العام الماضي قرر ملك السعودية عبد الله، بسبب انزعاجه من التوسع الشيعي، وبإقناع من الأمير بندر بن سلطان رئيس مجلس الأمن الوطني السعودي، اللجوء إلى التنسيق السياسي مع إسرائيل بهدف مقاومة النفوذ الإيراني المتنامي في المنطقة. ذلك أن إسرائيل تشكل بالنسبة للسعودية 'عدواً جديراً بالثقةب، بعد نجاحها في تدمير جيش عبد الناصر المصري في العام 1967 ـ في الوقت الذي كانت فيه المملكة العربية السعودية تقاتل مصر بالوكالة في اليمن. وعلى هذا فقد التقى الأمير تركي الفيصل مدير الاستخبارات السعودية برئيس الموساد الإسرائيلي مائير داجان، بينما التقى الأمير بندر برئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت في الأردن في نفس الشهر.
إلا أن الدعم المستتر الذي تقدمه إسرائيل، والولايات المتحدة، والمملكة العربية السعودية إلى عباس والسنيورة لا يشكل عوناً كبيراً لهذين الرئيسين فيما يتصل بمعاركهما الداخلية. فمن المغرب، والجزائر، وليبيا، والسودان إلى البحرين واليمن ـ بل وفي كافة أنحاء العالم الإسلامي من جاكرتا إلى نيجيريا ـ تمكن المتطرفون من الفوز بشعبية كبيرة. ففي استطلاع حديث للآراء في مصر جاء نصر الله ومشعل وأحمدي نجاد على رأس أكثر الشخصيات شعبية في المنطقة. وهذا يقودنا إلى معضلة لا مفر منها: فلسوف يكون لزاماً على بوش أن يختار بين دعم الديمقراطية وبين مساندة هؤلاء الراغبين في مقاومة التطرف الإسلامي.
مع هذا فإن إسرائيل وأميركا والأنظمة المعتدلة في المنطقة تستطيع أن تستفيد من الانقسام المتعمق في العالم العربي الإسلامي. والحقيقة أن هذا الانقسام يتعزز بسبب الدعم السعودي لكل المسلمين السُـنّة في المنطقة. ولقد أصبح حس 'التضامن السُـنّيب يشكل العامل الحاسم في الحرب من أجل إحياء روح الإسلام، والنضال من أجل الفوز بالسيادة في الشرق الأوسط.
الخليج الإماراتية، 11/1/2007
|