السعودية وبريطانيا: من يبتز الآخر؟
نجحت الأسرة الحاكمة السعودية في استخدام عضلاتها المالية
بشكل كبير، وتوجيه ضربة قاتلة الي حكم القانون، والقضاء
المستقل في بريطانيا، عندما اجبرت الحكومة البريطانية،
ورئيسها توني بلير علي وجه التحديد، علي ايقاف التحقيقات
في عمولات صفقة طائرات تورنيدو التي وصفت حين توقيعها،
قبل عشرين عاما، بانها صفقة القرن بسبب ضخامة قيمتها (45
مليار جنيه استرليني) وكثرة عدد السماسرة المتورطين فيها.
انها عملية ابتزاز بكل المقاييس كانت الحقيقة ابرز
ضحاياها جنباً الي جنب مع سمعة القضاء البريطاني، والقيم
الديمقراطية الغربية، ومسألة الفصل بين السلطات التي تحتل
قمتها، وتشكل اسس نجاح المجتمع الغربي وتقدمه.
الحكومة البريطانية ابتزت المملكة العربية السعودية،
وأسرتها الحاكمة، عندما أوعزت للجنة مكافحة الفساد بفتح
تحقيقات في صفقة اليمامة وعمولاتها، لإجبارها على شراء
اسلحة وطائرات بريطانية توفر وظائف لأكثر من خمسين الف
بريطاني.
السعوديون ابتزوا الحكومة البريطانية ايضا، عندما ادركوا
مدي ضعف رئيسها توني بلير، وحاجته الي المضي قدماً في
صفقة الطائرات الجديدة، والحفاظ علي علاقات التحالف مع
السعودية لإنقاذ مشروعه الفاشل والكارثي في العراق اولا،
والاستناد اليها كنواة في التحالف السني الجديد الذي تعمل
حاليا علي تأسيسه، للتصدي للبرنامج النووي الايراني، وتوفير
غطاء عربي واسلامي لأي ضربة قادمة لتدميره اذا اقتضى الأمر.
ضحية هذين الابتزازين هما الشعبان السعودي والبريطاني
اولا، والأمتان العربية والاسلامية ثانيا. وقيم العدالة
والاخلاق ثالثا. وسمعة بريطانيا كقلعة للديمقراطية والشفافية
والحريات والقضاء المستقل رابعاً.
الحكومة البريطانية الحالية فقدت مصداقيتها كحكومة
ديموقراطية، عندما قدمت المصالح التجارية علي حكم القانون،
والقيم الاخلاقية، وهي لا تستطيع بعد اليوم ان تلقي على
العرب والمسلمين، والعالم الثالث بشكل عام، دروسا ومحاضرات
في الديمقراطية وحقوق الانسان ومكافحة الفساد.
نشعر بالحزن والأسى، لأمرين اساسيين، الاول هو عدم
قدرتنا على لترويج للنموذج الغربي في العدالة والقضاء
المستقل والفصل بين السلطات وانتقاد الأنظمة الديكتاتورية
العربية التي تقمع الحريات وتحول القضاء الي مسخرة بتدخلاتها
الاستفزازية. والأمر الثاني اننا كعرب اصبحنا رمزا للفساد
والإفساد في العالم. بل بتنا نصدر هذا الفساد الى العوالم
الاخرى، بدلا من تقديم نموذج في العدالة والشفافية والاصلاح
والمساواة والتوزيع العادل للثروة، وهي من صميم قيمنا
واساس عقيدتنا الاسلامية.
عبد الباري عطوان
القدس العربي، 16/12/2006
|