حكام مصر والسعودية والاردن
هؤلاء المعتدلون متعصبون ومعذبون وقتلة
د. مي يماني
نشرت صحيفة الجارديان في السادس من فبراير مقالاً للباحثة
الحجازية الدكتورة مي يماني جاء فيه:
يتبنى السياسيون، وخصوصاً في أوقات الانسداد الجيوبوليتيكي،
كلمة أو مفهوماً لتسويقه للرأي العام. في العام 1973،
وفي ذروة توترات الحرب الباردة، صاغ وزير الخارجية الأميركي
الأسبق هنرى كيسنجر مصطلح (detente) أي تنفيس التوتر بين
الخصوم. كلمات كهذه حظيت بأهمية وأصبحت أدوات سياسية ناجعة
للهروب من مآزق السياسة. وفيما ينتقل الشرق الاوسط من
أزمة الى أخرى، يعيد توني بلير وجورج بوش وكونداليزا رايس
بصورة مفاجئة كلمة (معتدلين) لتوصيف حلفائهم في المنطقة.
ولكن مفهوم الإعتدال هو مجرد محاولة متأخرة لتسويق السياسة
الفاشلة، فيما تعرض حماية سطحية ضد إتهامات الخوف من الاسلام
(إسلاموفوبيا) والسياسات المناهضة للاسلام.
لقد اختار القادة الغربيون ببساطة قلة من الحكام العرب
الذين يعتقدون بأنهم مازال بالإمكان تسويقهم الى الرأي
العام الغربي. وفيما يتم تكرار كلمة (معتدل) من قبل القادة
الغربيين، وتلقى صدى في الاعلام الدولي، بدأ هؤلاء الحكام
بالاعتقاد أنهم كذلك. ولكن من هم هؤلاء، وهل هم فعلاً
معتدلون؟ إن اختيارهم كان سائلاً في الطرف ولكنه جامد
في المركز. وفيما تتأهل، وبوضوح، كل من السعودية والاردن
ومصر، فإن سوريا، الحليف خلال حرب الخليج 1990ـ 91، كانت
ذات مرة على الطرف ولكنها تشعر بأنها خارج دائرة المصالح
الاميركية بعد الحادي عشر من سبتمبر. وبالمثل، بعد موت
عرفات وانتصار حماس، فإن حركة فتح أصبحت معتدلة، بينما
إيران، المعتدلة تحت حكم الشاه، أصبحت (راديكالية) بعد
الثورة الاسلامية العام 1979.
هذا النوع من التسويق السياسي قد يؤتي ثماره بصورة
جيدة في الغرب، ولكنه عكس ذلك تماماً في العالم العربي،
حيث أن إزدواجية المعايير والتضليل بادية للعيان. فالسعوديون
الوهابيون هم متعصبون وأن حسني مبارك غير متسامح مع المعارضين،
والاردن، الدولة المقرّبة من النموذج الغربي، هي لاعب
هامشي. وأن سجل هذه الدول في مجال حقوق الانسان يفتقر
الى الشفافية، وأن القمع يضعهم بين الدول الأقل اعتدالاً
في العالم. فهل هناك ما يسمى (قطع رأس معتدل)؟. بالنسبة
لحكومتي الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، فإن من الواضح
كذلك، لأن منطلقات مثل الديمقراطية الليبرالية والعدالة
الاجتماعية متجذرة في (التقليد). وعليه فإن الرشاوى، وقطع
الرؤوس، واضطهاد المرأة والاقليات هي تقليدية، وكل ماهو
تقليدي ليس راديكالياً، ولابد أن يكون معتدلاً.
لاشي، كما يبدو، أكثر اعتدالاً من القصور الذاتي. ولذلك
فإن القصور يبرر نفسه. فقد تلقت مصر معدل 1.3 مليار دولار
سنوياً كمساعدة عسكرية من الولايات المتحدة منذ العام
1979، و815 مليون دولار سنوياً كمساعدة اقتصادية. وتعتمد
السعودية على المداخيل النفطية والشرعية الدولية التي
تحصل عليها من خلال عضويتها في واجهات معتدلة مثل منظمة
التجارة العالمية وصندوق النقد الدولي.
ولكن في الداخل، فإن كافة علامات الاعتدال تغدو مفقودة.
تصف منظمة العفو الدولية السعودية كبلد حيث (لا توجد أحزاب
سياسي، ولا انتخابات، ولا سلطة تشريعية مستقلة، ولا اتحادات
نقابية.. ولا سلطة قضائية مستقلة، ولا منظمات حقوق إنسان
مستقلة. ولاتسمح الحكومة لمنظمات حقوق الانسان الدولية
للقيام بالتحقيق في أوضاع حقوق الانسان في البلاد..وهناك
رقابة صارمة على وسائل الاعلام داخل البلاد، وسيطرة صارمة
على الانترنت، والتلفزيون الفضائي وأشكال أخرى من الاتصالات
في العالم الخارجي).
ونفس الشيء يقال عن تقرير منظمة هيومان رايتس وواتش
عن مصر، حيث يصف التقرير حكومة مبارك بأنها تستعمل (قبضة
صارمة ضد المعارضة السياسية في العام 2006. وفي أبريل
2006، فإن الحكومة جدّدت العمل بنظام الطوارىء لسنتين
قادمتين، بما يؤسس لقاعدة مستمرة للاعتقال والمحاكمات
العشوائية أمام المحاكمات العسكرية والامنية. ويبقى التعذيب
على أيدي قوات الامن مشكلة خطيرة). تقرير منظمة العفو
الدولية حول مصر يؤكد على أن (التعذيب مازال مستمراً بصورة
منظمة في مراكز الاعتقال..وأن عدداً كبيراً من الناس ماتوا
خلال فترة الاحتجاز في ظروف تفيد بأن التعذيب أو سوء الظروف
داخل مراكز الاعتقال قد تكون تسببت أوساهمت في موتهم).
استخدام كلمة 'معتدل' لوصف قادة هذه الدول ضروري للتغطية
على موت 'أجندة الحريةب الخاصة ببوش في الشرق الأوسط،
بالنظر الى الهدف المتغرطس لدمقرطة المنطقة. وفي واقع
الأمر، فإن زيارة رايس الى مصر في يناير الماضي ركّزت
على كلمة معتدل وتجاهلت بصورة كاملة كلمة ديمقراطية.
المعتدلون ليسوا ديمقراطيون، لكنهم نافعون سياسيا لأنهم
ليسوا فُرسا وليسوا شيعة وليسوا جريئين ولا يمكنهم التحرك
باستقلالية عن الولايات المتحدة. إنهم معتدلون فقط لأنهم
ليسوا بحاجة لأن يكونوا أكثر راديكالية لحيازة سلطة مطلقة.
فمبارك يمارسها، وآل سعود راضون بالمستوى الحالي للتعصب
في المملكة. بعضهم جهاديو الأريكة، ولكن إسلاميتهم تخدم
فحسب دعم مشروعيتهم الداخلية.
ما يحتاجه المعتدلون هو غطاء مالي وعسكري غربي مستمر،
كيما يبقوا راسخي الايمان أيديولوجياً. فإذا كانت الشيوعية
عدو الولايات المتحدة، فإنها كانت عدوهم. وإذا كان شاه
ايران عدو أميركا اليوم، فإنه أيضاً عدو حلفاء أميركا
المعتدلين.
إن العلاقة مع الغرب هي طريق بمسارين. يستثمر السعوديون
في الولايات المتحدة، ويشترون الاسلحة التي لا يحتاجونها
أو لا يستطيعون استعمالها، ويوفّرون سوقاً ناجحاً للبضائع
الغربية. ولكن، مثل مبارك، فإن الحكام السعوديين كبار
في السن وفي موقع الدفاع ضد شعبهم. فكلما قامت الولايات
المتحدة بحمايتهم، كلما تعرّضت شرعيتهم للتآكل. وطالما
أن واشنطن ولندن تطيلان أمد حالة الانكار بدعم من الكلمات
البليغة والغامضة، يصبح الشرق الاوسط أكثر قابلية للانفجار.
|