الحضور السعودي الزائد في حفلات النار الإرهابية
من أرسل شباب السعودية الى لبنان؟
مشاري الذايدي
45 شاباً سعودياً يقاتلون مع تنظيم (فتح الإسلام) الإرهابي
في مخيم نهر البارد، قتل منهم حتى الآن 23 شاباً، ودفنوا
في قبر جماعي، ذلك ما قاله مسؤول سر منظمة التحرير الفلسطينية
في لبنان. ما الذي أتى بهؤلاء الى أقصى الشمال اللبناني؟!
ما الذي (حشرَ أنوفَهم) في تعقيدات لعبة الشطرنج اللبنانية؟!
ماذا يهمهم في صراعات 14 آذار مع المعارضة اللبنانية بقيادة
حزب الله؟ هل أصبح الشباب السعودي (حطباً) جاهزا للاستخدام
في كل نار تشتعل هنا او هناك؟ هل هؤلاء الشاب ضحايا أم
جناة؟! أم انهم ضحايا وجناة في الوقت نفسه؟ الأكيد ان
(أغلبهم) وليس كلهم سذجاً يصدقون بسرعة، وينفذون بسرعة،
وينسون بسرعة، لكن ما هي الماكينة التي تنتجهم؟ ومن يشغِّلها؟
ومن يجري لها عمليات الصيانة كلما اوشكت على التوقف او
التلف!؟
أطرح هذه الاسئلة، وأنا ادرك تماماً ان هناك من المتطفلين
الاصوليين على قضايا غيرهم، كثير من غير السعوديين، يكفي
ان نتذكر الأردني الزرقاوي والمصري حمزة المهاجر، والسوري
أبا مصعب، والمغربي كريم المجاطي في السعودية، أعرف هذا،
ولكنه لا ينفي ان هناك حضورا زائدا للعنصر السعودي في
حفلات النار الارهابية في كل مكان.. ألم يكن 15 من اصل
19 نفذوا (كارثة) 11 سبتمبر من السعوديين؟ وفي العراق،
ألسنا نسمع كل يوم ـ تقريبا ـ عن سعودي شارك مع (القاعدة)
او هو يُحاكم لتهم قاعدية او هو مسجون بسبب ارتباطه بالعمل
الاصولي العسكري!؟
لا يجوز ان نتغاضى عن كل هذه الحقائق او نتجاهلها..
هناك (مشكلة) تجعل من الميسور تجنيد هؤلاء الشبان السعوديين
والزج بهم في كل مشاكل العالم، طبعا بعد وضع الدمغة الاصولية
عليها، وتحويل كل ازمة سياسية في العالم الى (بدر) جديدة،
تتطلب رجالا يبايعون على الموت، وهم كثر، يحبون الموت
حبَّ الاعداء للحياة، كما تقوله العبارة الشاعرية الشهيرة.
ألم يخرج بعض شيوخ الدين في السعودية ويقولوا صراحة
ان بن لادن (مجتهد مخطئ)، هكذا بكل رقة ونعومة! وكأن هذا
(البنلادن) لم يحرق العالم الاسلامي ويرجعه قرونا الى
الوراء، فوق رجوعه الاصلي. ألم يكن بن لادن لدى كثير من
(الدعاة) وأهل الخير، عقب غزوة مانهاتن ينظر اليه باعتباره
أمير المجاهدين وصلاح الدين الجديد، ولم تهدأ هذه العاصفة
الوحشية من المشاعر الا بعدما وجه بن لادن قنابله الى
السعودية، واصبح تلاميذه يهدددون باقامة إمارتهم ويصرحون
بتكفير الدولة، حينها، فقط، (تراجعت) مشاعر التأييد لزعيم
(القاعدة)، ولا اقول تلاشت!
ان الحيرة التي تصيب الجميع في مواجهة (القاعدة) وايقاف
التفريخ لشبانها، مردها الى ان العلاج المطلوب لشوكة الفكر
القاعدي، هو علاج جذري وحساس، ومكلف، وربما لا يوجد المال
العاطفي والسياسي والاجتماعي الكافي للانفاق على هذا العلاج..
تلك هي الحقيقة المؤسفة، وتلك هي الحقيقة التي طالما كررت
وقيلت منذ ان انشقت الارض عن شياطين (القاعدة).
الآن، كل ارض هي مسرح لـ (القاعدة)، وآخر مسرح هو لندن.
لن ينفع ان يخرج لنا البعض ليقولوا انكم (تضخمون) الاشياء،
وان هؤلاء الشباب شرذمة قليلون، وان الامر كله تحت السيطرة،
وان المشكلة محدودة، طبعا هذا اذا اقروا من الاساس بأن
ثمة مشكلة. هناك حالة التفاف وهروب من الرؤية، عبر تكتيك
اثارة الغبار الوهمي، وإلهاء المجتمع والرأي العام بمعارك
وهمية كاذبة. في السعودية، وبقدرة قادر، صارت أزمة المجتمع
الحقيقية هي وجود علمانيين يريدون ان يجعلوا السعودية
بلا إسلام، وان هناك من يريد ان يجعل من المرأة سلعة رخيصة
للشهوة والفجور.. وهكذا في تبسيط غير بريء، والهاء متعمد،
يمضي النافخون في بوق الغبار، ولا يتوقفون، الا بعدما
يأتي حدث ارهابي ضخم يوقظ الجميع من الغفوة، لكن سرعان
ما تعود حليمة لعادتها القديمة، ويستأنف هذا المسلسل الممل
الضار، والعنيد.
والحق انه لم يطالب أحد ممن يعتد به من اهل الرأي في
السعودية بعلمنة البلد، هذه اكذوبة، جل ما طلبه بعض المثقفين
والكتاب، بل وحتى من هم من اهل الفقه والعلم الديني، هو
اعادة النظر في بعض الشروط الدينية والاجتماعية، وفتح
الأفق الاجتماعي، وتخليص التنمية من التسييس الديني، والعبور
الى المستقبل من دون وجل أو خوف، وقبل هذا وبعد هذا كله،
طلب صغير ومتواضع: اضمنوا لنا ان شبان السعودية لن يكونوا
حطبا في نار الارهاب العالمي. هل هذا كثير؟
بالنسبة لكل بريء وعفوي هو طلب ضروري ومصيري، وليس
فقط انه كثير او غير كثير، ولكنه بالنسبة الى من هو مستفيد
من بقاء الامور الاجتماعية والدينية كما هي، يعتبر مطلبا
خطيرا ومهددا لأنه يعني انقشاع سحاب الهيمنة والوصاية
باسم الفضيلة والغيرة الدينية على سائر الناس. ربما كان
هذا الامر مقبولا، وهو غير مقبول على كل حال، في زمن ما
قبل الارهاب، اما وقد اصبح المثل القائل (في كل عرس قرص)
يكاد ينطبق علينا، فهنا يجب ان تحدث وقفة صدق مع النفس.
حينما يقال هذا الكلام، فإنه يقال من منطلق الحب والحرص
على حماية البلد وأمنه، من زلازل السياسة وعواصف الارهاب
التي تضرب هنا وهناك، وليس من باب التشفي، معاذ الله،
بل لأن الأمور وصلت الى حد يُعتبر فيها السكوت او المجاملة
نوعا من انواع المشاركة في الجريمة. السعودية عملاق كبير،
لكن هناك من يريد الغاء هذه الجوانب من الصورة المشرقة،
وان لا يعرف العالم من السعودية الا صورة بعض الشبان الجاهزين
للاستخدام الارهابي، تارة من قاعدة الزرقاوي في العراق
وتارة من قاعدة العبسي في لبنان.
منْ اجل ذلك نقول: من يحفظ هؤلاء الشباب؟ ومَنْ يستردُّ
عقولهم قبل أجسادهم، حتى لا نُفاجأ بدفعة أخرى منهم، في
مكان ما من العالم.
الشرق الأوسط، 3/7/2007
|