معاقبةالضحية
د. مي يماني
في مقالة أثارت ردود فعل واسعة في الأوساط السياسية
والإعلامية في بريطانيا والولايات المتحدة، كتبت الباحثة
الأنثـروبولوجية الحجازية الدكتورة مي يماني، مقالاً في
صحيفة الجارديان البريطانية في السادس والعشرين من نوفمبر
الماضي وفيما يلي نصها:
إن الوجه المشّع للسعودية بوصفها الحليف الأكثر إعتدالاً
في الشرق الأوسط العربي قد بدأ مجدداً بالتشوّه، وهذه
المرة بفعل المصير البائس لضحية عصابة إغتصاب تبلغ من
العمر 19 عاماً. الفتاة، من القطيف، المنطقة الشيعية المهمّشة،
حكم عليها بـ 200 جلدة والسجن لمدة ستة شهور، فيما تم
طرد محاميها من المحكمة، وسحبت رخصته، ويواجه الآن دعوى
تأديبية مسجّلة ضده من القضاة الوهابيين.
وبالرغم من الإستياء الشديد المحلي والدولي ضد المعاملة
القضائية السعودية للضحية، فإن وزارة العدل أكّدت الحكم
على قاعدة أن (الفتاة من القطيف) كانت في سيارة مع رجل
غير محرم قبل الهجوم عليها ـ وهي في حالة (خلوة غير شرعية)
بين الجنسين، والتي تضطلع الشرطة الدينية السعودية بالرقابة
عليها بصورة إستحواذية.
حاصل القضية، المستهجن والمتعارض حتى مع وجهة نظر الشريعة
الإسلامية، يعتبر فريداً من نوعه. فالنظام القضائي السعودي
يفرض سيطرته على كل أشكال العقوبة الجسدية. ومن أجل تثقيف
الجمهور الذكوري، فإن الزناة من الذكور يتعرّضون بصورة
روتينية للجلد، أما الزانيات فيتعرّضون للرجم حتى الموت،
وبالنسبة للزناة المحصنين، ومهربي المخدّرات، والمثليين
فإن العقوبة تتم بقطع الرأس، أما اللصوص فبقطع الأيدي
في الساحات العامة على طول المملكة بعد صلاة الجمعة.
ولكن الأشخاص السبعة الذي قاموا باغتصاب (فتاة القطيف)
لم يردعوا، فيما شاب خائب الأمل، وشعب محبط كان مذعوراً
الى حد كبير بفعل الإنغماس المفرط في العنف المفروض من
قبل الدولة. أما بالنسبة لإحراج السلطات ـ القضاة الوهابيون
والملكية المطلقة ـ فإن هذه القضية الخاصة لم تكسبهم شيئاً
سوى الدعاية السلبية.
بطبيعة الحال، فإن الإعلام المحلي كان صامتاً تقريباً
حيال هذه القضية، بانتظار أمر من وزير الداخلية القوي.
ولكن قنوات التلفزيون الفضائي قد بثّت آخر التطورات، فيما
كانت شبكة الانترنت منغمسة في المناظرات غير المسبوقة
وتعبيرات الغضب، والعار، والألم، واليأس، والسخرية.
المواقع الوهابية على شبكة الإنترنت أدانت الفتاة ومحاميها
لكشفهما الغطاء عن الشؤون الداخلية السعودية للعالم الخارجي.
وقد عبّر كثير من السعوديين غير الوهابيين عن العار، حيث
أن هذه القضية متّصلة بشرف إمرأة، بوصفه من الموضوعات
المحرّمة. فمثل هذه المشاعر كانت على وجه الخصوص ثاقبة
لدى الشيعة، الذين يواجهون تمييزاً منظّماً.
القضية كشفت أيضاً إحساساً واسعاً من عدم الإكتراث
والعجز. ويعتقد كثير من السعوديين بان النظام لم يكن جاهزاً
للإصلاح، وأن لا ضغط خارجي سيحسّن من ممارسة النظام العشوائية
للسلطة. وبوجه خاص، فإن المناظرات أمعنت النظر في حقيقة
كون المجتمع الدولي، من الولايات المتحدة الى روسيا، مهتّماً
الى درجة كبيرة في عقد الصفقات مع النظام أكثر من إهتمامه
بإدانة انتهاكاته لحقوق الإنسان.
ولكن المناظرات التي جرت على شبكة الإنترنت كشفت بأن
بإمكان القضية أن تولّد مزيداً من الضغط الداخلي من أجل
التغيير. فقد بدأ الإصلاحيون بنقلها كدليل على فساد النظام
القضائي، وبالنسبة لأولئك الذين تم إعتقالهم في السابق
على خلفية الكلام قد كسبوا الآن زخماً جديداً في مواجهة
المؤسسة الدينية.
وقد وعد الملك عبد الله بإصلاح النظام القضائي في أكتوبر
الماضي. وكلما طال أمد إنتظاره، كلما سيزيد في تشويه صورة
الحداثة والإعتدال للسعودية، والتي تصاغ بدهاء حذر.
|