أين السعوديّة من مستقبل العلاقات اللبنانيّة ـ السوريّة؟
إبراهيم الأمين
غير بعيد جداً عن الأضواء، يدور نقاش حول مستقبل العلاقات
اللبنانية ـ السورية. والأكيد أن الكل يعتقد بأن وصول
العماد ميشال سليمان من شأنه المساعدة في إعادة وصل ما
انقطع في العلاقات الرسمية بين البلدين، وأن العلاقة الجيدة
التي تربطه بالرئيس السوري بشار الأسد سوف تساعد أكثر
على ترتيب هذه العلاقات، ومن ثم إعادة الاعتبار إلى التعاون
الذي كان موجوداً في بعض القطاعات. وإذا كان في فريق الأكثرية
من لا يعجبه الأمر ربما بأمور كثيرة، بينها ملف جريمة
اغتيال الرئيس رفيق الحريري، فإن الممثل الرسمي لهذا الفريق
في السلطة، أي رئيس الحكومة فؤاد السنيورة، يدرك أن دوراً
كبيراً ينتظره على هذا الصعيد. وهو يعرف وقد تلقى من الرسائل
ما يكفيه ليعرف أنه مرحّب به في سوريا كرئيس للحكومة لا
لشخصه الكريم. وذلك ربطاً بالخلاف السياسي القائم بين
فريقه وبين دمشق من جهة، وبالخلاف السعودي مع سوريا من
جهة ثانية، وخصوصاً أن زوّار الرياض والملك عبد الله لا
يسمعون ما يشجع على استعادة علاقات طبيعة مع دمشق، بل
يسمعون الكلام الذي ينتهي الى أخذ الحيطة والحذر مع قدر
أعلى من العنف اللفظي الذي يمارسه مقربون من الملك ومسؤولون
في المملكة، من الذين يحمّلون سوريا مسؤولية أشياء كثيرة،
من بينها مقتل الحريري وتوسّع نفوذ إيران في لبنان والمنطقة،
وتحريض فئات فلسطينية على السعودية ودول عربية أخرى، واعتماد
علاقات مع دول خليجية ترى السعودية أنها يجب أن تتم عبرها
إضافة الى أمور تتخذ الطابع الشخصي.
لكن السعودية التي تتصرف بأنها خسرت الكثير في لبنان
خلال الفترة الماضية، لا يمكنها بعد الآن أن تفرض السياسة
العامة للدولة اللبنانية، وإذا كان رئيس الجمهورية، كما
القوى المعارضة، يأخذون بالاعتبار النفوذ القوي للمملكة
في لبنان، فإن واقع الحال يشي بتطورات من النوع الذي ستهضمه
السعودية على مضض، لأن مستقبل العلاقات اللبنانية ـ السورية
بات يتحكم بمصير ملفات كثيرة تخص لبنان داخلياً وخارجياً،
سياسياً وأمنياً واقتصادياً. إلا أن الرياض تريد من حلفائها
أن يصمدوا أكثر خلال السنة الباقية أمام ولاية المجلس
النيابي الحالي، لترتيب الأمور بطريقة مختلفة. وترد في
هذا السياق عودة بعض (الميامين) في فريق 14 آذار إلى الحديث
عن (متغيّرات إقليمية كبرى آتية خلال أشهر قليلة)، من
دون أن يضطر السامع الى طرح المزيد من الأسئلة، ويتابع
هؤلاء: (سوف تتعرض إيران كما سوريا لضربة عسكرية كبيرة
من شأنها تبديل كل المعطيات، وأول الانعكاسات سوف تكون
في لبنان ثم فلسطين، فالعراق).
وبعيداً عن القراءات والمعطيات التي تدفع البعض الى
الرهان على أمر من هذا النوع، وعلى حقيقة ما سوف تقوم
به الولايات المتحدة الاميركية في ما بقي من ولاية إدارتها
الحالية، فإن البحث في مستقبل العلاقات بين بيروت ودمشق،
سينطلق من باريس الأسبوع المقبل، حيث سيلتقي الرئيسان
سليمان والأسد على هامش مشاركتهما في قمة الاتحاد بدعوة
من الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي، وسوف يمهد الاتصال
الأول هذا الى لقاءات وزيارات متبادلة، قبل أن تشرع الحكومة
اللبنانية ومعها الحكومة السورية في وضع تصورات بشأن مستقبل
العلاقات، من ملف العلاقات الدبلوماسية الى مصير المجلس
الأعلى اللبناني ـ السوري الى المعاهدة المشتركة ومتفرعاتها
من اتفاقات اقتصادية وأمنية ومالية، وصولاً إلى الملف
الأمني ـ السياسي المتصل بالحدود، الذي يحاول فريق 14
آذار في بيروت كما الولايات المتحدة الاميركية وإسرائيل
أن يجعلوه أولوية من خلال طرح ملف ترسيم الحدود بين البلدين،
واعتماد إجراءات أمنية خاصة بقصد منع كل أنواع التهريب
التي تهمّ الغرب من زاوية ما يصل من سلاح عبر الحدود مع
سوريا الى المقاومة في لبنان.
في الشق الدبلوماسي، يبدو أن سوريا أخذت قراراً واضحاً
بأنها على استعداد عملي لإقامة علاقات دبلوماسية، وفتح
سفارة لها في بيروت كما فتح سفارة للبنان في دمشق، لكن
الأمر سيكون ثمرة تفاهمات تتجاوز هذا الجانب الشكلي، وإن
كان بمقدور سوريا أن تعمد بسبب وجود عشرات الألوف من مواطنيها
في لبنان، الى فتح عدة قنصليات تهتم بأمورهم، كما تهتم
بالجانب التجاري بين البلدين، وتنتشر هذه القنصليات في
عدد غير قليل من المدن اللبنانية، وبالطبع سوف يخرج في
بيروت من يعتبر السفارة وأي مكتب تمثيلي آخر وأي مكتب
قنصلي بمثابة مركز أمني هدفه القيام بأنشطة سياسية وأمنية
لمصلحة سوريا وحلفائها في لبنان، وسوف تكثر الروايات والخبريات
حتى قبل أن تختار سوريا ممثّليها في لبنان.
وفي الشق الاقتصادي، سيكتشف اللبنانيون أن مطلب مراجعة
ما تم من اتفاقات قد لا يكون بمعظمه في مصلحتهم، وخصوصاً
إذا ما جرى تطبيق مبدأ التعامل بالمثل، لأن سوريا تشكل
الآن مورداً لكل أنواع التجارة الموازية، وهو أمر يحصل
منذ سنوات بعيدة، وسوف يؤثر كما الإجراءات الحدودية على
مستوى معيشة نحو نصف مليون لبناني يعيشون فعلياً من سلة
استهلاك تتم وفق السوق السورية لا وفق معايير السوق اللبنانية،
برغم أن الأسعار في سوريا بدأت رحلة الارتفاع التي سوف
تجعلها في وقت ما قريبة جداً الى أسعار بيروت.
أما الملف الأخطر، فهو المتصل بترسيم الحدود. وإذا
كان في لبنان من يرى أن وثيقة سورية لترسيم الحدود عند
النقاط الجنوبية الشرقية المتاخمة لفلسطين المحتلة من
شأنها تسهيل حصول لبنان على مزارع شبعا المحتلة، فإن هذا
الفريق يعلم أن الإصرار الغربي ليس هدفه الحصول على وثيقة
سورية لتأكيد لبنانية مزارع شبعا، بل توريط سوريا في جعل
حدودها مع فلسطين المحتلة تكون رهن الخط الذي رسمه الاستعمار
الفرنسي والبريطاني عام 1923 والذي يحرم سوريا مساحة من
الأراضي التي كانت تحت سيطرتها عندما حصل عدوان عام 1967
والتي كانت تجعلها شريكة في مياه بحيرة طبريا. علماً بأن
الجانب الآخر من الأمر يهدف الى نشر شرطة دولية تهتم لأمر
مراقبة الحدود بغية إيجاد آلية لمحاصرة المقاومة في لبنان...
وفي هذه النقطة ثمة أفكار وطموحات غير واقعية عند أحد
لا في لبنان ولا خارجه. لكننا سنستمع إلى قدر عال من الصراخ!
عن الأخبار اللبنانية، 9/7/08
|