ماذا تبقى من مساجد المدينة المنورة؟
د. هتون أجواد الفاسي
لا أدري ما هو سبب سكوت وزارة الأوقاف أو الشؤون الإسلامية
أو البلدية أو غيرها عمن يقوم بعمليات هدم وإزالة بين
المساجد التاريخية في المدينة المنورة. فكتب التاريخ لا
تورد لنا شيئاً من هذا، لكن التاريخ المعاصر يثبت أن مساجد
صدر الإسلام آخذة في الاختفاء والتناقص شيئاً فشيئاً دون
أن نسمع تعليقاً أو إشارة مما يؤدي إلى وضع المسلمين أمام
أمر واقع بإزالة المعمار الإسلامي الأول واستبداله بآخر
مرمري لامع، أو بإحدى ناطحات السحاب أو بإحدى المصارف
الحديثة أو بشارع مسفلت فحسب. والحدث الجديد والذي لا
أدري كم مضى عليه من الزمن هو إزالة ستة من المساجد السبعة
التي بنيت على مواقع صلى فيها الرسول صلى الله عليه وسلم
وصحابته أثناء غزوة الخندق ولم يُستبق منها إلا مسجد الفتح
وهو مسجد مهمل حالياً على تلة تطل على الخندق وجبل سلع
الذي تحول إلى مسجد ضخم فاخر ابتلع المنطقة كلها. هل هذا
هو التطور والتحديث الذي نسعى إليه؟
إن هذه المساجد هي إما مساجد بناها النبي (ص) وصلى
فيها كمسجد قباء والمسجد النبوي ومسجد الفضيخ، أو هي مساجد
صلى في موضعها واتخذها الصحابة رضي الله عنهم مساجد كمسجد
الإجابة وبني أنيف وبني حرام وبني دينار وبني ظفر والجمعة
ودار سعد بن خيثمة والسجدة والشيخين وعتبان بن مالك والعصبة
والميقات وغيرها، ومنها مساجد بناها الصحابة وكانوا يصلون
فيها فجاء إليهم الرسول (ص) في مسجدهم كمسجد القبلتين
الذي كان مسجد بني سلمة ومسجد بنو حارثة أو المستراح.
ومنها مساجد صلى النبي وأصحابه في موضعها لكن لم يبن عليه
مسجد إلى أن جاء عمر بن عبدالعزيز فقام ببنائها في الأماكن
التي صلى فيها النبي (ص) كمسجد الراية ومشربة أم ابراهيم
والسقيا وبني قريظة والفسح والغمامة أو المصلى ومسجد أبي
بكر الصديق وعمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب وبني دينار
والمساجد السبعة، وجدد الأخرى خلال ولايته على المدينة
المنورة بين عامي 87-93 هـ. وهو ما عرف بالبناء العمري
ثم قام السلاطين العثمانيون بتجديدها وترميمها في عصور
مختلفة.
وقصة مساجد الفتح التي أزيلت حديثاً مرتبطة بغزوة الخندق
أو غزوة الأحزاب التي أصاب المسلمون فيها شدة كبيرة. وتقع
المساجد السبعة على سفح جبل سلع وصلى عليه الصلاة والسلام
في الساحة المعروفة بالمساجد السبعة أثناء الغزوة، وكان
يدعو فيها على الكفار حتى جاءته البشرى بالفتح في اليوم
الثالث. هذه المساجد بخلاف واحد منها قد هدمت وأزيلت.
وهو ما نتوقف عنده بعلامة استفهام كبيرة حول المسؤولين
والغرض من القضاء على آثار خير البشر واستبدالها بما هو
دون ذلك. فالآثار سواء كانت دينية أو غير دينية هي حق
للأجيال وللشعوب وللإنسانية وليست من حق فئة محدودة من
البشر لا سيما إن كنا نتحدث عن آثار إسلامية ملكيتها تعود
إلى العالم الإسلامي وليس من حقنا كأقلية مكلفين على رعايتها
في الوقت الحاضر أن نتصرف فيها بالتدمير أو الإزالة مهما
كانت الأسباب.
* موقع العربية، 15/7/08
|