السعودية: العنف ضد المرأة
د. مضاوي الرشيد
تزايد حالات العنف الأسري الذي تتعرض له النساء في
السعودية بدأ يطرح نفسه كمشكلة اجتماعية وسياسية بالدرجة
الأولى مرتبطة بتحولات خطيرة على مستوى الفرد والأسرة
والمجتمع وعلاقته بالدولة وأجهزتها الصحية والأمنية. في
أواخر الثمانينات أجريت دراسات عالمية مقارنة لظاهرة العنف
ضد النساء في تسعين بلدا.
ووجد الباحث ديفيد ليغينسون ان 6 مجتمعات من بينها
مجتمعات عربية تعد فيها ظاهرة العنف تجاه المرأة حالة
نادرة مما جعله يستنتج ان حالة العنف هذه مرتبطة بتطورات
اجتماعية وسياسية وليس من طبيعة المجتمعات الفطرية والتي
تؤدي الى تفشي ظاهرة العنف وعدم ضبطها. وتوصل الى استنتاج
يثبت ان المجتمعات البدوية تكاد تنعدم فيها حالات الاغتصاب
والعنف الأسري على عكس المجتمعات الأخرى وخاصة تلك التي
تكثر فيها نسبة سكان المدن الحديثة والتي تتفشى فيها ظاهرة
عدم المساواة بين الرجل والمرأة وانعدام الاستقلالية للنساء.
كذلك نستطيع ان نربط حالة العنف وظاهرتها المتزايدة
في بشلد كالسعودية الى محاولة الذكور لاستعادة شيء من
ذكوريتهم التي بددتها الدولة.
ولا يمكن فهم تفشي الاعتداء على النساء في الأسرة او
خارجها في بلد كالسعودية الا اذا اخذنا بعين الاعتبار
حالة القمع التي يتعرض لها الرجال امام اجهزة الدولة والاهانات
المتكررة وحالة التهميش التي تطالهم. وهم بذلك يفقدون
القدرة على مقاومة التهميش وفقدان الذكورية المعنوية ويحاولون
التعويض عن ذلك من خلال العنف الممارس على الكائنات الضعيفة
في المجتمع كالمرأة او العمالة المهاجرة وخاصة النساء
اللواتي يتعرضن لعمليات اغتصاب جماعية من قبل الشباب والرجال.
وتبدو حالات العنف هذه كمحاولة لاسترداد بعض من مفاهيم
القوة المرتبطة بالعنف الهمجي تجاه العنصر الضعيف بغياب
القدرة على مواجهة مصدر القمع المركزي في الدولة وأجهزتها
الكثيرة والمناط بها مهمة استسلام الفرد للقهر الجماعي
المركز والآتي من الاجهزة الأمنية والثقافية والدينية.
وكلها أذرع للدولة هدفها مسح قدرة الفرد على المواجهة
او التمرد او حتى التملص من قبضة آلة القمع المادية والمعنوية.
حالة تدجين الذكور في المجتمع السعودي قد خلقت تبعيات
نفسية وظواهر اجتماعية فريدة من أهمها تفشي استعمال المخدرات
والكحول في شرائح اجتماعية كبيرة لا تقتصر على اماكن الفقر
والعوز بل تطال الطبقات الوسطى والثرية حيث الكل ينغمس
في حالة هروب من الضغط النفسي الذي تولده مرحلة القهر
والاحباط التي يتعرض لها كل من يدخل الحيز العام من الشارع
الى مراكز التعليم والعمل.
حالة القهر هذه تبدو وكأنها ترافقها ظاهرة العنف ضد
المرأة التي بدأت تتفشى بشكل غريب في مجتمع لم يكن يعرفها
في السابق وبالفعل تكاد تكون هذه الظاهرة شبه معدومة حسب
احصاءات فترات سبقت الثمانينات من القرن المنصرم. ويخطئ
من يعتقد ان سبب بروز ظاهرة العنف هذه مرتبط بالعولمة
او الفضائيات التي تروج لمشاهد لم يكن المجتمع متعوداً
على التعاطي معها واستهلاكها.
ولم تصدر حتى هذه اللحظة اي دراسة اجتماعية تقر وبشكل
واضح وصريح ارتباط العنف ضد المرأة بالفضائيات او عصر
العولمة. ولكن هناك ادانة صريحة للدور الذي تلعبه العوامل
السياسية والاقتصادية والنفسية في تصعيد وتيرة العنف الأسري
وخاصة الموجه ضد المرأة بالذات. وتعتبر ظاهرة العنف ضد
المرأة المختبر الواضح والصريح الذي يدل الباحث على مدى
القهر العام الذي يتعرض له المجتمع وخاصة المرتبط بالأجهزة
المركزية للدولة والتي لا تكتفي بالقمع الواضح والصريح
بل ايضاً تلجأ الى عنف رمزي يمارس ثقافياً واجتماعياً
ودينياً على شرائح المجتمع المختلفة والمتباينة.
هذا القهر بشقيه الواضح والرمزي المعنوي يولد حالة
نفسية متأزمة وتراكمية عند الرجل اولاً والمرأة ثانياً
خاصة ان الأول هو المتلقي لهذا القهر بالدرجة الأولى بسبب
انخراطه في العمل والتعاطي مع مؤسسات الدولة على عكس المرأة
والتي حتى هذه اللحظة لم تحصل على تمثيل نفسها امام الدولة
وربما في تلك الاقصائية بعض المنفعة حيث لا تتعرض مباشرة
للقمع المركز ولكنها تصبح عرضة له عندما تتلقاه من خلال
الرجل في بيتها سواء كان أباً ام أخا ام ولداً ام قريباً
مسؤولاً عنها.
وبالاضافة الى العنصر الأول المسؤول عن تدجين الرجل
والمرتبط بالممارسة السياسية العامة للدولة نجد ان اسباب
تفشي ظاهرة العنف مرتبطة ايضاً بتحولات اجتماعية سريعة
وغير مسبوقة تعرض لها المجتمع السعودي. اهمها ازدياد نسبة
التعليم النسائي وخروج النساء ولو باعداد قليلة الى العمل
خارج المنزل.
وهذا التطور ولو انه في بدايته الا انه قد افرز عدم
طمأنينة على الادوار التقليدية التي حددها المجتمع للمرأة
كأم او زوجة. وبذلك انهارت القيم المرتبطة بالذكورة والأنوثة
والادوار المتوقعة من اصحابها وبانهيار الأدوار السابقة
وظهور انماط جديدة من التصرفات السلوكية التي جعلت من
بعض النساء مسؤولات عن اعانة الأسرة والصرف المادي عليها
إما بسبب تخلف الرجل عن مسؤوليته او بطالته او حتى هروبه
من مسؤوليات اعالة الأسرة بسبب زواج ثان او ثالث. نجد
ان الأسرة وعصبية الأسرة الكبيرة قد تفككت وانهارت وفقدت
المرأة قدرتها على الاعتماد على عائلتها الكبيرة من اجل
السند او العون في مجتمعات مدنية تسكن المدينة واحياءها
المتناثرة والمتباعدة.
لقد وجدت المرأة نفسها وحيدة في زواج ربما هي اختارته
رغم معارضة اهلها او بموافقة مسبقة ولكنها فقدت مع التطور
الاجتماعي تلك الحلقات التي كانت في السابق تحميها كالقبيلة
او الحي او حلقة اقارب آخرين. وفي نفس الوقت فشلت الدولة
في توفير المؤسسات المستقلة التي تستطيع ان تحمي المرأة
في حالة تقلص دور المؤسسات التقليدية المرتبطة بالعائلة
والقبيلة او الحمولة وغيرها.
يستفرد الرجل بالمرأة في حنايا نواة الأسرة الصغيرة
وهو يعلم ان قدرتها على اللجوء الى اجهزة الدولة محدودة
اما بسبب غيابها او بسبب تعطيل عملها او عدم فعاليتها
او بسبب كونها ما زالت مؤسسات تلوم المرأة الضحية ذاتها
مما يجعل الكثير من النساء يترددن قبل اللجوء الى مثل
هذه الأجهزة ناهيك عن حالة الصمت والتكتم التي تلجأ اليها
المرأة مجبرة وتحت ضغط الخوف من معاقبة المجتمع والدولة
ان هي صرحت بالعنف الموجه ضدها وخاصة انها تصبح بعد هذا
التصريح إما منبوذة من قبل اسرتها او مهمشة او حتى متهمة
تخضع للمحاسبة والعقاب رغم انها تكون هي الضحية.
وعندما لجأت بعض النساء الى اجهزة الدولة بعد تعرضهن
لحالات عنف رهيبة نجد انهن لم يجدن سوى نساء الدولة اللواتي
يستغللن قضاياهن ويسخرن معاناتهن في سبيل اجندة تتجاوز
البعد الانساني. وقد سمحت الدولة السعودية لمثل هذه الحالات
بالظهور الاعلامي.
وتبنت بعض حالات العنف ضد المرأة للدفاع عن حقوقهن
من اجل كسب بعض الرصيد عالمياً وداخلياً. فتحول الدولة
من سبب مسؤول عن تفشي حالة العنف الى مصدر يحمي النساء
اللاتي يتعرضن له من قبل افراد الأسرة او المجتمع. وهذا
بالفعل ما حصل خلال السنوات السابقة عندما تعرضت اعلامية
سعودية مشهورة للعنف من قبل زوجها او بعض حالات الاغتصاب
الجماعية التي حصلت وما زالت تحصل في ازقة وبيوت المدن
السعودية المكتظة بالسكان.
ومن السهل اتهام العمالة الخارجية وتسليط الغضب عليها
في مثل هذه الحالات ولكن التحقيقات التي تحصل تثبت ان
معظمها تصدر من قبل المواطنين وليس الاجانب. ان حالة الضغط
النفسي الذي يتولد نتيجة عملية التدجين الجماعية التي
يتعرض لها الرجال وتقلص فرص الظهور على مسرح الحياة العامة
وخاصة انها محتكرة من قبل حلقات ولاء مرتبطة بالدولة ناهيك
عن مسرحيات الاهانة التي يتعرض لها الرجل في كثير من المجالات
العامة وآخرها ملاسنات الامراء واتهاماتهم واهاناتهم لعامة
الشعب على الملأ تجعل من الرجل السعودي حالة مزرية مهانة
فاقدة للرجولة بمعناها العريض الشامل فلا يجد فاقد الشيء
الا التعويض عنه بسلوك عنيف عله بذلك يسترد بعض ما سلبته
منه دولته اولاً وثانياً التغييرات الاجتماعية السريعة
التي حصلت خلال العقود الماضية القليلة.
وبغياب المؤسسات المستقلة المعنية بالعنف الأسري ونقصد
هنا البعيدة عن العمل الخيري الذي تتصدره الاميرات السعوديات
لأنهن بشكل او بآخر يعتبرن امتداداً لأجهزة الدولة الذكورية
او فرعها النسائي مما يجعلهن غير قادرات على التعاطي مع
مشكلة اجتماعية بدأت ملامحها تظهر بشكل واضح وتنزر بافرازات
خطيرة ستعاني منها اجيال مستقبلية تتجاوز المرحلة الحالية.
هناك جيل جديد يتربى في محيط تغيب عنه صورة الأب حيث ان
الكثير من اطفال السعودية ينشأون ويتربون في بيوت بلا
أب لأن الأب قرر تأسيس عائلتين او اكثر. وبعضهم يصبح شاهداً
على معارك أسرية تذهب ضحيتها الكثير من الأمهات. هذه المشاهد
المتوترة والعنيفة تتحول الى دروس في العنف ويصبح الرجل
العنيف والذي يحل الخلافات بالضرب المبرح المدرس الأول
لأبناء قادمين ويدخل المجتمع في حلقة مفرغة وطويلة تذهب
ضحيتها الكثير من النساء والبنات والأطفال.
ليس عمل المرأة خارج المنزل هو المحور المدمر للجيل
الجديد كما يدعي البعض، بل هو الأب الغائب لأن الكثير
من الأمهات يبقين مرتبطات بالأسرة حتى ولو كان العمل يتطلب
الغياب عن المنزل لفترات طويلة. اما الأب العنيف والأخ
الأعنف فأثره السيئ قد فصلناه في السطور السابقة.
لقد فشلت الدولة السعودية بمشاريعها التنموية في رسم
سياسة اجتماعية متكاملة وليس بالمدن الصناعية تنشأ الأمم
فقط وتربى الأجيال القادمة وليت الدولة تصرف على مشاريع
ترميم وبناء المجتمع بدءا بالأسرة اولاً كما تصرف على
مشاريع التسلح العقيمة او آلة القمع المتطورة، ان افلات
الرجل من قبضة السلطة وقمعها المباشر وقهرها غير المباشر
هو بدء مرحلة التعاطي مع معضلة العنف ضد المرأة.
|